الرئيس الصيني يستعمل الحرب النفسية والدعاية وإساءة استخدام القانون لتعزيز طموحاته الإقليمية

باعتبارها أكبر وأقوى وأقدم ديكتاتورية في العالم، تفتقر الصين المُعاصرة إلى سيادة القانون. ومع ذلك، تستخدم بشكل متزايد برلمانها الذي يعمل كمجرد ختم للتصديق الروتيني لسن تشريعات محلية تؤكد المطالبات والحقوق الإقليمية في القانون الدولي. في الواقع، أصبحت الصين بارعة جدًا في شن “الحرب القانونية” – إساءة استخدام وانتهاك القانون لتحقيق غايات سياسية وإستراتيجية.

وفي ظل قيادة “القائد العام” شي جين بينغ الترهيبية والفوضوية، تحولت الحرب القانونية إلى عنصر حاسم في النهج الأوسع نطاقًا الذي تتبناه الصين في التعامل مع الحرب غير المتكافئة أو الهجينة. إن عدم وضوح الخط الفاصل بين الحرب والسلام مُكرس في الإستراتيجية الرسمية للنظام باعتباره مبدأ “الحروب الثلاثة” (سان جونغ جانفا). وفي حين يمكن أن يكون القلم أقوى من السيف، فقد أثبتت الحرب القانونية، والحرب النفسية، وحرب الرأي العام أيضًا قوتها على نحو مماثل.

ومن خلال هذه الأساليب، يسعى شي إلى تبني السياسة التوسعية دون إطلاق رصاصة واحدة. لقد أثبت العدوان الصيني السلمي بالفعل قدرته على تغيير قواعد اللعبة في آسيا. فقد أدى شن الحروب الثلاثة إلى جانب العمليات العسكرية إلى تحقيق الصين مكاسب إقليمية كبيرة.

وفي إطار هذه الإستراتيجية الأوسع نطاقًا، تهدف الحرب القانونية إلى إعادة صياغة القوانين لإحياء الأوهام التاريخية وإضفاء الشرعية على الإجراءات غير القانونية بصورة رجعية. على سبيل المثال، قامت الصين مؤخرًا بسن قانون الحدود البرية لدعم نهجها التحويلي في التعامل مع المناطق في جبال الهيمالايا. ومن أجل تعزيز سياستها التوسعية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، أقرت قانون خفر السواحل وقانون سلامة حركة المرور البحرية في وقت سابق من هذا العام.

إقرار الصين لقوانين تُجيز استخدام القوة في المناطق المتنازع عليها

تم إقرار القوانين الجديدة، التي تُجيز استخدام القوة في المناطق المتنازع عليها، في خضم تصاعد التوترات مع البلدان المُجاورة. وقد تم سن قانون الحدود البرية وسط حالة من الجمود العسكري في جبال الهيمالايا، حيث خاض أكثر من 100 ألف جندي صيني وهندي مواجهات منذ ما يقرب من 20 شهرًا في أعقاب الغارات الصينية المُتكررة على الأراضي الهندية.

وفي ظل التعامل مع المياه المتنازع عليها باعتبارها مياه الصين، لا ينتهك قانون خفر السواحل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فحسب؛ بل يمكن أن يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح مع اليابان أو الولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل، يُهدد قانون الحدود البرية بإشعال نيران الحرب مع الهند من خلال الإشارة إلى نية الصين في تحديد خط الحدود من جانب واحد. بل إنه يمتد إلى أنهار التبت العابرة للحدود، حيث تعلن الصين عن حقها في تحويل أكبر قدر ممكن من المياه المشتركة متى أرادت ذلك.

وقد تم إقرار هذه القوانين الأخيرة في أعقاب نجاح إستراتيجية “الحروب الثلاثة” في إعادة رسم خريطة بحر الصين الجنوبي – على الرغم من القرار الصادر عن هيئة التحكيم الدولية برفض المطالبات الإقليمية الصينية هناك – ثم السيطرة على هونغ كونغ، التي ازدهرت منذ فترة طويلة في ظل المؤسسات الديمقراطية باعتبارها مركزًا ماليًا عالميًا رئيسيًا.

 

سعي متواصل للسيطرة على بحر الصين الجنوبي

وفي بحر الصين الجنوبي، الذي تمر عبره نحو ثلث التجارة البحرية العالمية، عمل نظام الرئيس شي جين بينغ على تصعيد الحرب القانونية لتعزيز السيطرة الصينية، مما أدى إلى تحويل ادعاءاته التاريخية المفتعلة إلى حقيقة واقعة. وفي العام الماضي، بينما كانت البلدان المطالبة الأخرى تُكافح للتغلب على جائحة فيروس كوفيد 19، أنشأت حكومة الرئيس شي منطقتين إداريتين جديدتين لتعزيز مطالبتها بالسيادة على جزر سبراتلي وباراسيل وميزات الأراضي الأخرى. وفي تحدٍ آخر للقانون الدولي، أعطت الصين أسماء بلغة الماندرين الصينية إلى 80 جزيرة، وشعاب مرجانية، وجبال بحرية، ومياه ضحلة، وتلال، 55 منها مغمورة بالكامل.

يُعد قانون الأمن القومي لهونغ كونغ، الذي تمت المصادقة عليه في منتصف عام 2020، عملاً عدوانيًا مماثلاً لأعمال الحرب القانونية. لقد استخدم شي هذا القانون لسحق الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونج كونج وإلغاء الضمانات المنصوص عليها في معاهدة الصين المسجلة لدى الأمم المتحدة مع المملكة المتحدة. ألزمت المعاهدة الصين بالحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية وحق تقرير المصير السياسي لمواطني هونغ كونغ لمدة لا تقل عن 50 عامًا بعد استعادة السيادة على الإقليم.

يُثير نجاح الإستراتيجية في تفكيك الحكم الذاتي لهونغ كونغ التساؤل عما إذا كانت الصين ستقوم الآن بسن تشريع مشابه يستهدف تايوان أو حتى المطالبة بتطبيق قانون مناهضة الانفصال الذي أقرته عام 2005، والذي أكد عزمها على إخضاع الديمقراطية في الجزيرة لحكم البر الرئيسي للصين. وفي ظل تصعيد الصين لحربها النفسية والمعلوماتية، يكمن الخطر الحقيقي في احتمال تحركها ضد تايوان بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين المُقررة في فبراير / شباط المُقبل.

 

الصين تستعمل نفوذها لانتهاك حدود الدول الصغيرة

لم تستثن سياسة شي جين بينغ التوسعية حتى مملكة بوتان الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 784.000 نسمة فقط. وعقب تجاهل المعاهدة الثنائية التي أبرمت عام 1998 وألزمت الصين “بعدم اللجوء إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن على الحدود”، قام النظام ببناء قرى عسكرية في المناطق الحدودية الشمالية والغربية لبوتان.

وكما تُبين هذه الأمثلة، تمنح التشريعات المحلية على نحو متزايد الصين الحق في انتهاك القانون الدولي الملزم، بما في ذلك المعاهدات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تُعد طرفًا فيها. ومع احتجاز أكثر من مليون مُعتقل، فقد سخرت معسكرات الاعتقال لمسلمي الإيغور في شينجيانغ التي أمر بها الرئيس الصيني شي جين بينغ باتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي انضمت إليها الصين في عام 1983 (مع أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالمادة التاسعة من الاتفاقية، وهو البند الذي يسمح لأي طرف في نزاع بتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية). ونظرًا إلى أن السيطرة الفعلية هي بمثابة شعار للمطالبة الإقليمية القوية في القانون الدولي، يستخدم شي تشريعًا جديدًا لدعم إدارة الصين للمناطق المتنازع عليها، بما في ذلك مع المناطق المزروعة حديثًا.

يُعد إثبات مثل هذه الحقائق على أرض الواقع جزء لا يتجزأ من التوسع الإقليمي الذي يطمح إليه شي. ولهذا السبب حرصت الصين على إنشاء جزر صناعية ومقاطعات إدارية في منطقة بحر الصين الجنوبي، والسعي إلى تحقيق قدرة عسكرية لبناء القرى في الأراضي الحدودية الواقعة على جبال الهيمالايا التي تعتبرها الهند وبوتان ونيبال ضمن حدودها الوطنية.

على الرغم من هذه التجاوزات، لم يتم إيلاء أي اهتمام دولي يذكر لحرب شي القانونية أو الحرب المُختلطة الأوسع نطاقًا. إن التركيز على التعزيزات العسكرية للصين يحجب حقيقة مفادها أن الدولة تعمل بهدوء على توسيع حدودها البحرية والبرية دون اللجوء للحرب. بالنظر إلى الهدف الرئيسي الذي يسعى شي إلى تحقيقه – والمُتمثل في تحقيق تفوق الصين على الصعيد العالمي تحت قيادته – يتعين على الديمقراطيات في العالم العمل على ابتكار استراتيجية منسقة لمواجهة إستراتيجية الحروب الثلاثة التي يعتمدها شي.

 

Copyright: Project Syndicate, 2021.

www.project-syndicate.org