حوار خاص مع الباحث والمفكر حسن أبو هنية حول متلازمة طهران وجهاد طروادة

  • تأثير حرب غزة على التخادم بين إيران والقاعدة
  • جدلية التقارب بين تنظيم القاعدة وإيران في ظل الخلافات الأيدلوجية
  • لماذا وصل مصطفى حامد إلى هذا الحد من الإفلاس الأيدلوجي؟
  • هل يعي أتباع تنظيم القاعدة تورطهم في جهاد طروادة؟
  • ماهو دور متلازمة طهران في تفكيك القاعدة؟

مع استمرار الحرب الحالية في قطاع غزة، تتابع كتابات مصطفى حامد، مؤرخ القاعدة، المقيم في طهران مع صهره سيف العدل، الزعيم الفعلي للقاعدة، للترويج للمشروع الإيراني، ففي الأول من يناير نشر على حسابه بمنصة إكس سلسلة تغريدات بعنوان “اتركوهم .. لكن بهدوء” يهاجم الجناح السياسي لحماس ويدعو لإبعادها عن الصراع لتتسلمه إيران وميليشياتها الشيعية، في محاولة لتبرير تخلي المحور الإيراني عن نصرة حماس رغم التحالف المعلن بين الطرفين، ومحاولة طهران استغلال الأزمة وفقًا لمفهوم جهاد طروادة.

وهو المعنى الذي كرره بطرق مختلفة في مقالاته الأخيرة بموقعه “مافا الإيراني”، إذ دعا صراحة لتسليم الراية لميليشيات الحوثي التابعة لإيران والسيطرة على البحر الأحمر ومهاجمة الدول العربية بحجة حمايتها من الإسرائيليين والغرب!

ولمزيد من إلقاء الضوء على علاقة مصطفى حامد وصهره بإيران أجرت “أخبار الآن” مقابلة مع الباحث في الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، للحديث عن الخلافات والنقاشات الدائرة داخل تنظيم القاعدة حول العلاقة مع إيران، وتأثيرات هذه العلاقة ومحاولة طهران تسخير التنظيم لتحقيق أهدافها فيما يُعرف بـ”جهاد طروادة“، واستغلال وجود سيف العدل، في طهران، مع صهره، وتأثر الاثنين بالأيديولوجيا الإيرانية فيما أطلق عليه إعلاميًا “متلازمة طهران”.

تأثير حرب غزة على التخادم بين إيران والقاعدة

السوال الأول: إن رعاية إيران لتنظيم القاعدة أصبحت الآن حقيقة لا يمكن إنكارها، ولا يزال زعيمه الفعلي سيف العدل تحت السيطرة الإيرانية، ومن ناحية أخرى، أصبح منظّره مصطفى حامد أكثر انفتاحاً بشأن اقتراحه بتوحيد الجهاديين السُنّة لتشكيل نوع جديد من الجهاد العالمي تحت راية ثورة الخميني. ومن المفترض أن كل هذا من أجل تحرير القدس. ومع ذلك، عندما هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تخلت عنها إيران بسرعة. ما هي الدروس التي يستخلصها الجهاديون المؤيدون لتنظيم القاعدة من هذه التطورات؟

الجواب: أكد أبو هنية أنه بعد عملية السابع من أكتوبر التي قادتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس على مستوطنات ومعسكرات غلاف غزة، أثير السؤال مرة أخرى داخل تنظيم القاعدة حول العلاقة بإيران لأننا شاهدنا أن هناك تأييداً من الفروع بشكل عام، والتنظيم المركزي عبر شبكة السحاب أصدر بيانات تأييد لما تقوم به كتائب القسام، لكن هذا أيضا كشف عن جانب آخر من علاقة القاعدة بإيران.

وأضاف “نعلم بأنه منذ مقتل زعيم القاعدة الراحل أيمن الظواهري كان ثمة خلاف كبير مع إيران وحتى في حقبة أسامة بن لادن، كان ثمة علاقة لكنه نوع من التحالف الموضوعي وكانت تمر بمراحل مختلفة؛ أحيانا يصبح هناك نوع من التقارب وأحيانا نوع من الصدام”.

وتابع “لكن في حقبة سيف العدل، والمرجح أنه تم تعيينه خلفا للظواهري كما أشارت تقارير الأمم المتحدة والولايات المتحدة، يبدو أن العلاقة بدأت تتسم أكثر بالثقة مع وجود أبو الوليد مصطفى حامد القيادي الجهادي المعروف، ونعلم أن سيف العدل له علاقة وطيدة بمصطفى حامد فهو متزوج من ابنته أسماء، وبالتالي يبدو أن عملية السابع من أكتوبر زادت من النقاش حول زيادة التعاون في مواجهة عدو مشترك متمثل بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ولا ننسى أن أيديولوجيا القاعدة قامت على مواجهة العدو البعيد، وكما أعلن منذ عام 1998 عن تشكيل الجبهة العالمية لقتال “اليهود والصليبيين” يعني إسرائيل والولايات المتحدة، وأعتقد أنه مؤخراً وبعد الحرب في غزة بدأت هذه الأمور تتطور”.

إيران

النقاشات الداخلية حول العلاقة مع إيران

السؤال الثاني: ما نوع المناقشات الداخلية التي تلاحظها بين أنصار القاعدة فيما يتعلق برعاية إيران لسيف العدل؟ كصحفيين، عندما ننظر إلى كتابات مصطفى حامد، نلاحظ تشربه لإيديولوجية الخميني. كيف ينبغي تفسير هذا التحول؟

الجواب: سيف العدل يختلف عن الظواهري من ناحية التكوين لا يعد مُنظّرًا شرعيًا، لكنه مفكر عملياتي وقائد استراتيجي، وبالتالي مع وجوده خلال هذه الفترة في إيران نسج بالتأكيد علاقات أكثر ثقة مع إيران حول هذا التحالف المتعلق بمواجهة عدو مشترك، سواء كانت الولايات أو إسرائيل ومن يعتبرهم حلفاء في المنطقة.

يضيف أبو هنية “لذلك شاهدنا أن هناك توجها نحو إنشاء هذا التحالف ليس فقط على الصعيد الفكري ولكن أيضا على الصعيد العملياتي، يعني إذا نظرنا إلى فروع القاعدة مثل اليمن، وهو مركز مهم يتواجد فيه الحوثيون، سنجد أن التعاون يبدو أنه ازداد مع وجود خالد نجل سيف العدل، وبدأت الأمور تتجه إلى دعم التوجه الذي يقيم نوع من التحالف مع إيران، وتحديدا عدم مواجهة جماعة الحوثي، ثم بعد ذلك توجيه ضربات للولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إسرائيل وحلفائهما في المنطقة وخصوصا الإمارات والسعودية”.

وبالتالي بدأنا نرى نوعا من الدعم الكبير والتعاون، وهناك أيضا حتى في خراسان نعلم أنه سيف العدل يتنقل الآن بين إيران وأفغانستان، وهذا أمر مؤكد وبالتالي ثمة وجود.

ويؤكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن المعضلة الأساسية هي أن هناك خلافات داخل القاعدة فكثير من القيادات لديهم تحفظ على هذه العلاقة على خلفية الخلاف الأيديولوجي؛ فإيران تنتمي إلى الفضاء الشيعي بينما القاعدة تنظيم سني، وهذه هي كانت إحدى الاعتراضات الكبيرة حول طبيعة هذه العلاقة بشكل أو بآخر.

ولكن يبدو الآن مع عملية السابع من أكتوبر شاهدنا نوعا من التقبل وإن كانت فروع القاعدة مختلفة في ذلك، فبعضها مرتبط أكثر بأجندة محلية كمجموعة نصرة الإسلام في مالي والساحل، وحتى جماعة الشباب تذهب باتجاه العدو القريب ولا تميل إلى تنفيذ عمليات ضد الغرب واليهود وإسرائيل بشكل عام في المنطقة.

وبالتالي ثمة نوع من الخلافات داخل تنظيم القاعدة حول طبيعة العلاقة مع إيران، لكن سيف العدل وكذلك أبو الوليد المصري يؤيدون نسج علاقات أقوى مع هذا التحالف، الذي يسمى بـ”محور المقاومة”، وبالتالي نسج علاقات مع جميع الأطراف سواء في اليمن أو سوريا.

جهاد طروادة

يقول أبو هنية “شاهدنا محاولات بهذا الصدد عندما كان سيف العدل يقود “لجنة حطين” وأنشأ مجموعة “حراس الدين” التابعة للقاعدة وكان يذهب نحو تجنب المواجهة مع الشيعة، وفي التوجيهات الجهادية التي أصدرها أيمن الظواهري قبل وفاته كان يتحدث عن عدم استهداف إيران، حتى لو كان ثمة خلاف أيديولوجي، والتركيز على العدو البعيد المتمثل بالولايات المتحدة وإسرائيل”.

وبعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، أصبحت هناك إمكانية أكبر للتواصل الميداني العملياتي وليس على صعيد التنظير الفكري فقط، وبالتالي هذه البيانات الصادرة من الفروع، وكذلك من مركز القاعدة بتأييد حركة حماس تشير إلى أننا قد ندخل في مرحلة أكبر، فاليمن دخلت في هذا السياق، حتى في سوريا بقايا القاعدة حراس الدين تذهب بهذا الاتجاه، وحتى القيادة في خراسان مع وجود حركة طالبان، ونعلم أن عناصر القاعدة تدخل الآن وتتولى مناصب عسكرية وأمنية في طالبان وهناك صلة وثيقة بينهما وخصوصا مع شبكة حقاني، وبالتالي أعتقد بأن هناك توجهاً يقوده سيف العدل القائد الجديد لتنظيم القاعدة لإنشاء روابط مع إيران أكثر قوة من السابق.

تنظيم القاعدة وحرب غزة

وفي موضوع تأثيرات حرب غزة وتفاعل تنظيم القاعدة مع الملف الفلسطيني، لفت أبو هنية إلى أن تنظيم القاعدة له أهدافه الخاصة التي لا تنفصل عن فلسطين، فبن لادن كان بتسعين بالمائة من خطاباته يتحدث عن فلسطين وعن الاحتلال الإسرائيلي ودعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل، ولذلك هناك تقاطع بالأهداف، بالتأكيد هدف تنظيم القاعدة في النهاية إقامة خلافة عالمية وبالتالي له أهداف تتجاوز موضوع فلسطين.

يعني الحركات الفلسطينية سواء حركة الجهاد أو حماس لديها أهداف محددة في مواجهة الاستعمار والاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي وبالتالي ذات أهداف وطبيعة محلية، بينما هدف تنظيم القاعدة منذ تأسيسه ونشأته هو إنشاء خلافة عالمية ومواجهة المصالح الأمريكية والإسرائيلية حيثما أمكن.

بالتأكيد خلال السنوات الماضية كان هناك ضعف في جناح العمل الخارجي، لكن أعتقد أن التطورات في فلسطين وما يحدث في غزة سيعطي نفساً جديداً لتنظيم القاعدة لأنه ثمة اتفاق على قضية فلسطين إذا نظرت إلى كل فروع القاعدة دائما هناك خلفية تظهر فيها القدس ويظهر فيها المسجد الأقصى وكما هو شعار القاعدة في اليمن “من هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي”، وكذلك هذا الأمر سنجده في القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وكذلك في جماعة الشباب وفي كل الفروع وكذلك المركز.

تقلبات مصطفى حامد وتأثير سيف العدل وجهاد طروادة على القاعدة.. حوار خاص مع حسن أبو هنية

الآن أعتقد هناك نوع من التوجه بإدماج العمل يعني عودة إلى مرحلة ما فعله الزرقاوي في العراق عندما بايع تنظيم القاعدة المركزي وبن لادن هي اندماج الابعاد؛ اندماج البعد المحلي، بمعنى أن تبقى كحركة محلية ولكن تبقى محتفظة بأهداف العدو البعيد والعالمي، وبالتالي اندماج البعدين المحلي والعالمي وجهاد النكاية وتنفيذ العمليات والتمكين والسيطرة المكانية أصبحت باعتقادي جزءاً من تكوينات القاعدة.

لم تعد القاعدة كما كانت في البداية هي حركة نكاية وفقط تنفيذ ضربات لإجبار الولايات الأمريكية على الانسحاب أو إسرائيل على التراجع، وبالتالي أصبحت الأمور أكثر وضوحا، وأعتقد أن ما يحدث الآن في فلسطين وفي غزة جعل المسافات تتضاءل لأنه حتى تنظيمات معادية للقاعدة بشكل جوهري وأساسي كتنظيم الدولة الإسلامية داعش المنافس الأكبر في كل المناطق.لا أعتقد بأن هناك خلافا بينهم على هذه القضية.

يعني فلسطين هي تشكل عامل جذب ونقطة التقاء لجميع الحركات الجهادية حتى لو كانت أولوياتها محلية حتى حركات محلية مناهضة للقاعدة كهيئة تحرير الشام أو حركة طالبان، لكنها تتحدث دائما وتصدر بيانات في تأييد لما يحدث في فلسطين، وهذا أعتقد يجسر المسافة التي فقدت من خلال سنوات طويلة، وجعلت الجهاديين يدخلون في منافسات وصراعات فيما بينهم.

الآن نجد أن هذه الصراعات تختلف وتلك التي ظهرت منذ 2013، وحكمت فترة الظواهري تتراجع، وأعتقد أن المساحات المشتركة تتعاظم، وأعتقد أن هذا يشكل قلقاً محلياً ودولياً في المستقبل عن عودة توحد الحركة الجهادية حول أهداف محددة.

جدل التقارب مع إيران

أشار أبو هنية إلى أنه ربما كان هناك نوع من التوافق حول التحالف الموضوعي بين تنظيم القاعدة وإيران، ومنذ البداية كان الجميع يعلم بالخلافات الأيديولوجية، لكن كان هناك موضوع الالتقاء على هدف محدد وهو مواجهة ما يسمى الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الصهيونية.

لكن نعلم أنه بعد الربيع العربي أصبحت الخلافات أكبر عندما تدخلت إيران عبر مليشياتها الشيعية في مناطق العالم السني تحديدا في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى، وبالتالي أصبح هناك اختلاف كبير في الأهداف، والخلافات والمسألة الطائفية طغت على سطح العلاقة، وبالتالي أصبح هناك انتقادات واسعة لدى طيف كبير من الجهاديين.

بالتأكيد كان تنظيم داعش في البداية الأكثر انتقادا للقاعدة وبشكل واضح وصريح وفي ذلك الوقت تحدث العدناني الناطق الرسمي عن هذه العلاقة الوثيقة بين القاعدة وإيران مما جعل أسهم القاعدة تتراجع وتتقدم أسهم داعش، وتراجع الجدل شيئا فشيئا في الآونة الأخيرة لكنه لا زال موجوداً.

وإذا نظرت في كل الفروع ستجد هذا الجدل، وتحديدا في الفروع التي لديها تماس بشكل مباشر مع وجود مليشيات تتبع فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، يعني هناك انقسام كبير في القاعدة في اليمن بين جناح يؤيد الدخول في علاقة واسعة مع إيران مثل خالد باطرفي، زعيم التنظيم أبو المقداد، أو المخالفين كخبيب السوداني وبعض الشخصيات الأخرى التي تعارض مثل هذه العلاقة وترفض إقامة علاقات مع الحوثيين والحرس الثوري.

والجناح الذي يقوده باطرفي ومعه خالد نجل سيف العدل يؤيد مثل هذا النهج، وفي سوريا كانت هذه معضلة حراس الدين حيث كان سيف العدل يشرف على “لجنة حطين” مع أبو القسام خالد العاروري عندما أطلق سراحهم عام 2015 وفاروق الشامي وآخرون، وحاول أن يذهب باتجاه نوع من العلاقة مع إيران والتوجه نحو قتال الولايات المتحدة الأمريكية أي التركيز على الأهداف الأساسية للقاعدة ومواجهة العدو البعيد، وفتح ما يسمى “مشروع بلاد الشام” لمواجهة إسرائيل في المرحلة النهائية.

وهذا المشروع تعرض للفشل على خلفية الخلاف الأيديولوجي وانقسم حراس الدين حول هذا الموضوع، ولم ينجح بإقامة هياكل راسخة وثابتة، وخصوصا مع وجود هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة، وبالتالي لم تنجح هذه المساعي كثيرا.

جهاد طروادة

ربما كان اليمن أنجح نموذج، وهناك توجه لذلك أيضا في القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في خراسان مع وجود طالبان، ثمة خلافات بين طالبان وإيران، لكن ثمة أيضا مشتركات؛ فقد كان هبة الله آخوند زاده موجودا في إيران، كما أن زعيم طالبان السابق، أختر منصور، قتل بعد عودته من إيران، ولذلك أعتقد أن ثمة فهم لدى هذه الحركات سواء في خراسان أو في اليمن لطبيعة التحالفات الموضوعية وعلى أسس عملياتية في مواجهة عدو مشترك لكن بعض الجهاديين لا يزالون يرفضون مثل هذه العلاقة ويريدون نوعاً من الاستقلالية.

تفسير تقلبات مصطفى حامد

السؤال الثالث: حامد يوصف بأنه أحد أهم المفكرين الاستراتيجيين في التقليد الجهادي السني. ومع ذلك، مع تغير أفكاره، فإن عرضه الأساسي ظل هو نفسه: استفزاز الشباب لتحدي الحكومات الشرعية من خلال الفوضى في الشوارع. لماذا تعتقد أن مصطفى حامد وصل إلى هذا الإفلاس الأيديولوجي بعد حياة مليئة بالتقلبات الفكرية؟

الجواب: حامد شخصية إشكالية داخل الحركة الجهادية فلديه منظور خاص منذ وجوده في أفغانستان ثم استقراره في إيران، وتأثر بشكل كبير بالثورة الإيرانية ونهج الخميني في قضية الثورة ومناهضة القوى الإمبريالية، وله أفكار ينتقد فيها بن لادن والظواهري والقاعدة لكن انتقاداته ذات طبيعة استراتيجية، فهو ليس مختلفاً على أيديولوجيا الجهاد”.

وأضاف: “يعني ثمة هناك ثابت أساسي في فكره هو أنه ينبغي إشعال ثورة وليس فقط عمليات نكاية، بل تكون مترافقة مع عمل، أي تفكير ذو طابع جيوسياسي استراتيجي، وهذا متأثر بالنمط الثوري للثورة الإيرانية لإحداث ثورة والانقلاب على الأنظمة العربية الإسلامية المحلية وقيادة تمرد طويل يشبه الثورة مع الحفاظ على عدم فقدان المواجهة الاستراتيجية مع الولايات الأمريكية وإسرائيل”.

يتابع أبو هنية “لكن تركيزه بشكل كبير على موضوع الثورة تأثرا بالفلسفة الإيرانية في التغيير، وبالتالي حافظ على هذا النسق وكانت انتقاداته للحركة الجهادية عموما على اختلاف تنوعاتها وفي مقدمتها القاعدة أنها ساذجة وليس لديها نضج استراتيجي، لكن أعتقد في المرحلة الأخيرة بعد تولي سيف العدل، مع علاقة المصاهرة أو العلاقة الشخصية، أصبحت المسافة قريبة جدا”.

وبالتالي هو لا يزال ينتقد سلوك القاعدة ويرى إيران حليفا بمعنى أنه يؤمن بقضية مشروع ما يسمى بـ”محور المقاومة”، وبالتالي مواجهة الأنظمة المحلية لمواجهة ما يسمى الإمبريالية العالمية والصهيونية العالمية، هذا هو أبو الوليد.

جهاد طروادة

ولذلك في المراحل الأخيرة وخصوصا بعد عملية السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس أصبح لديه توجهاً أكثر وضوحا، وأعتقد أنه أصبحت لديه مكانة داخل تنظيم القاعدة بحكم العلاقة مع سيف العدل، وبحكم علاقته السابقة مع طالبان. وبالتالي أعتقد أنه ربما سيلعب دوراً كبيراً في إصدار توجيهات ذات طبيعة عملياتية استراتيجية، وليست فقط تنظيرات فكرية أي الفكر الجيوسياسي الجيوبوليتيكي، وهو يتجاوز الخلافات الطائفية بين إيران والعالم الإسلامي السني وينظر إلى ما يسميها الأهداف العليا أو المثلى، وهي مواجهة عدو مشترك.

هل يعي أتباع القاعدة تورطهم في جهاد طروادة؟

السؤال الرابع: أجهزة الأمن الإيرانية، وليس فقط الحرس الثوري الإيراني ولكن أيضًا وزارة الاستخبارات، تحمي وترعى سيف العدل ومصطفى حامد… وهم بالتوازي منخرطون في عمليات غريبة في تنزانيا، في محاولة لتوريط البلوش السنة بالإرهاب. وفي القوقاز واليونان وقبرص، يستخدمون الجهاديين السنة الباكستانيين والأفغان لتنفيذ اغتيالات نيابة عن إيران. هل تعتقد أن أنصار القاعدة يدركون أنهم متورطون في ما يسمى بـ”جهاد طروادة” لخدمة مصالح إيران؟

الجواب: هناك خلاف داخل تنظيم القاعدة حول العلاقة بإيران وما هي درجة التماهي بالأهداف معها. أحياناً تتم عملية تقاطع كما تتقاطع مثلا أهداف حركة حماس أو الجهاد الإسلامي مع الحرس الثوري وإيران وكذلك القاعدة، وبالتالي ثمة خلاف حول طبيعة وإدارة هذه العلاقة.

هم متفقون على القضايا المشتركة الكبرى لكن إيران تريد أن تستخدم القاعدة لتحقيق أهدافها في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، لأنها تظن بأن المنطقة موالية للولايات المتحدة، وهي ما تمنعها من تحقيق مشروعها في المنطقة، وبالتالي ثمة هناك جناح يعتقد بأن هذه الأهداف مشتركة، ولكن هناك أجنحة في داخل القاعدة لا تؤمن بمثل هذا لأن القاعدة ليست تنظيما مركزيا وبالتالي له توجه واضح ومحدد.

أصبحت هذه الشبكة تعمل أحيانا بشكل مستقل، فشبكة القاعدة مثلا في إفريقيا جماعة نصرة الإسلام مع وجود هذه التركيبة من إياد أغ غالي جماعة أنصار الدين أو جماعة تحرير ماسينا أو المرابطون أو القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بايع القاعدة، لكن لديه أهداف أكثر ارتباطا بالشأن المحلي وليس إيران.

وكذلك سوف نجد مثلا جماعة الشباب في الصومال لكنها قد تلتقي، جماعة الشباب في الصومال هي كما الآن الحوثيين يعملون على إغلاق باب المندب كانت الصومال قديمة في قضية القرصنة، وبالتالي قد تحدث التقاءات رغم خلافهم الكبير مع إيران، لكن هناك توجها آخر يقوده سيف العدل وكذلك مع وجود أبو الوليد المصري، هو يريد أن يعمل علاقة أكبر وهو ينسجها أكثر في اليمن، ينسجها أكثر في سوريا وإن كان فشل إلى حد ما، وكذلك في آسيا الوسطى في طاجيكستان  ومع الحركة الأوزبكية التي كان لها صلات تاريخية بتنظيم القاعدة يحاول أن يستعيدها، وكذلك في شبه القارة الهندية، وبالتالي هي تختلف من منطقة.

أحيانا تجد نوعاً من التماهي في زعزعة الاستقرار باستخدام مثلا إثنيات عرقية محددة في هدف محدد، فمثلا بوجود علاقة وثيقة بين الصين وإيران، فهي لن تلجأ لحركة تركستان الشرقية التي هي الحركة الجهادية من الإيغور كمكون في داخل الصين لدعم هذا التوجه لأن هذا يعارض مصالحها الاستراتيجية الجيوسياسية والجيوبوليتيكية في المنطقة، لكنها ستدعم بالتأكيد مجموعة في اليمن أو مجموعة في الشام أو في مجموعة في آسيا الوسطى ضد المناهضين لأن هذه العلاقات دائما هي علاقات جيوسياسية جيوبوليتيكية خاضعة للمصالح والهيمنة ليست خاضعة للتوجه الفكري أو الديني أو المذهبي.

لا شك أن التفكير هو تفكير جزء منه مذهبي، لكن الجزء الأساسي متعلق بالجيوبولتيك وعملية الهيمنة في كل المنطقة وزعزعة الاستقرار في أي بلد مناهض لتوجهات إيران في المنطقة.

اختلاف فروع القاعدة في الاستجابة لجهاد طروادة

السؤال الخامس: بصرف النظر عن الحالات الفردية، وربما باستثناء القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإننا لا نرى جهاد طروادة ينتشر بالقدر الذي يريده مصطفى حامد. هل هناك أي فروع لتنظيم القاعدة يمكن أن تنجذب إلى أجندة سيف العدل الموالية لإيران؟

الجواب: إن القاعدة يجب أن نفهمها كشبكة. صحيح أن هناك قيادة وأهداف مركزية لكن بعد مقتل بن لادن أصبحت هناك استقلالية للفروع بشكل كبير.

خلال فترة الظواهري تمردت جبهة النصرة وهذا ما حدث مع فروع عديدة، وتنظيم الدولة الإسلامية ابتداء من 2013  كان جزءاً من القاعدة لكنه انفصل عنها، وجماعة الشباب مثلا الفرع الأقوى في القارة الإفريقية لم يمتثل كثيرا لأوامر الظواهري في مرات عديدة، والفرع اليمني به انقسامات.

إذن يختلف تنظيم القاعدة من مكان إلى آخر، لكن قد يحدث نوع من التقاء المصالح.

وإذا وجد لقاء بين طالبان وإيران حول أهداف محددة تصبح القاعدة خطرة جدا لأنها تتمتع برعاية سواء كانت بتوفير ملاذ آمن أو بتوفير تمويلات مالية كبيرة وتسليح وعملية استقطاب وتجنيد.

ربما هذا هو أكثر خطرا بينما الحركات مثلا في إفريقيا سوف نجدها أكثر استقلالا. هي ليست مرتبطة بأجندة إيران ولا طالبان وبالتالي لديها اهتمامات محلية بشكل كبير، وتحدث تقاطعات في بعض المناطق مثل اليمن لأن ثمة مشروعاً إيرانياً لمناهضة الخليج وتحديدا السعودية ومواجهة الولايات المتحدة، وقد ينشأ نوع من التحالف الأكثر ثقة، وبالتالي تمويل وتسليح وتجنيد بشكل كبير.

وقد تضعف التيارات المناهضة داخل القاعدة مع وجود دعم كبير من إيران، وبالتالي قد يسيطر الجناح المؤيد لإيران، وهذا قد يحدث في الصومال وفي منطقة الساحل، ويختلف ذلك باختلاف طبيعة كل منطقة، لأن هذا جزء من مشروع جيوسياسي ليس مرتبطا عادة بقضية الأيديولوجيا والخلافات المذهبية.

معضلة إمارة سيف العدل

السؤال السادس: لماذا تعتقد أن سيف العدل لم يتمكن من تولي القيادة بشكل رسمي؟

الجواب: سيف العدل لم يتول قيادة القاعدة بشكل رسمي لأن هناك مشكلاً كبيراً، فتاريخيا في النظام الأساسي الداخلي للتنظيم كان يشترط أن يكون القائد من خراسان، وأفغانستان تحديدا، وبالتالي هذا الشرط مع وجود سيف العدل في إيران كان يمنع توليه القيادة لكن بعد تحرك سيف العدل بين أفغانستان وإيران، تمت تسوية هذه المعضلة لأنه كان هناك جناح آخر في داخل أفغانستان وهي قيادات تاريخية مثل السعودي حمزة الغامدي الذي يتمتع بثقل في الحركة الجهادية ولديه اعتراضات على مثل هذا التوجه.

وأيضا هناك الخلافات التاريخية مع الجناح المصري ففي أيام الظواهري هيمن هذا المكون على المكون الحجازي أو السعودي، لأنه تاريخيا هناك توليفة بين بن لادن وخليفته الظواهري، مصري وسعودي، وهذا الأمر اختلّ خلال فترة الظواهري، الآن هو يحاول مرة أخرى أن يعيد هذا التوازن فكان حمزة الغامدي يحاول أن يقيم مثل هذا التعاون.

جهاد طروادة

بعد الربيع العربي كان هناك انتقادات كبيرة لإيران لما قامت به المليشيات سواء في سوريا تحديدا وفي العراق وفي اليمن، وبالتالي أصبح الكثير من المنظرين الجهاديين ينظرون بريبة كبيرة إلى العلاقة مع إيران بينما بقي سيف العدل وكذلك أبو الوليد المصري يدافع عن هذه العلاقة وحتى عبد الرحمن المغربي، ولكن الآن أعتقد نحن نمر في مرحلة جديدة تم تجاوز الكثير، لا تزال هناك تنظيرات تخالف العلاقة مع إيران وتعتبر أن سيف العدل هو شبه مأسور أو محتجز وهو خاضع للأجندة الإيرانية بالكامل.

لكن أعتقد أنه مع التحولات الأخيرة وأحداث غزة تراجع النقاش حول هذا الموضوع، بل على العكس الاتهامات صارت على العكس بمعنى القاعدة تتهم إيران بأنها ليست حليفاً موثوقاً ليس بسبب خلفياتها الأيديولوجية وما قامت به مثلا في سوريا أو في العراق أو في اليمن، إنما لأنها لم تساند المقاومة في فلسطين في غزة تحديدا وحركة حماس بالشكل الكافي، وأنها تطلق مجرد شعارات.

هذه الانتقادات التي نسمعها الآن من الجهاديين الذين هم كان يؤيدون هذه العلاقة مع إيران بأنها ليست حليفاً موثوقاً، وقد تبيع الجميع في سبيل تحقيق مصالحها، وهذا خلق مشكلاً آخر.

القاعدة بين إيران وطالبان

السؤال السابع: كيف ستكون عملية انتخاب القائد عندما يكون الزعيم الفعلي تحت السيطرة الإيرانية؟

الجواب: تنظيم القاعدة أصبح رهينة لتوجهين؛ أحدهما يدعم إيران كراعية كنموذج حركة حماس أو الجهاد مما يعني وجود تقاطعات مصالح وتمويل، وتوجه آخر منذ سيطرة حركة طالبان عام 2021 على أفغانستان، فطالبان تريد أن تحتكر المشروع القاعدي وتعود به في العلاقة التاريخية.

وبالتالي ثمة ولاءات مختلفة: ثمة أناس يقولون إنه علينا أن نبقي العلاقة مع إيران وآخرين يقولوا علينا أن نوثق علاقتنا مع طالبان، وتوجه ثالث يطالب باستقلالية أكبر.

فالعلاقة مع حركة طالبان لا تتمتع بإشكالات كبيرة لأنهم سُنة وهناك علاقة تاريخية وحاضنة وملاذ، على عكس العلاقة مع إيران نظراً للخلافات الأيديولوجية والممارسة العملية، وبالتالي هذا يخلق لسيف العدل مشاكل كبيرة إذا بقي في إيران.

لكن سيف العدل يدافع عن فكرة تعدد الملاذات وعدم الاكتفاء بأفغانستان حتى لو كان هناك خلافات ذات طبيعة أيديولوجية ومذهبية، طالما هناك قضايا مشتركة استراتيجية، وهذا يوفر التمويل والتجنيد بشكل أكبر، والخلافات لا تزال تتصاعد وهي في بداياتها لكن لا نعرف إلى أين ستفضي.

ربما ما هو مخيف، ليس للولايات المتحدة الأمريكية إنما للأنظمة المحلية في العالم، هو حدوث نوع من التوافق أو التحالف الموضوعي بين حركة طالبان وإيران، وبالتالي يصبح هناك نهجاً موحداً في دعم تنظيم القاعدة.

لا ننسى أن وجود داعش الذي يمتلك أجندة مناهضة لإيران بالمطلق، ويعتبر أن الخطر الشيعي لا يقل عن الخطر الأمريكي أو الإسرائيلي الصهيوني، فهذا يجعل يدفع إيران وطالبان لدعم القاعدة لمواجهة هذه الأيديولوجيا، فطالبان تخشى من تمدد داعش وتهديده للإستقرار في أفغانستان، وبالتالي تجد أنها مجبرة على دعم القاعدة، وإيران تعلم بأن داعش المرشح لخلافة الحركة الجهادية، وأنه لا يوجد هناك أي نطاق مشترك للعمل معها، وبالتالي لا بد من دعم حركة جهادية أخرى منعا لتوجه الجهاديين لداعش، لأنها إذا خسرت القاعدة يصعب أن تدافع عن استراتيجيتها تجاه العالم السني.

إيران حرصت على دعم القضية الفلسطينية لتمديد نفوذها في المنطقة، فدعمت حماس والجهاد لكن لا تدعمها كحزب الله أو الحوثيين بل بالحد الأدنى وهناك خلافات نشأت بعد الربيع العربي وتنشأ دائما لكنها حريصة على إبقاء هذه العلاقة، وكذلك هي في عالم الجهاديين والجهادية العالمية تحرص على إبقاء الصلات من القاعدة حتى لا تتوحد الحركة الجهادية حول داعش مثلا، فتصبح التوجهات الجهادية العالمية مناهضة لإيران بالمطلق، ولذلك ستبقى إيران محتفظة بالعلاقة مع القاعدة وتدعمها ليس فقط لوجود أهداف مشتركة حول مواجهة الصهيونية والإمبريالية، لكن لأنها تخشى من نهج داعش.

قاعدة أفريقيا غارقة في بيئتها المحلية

السؤال الثامن: اعتقدنا أن رسالة الفيديو الأخيرة التي أرسلها إياد أغ غالي كانت مثيرة للاهتمام إلى حد ما، من حيث التركيز إلى حد كبير على الشؤون المحلية والابتعاد عن الأجندة الموالية لإيران لسيف العدل ومصطفى حامد. ما مدى احتمالية أن يكون تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي/جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أول فرع ينفصل عن القيادة العامة لإنقاذ نفسه من أن يصبح أداة إيرانية؟

الجواب: الرسالة واضحة، ولكن هذا هو جزء من تراث القاعدة في المغرب الإسلامي، نتذكر توجيهات ونصائح عبد الملك درودكال الزعيم السابق للقاعدة في بلاد المغرب العربي، والقائد الحالي يزيد مبارك أبو عبيدة العنابي، فهم يؤيدون نهجاً أكثر محلية وليسوا متحمسين للعلاقات مع إيران أو مواجهة عدو خارجي وتنفيذ هجمات خارجية، بل هي ملتزمة أكثر بنضال محلي وإن كانت تحتفظ بصلات أو روابط على مستوى الولاء الاسمي أو الشكلي للقاعدة، وهذا سنجده موجوداً أيضا لدى جماعة الشباب في الصومال.

أزمة أبو ماريا القحطاني

السؤال التاسع: المعارضة الأكثر صخباً لسيف العدل جاءت من أبو مارية القحطاني، لكن يبدو أنه خسر معركة البقاء. ماذا سمعت عما حدث له؟

الجواب: القحطاني (ميسر الجبوري) هو أحد الأعضاء الذين كانوا في تنظيم الدولة الإسلامية ثم ذهب إلى النصرة وكان له دور أساسي في تفكيك العلاقة مع تنظيم الدولة، ثم بعد ذلك كان مناهضاً لتوجهات سيف العدل.

وكان سيف العدل مسؤولا عن لجنة حطين حول مشروع القاعدة في بلاد الشام، وبالتالي هو الذي دفع لتأسيس حراس الدين للانفصال عن هيئة تحرير الشام بعد أن تخلت عن صلتها بالقاعدة.

وكان أبو ماريا القحطاني مهندس إنهاء العلاقة مع القاعدة بالمطلق، وكان الرجل الثاني إلى جانب أبو محمد الجولاني، واستثمر هذه الخبرة في محاربة مشروع حراس الدين، وكان له دور كبير في هذا الشأن، وفي النهاية ربما فضل التعاون مع التحالف الدولي إذ كان يريد أن يقدم هيئة تحرير الشام كحركة محلية سورية لا صلة لها بتنفيذ هجمات خارجية ولا القاعدة.

ولذلك نعلم أنه في الفترة الأخيرة تم منذ يونيو الماضي اتهامه بأنه يتواصل مع التحالف الدولي ودول أخرى ضد تنظيم الدولة وحراس الدين، وهذا طبعا لم يكن منفصلاً عن توجه هيئة تحرير الشام أو الجولاني.

بحسب البيان في ذلك الوقت قالوا إنه تجاوز وخوطب بالأخ، لكن لاحقا تم اعتقاله بل أشيعت أخبار بأنه قُتل، ولا أعتقد أن ذلك صحيحا، وهذا جزء من الصراعات الداخلية داخل تحرير الشام، لأنه من الواضح أن أبو ماريا القحطاني أصبح لديه نوع من المشكلة في داخل تحرير الشام ويريد أن يغير ويعقد تحالفات مع الجيش السوري الحر المرتبط بتركيا في شمال غرب سوريا، وكان لديه طموح مع وجود شخصيات أخرى مثل القيادي أبو أحمد زكور، وربما أدرك الجولاني أنه أصبح يشكل خطراً فتم اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية لفترة وكان يعامل بشكل جيد، لكن من الواضح أن هناك أمراً متعلقاً بالصراع على الهيمنة والنفوذ داخل التحرير، ولكنه ساهم بشكل كبير في محاربة حراس الدين إما بالتعاون مع التحالف في مشروع الطائرات بدون طيار لقتل قادتهم أو بالاصطدام معهم واعتقالهم بشكل أو بآخر.

فالقحطاني واجه مشروع سيف العدل ووضع رهانه على الجولاني وهيئة تحرير الشام وعلى المجتمع الدولي لإعادة تأهيل الهيئة كحركة محلية، لكن كل هذا لم ينجح، وبالتالي أعتقد بأن القحطاني قد تكون أخبار مقتله غير مرجحة لكن انتهى دوره ولم تحدث أي انتفاضة لا من مجموعته التي هي أحرار الشرقية الذي كان معه معظمهم مقاتلين من دير الزور ولم يستطع أن يفعل شيئاً، وحتى آخرون كزكور والبقية مظهر الويس أو غيره، وبالتالي أعتقد هذا المشروع انتهى.

هل شرعي حراس الدين مُعارض لسيف العدل؟

السؤال العاشر: تحدث القحطاني علناً، لكن آخرين اختاروا التزام الصمت. كان من الممكن أن يكون كتيب سامي العريدي الأخير بمثابة فرصة ضائعة لرفع صوته ضد استيلاء إيران على تنظيم القاعدة. لماذا تعتقد أن الأشخاص مثله لم يتحدوا بشكل علني سيف الإسلام ورعايته من قبل إيران؟

الجواب: وفيما أثير حول معارضة سامي العريدي، المسؤول الشرعي لمجموعة حراس الدين، فرع القاعدة في سوريا، لتقارب سيف العدل مع إيران، قال أبو هنية: لا أعتقد أن هناك اجتهادات، بالتأكيد سامي العريدي ليس مع نسج علاقات مع إيران، لكن مع وجود هذه الحالة الضعيفة في سوريا ووجود هيئة تحرير الشام والخلافات ومقتل معظم قادة حراس الدين، قيل إن العريدي ذهب لمناطق أخرى، وكان سيف العدل يريد أن ينسج معه علاقة لتعويض هذا الجانب الشرعي.

وسيبقى مشروع سيف العدل في المنطقة ولن ينقطع وسيحاول مع إيران أن يبحث عن مجموعة تنفذه، وقد فشل هذا المشروع حتى الآن لاصطدامه بعدة مشاريع محلية كهيئة تحرير الشام أو مع التحالف بقيادة الولايات المتحدة وكذلك تركيا، ولذلك قد تضطر حراس الدين أو ما تبقى من القاعدة بالشام لنسج علاقات مع إيران بشكل أو بآخر، لأن سيف العدل منذ نشأة حراس الدين أعطى توجيهات بعدم الاصطدام بهذه الميليشيات والتركيز على العدو البعيد كالولايات الأمريكية وإسرائيل.

جهاد طروادة

سر صمت أبو محمد المقدسي

السؤال الحادي عشر: لعل أهم منظّر يمكنه منع استيلاء إيران على تنظيم القاعدة هو المقدسي. ماذا يمكنك أن تخبرنا عن سبب التزامه الصمت وما الذي يمكن أن يغير رأيه؟

الجواب: المقدسي هو أحد أكبر المنظرين الجهاديين في تاريخ الجهاد العالمي، وبالتالي يبقى شخصية مهمة جدا على صعيد التنظير، لكن أعتقد أنه سواء في تنظيم الدولة أو في القاعدة تم تجاوز الكثير من أفكار أبو محمد المقدسي.

أبو محمد المقدسي يركز على اتحاد هذه الجهادية العالمية تحت أفكار محددة تبدأ بالدعوة ثم الجهاد، وبالتالي البحث عن نوع من الجهاد النقي، وهو يناهض أي علاقة مع إيران، لكن أيضا كان له تواصل شخصي مع سيف العدل على مدى سنوات خلال مرحلة الخلاف مثلا مع هيئة تحرير الشام، وكان وسيطا في عدة لجان، ولكن المقدسي الآن، ومع ما يحدث في غزة، له رؤية مختلفة، ففي هذه المرحلة الانتقادات ليست كبيرة، لأنه يرى أن حتى لو كانت إيران تقدم دعمًا ضعيفا أقل من المطلوب، لكنه لا يريد أن ينتقد بشكل علني لأنه يعتبر أن هذا الأمر مفيد، فلا يقدم انتقادات لسيف العدل. وعندما كان هناك مشروع حراس الدين انحاز لسيف العدل ورفاقه سواء خالد العاروري أبو القسام أو سامي العريدي، وعندما اختلف مع الزرقاوي كان يقول له لا تتوسع في عمليات قتل الشيعة وبالتالي له رؤية أقرب إلى توجه سيف العدل.

دور متلازمة طهران في تفكيك القاعدة

السؤال الثاني عشر: يبدو تقريبًا وكأنه المشروع المثالي لتدمير تنظيم القاعدة: أولئك الذين ينضمون إلى جهاد طروادة سوف تستخدمهم إيران. وأولئك الذين يرفضونها سوف يقسمون القاعدة. في النهاية، سيكون تنظيم القاعدة أضعف بكثير ويتجه نحو الفناء. ماذا يقول هذا عن قيادة سيف وتفكير حامد الاستراتيجي؟

الجواب: القاعدة يجب فهمها كشبكة وليس كتنظيم موحد ومركزي لديه مرجعية ومصادر تمويل مستقلة، وربما تصبح القاعدة مجموعات كبيرة موالية لطالبان.

هناك مجموعة تعمل مع طالبان وهي فرع القاعدة في شبه القارة الهندية أو في آسيا الوسطى، فهذا سيكون الفضاء الأساسي لقاعديين مرتبطين بطالبان ولديهم أجندة محددة في الخريطة الجيوبوليتيكية في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا.

ولكن هناك فرع للقاعدة لديه تقاطعات مع إيران ومنهم سيف العدل وأبو الوليد المصري الذي يقول إن هناك نقاطاً مشتركة يمكن التعامل معها، وهذا يظهر في اليمن بشكل واضح وفي مشروعه في الشام الذي ضعف.

لكن هناك مجموعات أخرى وبالذات في أفريقيا كجماعة الشباب ونصرة الإسلام تبدو منفصلة وتركز على الشأن الداخلي، بمعنى أن لديها نوعاً من الارتباط مع حركة طالبان والقيادة المركزية لكن أجندتها محلية بحتة، وبالتالي لن تتأثر بهذه الأمور لأن القاعدة في النهاية شبكة أنشأها بن لادن نهاية الثمانينات، لكن التنظيم المركزي تحول إلى شبكة من الجهاديين معظمهم محليون، وبالتالي قد تتقاطع أحيانا الأهداف.

بن لادن رفض بيعة جماعة الشباب لأنه يعتقد أن أجندتها محلية ولا صلة لها بالمشروع الذي ينادي به، وقد نشهد خلال الفترة المقبلة نوعاً من الصراع بين أصحاب الأجندة المحلية؛ ممن يريدون الاستقلالية والارتباط بالشأن المحلي أكثر، وآخرون مرتبطون بأجندة مرتبطة بإيران ومواجهة عدو مشترك أي الإمبريالية والصهيونية، وكذلك الأنظمة المحلية الموالية لهما. وهناك شبكة أخرى مرتبطة بحركة طالبان ولديها أجندة مغايرة في آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، وبالتالي نتوقع خلافات كبيرة بين هذه الأجنحة وبالتالي طبيعة العلاقة بين كل هذه المكونات.

أخبار الآن مستمرة في كشف مخطط جهاد طروادة

وسعيًا نحو تفكيك ظاهرة اختراق إيران لتنظيم القاعدة وقادتها المصابين بـ”متلازمة طهران”، تواصل “أخبار الآن” تتبع الخلافات داخل تنظيم القاعدة وتيارات العنف حول التحالف مع إيران والانقسامات الحادة الناجمة عن هذه الخلافات، في ظل المستجدات التي أفرزتها حرب غزة وما صاحبها من انكشاف الدور الإيراني وحقيقة مشروع اختطاف تيارات العنف لتنفيذ الأجندة الإيرانية التخريبية ضمن مخطط “جهاد طروادة”.