إنّها رحلة سنوات مع تنظيم القاعدة فعلاً.. كان ذلك في نوفمبر العام 2011، شمال مالي. آنذاك كنت أقوم برفقة الجنوب أفريقي ستيفن ماكغاون والهولندي سياك رييكه وآخرين، برحلة على الدراجات النارية إلى جنوب أفريقيا. وصلنا إلى كوانيزا، حيث استقرينا في البداية في ما يسمى بفندق كومبانت هوغون، كان مكاناً بسيطاً للغاية، وكان من المقرر أن نتحفظ هنا بمعظم أغراضنا، حتّى أنّني نمت على ألواح خشبية ذات ليلة وكان هناك الكثير من الحشرات.

كان الطقس حاراً في تمبكتو – مالي. لقد قمنا بجولة في المدينة قبل الظهر، وحين عدنا إلى الفندق، وخلال قيلولتي، سمعت الكثير من الضجة تصدر من الخارج، فتحت الباب محاولاً الخروج إلى الحديقة خلسة، لكنّي رأيت رجلاً يرتدي قناعاً ويحمل سلاحاً ظهر أمامي ووجّه السلاح باتحاهي… وقفنا هناك لوقت قصير، ثمّ خرجت من الحديقة نحو الشارع حيث رأيت رجلاً ألماني الجنسية يتعرّض للضرب على وجهه بواسطة أحذية وأحزمة، ثمّ وضعوني في شاحنة تويوتا لاند كروزر.

بداية التحول من مغامر إلى رهينة

كان إثنان من أصدقائي مقيّدي الأيدي، وصعدنا إلى الشاحنة، ثمّ وضعوا عليها شبكة وغادرنا بسرعة. كان الأمر صادماً لناحية أنّك تسافر وفجأة تختبر موقفاً كهذا. لم ندرك ما الذي حصل لنا، لماذا أرادوا إخراجنا من المدينة، من يعلم ما الذي كان قد يحصل؟ حينها لم نكن ندرك أنّه تمّ اختطافنا.

أثناء الرحلة، سألت أحد الرجال في السيارة عمّا إذا… حاولت أن أقول له إنّني أملك المال وأحتاج إلى أدوية أو أيّ أمر آخر لإنقاذ حياتي.. حين طالبت بأدوية، قال لي: لدينا أدوية! حينها أدركت أنّه يخطفني وإلّا فلن يحتاجوا إلى دواء أو لن يعطونا إيّاه، طبعاً، لم يقولوا لنا المطالب، لكنّنا أدركنا أنّ الأمر يتعلق بتبادل السجناء أو المال.

جوهان غوستافسن.. 6 سنوات مع القاعدة

التفكير دائماً بالهروب.. ولكن!

على مرّ السنوات، من الصعب الإحتفاظ بأسرار  حين تُسجن لفترة طويلة، لذا، من حين إلى آخر، استطعت رؤية معطيات نظام تحديد المواقع العالمي، فحصلت على خريطة بعد بضع سنوات واحتفظت بها بشكل سرّي. لذا علمت بالمكان الذي تم احتجازنا فيه. أحياناً كنّا في المنطقة الغربية، في الواقع، بقينا معظم السنوات في المنطقة الغربية بالقرب من موريتانيا، وفي البداية، كنا قريبين من الجزائر أو في المناطق الجبلية.

لقد احتُجزنا سوياً نحن الثلاثة، وبعد 3 سنوات تقريباً، نقلوا الرجل الهولندي، اعتقدنا أنّه أصبح حرّاً لكنهم نقلوه في الواقع إلى مخيم آخر حيث احتُجز مع رجل فرنسي لمدّة سنة، ثمّ أنقذه الجيش الفرنسي. أنا ورجل آخر من جنوب أفريقيا احتُجزنا سوياً خلال كل تلك الفترة، لكننا لم ننسجم، وهذا أمر محزن للغاية. وبشكل عام، أمضيت وقتي بالقيام ببعض الهوايات.

لطالما ركّزت على التخطيط للهروب من خاطفي تنظيم القاعدة، ومعرفة سبيل للخروج في حال تأزّمت الأمور، وإنْ لم أتمكّن من الخروج. كنت أفكر دائماً بالهروب، لكن الأمور كانت صعبة طبعاً، وكان خوفي الأكبر أن أصبح مريضاً أو أن أصيب بأيّ ألم، الأمر الذي كان سيمنعني من بذل أيّ جهد للخروج، لكن لحسن الحظ، لم يحصل ذلك. حتّى أنّني في إحدى المرّات تمكّنت من المغادرة بينما كان الخاطفون مشتتين، مشيت في الصحراء لمدّة يومين قبل أن يعثروا عليّ من جديد، وأعادوني إلى المخيم كيث كنت محتجزاً.

جوهان غوستافسن.. 6 سنوات مع القاعدة

عشنا حياتنا على طريقتهم

بالنسبة للطريقة التي عاملونا بها، لا أدري كيف يمكنني وصف ذلك. لقد تمّ إطعامنا، وعشنا بالطريقة نفسها التي كانوا يعيشونها. بالطبع كان هناك تغيير كبير عندما اعتنقت الإسلام في محاولة منّي للحفاظ على حياتي. قبل اعتناقنا الاسلام، تمّ احتجازنا على حافة المخيم، وكانوا يبقون على مسافة منّا. كانوا يعاملوننا بازدراء واحتقار كبير، وكانت ثمّة كراهية كبيرة تجاهنا. لقد عاملونا مثل الحيوانات، وكنا نشعر في الواقع أنّنا حيوانات لأنّنا كنا قذرين للغاية وكنا نكافح من أجل الحفاظ على نظافة أنفسنا.

كان الجو شديد البرودة في الشتاء ولم يكن لدينا أيّ ملابس ثقيلة، لكن بعد 3 أشهر، في مارس بالتحديد، شعرت أنّ الوقت ينفد وشعرت أنّني لا أستطيع الهروب، ففعلت كلّ ما يمكنني التوصّل إليه، وهو اعتناق الإسلام من أجل إنقاذ حياتي. لا أعتبر نفسي مسلماً أبداً، ولا أعتقد أنّ اعتناقي للإسلام طوعياً.

بعد ذلك، تغيرت الأمور قليلاً، فقد أصبحنا نصلي معاً، ونأكل معاً وننام معاً، ونقضي كلّ الوقت معاً.  بهذه الطريقة، تعرفت عليهم بشكل أفضل، وأصبح الأمر أقلّ رعباً بكثير، وبدأت أتعرف على المزيد والمزيد من الناس هناك، ما ساعدني على فهمهم بشكل أفضل.

الوقت ينفذ

في الواقع، اعتنقت الإسلام لإنقاذ حياتي فقط، لا أكثر. لم يكن هذا ما أريده بأي شكل من الأشكال. شعرت أنّ الوقت ينفد، وأنّنا فقط نتوسل من أجل حياتنا في مقاطع الفيديو التي كنّا نصوّرها والتي تثبت أنّنا ما زلنا على قيد الحياة. لذلك كان الأمر واضحاً بالنسبة لي، لقد حُكم علينا بالموت. لم أفكر قط أنّ هناك مفاوضات، وبالطبع آنذاك لم أكن أعرف أيّ شيء عن الإختطاف وكيف يتمّ ذلك، لم يكن لديّ الكثير من المعلومات، ولم يخبرنا أحد بأيّ تفاصيل.

لم أكن أعتقد أبداً أنّ بلدي سيدفع أيّ فدية أو حتى أن يقوم بالتفاوض، لذلك اعتقدت أنّ الوقت ينفد. لقد بدا عناصر القاعدة منظّمين للغاية وواثقين جدّاً في مطالبهم، كما أنّهم لم يبدوا كأشخاص من الممكن أن يتنازلوا، وقد رأيت ما حدث لذلك الرجل الألماني عندما تمّ اختطافنا. كان الوقت ينفد، وكان ذلك هو الشيء الوحيد الذي كنت أفكر فيه، والذي يمكن أن يغيّر أيّ شيء، لكنّني لم أكن متأكداً ممّا سيحدث.

كان من الأفضل أن أركز على ما يمكنني فعله هناك، وذلك يكمن في الحفاظ على صحتي وحالتي النفسية والروحية. لكنّهم بالطبع لم يبقوني على اطلاع بأيّ تفاصيل، وأعتقد أنّ الناس من حولي بشكل عام لم يعرفوا أشياء عن المفاوضات أو أيّ شيء من هذا القبيل أيضاً.

تكلفة الفدية أكبر بكثير من حياة شخص واحد

أعتقد أنّ عملية دفع الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن، أمر يتوقف على نوع الضرر الذي سيحدث. إذا منحتهم المال، عليك التفكير في نوع الضرر الذي قد يحدثه ذلك. في حالة مالي، سيكونون قادرين على إدارة تنظيم وشراء أسلحة بهذه الأموال، وتكلفة ذلك أكبر بكثير من حياة شخص واحد. لذلك من الصعب تبرير هذا الأمر. لكن لنفترض أنّه مبلغ صغير من المال، فربّما يكون دفع الفدية مبرراً، أو إذا كانت هذه الجماعة لا تستطيع استخدام الأموال، أو إذا كان بالإمكان تخصيص بعض الموارد لمحاربة هذه الجماعات. لكنّني أعتقد أنّه من الصعب للغاية تبرير دفع مبلغ كبير من المال لمجموعة مثل هذه.

في الواقع، سئلت ما إذا كنت لا أريد أن تدفع حكومتي فدية مقابل الإفراج عني، ربّما لو طرح عليّ هذا السؤال عندما كنت مريضاً ووحيداً في الصحراء، أعتقد أنّني كنت سأوافق على أيّ شيء، وكذلك عائلتي. لكن هذا قرار يجب أن يتخذه شخص آخر، وعلينا أن نأخذ في الإعتبار حياة الآخرين، حتى لو لم يكونوا مواطنين من السويد أو جنوب أفريقيا أو أيّاً كان، علينا أن نأخذ في عين الإعتبار كيف سيؤثر دفع هذه الفدية على الوضع المحلي.

ربما بعد 5 سنوات، استقر كلّ شيء وأصبحت أؤمن أن تلك هي حياتي، لم يكن لدي الكثير من الأمل في العودة إلى المنزل، وفي الواقع كنت أحاول فقدان هذا النوع من الأمل، لأنه كان من المؤلم جداً التفكير بعائلتي في المنزل وحياتي الأخرى.

بداية العودة

بعد كل هذه السنوات حدث الأمر بسرعة كبيرة، كانت هناك سيارة وصلت إلى المخيم حيث كنا محتجزاً، وقيل لي: جوهان غوستافسن إصعد إلى السيارة! أوّل شيء فكرت فيه هو محاولة حزم أكبر قدر ممكن من أغراضي، مثل قطعة القماش الذي كنت أستخدمها لإبقاء جسدي دافئاً، وعندما لم يُسمح لي بفعل ذلك، قضيت بعض الوقت في صنع ما يشبه حقيبة محمولة وكنت أصرّ على أنني أريد إحضار أغراضي، لكنّهم لم يسمحوا لي بذلك. بالطبع كان الأمر سريعاً جداً، ولم يكن لديّ الوقت لأقول وداعاً للرجل الجنوب أفريقي. بدأت السيارة بالقيادة في الصحراء، والتقينا بمجموعة أخرى من السيارات، وهناك سمعت شرطياً سويدياً ينادي باسمي باللغة السويدية. عندها فقط علمت أنّ ذلك حقيقي، حيث لا يمكنهم تزييف ذلك.

فكرت بالإحتفاظ بهويتي كشخص مسلم حتى أصل إلى السويد. لكن عندما سمعت أصواتهم ورأيتهم، كانوا متأثرين جدّاً. بعض رجال الشرطة، هؤلاء، كانوا يعملون في قضيتي لمدّة 5 سنوات، لذا فهم يعرفون عائلتي جيّداً، لقد رأوني أخيراً، وقد كانوا متأثرين ومتحمسين للغاية، لكنّني لم أكن أعرفهم بالطبع. بعد ذلك تم نقلي بسرعة كبيرة إلى السويد. كان ذلك قبل العيد، أيّ أيام قليلة قبل نهاية رمضان. لقد كانت نقلة كبيرة، من احتفالي في العيد نهاية شهر رمضان إلى جانب عائلتي في أقل من يومين.

جوهان غوستافسن.. 6 سنوات مع القاعدة

كان هناك الكثير من الأشياء والأحاسيس بالطبع، لكن أهمها كان مجرّد مقابلة أشخاص يمكنني التحدّث معهم بلغتي، أشخاص يمكنهم فهمي، لذلك كنت أتحدث فقط. كانوا يسألونني ماذا كنت أريد أن آكل، أو ما إذا كنت أريد أي ّشيء، لكن لم يكن ذلك مهماً بالنسبة لي، كنت فقط أريد التحدّث إلى الأشخاص الذين يمكنني التواصل معهم ويمكنهم التواصل معي.

خلال رحلة الطائرة، لم أتوقف عن الحديث أبداً، وعندما وصلت إلى ستوكهولم ورأيت عائلتي، كان ذلك بمثابة ارتياح كبير بالنسبة لهم، كان ذلك أشبه باحتفال بالطبع. لقد مروا طوال هذه السنوات بكلّ ذلك. لدي 5 شقيقات، وبالطبع تأثرت جميع عائلاتهم، لقد أفسد هذا الأمر كلّ عطلاتهم ومخططاتهم.

الأمر بالنسبة لي كان شبيهاً بالنجاة من مرض السرطان أو شيء من هذا القبيل، نعم إنّه ارتياح بعد صراع طويل. عندها فقط استطعت أن أتنفس بسعادة. كان الشعور مختلفاً عندما وصلت إلى المنزل، فجأة أصبح هناك أشخاص يعتنون بي ويمكنّني التحدّث معهم. بالنسبة لي كان الأمر بمثابة معجزة.

كانت حياة مختلفة وليس بمعنى أنهم أخذوا شيئًا مني بل صمدت. تعلمت من هذا الأمر. وقد ساهم الوقت في تخفيف الصدمة، فقد أمضيت وقتاً طويلاً مع الخاطفين. لو أنهم أطلقوا سراحي بعد أشهر عدّة لكان وقع الصدمة أكبر ولأخذ الموضوع حيزاً أكبر من تفكيري محاولاً فهم ما حدث معي. أمّا الآن وبعد أكثر من 5 سنوات هناك تأقلمت وصرت مستعداً للعودة للمنزل. أتجنب التفكير في الأمر والمقربون مني يتجنبون الحديث معي بشأنه. مضيت قدماً بحياتي ولا أعير الموضوع أهمية. إنّني أتفهم أموراً كثيرة يفكّرون فيها. لكنّهم عناصر القاعدة تعيش في ظل نظريات المؤامرة وكيف يتصرف غير المسلمين. أنا أقول لهم: حتى لو لم تكن مسلماً، فأنت تهتم بعائلتك ووطنك والأشخاص الآخرين.