حصري: تفاصيل اغتيال الخليفة المحتمل لأمير جماعة الشباب الصومالية

  • أحمد ديري ومعلم أيمن حاولا اغتيال مهاد كاراتي في وقت سابق.
  • كاراتي تخلص من غريمه بالتعاون مع الاستخبارات الصومالية.
  • هل يكون أحمد ديري القادم في قائمة الاغتيالات؟

نجاح كبير للقوات الصومالية بالتنسيق مع القيادة العسكرية الأمريكية أسفر عن قتل الخليفة المحتمل لأمير جماعة الشباب، في 17 ديسمبر 2023 الجاري.

أعلن الجيش الصومالي عن مقتل معلم أيمن، مؤسس وقائد جيش “أيمن” المسؤول عن هجوم مطار ماندا باي في كينيا، الذي قُتل فيه أفراد أمريكيين وكينيين في 5 يناير 2020، ووضعت الخارجية الأمريكية مبلغ 10 ملايين دولار مكافأةً لمن يدلي بمعلومات عنه.

حصلت “أخبار الآن” على معلومات حصرية عن التخطيط للغارة الجوية، ودور نائب أمير جماعة الشباب وقائد جهاز استخبارات الجماعة “أمنيات” مهاد كاراتي في اغتيال معلم أيمن، في إطار الصراع بين أمير الجماعة وكاراتي على النفوذ والمال.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

محاولات الشباب المستمرة لنفي الصراع داخل الجماعة لا تخدع أحد

تصفية الأمير القادم

أعلن الجيش الصومالي مساء الثلاثاء عن اغتيال داود خليف، الشهير بـ “معلم أيمن” في غارة جوية استهدفته في منطقة جليب في محافظة جوبا الوسطى التابعة لولاية جوبا لاند في جنوب الصومال، والتي تشترك في الحدود الدولية مع كينيا.

ولد داود خليف المعروف بـ”معلم أيمن” عام 1973، وعمل لأعوام مدرساً في مدينة مانديرا في كينيا.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

ذكرت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” في بيان، أنّ قواتها استهدفت في غارة جوية بالتعاون مع الحكومة الصومالية قائد رفيع في جماعة الشباب المصنفة إرهابيةً، مؤكدة عدم وقوع ضحايا مدنيين جراء الغارة.

ونفذت طائرة مسيرة الغارة الجوية، وأطلقت صاروخ استهدف بيت كان يقيم فيه معلم أيمن، وأسفرت الغارة عن مقتل أيمن و10 أفراد من مرافقيه هم أعضاء في الجماعة، كانوا في اجتماع للتخطيط لهجمات نوعية تستهدف القوات الحكومية الصومالية، بحسب المعلومات التي حصلت عليها “أخبار الآن” من مصادر خاصة.

تحدثت “أخبار الآن” مع مسؤول في المخابرات الصومالية، حول تفاصيل اغتيال معلم أيمن، وقال الضابط الصومالي الذي فضل عدم الكشف عن هويته كونه غير مصرح له بالحديث للإعلام، بأنّ الإعداد لعملية الاغتيال استغرق مدة تزيد عن شهر، مشيراً إلى تعاون وكالة الاستخبارات والأمن الوطني (NISA) مع فريق من الاستخبارات الأمريكية (CIA) في التخطيط للعملية.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

وذكر الضابط الصومالي بأنّ فريق تتبع معلم أيمن استفاد من الصراعات التي زادت حدتها داخل جماعة الشباب، على خلفية فقدانها لمناطق واسعة في وسط الصومال، بعد العمليات الناجحة للجيش الصومالي وشركائه الدوليين في ولايتي هرشبيلي وغالمودغ.

يقول “استغلت المخابرات الصومالية تلك الخلافات وتمكنت من زرع رجالها داخل الجماعة.”

أما عن مكانة داود خليف الشهير بـ”معلم أيمن” داخل جماعة الشباب الإرهابية، يقول الضابط، بأنّه كان مرشح جماعة الشباب المجاهدين جناح الأمير أحمد ديري، المعروف أيضا بأبو عبيدة الصومالي، لتولي رئاسة الجماعة، في الفترة التي مرض فيها ديري. لافتاً إلى أنّ اعتراض كاراتي أدى إلى إرجاء الجماعة الترشيحات لحين شفاء ديري.

أسس معلم أيمن جيش “أيمن” بناءً على تكليف من الجماعة في عام 2010، ومعظم أعضاء المجموعة من كينيا، وقاد عمليات جماعة الشباب في جنوب الصومال ثم كينيا، حين كلفته الجماعة مع قواته بشن هجمات في أراضيها ودول أخرى. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “أخبار الآن” فإن مجموعة معلم أيمن المسؤولة عن الهجوم على مطار ماندا باي في كينيا لا يزال أغلبهم على قيد الحياة، وقتل منهم موسى أسد ثم معلم أيمن مؤخراً.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

هل يكون أحمد ديري الهدف القادم لمهاد كاراتي؟

انتقام مهاد كاراتي بعد نجاته من خطة ديري لاغتياله

لكن اغتيال قيادي بارز في جماعة الشباب، بحجم معلم أيمن الذي كان مرشحاً في وقت ما لخلافة أمير الجماعة أحمد ديري، يتطلب اختراق استخباراتي كبير للدائرة الضيقة للقيادات في الجماعة.

وبسؤال ضابط الاستخبارات الصومالي عن ذلك، أجاب بأنّ الانتصارات التي حققتها القوات الصومالية ضد جماعة الشباب في المناطق الوسطى (غالمودغ وهيرشبيلي) دفعت قادة الجماعة إلى الفرار إلى مناطق الجنوب في جوبالاند، حيث تتواجد القيادة العليا لجماعة الشباب.

وذكر أنّ من بين القادة الفارين رئيس جهاز استخبارات جماعة الشباب “أمنيات” مهاد كاراتي. بحسب حديثه وصل كاراتي إلى مدينة جلب في محافظة جوبا الوسطى، ودار قتال عنيف بينه وبين زعيم الجماعة أحمد ديري فور وصوله للمدينة، لافتاً إلى أنّ ذلك لم يكن المرة الأولى. يقول بأنّ أحمد ديري ومعلم أيمن كانا يخططان لقتل كاراتي، فقد كانا حليفين في الخلافات السابقة التي دارت بين ديري وكاراتي.

يتابع الضابط بأنّ الاستخبارات الصومالية كانت على دراية بالخلافات بينهما، فاستغلت الفرصة وتواصلت مع كاراتي، وعرضت عليه التعاون لتصفية غريمه في المنافسة على رئاسة جماعة الشباب معلم أيمن، ووافق كاراتي وبقي لمدة أكثر من شهر على تواصل دائم بالاستخبارات، وقدم المعلومات والمشورة للتخطيط للعملية التي نجحت.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

عملت مجموعة كاراتي على رصد ومراقبة تحركات معلم أيمن، وقدمت وكالة الاستخبارات الصومالية أجهزة تتبع ورصد حديثة إلى كاراتي، فقام رجاله بزرعها في سيارة وبيت القيادي بالجماعة معلم أيمن. تولت القوات الأمريكية مهمة التتبع والرصد، ثم تنفيذ الضربة الجوية بطائرة دون طيار.

لكن كيف تواصلت الاستخبارات الصومالية مع مهاد كاراتي. يجيب الضابط بأنّ الاستخبارات تواصلت مع أقارب كاراتي، وطلبت منهم إبلاغه رسالة برغبتهم في العمل معه لفترة وجيزة، من أجل تحقيق مصلحة مشتركة. وافق كاراتي على العرض وجرى التعاون عبر وسطاء بين الطرفين.

جدير بالذكر أنّ العشائرية تلعب دوراً في كل شيء داخل الصومال، سواء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب أو حتى دعمه في فترات سابقة.

وينتمي كاراتي إلى عشيرة هوية التي تعتبر أكبر العشائر في الصومال، وتسكن فخوذها في مناطق وسط الصومال، ولهذا استفاد كاراتي من تلك الحاضنة في وقت كانت الحكومة الفيدرالية غير قادرة أو عازمة على دحر الإرهاب.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

وتتدخل معادلة العشيرة في مكافحة الإرهاب، ولهذا نجحت قوات معويسلي العشائرية بقيادة علي جيتي في هزيمة وطرد جماعة الشباب الإرهابية من إقليم هيران كونه موطنها، بينما لم تتوسع في مناطق تتبع عشائر أخرى، لأنّ الحساسيات العشائرية تفوق قضية مكافحة الإرهاب.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتورط فيها مهاد كاراتي في عملية اغتيال أحد قيادات الشباب، بحسب تصريح خاص لأخبار الآن في لقاء سابق مع إبراهيم نظارة، أحد أعضاء جماعة الشباب السابقين والذي قال: “مهاد كارتي، هو متهم في داخل جماعة الشباب، كثير من الضباط، وكثير من أتباع الجماعة يتهمونه بالعمالة، لأنه عندما كان ذو سلطة ونفوذ عالٍ، كان يقوم بتصفية الرموز داخل الجماعة، وكانت تحركاته كلها مشبوهة، حتى أنه تم اتهامه بقتل رئيس الجماعة أحمد غوداني”.

دحر الإرهاب

تكشف عملية اغتيال معلم أيمن التي جاءت بتواطؤ من رئيس جهاز استخبارات الشباب، مهاد كاراتي، عن حالة التصدع التي تعيشها الجماعة، نتيجة الضغوط التي تعرضت لها من القوات الفيدرالية وحلفائها العشائريين والدعم الأمريكي والإماراتي.

ومن المتوقع أنّ تزداد حالات الانشقاق من قادة وأفراد داخل الجماعة، مستفيدين من العفو العام والوساطات العشائرية في عقد صفقات مع الحكومة الفيدرالية.

كما أن توجه الحكومة للاستعانة بالقادة المنشقين في محاربة التطرف يوفر لهم فرصاً بديلة، تشجعهم على مغادرة الجماعة ونبذ التطرف والإرهاب.

علاوةً على ذلك، فالعديد من القادة الذين خسروا نفوذهم في جماعة الشباب بعد فقدانهم مناطق سيطرتهم في وسط الصومال، سيطالبون بمواقع نفوذ أخرى في جنوب البلاد، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى صدامات أوسع بين المجموعة المؤيدة لأمير الجماعة أحمد ديري، مقابل المجموعة القادمة من وسط البلاد بزعامة مهاد كاراتي، كما حدث في عملية اغتيال معلم أيمن.

الانتقام المرير في الشباب الصومالية: معلم أيمن يدفع ثمن محاولة اغتيال مهاد كاراتي

وحملت الولايات المتحدة معلم أيمن المسؤولية عن التحضير لهجوم مطار ماندا باي في كينيا.

وفي نوفمبر 2020 أدرجت الخارجية الأمريكية معلم أيمن على لائحة الإرهابيين الدوليين المدرجين بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 المعدل. تمثّل تصفية معلم أيمن إنجازاً كبيراً للصومال والولايات المتحدة، خصوصاً الأخيرة التي تسبب هجوم مطار ماندا باي في كينيا في مقتل أحد جنودها ومواطنين متعاقدين مع وزارة الدفاع، فضلاً عن إصابة جنود ومتعاقدين، إلى جانب الضحايا من القوات الكينية.

ويشكل مطار ماندا باي جزءاً من قاعدة جوية لقوات الدفاع الكينية تستخدمها القوات المسلحة الأمريكية لتوفير التدريب والدعم في مجال مكافحة الإرهاب للشركاء في شرق أفريقيا والاستجابة للأزمات وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة.

يذكر أنّ مجلس الأمن الدولي اتخذ قراراً بالإجماع برفع حظر واردات السلاح المفروض على الصومال، في اجتماع المجلس بتاريخ الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري. صدر القرار رقم (2714) لعام 2023، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ونصّ على “اعترافاً بالمعايير التي تم التوصل إليها بشأن تنفيذ عملية الانتقال الأمني، والخطة الانتقالية للصومال، وهيكل الأمن الوطني، اعتمد مجلس الأمن اليوم بالإجماع قراراً برفع حظر الأسلحة المفروض على حكومة الصومال الفيدرالية”.

وفي تصريحات سابقة لـ”أخبار الآن” أكد ضابط رفيع الرتبة في الجيش الصومالي، على أنّ القرار سيساعد بشكل كبير في القضاء على الإرهاب، معتبراً أنّ أهم أسباب تأخر القضاء على الإرهاب هو عدم امتلاك القوات أسلحة ثقيلة وكافية، وهو الأمر الذي سيتغير بعد قرار رفع حظر السلاح.

 

مهاد كاراتي.. كيف تكشف مسيرته أسرار جماعة الشباب ومستقبلها؟