باخموت مدمرّة بالكامل بسبب القصف العنيف

ما تزال الحرب مستعرة على جبهات عدة في أوكرانيا، حتى في باخموت التي صمدت لنحو أكثر من 8 أشهر أمام الهجمات الروسية وانتشار عناصر مرتزقة فاغنر.

تعرضت المدينة الصناعية الصغيرة في شرق أوكرانيا للقصف الروسي، وبحسب نائب عمدة المدينة أولكساندر مارشنكو، بقي بضعة آلاف من المدنيين يعيشون في ملاجئ تحت الأرض دون ماء أو غاز أو كهرباء.

وقال مارشنكو لبي بي سف يوقت سابق إن “المدينة تقريباً دُمرت”، مضيفا أنه “لم يبق مبنى واحد دون إصابة في هذه الحرب”.

واستطاعت “باخموت” صد صواريخ روسيا الباليستية والفرط صوتية وغيرها من الصواريخ، لكنها سقطت بالنسبة للرواية الروسية، و لا تزال صامدة بالنسبة للرواية الأوكرانية. ولكن يبقى السؤال ما هي قيمة وأهمية باخموت الأوكرانية، وهل تستحق الثمن الذي دفعته روسيا؟

خريطة توضح ميدنة باخموت في شرق أوكرانيا

هل باخموت تستحق؟

تقع المدينة شمالي مقاطعة دونيتسك، حيث شهدت تقدمًا للقوات الروسية وقوات فاغنر العسكرية، التي قال عنها البيت الأبيض إنها تكبدت خسائر فادحة في الأرواح، خلال هذه المعركة وصل عددها لنحو 30 ألفًا من عناصرها، بما في ذلك ما يقرب من 9 آلاف مسلح.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، للصحفيين في إفادة دورية، إن مجموعة فاغنر حققت مكاسب متزايدة داخل باخموت وحولها خلال الأيام القليلة الماضية، لكن تلك المكاسب استغرق تحقيقها عدة أشهر وجاءت “بتكلفة مدمرة لا يمكن تحملها”.

ووفق تقديرات حلف الناتو، يموت خمسة جنود روس مقابل جندي واحد أوكراني في باخموت، وبحسب سكرتير الأمن القومي الأوكراني أولكسي دانيلوف أن المعدل أعلى من ذلك، ويبلغ سبعة مقابل واحد

الطبيعة الملحمية للمعركة التي تجري للسيطرة على المدينة لا تتناسب مع أهميتها الاستراتيجية المحدودة إلا أنها اكتسبت أهمية رمزية كبيرة بسبب طول مدة وضراوة المعارك حولها، حيث إن أجزاء كبيرة منها دُمرت بفعل القصف.

هل تستحق باخموت "الثمن" الذي دفعته روسيا؟

وبالنسبة للأوكرانيين تعد المدينة وهي عقدة مواصلات استراتيجية تبعد 65 كيلومترًا شمال مدينة دونيتسك؛ المركز الإداري للمقاطعة ونحو 600 كيلومتر عن العاصمة كييف حصنا للدفاع عن باقي مدن منطقة المقاطعة.

مناجم الملح

لم يكن للمدينة التي كان يسكنها أكثر من 70 ألفًا أهمية زراعية أو صناعية تذكر، حيث إنها مدينة معروفة باستخراج الملح الصخري، وهي تساهم بنسبة 30% من الإنتاج الوطني لذلك يطلق عليها “مدينة الملح”، وتقع مناجم الملح في مدينة سوليدار على بُعد 10 كيلومترات شمال شرق باخموت.

وتقع باخموت على أطراف الطريق الدولي “إتش- 32″، الذي يصلها بمدن كونستانتينيفكا ودروجكيفكا وكراماتورسك وسلافيانسك إضافة لاقترابها من الطريق الدولي “إم-03” الذي يصلها مباشرة بسلافيانسك ويتابع نحو منطقة خاركييف بعدها.

أما بالنسبة لكييف، فقد باتت باخموت حصن الدفاع عن بقية مدن دونيتسك؛ إذ توجه منها القوات الأوكرانية ضربات قوية صوب المواقع الخاضعة منها للسيطرة الروسية.

وتعي القوات الروسية والأوكرانية على حد سواء أن سقوط المدينة في يد الروس سيمنحهم فرصة للتقدم؛ إذ يبعث الجانبان بتعزيزات عسكرية إليها.

واليوم باتت هذه المدينة الصغيرة مجرد خرائب وبقايا أشجار أتى عليها الدمار بسبب ضراوة القتال.

نصر رمزي

ويحتاج الكرملين إلى نصر، وإن كان رمزياً، لقد مضى وقت طويل منذ أن استولت روسيا على مدن مثل سيفيرودونيتسك وليسيشانسك. ومنذ ذلك الصيف كانت المكاسب الميدانية التي حققوها بطيئة وتدريجية.

وتحتاج روسيا إلى نجاح تروجه أمام المناصرين للكرملين في الداخل الروسي، ويقول رئيس دائرة الأمن والتعاون الأوكرانية سيرهي كوزان لبي بي سي: “إنهم يقاتلون من أجل مهمة سياسية، ليست عسكرية فقط. الروس يستمرون في التضحية بآلاف الأرواح لبلوغ أهدافهم السياسية والترويج لنصر مزيف”.

هل تستحق باخموت "الثمن" الذي دفعته روسيا؟

ويريد القادة الروس الاستيلاء على باخموت لأسباب عسكرية أيضا، فهم يأملون أن تشكل المدينة منصة انطلاق نحو المزيد من المكاسب الميدانية.

ووفق ما أشارت وزارة الدفاع البريطانية في كانون الثاني/ديسمبر، فإن الاستيلاء على المدينة “قد يمكن روسيا من تهديد مناطق أكبر مثل كراماتورسك وسلوفيانسك”.

كما هناك ما يتعلق بمجموعة “فاغنر” المشاركة في قلب الهجوم على باخموت.

وراهن قائدها يفغيني بريغوزين بسمعته وبجيشه الخاص في الاستيلاء على باخموت.

وكان يأمل التأكيد على أن مقاتليه يستطيعون القيام بما هو أفضل مما يقوم به الجيش النظامي الروسي. وقد جنّد آلاف المدانين ورمى مجموعات كبيرة منهم أمام الدفاعات الأوكرانية، والكثير منهم إلى حتفهم.

وإن لم يستطع النجاح هنا، سيتلاشى تأثيره السياسي في موسكو. ويتعارض بريغوزين مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وينتقد تكتيكاته، وهو يشتكي الآن من عدم حصوله على ما يكفي من الذخيرة.