في منطقة رمادية بعيدة عن الواقع.. في زاوية سوداء كئيبة في هذا العالم تقبع المرأة الإيغورية منذ سنوات تحت وطأة القمع والاضطهاد الذي تمارسة الصين بحق أقلية الإيغور المسلمة.

فمن التعذيب والاغتصاب، إلى العمل القسري ونظام السخرة؛ وصولا إلى حرمانهن من حقهن الطبيعي بالإنجاب، وليس انتهاءً بسلب حياتهن ومستقبلهن وأحبائهن.

في يوم المرأة العالمي وفي الوقت الذي ينادي فيه العالم بإنصاف المرأة ومنحها حرية اختياراتها وقراراتها، تعيش المرأة الإيغورية في مكان خارج هذا الواقع، فلا يحصلن على إنصاف ولا عدالة ولا حتى أبسط الحقوق الآدمية.

وبين الآلاف من قصص الاضطهاد والاغتصاب والتعذيب، نستعرض في هذا التقرير قصص ست من نساء الإيغور، اللاتي واجهن ما لم تواجهه غيرها من انتهاكات ضد الإنسانية. 

لبينور صديق

في يوم المرأة العالمي.. 6 نساء شجاعات كشفن ما يتعرض له الإيغور

كشفت العديد من النساء عن فظائع كثيرة تحصل داخل معسكرات الاعتقال الصينية في شينجيانغ، حيث تحتجز الصين أكثر من 1.8 مليون مسلم من أقلية الإيغور.

وفعلياً، فإن هذه الشهادات تكشفُ عن انتهاكات لا يمكن تصوّرها أبداً، وهي ترقى إلى حدّ الإبادة الجماعية ضدّ الأقليات العرقية، ومع هذا، فإن ما يحصل داخل المعسكرات يكشف عن حقد الصين الكبير ضدّ الأديان والأقليات، وهي تلجأ إلى كل الوسائل لإنهاء وجودهم، غير آبهة بأي قوانين ومواثيق دولية تحفظ حقوق الإنسان.

“قلبينور صديق” الإيغورية التي عايشت الكثير من الانتهاكات في معسكر الاعتقال بمنطقة شينجيانغ، خصوصاً تلك التي كانت تطال النساء على وجه التحديد.

وأشارت صديق إلى أنها أجبرت على قضاء عدة أشهر في التدريس بمركزين للاعتقال في شينجيانغ عام 2017، كما تحدثت عن حالات اغتصاب حصلت داخل تلك المراكز.

وفي شهادتها، تقول صديق إن رجال الشرطة كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض كيف قاموا باغتصاب وتعذيب الفتيات داخل مراكز الاعتقال.

ومع هذا، تشير السيدة أنّ المحتجزات كانوا يبكين بشكل مستمر، حتى أنه في الكثير من الأحيان تكون أقدامهنّ وأيديهنّ مقيدة بالسلاسل الحديدية.

 تورسوناي زياودون

تورسوناي زياودون، سيدة أخرى لم ترتكب أي جريمة، عند احتجازها لأول مرة في أبريل/نيسان 2017، وذلك بعد عودتها إلى منزلها في مقاطعة شينجيانغ للحصول على وثائق رسمية. 

وبعد شهر من الاحتجاز، تم الافراج عن زياودون، إلا أنه تم استدعاؤها من جديد إلى المخيم في مارس/آذار 2018، وقد مكثت في المعتقل لمدّة تصل إلى 9 أشهر.

وفي حديثها تكشف زياودون أنّها نُقلت إلى زنزانة مع حوالى 20 امرأة أخرى، حيث تم إعطاؤهن القليل من الطعام والماء ولم يُسمح لهن باستخدام المرحاض إلا مرة واحدة يومياً لمدة 3 إلى 5 دقائق، وتضيف:

“النساء اللواتي يستغرقن وقتاً أطول في المرحاض، يتعرضن للصعق عبر عصي مكهربة”.

ولفتت زياودون إلى أنه خلال إحدى جلسات التحقيق، تم ضربها من قبل ضباط الشرطة، كما أنه تم تعريضها لتلك العصاة المكهربة أيضاً.

وفي شهادتها، كشفت زياودون أنّه ذات مرة عندما تم أخذها من زنزانتها، سمعت فتاة في غرفة مجاورة تبكي وتصرخ، وتضيف: “رأيت حوالى 5 أو 6 رجال يدخلون تلك الغرفة، ظننت أنهم يعذبونها، ولكن بعد ذلك تبين أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي”.

في يوم المرأة العالمي.. 6 نساء شجاعات كشفن ما يتعرض له الإيغور

سايرغول سايوتباي

لم تقتصر ممارسات السلطات الصينية على المعسكرات التي تحولت الى أكبر معتقلات تمارس فيها  أبشع  أنواع  التعذيب وتسعى من خلالها  السلطات  الصينية  إلى تدمير هوية  الإيغور وإلغائهم، فإن ما جرى ويجري داخل هذه  المعتقلات يفوق حدود التصور.

حقائق وثقتها سايرغول سايوتباي التي استطاعت الهروب إلى كازاخستان حيث سجنت أشهر عدة وكادت السلطات أن تعيد تسليمها إلى الصين قبل أن تقبل بها السويد كلاجئة.

وتشهد تلك الحقبة جريمة جديدة بحق نساء الإيغور، فالسلطات الصينية تجبر المسلمات في مراكز الاحتجاز الجماعية على تناول أدوية مخدرة ولقاحات لتعقيمهن وحرمانهن من الإنجاب.

ميهريغول تورسون 

“بعد التحقيق معي، تم اقتيادي إلى السجن وتعرضت هناك إلى التعذيب لمدة 3 شهور، حيث تم إخراجي إلى المستشفى من أجل إلقاء نظرة على ابني الذي كان مريضا في المستشفى، فابني المريض ليس له ذنب.. ليتم إعادتي مرة أخرى  السجن والتعذيب، بتهمة سفري إلى مصر لتعلم الإرهاب.. فكنت أخبرهم أن الإسلام ليس إرهابا، وقد سافرت إلى مصر من أجل تعلم اللغة العربية”، هذا كان قسما من شهادة الإيغورية ميهريغول تورسون على ما يحدث داخل المعتقلات الصينية

وزادت في معرض حديثها :”بدأ التحقيق معي حول سبب ارتدائي للحجاب وسفري إلى مصر وعلاقتي بالإرهاب، وتحت قسوة التعذيب أجبرت أن أقول لهم إني لست مسلمة ولا أعرف الصلاة، حتى لا يستمروا في تعذيبي أكثر، وما زالت لحد الآن أعاني من ألم الضرب والتعذيب..”.

وعن حدة تعذيبها، ذكرت:

”كنت تحت ألم التعذيب أصرخ وأقول يا الله.. فكانوا يسألونني لماذا تنادين الله.. نادينه من أجل أن نراه..”.

وعن أجواء ما تعيشه مسلمات الإيغور داخل غياهب السجون الصينية، تروي ميهريغيل تورسون، حالات الإهمال المتعمد، في حق نساء عزل، لا ذنب لهن، سوى كونهن مسلمات.

وعن أجواء سجون ومعتقلات الإيغور في الصين، تروي قائلة :”بعد التعذيب أخذوني إلى زنزانة صغيرة تحوي 68 إمرأة، لمدة أربعة شهور، بدون استحمام أو شرب للماء، ويقدمون 3 وجبات أغلبها أرز ولا أعرف ما هي، لكن كنت مجبرة على أكل الوجبات من أجل أن أعيش.. وكان بعض النساء يموتون من القهر وسوء التغذية داخل هذه السجون”.

جولبهار جليلوفا

 قضت أكثر من 15 شهراً في أحد هذه المعسكرات قبل إطلاق سراحها، وتقول إن نحو 30 امرأة، في الفئة العمرية من 18 إلى 80 سنة، أُجبرن على تقاسم زنزانة صغيرة من 7 أمتار في 2 متر تحتوي على مرحاض في الهواء الطلق.

 “وتلقت المعتقلات ثلاث وجبات في اليوم عبارة عن خبز صغير وحساء دقيق الذرة” تضيف جليلوفا

وتابعت: “إذا تم القبض على أي أحد يتحدث لغة الإيغور، فسوف يعاقب ونُمنع من إعطاء الحساء، كان علينا فقط أن يتحدثوا الصينية”.

وبما أنه لم يكن هناك مجال كاف لكل شخص للاستلقاء جنباً إلى جنب، فإن نصفهن سيقف بينما ينام النصف الآخر بالتناوب، وسُمح لهن بالاستحمام مرة واحدة في الأسبوع، وكان عليهن أن ينتهوا من الاستحمام في غضون 40 دقيقة.

لذلك، كان لديهن قطعة واحدة فقط من الصابون الذي كان عليهن تقسيمه إلى 30 قطعة، ولا يُسمح للمحتجزات بالتحدث مع بعضهن البعض، كانت تُعطى لهم الحبوب التي تجعلهن خاضعات كل يوم.

في يوم المرأة العالمي.. 6 نساء شجاعات كشفن ما يتعرض له الإيغور

وقالت جولبهار جليلوفا: “لقد أسروني وأخذوني إلى الزنزانة رقم 704 وعندما دخلت الزنزانة، رأيت فتيات ونساء مقيدات من أيديهن وأقدامهن، وفي اليوم التالي، قاموا بالنداء من خلال السماعات، مطالبين النساء اللاتي لا يحملن أغلالا بالوقوف.

بعد فترة وجيزة، وضعت قيود بحجم 5 كجم حول قدمي؛ منذ ذلك اليوم، وبقيت هكذا لأكثر من عام.

وأضافت جولبهار جليل: “يتم استجوابنا باستمرار، بالنسبة لي تم استجوابي بعد ثلاثة أشهر من احتجازي، ولكن قبل ذلك، رأيت سجينات آخريات يأخذونهن للاستجواب، وكان يستمر هذا الاستجواب لمدة تصل من 24 ساعة إلى 72 ساعة، وبعد ذلك يعودن إلى الزنزانة وهن ينزفن، كن يتعرضن للضرب على رؤوسهن، وكان لديهن كدمات وجلد ممزق في كل مكان”.

 وأكملت: “أثناء احتجازي، كان من أصعب الأمور بالنسبة لي أن أشهد إمرأة حامل أنجبت في مستشفى، ثم أُعيدت إلى الزنزانة، ولكن تم إبقاء طفلها في المستشفى.

وتواصل جليلوفا سرد ما تعرضت له فتقول:

“في المعسكر، كانوا يضربوننا، ويأخذوننا إلى غرف مظلمة ويحبسوننا، كانت الغرف مليئة بالفئران الضخمة، وكانت هناك كراسي معدنية، وبما أنه لم يكن هناك مساحة، كنا نجلس على الكراسي المعدنية، كل 10 أيام، يطلبون منا الاصطفاف وتقوم 10 شرطيات مسلحات بالدخول إلى الزنزانة ببنادق صاعقة، ويجبروننا على خلع ملابسنا والقيام بثلاث من وضعية الجلوس والاستلقاء.

وتضيف: “كانوا يعطوننا أدوية كل يوم، كانوا يطلبون منا أن نصطف ويأمروننا بأخذ الأقراص، كل 10 أيام، كانوا يحقنوننا، أنا لا أعرف ما كانت تلك الأدوية ولماذا كانوا يحقنوننا؛ أدركت الآن أنها كانت لمنع الفتيات من دورتهن الشهرية لأنهم لا يوفرون لنا الحشوة الوقائية الصحية أو أي شيء آخر، والحقن من أجل جعلنا عقيمات أيضاً.

جولبهار هيتيواج

قصة جولبهار هيتيواج لا تختلف كثيرا عن قصة غيرها من نساء الإيغور، فهي أيضا تعرضت للاعتقال والتعذيب والتنكيل بدون اتهام.

تقول جولبهار: “لم نر ضوء النهار منذ وصولنا إلى المعتقل إذ تم إغلاق جميع النوافذ بواسطة تلك المصاريع المعدنية اللعينة، كنا محاطين بالصحراء على مد البصر، رغم أن أحد رجال الشرطة وعدني بأن أحصل على هاتف، إلا أنه لم يف بوعده”.

وتكمل:

“لقد كان كابوساً حاضرأً دائماً في ذهني.. تحت النظرة الجامدة للكاميرات الأمنية، لم أستطع حتى الانفتاح على زملائي المعتقلين، كنت متعبة جداً، لم أستطع حتى التفكير أكثر”.

وتواصل جولبهار: “دفعني العدد الهائل من الحراس والسجينات الأخريات الذين مررنا بهم أثناء تنقلنا إلى الاعتقاد بأن هذا المعسكر ضخم جداً، كل يوم، كنت أرى وجوهاً جديدة تشبه الزومبي وانتفاخات تحت العينين. بحلول نهاية اليوم الأول، كنا سبعة في زنزانتنا؛ بعد ثلاثة أيام كان هناك 12، عدد قليل من العمليات الحسابية السريعة، لقد أحصيت 16 زنزانة بما في ذلك زنزانتي، كل زنزانة بها 12 سريراً ممتلئة.. والتي كانت تكفي لما يقرب من 200 محتجز في بيجيانتان. مائتا امرأة انتزعوا من عائلاتهم، مائتا شخص محبوسون حتى إشعار آخر؛ وظل المعسكر يمتلئ يوماً بعد يوم..

ما ورد آنفا وعلى الرغم من سوداويته؛ إلا أنه نقطة في بحر ما يحدث بحق أقلية الإيغور المسلمة على يد السلطات الصينية.. التي تواصل جهودها لإبادة الأقلية ومحو تاريخها وتشويه حاضرها وإلغاء مستقبلها.