بعد توقف 6 سنوات.. لماذا تعيد القاعدة “إنسباير” كإصدار مرئي وليس مجلة؟

أصدر تنظيم القاعدة فيديو مرئيا جديدا مُستنسخا من مجلة “إنسباير” الإنجليزية وحمل ذات العلامة “إنسباير”، المجلة التي لطالما كانت تسعى لمخاطبة الداخل الأمريكي والغربي عمومًا، في محاولة لتجنيد ما يسمى بـ”الذئاب المنفردة”.

الإصدار الجديد يأتي بعد توقف طال لأكثر من 6 أعوام لم تصدر فيهم المجلة، الأمر الذي دفع الكثير إلى التساؤل: لماذا الآن تعود “إنسباير”؟، ولماذا بإصدار مرئي خلافًا لما كانت تنشر عليه كمجلة؟

لماذا الآن تعود “إنسباير” تزامنًا مع أحداث غزة ؟

لم تكن عودة “إنسباير” تزامًا مع أحداث غزة من قبيل المصادفة ففي تصريح خاص لـ”أخبار الآن” تقول الباحثة إليزابيث كيندال المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، والجماعات الجهادية إن إعادة إطلاق “إنسباير” يتناسب أيضًا مع استراتيجية إيران الظاهرة للتصعيد التدريجي لنزاع إسرائيل-غزة من خلال وكلائها، والذي قد يمتد إلى بعض أفرع من القاعدة.

وأضافت كيندال “يبدو أنه ليس مجرد مُصادفة إعادة إطلاق إصدار جديد من علامة إنسباير، ولاسيما أن أعلى مسؤول في القاعدة، سيف العدل، يُزعم أنه في إيران وأن بعض أبرز مسؤولي وسائل الإعلام في القاعدة كانوا يعيشون في إيران بمعرفة كاملة من السلطات الإيرانية، بما في ذلك عبد الرحمن المغربي وأبو محمد المصري الذي اغتيل في طهران عام 2020.

إنسباير

الباحثة في شؤون الجماعات الجهادية اعتبرت عودة إصدار “إنسباير” ليس صدفة في ظل تواجد قيادات التنظيم في إيران، وفي ظل استغلال إيران لأحداث غزة في تصفية حساباتها الإقليمية والدولية.

وفي هذا الصدد يقول جهادي سابق من محافظة أبين في تصريحات لــ”أخبار الآن”،  إن عودة إنسباير لا شك أنها محاولة من تنظيم القاعدة في استعادة مجدها البائد، إلا أن تزامن عودة إنسباير تزامنًا مع أحداث غزة لأمرين لا ثالث لهما:

  • أولا: استغلال أحداث غزة في تلميع التنظيم لنفسهِ، في ظل خفوت بريق التنظيم خلال السنوات الماضية، وسقوط ثقة القبائل والعامة بالتنظيم في اليمن، فتعتقد قيادة التنظيم أنه من خلال أحداث استغلال حرب غزة ستقوم بعملية غسيل وتبيض لسمعة التنظيم.
  • ثانيا: تنفيذًا لأجندة إيران والتي تأتي عن طريق سيف العدل، في محاولةٍ لابتزاز المجتمع الغربي وذلك لأجل مصالحها خاصة، حيث يظن التنظيم أنه من خلال استعادة “إنسباير” سيستطيع تجنيد عددًا من الأفراد، إلا أن ما قدمه الإصدار هو أشبه بعملية التدوير، لم يأتي بجديد.

إنسباير

وأضاف “تحركات التنظيم اليوم فوق قدراته وإمكانياته، سيف العدل مع قيادة التنظيم في اليمن يذهبون بالتنظيم نحو الهوية”.

من جانبها ترى الصحافيَّة نهاد جريري المتخصصة في شؤون الجماعات الجهادية أن حرب غزة فضحت الجماعات والتنظيمات الجهادية وهذا ما يكون قد دفع تنظيم القاعدة لإصدار “إنسباير” في هذا التوقيت.

وأشارت إلى أن “حرب غزة فضحت التنظيمات الجهادية التي رفعت شعار (قادمون يا أقصى)، لكنهم على الأرض لم يحققوا أي شئ يُذكر، جاءت الحرب على غزة ولم يصدر عن التنظيمات ومنها قاعدة اليمن سوى البيانات الإنشائية، فيحاولون التعويض عن عجزهم في الداخل إلى تحقيق انتصار في الخارج”.

وأضافت جريري “لكونهِ تعويض عن فشل تنظيم القاعدة ولاسيما في اليمن، وبعد إصابة جنود وأنصار التنظيم بالخيبة، استُئنف إصدار (إنسباير) وقبل ذلك استئناف (صدى الملاحم) بعد انقطاع لأكثر من 12 عاماً وما هي إلا محاولة من إعلام القاعدة لأن يكون حاضراً”.

إنسباير

وتابعت المتخصصة في شؤون الجماعات الجهادية “يدرك العاملون على إعلام القاعدة الرسمي أن المحتوى المعروض عاجز عن مواكبة الأحداث وإشباع تعطش المُناصرين ولهذا حاول الأنصار سدّ هذه الفجوة من خلال قنوات متعددة.. ولكن مع ذلك ظهر في البدائل خلل وصل إلى التخوين حتى رأينا محاولة تأسيس ما يُسمى “مجلس التعاون الإعلامي الإسلامي” في ٢٩ سبتمبر، وعليه، يحاول إعلام القاعدة الرسمي أن يظل حاضراً بشكل دوري بدلاً من أن يكتفي بإصدارات موسمية بحسب الحدث وغالباً ما تكون إصدارات متأخرة؛ منتهجًا ومستفيدًا من طريقة داعش في ذلك”.

في السياق ذاته قال الباحث سعيد الجمحي، صاحب كتاب -تنظيم القاعدة ”اليمن نموذجًا“- في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، إنه من الطبيعي أن يستغل تنظيم القاعدة أي قضية أو حدث يعيد فيه بريقه الذي فقده، فتنظيم القاعدة تنظيم براغماتي نفعي، يبحث عن مصلحته على حساب أي أمرٍ آخر، وهذا ما التمسناه من مسيرة التنظيم.

لماذا إنسباير إصدار (مرئي) وليس (مجلة) كالعادة؟

تحول إنسباير من مجلة إلى مجرد إصدار مرئي يؤكد ضعف الإمكانيات في تنظيم القاعدة، وفي هذا الصدد يقول الباحث سعيد الجمحي، “بات تنظيم القاعدة فقيرًا في كوادره وقياداته، وحتى دعاته وداعميه، لهذا يحاول التنظيم أن يعيد نفسه ويؤكد حضوره، من خلال (إنسباير)، والتي شكلت سابقاً نقلة للتنظيم من حيث الجانب الدعائي والترويج لقدرة التنظيم في التجنيد والتأثير، إضافة للنقلة النوعية التي أحدثها أنور العولقي بما كان يحمله من كاريزما وقدرة على التخاطب باللغة الانجليزية بقدرة فائقة على الإقناع والتأثير”.

إنسباير

يضيف الجمحي “تجاهل التنظيم أن هذه الحقبة قد بَادَت وانتهت، والتنظيم بتقديري سيفشل في ذلك، لأنه لم يستطع أن يتوسع في استقطاب عناصر مؤثرة، وهذا  الإصدار  جاء بالصورة دون التخاطب من خلال مواضيع مقروءة ، إصدار مرئي فقط!، أعاد ماقاله أنور العولقي، وأضاف صوراً لتدمير غزة وما يجري فيها من استهداف للأبرياء المدنيين خاصة الأطفال والنساء، كما أن ضعف وركة التعبير والأخطاء اللغوية في اللغة الإنجليزية، يدل على ضعف الخبرة وفقدان الكادر المؤهل.

يؤكد الباحث سعيد الجمحي “عموما الإصدار لم يأتِ بجديد، ولم يفاجئنا بوضع أفضل لحال التنظيم ، بل أكد عكس ذلك. ومما يؤكد أزمة تنظيم القاعدة للخبرات والكوادر، هو ما ذهب له بعض الخبراء والمراقبين كون الإصدار المرئي كان باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ولهذا الرأي ذهبت الباحثة البريطانية إليزابيث كيندال لكون الإصدار المرئي استخدم فيه “الذكاء الإصطناعي” وبهذا أيضًا يقول صاحب “حساب أنباء جاسم“.

وفي تصريح خاص لــ”أخبار الآن” يعتقد الإعلامي اليمني أحمد هاشم السيد المتخصص بالإعلام المرئي والمسموع أن الإصدار المرئي كان ذلك فعلا، إذ يقول “أن يكون المتحدث في الإصدار يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وكأنه من مواليد أمريكا، ثم يُخطئ أخطاء جسيمة لا يمكن أن تصدر من طفل يتعلم الإنجليزية، هذا غير منطقي ويؤكد أن إعلام التنظيم استخدم الذكاء الإصطناعي بما فيه من تقنية وأخطاء”.

إنسباير

وأضاف “كما أن استخدام إعلام القاعدة للذكاء الإصطناعي في إصداراته يؤكد حديث الخبراء أن التنظيم في أزمة كوادر وخبراء وتقنيين”.

الخـــلاصـــة

إنسباير “مرئي” بعد أن كان مجلة، بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي والأخطاء اللغوية.. كل ذلك يؤكد أزمة التنظيم وضعف الإمكانيات، ومع ذلك تقود قيادة التنظيم القاعدة في اليمن نحو الهاوية والمحرقة كما وصف ذلك جهادي سابق.

يحاول التنظيم إذن أن يلعب دورًا فوق قدراته، حيث اعتبر البعض أن ذلك محاولة في تأكيد دوره ومكانتهِ بعد أن انكشفت جميع الجماعات والتنظيمات الجهادية في حرب غزة، وأن الجميع لا يملك مشورعًا حقيقًا منقذًا، ما هي إلا مجرد شعارات وأوهام، فيما اعتبر آخرون أن عودة “إنسباير” بهذا الضعف والركة مستغلين حرب غزة ما هي إلا تلبية لإملاءات طهران من خلال سيف العدل بما عرف  بــ”جهاد طروادة” فإلى أين المصير؟