جماعة الشباب.. دعاية فاشلة

على الرغم من الادعاءات التي تمجد في جماعة الشباب الصومالية، وتصويرها على أنها نموذج ناجح وسط الفروع الأخرى لتنظيم القاعدة، ومحاولات القيادة المركزية للتنظيم الدعاية لنجاحات هذا الفرع، كما ظهر في العدد السابع من مجلة “أمة واحدة” التابعة للقاعدة الصادر في شهر محرم الماضي ١٤٤٤ هجريا، ٢٦ أغسطس ٢٠٢٢، إلا أن هذه الجهود الدعائية في الحقيقة تحاول التغطية على الواقع المأزوم الذي تعيشه الجماعة والأزمات التي تعصف بها.

جماعة الشباب الصومالية.. من ينتصر في الحرب الداخلية على السلطة؟

الصورة الترويجية للعدد السابع من مجلة “أمة واحدة” التابعة للقاعدة والترويج لجماعة الشباب بشكل بارز

فمع حالة التشرذم التي أصابت تنظيم القاعدة، انتقلت تلك الحالة إلى داخل الفروع التابعة للتنظيم، ولا تعد جماعة الشباب استثناء من هذا المشهد، فالانقسامات الداخلية تتواصل داخل جماعة الشباب، لا سيما بين زعيم الجماعة أحمد ديري (أبو عبيدة الصومالي) والفصيل الذي يقوده مهاد كاراتي، رئيس “أمنيات” أي جهاز الأمن والاستخبارات بالجماعة، ولا يبدو التوفيق بين المجموعتين متوقعاً في الفترة الحالية.

يرسل مهاد كاراتي من حين إلى آخر إشارات كافية لإثبات وجوده وتوحي بتطلعه واستعداده لتسنم مقعد القيادة، وقد أصبح هذا الأمر أكثر بروزا عقب التوغل العسكري الفاشل للجماعة في شرق إثيوبيا في يوليو/ تموز الماضي والذي خسرت فيه الشباب مئات المقاتلين، وكشف عن ضعف الجماعة وجعلها تبدو وكأنها بحاجة إلى تغيير قيادي وبالتالي صب ذلك في صالح كاراتي.

ومع تدهور الحالة الصحية لزعيم الجماعة الحالي، أحمد ديري، تزداد حظوظ كاراتي في القفز إلى قمرة قيادة الشباب، لاسيما بعد اغتيال القيادي بالجماعة، عبد الله نذير، في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في غارة جوية أمريكية، وكان من أبرز المرشحين لخلافة ديري، نظراً لأنه عمل كمنسق لكل أنشطة الجماعة، ومسؤولا عن الجبهات العسكرية، وفقاً لوزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور.

مهاد كاراتي، المعروف أيضا باسم عبد الرحمن محمد ورسام. رئيس “أَمنيات” جناح حركة الشباب المسؤول عن المخابرات والأمن، فضلا عن الشؤون المالية للجماعة

يتم جمع الكثير من الأموال التي يتقاتل عليها ديري وكاراتي من خلال الضرائب المفروضة على المزارعين والرعاة ورجال الأعمال في مناطق سيطرة الشباب

ونشط كاراتي إعلاميا في الآونة الأخيرة فيما بدا أنها جهود لتسويق نفسه وإبراز مكانته في الجماعة، وأجرت القناة الرابعة في المملكة المتحدة مقابلة مع كاراتي، تحدث فيها نيابة عن الشباب بدلاً من أميرها المريض، وكأنه تمهيد لنقل القيادة ومحاولة للتعريف بالقيادة المرتقبة، وقال في المقابلة إن حركته مستعدة لتولي إدارة البلاد، وأنها لا يمكن تخويفها.

ويهيمن كاراتي على إمبراطورية مالية كبيرة فقد أشار تقرير حديث إلى أن الشباب تجمع أموالا أكثر مما تجنيه السلطات الصومالية، كما كشف تقرير نشرته الأمم المتحدة أن الميزانية السنوية للجماعة  تقارب 100 مليون دولار، أغلبها مما تدفعه الشركات المحلية بالإجبار والتبرعات الأجنبية، ويتم تخصيص ربع هذا المبلغ تقريباً لشراء أسلحة متطورة.

جماعة الشباب بين جناحي ديري وكاراتي

من المعروف أن مهاد كاراتي يتصرف بطريقة توصف بأنها تتسم بالاستقلالية عن قيادة الجماعة، ولهذا السبب تمت إقالته من مناصب قيادية مختلفة في الماضي، لكنه استطاع أن يظل قوياً وأن يُثَبّت نفوذه بحيث صار اليوم قريباً جداً من موقع القيادة، فهو يقود جناح جماعة الشباب المسؤول عن المخابرات والأمن، فضلا عن الشؤون المالية.

ويُعرف كاراتي أيضا باسم عبد الرحيم محمد ورسام، وهو مدرج على لوائح الإرهاب الأمريكية منذ 10 أبريل/نيسان 2015، ويعرض برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، إذ لعبت “أَمنيات” دورا رئيسيا في تنفيذ الهجمات الانتحارية والاغتيالات في الصومال وكينيا ودول أخرى في المنطقة، وأُدرج اسمه كذلك على لوائح الجزاءات بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في 26 شباط/فبراير 2021 لاتهامه بالمشاركة في أعمال تهدِّد السلام والاستقرار في الصومال.

وكان الجيش الكيني أعلن في فبراير/شباط 2016 عن مقتل كاراتي، وعشرة قادة آخرين في ضربة جوية في الصومال، لكن تبين زيف هذا الإعلان.

وتكشف تقارير أن ديري سبق وأن أوكل صلاحياته إلى نائبه الشيخ أبو بكر علي آدم، ويُعتقد أن ذلك حدث حينما كان قائد الجماعة مريضًا وغير قادر على أداء وظيفته، وهي خطوة يقال إنها زادت من الخلافات الداخلية بسبب تجاوزه المتعمد لكاراتي.

وبحسب وكالة المخابرات الصومالية، فإن آدم – الذي تم وضع اسمه على قائمة الإرهابيين المطلوبين للولايات المتحدة- قاد الجماعة بالفعل لفترة من الوقت، وكان ديري يعاني من مرض خطير أصاب كليتيه، مما جعله ينام في الفراش لتلقي العلاج.

أحمد عمر المعروف أيضًا باسم أبو عبيدة الصومالي أو عمر ديري هو أمير حركة الشباب الصومالية

أموال الشباب في قلب صراع السلطة كاراتي يريد النصيب الأكبر لعشيرته في الوقت الذي يتهمه ديري بإخفاء هذه الأموال

وظهرت التقارير التي تفيد بأن كاراتي كان مريضًا لأول مرة عام 2018، عندما انتشرت التكهنات بأن الجماعة بدأت في إعداد ترتيبات انتقال القيادة العليا قبل الموت المحتمل لديري، في وقت واجهت فيه الشباب ضغوطًا أكبر من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، بالتوافق مع زيادة الضربات الجوية الأمريكية، لكن مجلس الشورى (المجلس التنفيذي لجماعة الشباب)، لم يتفقوا على تسمية خليفة للقائد، مع الإشارة إلى أن كاراتي أحد أعضاء الشورى الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين.

وشاع الحديث عن وقوع خلافات بين كاراتي وقيادة الجماعة، أقدم حينها الأول على حجب الموارد المالية عن القيادة لبعض الوقت، مما أدى إلى شل قدرة القيادة على دفع رواتب المقاتلين، وأخذ ديري في إبعاد أنصار كاراتيه الذين ينتمي غالبيتهم لعشيرة هبر جدير، وردا على ذلك، بدأ كاراتي في استهداف “الراحاوين” عشيرة ديري، وهدد أبناء هبر جدير بإنشاء تنظيم منافس للشباب، مما حدا بديري للتراجع وإنهاء النزاع خوفاً من تصدع التنظيم، وظل كاراتي يحكم قبضته على الموارد المالية.

 وبحسب مصادر أمنية فقد ظهرت بوادر هذا الخلاف بين الرجلين بعد وفاة عبد الفتاح بري الذي كان قائدا كبيرا في مناطق جوبا، وكان يحظى باحترام من بين المستويات العليا في الجماعة.

سيل الانشقاقات

أسهمت سياسة الحكومة الصومالية في زعزعة صفوف الشباب عن طريق احتوائها للمنشقين منهم، ومؤخراً ثارت نقاشات وضجة كبيرة بعد تعيين النائب السابق لقائد جماعة الشباب والمتحدث باسمها مختار روبو (أبو منصور)، وزيرا للشؤون الدينية في الحكومة.

واستقبل الصوماليون الخبر بمشاعر متباينة، فقد كان مدرجا على القائمة الأمريكية للإرهابيين المطلوبين مع مكافأة قدرها 5 ملايين دولار، واليوم مازال الرجل مطلوباً ولكن هذه المرة فإن جماعته السابقة هي التي أهدرت دماءه وأصدرت فتوى بتكفيره على لسان المتحدث باسمها علي طيري، في بيان مسجل له.

وكان روبو الرجل الثاني في الجماعة لكن منذ عام 2013 بدأ ولاؤه للجماعة يتزعزع، قبل أن يختلف بشدة مع زعيمها، أبو عبيدة، وفي يونيو/ حزيران 2017، رفعت الولايات المتحدة في هدوء اسمه من قوائم الإرهاب بعد خمس سنوات من إدراجه، وتصالح مع الحكومة المدعومة دوليا، في أغسطس/آب 2017، بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين أنصاره ومقاتلي الجماعة.

و شارك الرجل بمجموعته مع القوات الحكومية في المواجهات التي اندلعت مع جماعة شباب المجاهدين في إقليم “بكول”، مما دفع الحكومة الصومالية إلى تقديم مساعدات عسكرية له، ضمن سياسة تهدف لتشجيع مزيد من الانقسامات بالجماعة، لا سيما من القادة الممتعضين من قيادة زعيمها ديري.

كما ساهمت الصراعات الداخلية بالجماعة في إنجاح مساعي الحكومة التي استقبلت ورحبت بالعديد ممن تركوا صفوف الجماعة، ومن المنشقين البارزين أيضا، محمد سعيد، القيادي البارز في شرق الصومال، والشيخ حسن طاهر أويس، زعيم الحزب الإسلامي سابقا، إسماعيل حرسي، الذي كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات في الجماعة، وسلم نفسه للحكومة عام 2014، على خلفية الانقسامات داخل الجماعة.

إلا أن جانبا من الانشقاقات حدث في الاتجاه المعاكس؛على غرار انشقاق القيادي عبد القادر مؤمن، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، الذي بايع تنظيم داعش برفقة 200 محارب من مؤيديه، ما أفضى إلى وقوع اشتباكات مع الجماعة، فبجانب الخلافات الشخصية، فإن الشباب ليسوا على نفس الدرجة من القناعة بضرورة الاستمرار في الحفاظ على الولاء لتنظيم القاعدة.

بالإضافة الى الذين تركوا جماعة الشباب الصومالية وانشقوا عنها بعد ثبات افلاسها، انضم العديد من المواطنين غلى صفوف القوات الصومالية بما فيهم النساء من أجل مواجهة إرهاب الجماعة الصومالية المتشددة. يشار إلى أن القوات الصومالية تمكنت هذا الاسبوع من توجيه ضربة موجعة للشباب الصومالية وذلك بتصفية 3 من جامعي الإتاوات بالجماعة الإرهابية، وهو ما قد يؤدي إلى شلل استراتيجي للجماعة في حال استمرت عمليات استهدافها خاصة في مصادر تمويلها

جماعة الشباب الصومالية.. من ينتصر في الحرب الداخلية على السلطة؟

في بلدة حدر بمنطقة باكول، انضم مواطنون، بمن فيهم نساء، لمحاربة جماعة الشباب من أجل القضاء على الإرهاب “

ونشرت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، صورا للمواطنين الذين تطوعوا للمشاركة في مواجهة إرهاب جماعة الشباب الصومالية التي تعتمد على جمع الأتاوات من المواطنين كمصدر أولي من مصادر تمويل هجماتها الإرهابية على السكان الأبرياء.

 

من هو النهدي المنتظر؟

بالنظر إلى الأداء الدعائي القوي لجماعة الشباب، ومدى مجافاته للواقع أحياناً فإن ذلك يطرح تساؤل عن مدى تأثير ومصداقية خطاب الجماعة في نفوس أتباعها؛ إذ لا يكف المتحدث باسمها، عن نشر بيانات مغلوطة مثل المبالغة في أعداد قتلى هجماتهم من الأجانب، مما يساهم في إضعاف مصداقية القيادة الحالية للجماعة عندما يتم الكشف عن الأرقام الحقيقية، وبالتالي يفتح ذلك بابًا للانشقاقات.

وعلى مدى سنوات، قدمت “أخبار الآن” ​​تقارير عن الانقسامات الداخلية للقاعدة في اليمن وكيف أدى ذلك إلى انشقاق أسماء بحجم أبو عمر النهدي، الأمير السابق للتنظيم في المكلا، وأحد أبرز القادة الذين اختلفوا مع خالد باطرفي، زعيم التنظيم، وانتقدوا نهجه بشدة.

لا شك أن قادة جماعة الشباب يراقبون تطورات الحركات الجهادية عن كثب. ففي سوريا، قضى أبو محمد الجولاني على معظم منافسيه وخاصة وجود تنظيم القاعدة في مناطق نفوذه. 

وفي أفغانستان، لم تهدر جماعة طالبان الكثير من الوقت مع تنظيم القاعدة بعد وصولها إلى السلطة، ولم يبقَ أيمن الظواهري على قيد الحياة لفترة طويلة.

وبعد أشهر من مقتل الظواهري، لا يزال تنظيم القاعدة غير قادر على اختيار خليفة له، بينما يظل المرشحين الأبرز لتولي قيادة التنظيم خلفًا للظواهري مقيمين في طهران تحت قبضة الحرس الثوري الإيراني.

وفي اليمن، تمزّق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بسبب تحالفه مع الحوثيين والقتال الداخلي، ونتج عن ذلك العديد من الانشقاقات داخل التنظيم، بما في ذلك انشقاق شخصيات بارزة مثل أبو عمر النهدي.

بشكل عام، يرى الجهاديون بوضوح أن وهم ”الجهاد العالمي“ الذي تبنّته القاعدة قد فشل فشلًا ذريعًا، وأن أي شخص يستمر في السير على هذا الطريق ويتمسك به، فإن نهايته القبض عليه أو قتله. فقط أولئك الذين يتخلون عن مبدأ ”الجهاد العالمي“ ويركزون على الصراعات المحلية يبدو أنهم وجدوا طريقهم للنجاة من هذا المصير. وتحت كل هذه الظروف، لا يستبعد أن نرى نسخة جديدة من “النهدي” تبرز من قلب قيادات جماعة الشباب.