أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة، حول عزم قواته الانسحاب من أفغانستان، تساؤلات عديدة حول توقيت الانسحاب وفعاليته، في الوقت الذي يرى فيه محللون أنّ القاعدة ما زالت تحتفظ بصلاتٍ مع حركة طالبان.

وقال الرئيس جو بايدن، في تصريحاته التي أعلن فيها انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الخميس الماضي، إنّ بلاده دخلت أفغانستان في العام 2001 “لاجتثاث القاعدة ولجمها عن القيام بأعمال إرهابية في المستقبل”.

وأشار إلى زيارته إلى أفغانستان في العام 2008، بصفته نائب الرئيس آنذاك، ولا سيّما إلى وادي كونار، موضحاً أنّ تلك الزيارة “عزّزت” قناعاته بأنّ الأفغان لهم الحق والمسؤولية في قيادة بلدهم. وقال: “الإنسحاب سيتمّ وفق ما خطط له من قبل القوات الأجنبية المتبقية في أفغانستان بحلول 11 سبتمبر من هذا العام، والتي تصادف الذكرى السنوية العشرين لهجوم البرجين الذي تسبب في غزو أفغانستان قبل عقدين من الزمن.. لقد ذهبنا إلى الحرب بأهدافٍ واضحة، وحققنا تلك الأهداف.. مات بن لادن والقاعدة متدهورة في أفغانستان، وقد حان الوقت لإنهاء الحرب الأبدية”.

القاعدة

الرئيس الأمريكي جو بايدن يضع إكليلا من الزهور خلال زيارة مقبرة أرلينغتون الوطنية – فيرجينيا – رويترز

طالبان والقاعدة: علاقات لم تنقطع

يرى الكثير من المحللين أنّ تصريحات بايدن الأخيرة لم تكن واقعية، مبرّرين ذلك بأنّ القاعدة مازالت تحتفظ بعلاقات قوية مع طالبان في أفغانستان. فعلى سبيل المثال، في مقاطعة كونار وهي المقاطعة الشرقية التي زارها الرئيس بايدن، تقوم القاعدة بتجنيد مقاتلين من داخل صفوف طالبان، وفقاً لتصريحات مسؤولين محليين في تلك المنطقة.

وحذّر مسؤولو المخابرات والأمن الأفغان مراراً وتكراراً من قوّة تلك الجماعات في المنطقة وعلاقاتها الوثيقة مع طالبان، كما يشعر مسؤولون أفغان بقلقٍ عميق من عودة ظهور قوّة القاعدة التي تعمل جنباً إلى جنب مع طالبان، فور مغادرة القوات الأجنبية.

وقال مسؤول أمني أفغاني كبير لـ”أخبار الآن” اشترط عدم الكشف عن هويته، إنّ “القاعدة ضعفت بالتأكيد، لكن هذا لا يعني أنّه تمّ اجتثاثها من جذورها”، مضيفاً أنّه لم يتغير شيء بين طالبان والقاعدة. وأردف: “طبيعة القاعدة تتمثل بقدرتهم على تعبئة قواتها في فترة زمنية قصيرة جدّاً بمجرد أن تكون لديهم بيئة مناسبة”.

وبالفعل، فقد هدّدت طالبان بتصعيد العنف في البلاد ردّاً على الجدول الزمن الممتد لسحب القوات اعتباراً من الأوّل من مايو، كما تمّ الإتفاق مسبقاً بين الإدارة الأمريكية وطالبان في الدوحة، العام الماضي.

القاعدة

أعضاء وفد طالبان يحضرون مؤتمرا صحفيا مشتركا في موسكو – روسيا – رويترز

إنّ استمرار العلاقات بين طالبان والقاعدة لاتشكل قلقاً أمنياً فقط​​، بل تمثل أيضاً انتهاكاً واضحاً لاتفاق الدوحة، الذي يتطلب من طالبان قطع العلاقات مع القاعدة.

وتمكّنت القوات الأفغانية في الأشهر الأخيرة، من قتل وأسر العديد من عناصر القاعدة في أفغانستان خلال غارات على مجمّعات طالبان. وكان من أبرز هؤلاء أبو محسن المصري الذي قُتل في غزنة في أكتوبر 2020. وكان مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي ويعتقد أنّه مسؤول عن أنشطة القاعدة في شبه القارة الهندية.

القاعدة

مشاة البحرية الأمريكية – جنوب أفغانستان – رويترز

حسابات قد يُعاد فتحها

وفي شهر مارس من هذا العام، كان قتل زعيم بارز آخر للقاعدة ويدعى أبو محمد الطاجيكي على يدّ القوات الأفغانية، إلى جانب قائد طالبان حضرة علي في ولاية بكتيكا. وقال المسؤول الأفغاني لـ”أخبار الآن“: “هذه هي العملية الثالثة منذ توقيع اتفاق الدوحة التي استهدفت أعضاء القاعدة وكبار القادة في قواعد طالبان”.

وتوصّل تحليل أجرته صحيفة Long War Journal إلى استنتاج مماثل، إذ أفادت بأنّ القاعدة لا تزال موجودة في 18 مقاطعة على الأقل من أصل 34 مقاطعة في أفغانستان، على الرغم من أنّ طالبان تدعي أنّها قطعت العلاقات مع الجماعة.

ويخشى محللون أنّه بالنظر إلى التطورات الأخيرة في أفغانستان، فإنّ طالبان ستعيد إحياء علاقاتها مع القاعدة، واعتبر علي مير أسفنديار، وهو زميل ما بعد الدكتوراه في مركز الأمن الدولي والتعاون بجامعة ستانفورد، أنّ انفصال الجماعتين ليس بالأمر الواقعي، وقال لـ”أخبار الآن“: “العلاقة لا تزال على حالها.. طالبان تحاول كبح جماح بعض مقاتلي القاعدة الأجانب في البلاد”.

من جانبه، قال حكمت الله أعظمي، نائب مدير مركز دراسات الصراع والسلام لـ”أخبار الآن“: “سمعت أنّ الكثير من مقاتلي القاعدة قد غادروا أفغانستان، لكن هذا ليس بسبب ضغوط طالبان عليهم أو لأنّ طالبان قطعت علاقتها بهم”. وأردف: “بدلاً من ذلك، إنّها خطوة تكتيكية حتى يُنظر إلى طالبان على أنّهم قطعوا العلاقات، لكنه عمل منسق”.

ويتقاطع رأي الخبيرين مع التحليلات التي تحدثت عن انتقال أعضاء من القاعدة إلى إيران، ولا يخفى على أحد العلاقات القوية التي تربط الجماعتين بطهران.

كما زار وفد من قادة طالبان، بقيادة الملا عبد الغني بردار، طهران مؤخراً في وقت سابق من هذا العام بدعوة من المسؤولين الإيرانيين. وقبل هجمات 11 سبتمبر، توسّطت طالبان في العلاقة بين القاعدة وإيران، وبعد وقوع الهجمات، أرسل زعيم القاعدة في ذلك الوقت أسامة بن لادن مبعوثين بارزين مثل أبو حفص الموريتاني ومصطفى حامد للتفاوض مع الإيرانيين على ممر وملاذ للقاعدة. وقال أسفنديار: “على الأقل هذا ما نعرفه عن القاعدة.. للجماعة حلفاء آخرون في أفغانستان، مثل جماعة “طالبان باكستان” التي تواصل دعم القاعدة والعمل مع فرع القاعدة في جنوب آسيا، وكذلك تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”.

القاعدة

رجال أفغان يحملون نعش إحدى العاملات الصحيات في مجال التطعيم ضد شلل الأطفال اللائي قُتلن برصاص مسلحين مجهولين في موقعين منفصلين في جلال آباد بأفغانستان – رويترز

ومن البديهي أنّ الولايات المتحدة تدرك تماماً الديناميكيات المتطورة بين القاعدة وإيران، ففي يناير من هذا العام، اتهم وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو إيران بإيواء كبار قادة القاعدة، وقال أسفنديار: “أعتقد أنّ التطورات الجديدة حول خروج القاعدة من أفغانستان وإعادة توطين المقاتلين في إيران يجب أن تثير قلق الأمريكيين، لكن يبدو أنّهم يركزون فقط على المضي قدماً في الإنسحاب”.

وأردف: “أتوقّع أن يدركوا ببطء وفي النهاية مدى قوة العلاقة بين القاعدة وطالبان وإيران، ومن ثمّ سيغيّر ذلك حساباتهم بشأن أفغانستان في المستقبل”.