كيف تعيش محافظة السويداء؟

حالة من “الغليان” تشهدها محافظة السويداء، وهي المحافظة الجنوبية السورية، وذلك على وقع ظروف صعبة بسبب الأزمات الأخيرة التي مرت عليها، منها ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وذلك بعد زيادة كبيرة في أسعار المحروقات، فيما حاول النظام السوري مجاراة الظروف الاقتصادية الصعبة برفع الرواتب 100 بالمئة، والتي أدرك السوريون أن الراتب قبل الزيادة يساوي أكثر “بالدولار” ما بعد الزيادة.

وتشهد السويداء احتجاجات كبيرة منذ أيام، وشارك بها العديد من سكان المحافظة، ولأول مرة تشهد الاحتجاجات في السويداء مشاركة شعبية كبيرة، فقد شهدت مظاهرات ودعوات للاحتجاج من الصباح حتى المساء، في مناطق مختلفة، وأساليب احتجاج متنوعة، لا تقتصر فقط على التظاهر، فالشارع يعبر بكل الوسائل السلمية والمشروعة عن مطالبه، وينادي بحقوقه المسلوبة- حسب المتظاهرين.

ومع ارتفاع أعداد المتظاهرين بشكل يومي، انتشرت “عدوى” التظاهرات إلى عدد من القرى التي شاركت في الاحتجاجات.

وأغلق المواطنون المحلات التجارية، وقطعوا الطرقات بشكل جزئي بالإطارات المشتعلة، رافعين لافتات تعبر عن مطالبهم، إلا أنهم سمحوا بعبور الحالات الإنسانية، وطلاب الجامعات”.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

حمّل أهالي السويداء المسؤولية على النظام السوري، مؤكدين أن الرئيس السوري بشار الأسد هو سبب رئيسي لتدهور الأوضاع في سوريا، إضافة لتأجير البلاد لحلفائه من الإيرانيين والروس لعقود طويلة الأمد وسقوط الدولة وعجزها عن القيام بدورها لتنمية الاقتصاد.

مواقف الهيئات الدينية

أعلن شيخ عقل الطائفة الدرزية حمود الحناوي تأييده للاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء بحسب بيان صادر عنه.

وسبق الشيخ الحناوي في هذا الموقف الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري، الذي أكد أن المطالب الشعبية محقة، وأنه بالفعل تم زيادة الراتب 100% ولكن الأسعار ارتفعت أكثر من 100%.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

ويعتبر موقف الهيئات الدينية، وتأييدها للحراك الشعبي في السويداء، هو مؤشر ملفت عن تحولات نوعية شهدها الحراك الحالي، ورسالة واضحة بأن الشارع وصل مرحلة لم يعد فيها يحتمل تدهور الأوضاع على مختلف المستويات.

وأضاف الشيخ “حكمت الهجري معلقًا على الوضع الاقتصادي في البلاد: “ثروات البلاد ملك للشعب السوري، ولم نفوّض أحداً ليبيعها أو ليوقع عقوداً من وراء ظهرنا، سواء عن طريق الحكومة أو عن طريق سواها. هناك دول دخلت ووقَّعت عقوداً اشترت بموجبها ثروات هذا الشعب. لكن الشعب لم يفوّض أحداً ليبيع ثرواته”.

الحاجات الأساسية مٌكلفة

وانخفضت القيمة الشرائية للعملة السورية، على إثر انفجار الأسعار بعد زيادة الرواتب، بما يقارب من 20 إلى 25%، وذلك وفق متخصصين، وهذا ما أدى لشعور الشعب السوري بحالة خذلان كبيرة، وهو ما دفعهم للنزول إلى الشوارع مر أخرى- حتى في مناطق النظام.

وبناء على الأسعار التي حصلت عليها “أخبار الآن”، فيستطيع راتب الموظف السوري أن يشتري 4 أطباق من البيض، أو 2 كيلو من اللحم، حيث يصل راتب الموظف تقريباً 200 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي يصل فيه ثمن كيلو واحد من اللحم إلى 95 ألف ليرة.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

وبحسب أحد المواطنين من محافظة اللاذقية، فقد ارتفع سعر ليتر الزيت في مدينة اللاذقية إلى أكثر من 50 ألف ليرة سورية، حيث وصل سعر غالون الزيت “20 ليترا” وصل سعره إلى ما بين مليون و1.2 مليون ليرة.

المحروقات

بات سعر لتر البنزين 8 آلاف ليرة (نحو نصف دولار)، بعدما كان 3 آلاف ليرة، وارتفع سعر المازوت من 700 إلى ألفي ليرة، وبررت الوزارة قرارها بـ”مقتضيات المصلحة العامة”.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

وعلى وقع تدهور قيمة العملة المحلية، تراجعت قدرات المواطنين الشرائية وباتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، مع انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي وشح في المحروقات.

تواصلت “أخبار الآن” مع أحد المواطنين السوريين، للحديث معه عن تأثير رفع سعر المحروقات، وما يترتب عليه من رفع أسعار المنتجات الغذائية.

قال المواطن السوري -الذي فضل عدم ذكر اسمه-: “زادت أجور النقل 50% تقريبًا، بسبب زيادة سعر مادة البنزين، حيث كان الـ20 ليتر من البنزين بقيمة 75 ألف ليرة سورية وأصبح الـ20 ليتر بـ 200 ألف ليرة”.

وحصلت “أخبار الآن” على نشرة أسعار “المؤسسة السورية للتجارة” لبعض السلع الغذائية بعد الزيادة.

ويرى المواطن السوري أنه يوجد صعوبة كبير في الحصول على السلع من فروع “المؤسسة السورية للتجارة”، مضيفًا: “حتى في حال توفرها، يجب الانتظار في الطابور واستعمال البطاقة الذكية”.

 

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.. كيف تعيش محافظة السويداء؟

نشرة أسعار “المؤسسة السورية للتجارة”

وأضاف المواطن السوري: “الأسعار تتغير باستمرار، وحتى تجار الجملة والمفرق يعانون بسبب هذه المشكلة، فهم يشترون البضائع، وترتفع الأسعار في اليوم التالي، أي أن البضائع التي اشتروها لم تعد تأتي بالأرباح المطلوبة، ولم يعد للتجارة معنى”.

وحول أسعار المواد الأساسية من البيض والزيت وغيرها، فقد قال: “لا نستطيع أن نقرر ما نضعه على المائدة، فأبسط الوجبات أو الحاجات اليومية تكلف الكثير، فنشتري حاجاتنا بكميات قليلة جداً فقط لسد الجوع خلال اليوم، فاللحوم والدواجن أصبح سعرها مرتفع جداً عدا عن البقوليات والمكونات الأخرى “لطبخة” بسيطة”.

الجميع يعاني

في كل المناطق السورية، الموالي منها والمعارض، يتفق السوريون على أن الوضع لا يحتمل، فحتى الإعلام الرسمي يشتكي من الحال.

فالأزمة الكبرى التي يشهدها الجميع هي مصاريف النقل الداخلي والمواصلات، فالتكلفة وحدها أكثر من نصف الراتب بقليل.

وبحسب الشاب السوري كرم نصار، في حوار مع “أخبار الآن” قال “ارتفعت أسعار التعرفة الجديدة، حيث أصبحت 2100 ليرة للسرفيس بعدما كانت 800 ليرة، أي 4200 ليرة ذهاباً وإياباً، يضاف إليها 1200 ليرة أجرة نقل داخلي، وبهذه العملية أدفع شهريا أكثر من 118000 ليرة سورية، أي أكثر من نصف الراتب الشهري”.

وأضاف “كرم”، أنه بعد زيادة سعر المحروقات، لم يلتزم سائقي باصات النقل الداخلي بالتسعيرة الجديدة، مؤكدًا أن هناك من يطلب أكثر من هذا السعر بكثير.

سوريون تحت خط الفقر

من ناحيته أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر.

وقال إن أكثر من 15 مليون سوري، أي 70% من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.

جاء ذلك في رسالة مصورة أرسلها الأمين العام لمؤتمر بروكسل السنوي السابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي.

وقد أدى الصراع السوري إلى مصرع نحو 500 ألف شخص وتشريد أكثر من 12 مليونا. وفيما وصلت الاحتياجات الإنسانية لأعلى مستوياتها، ضربت الزلازل المدمرة المنطقة لتفاقم الوضع.

ومن جهته دعا المبعوث الخاص إلى سوريا غير أوبيدرسون إلى زيادة الدعم للعمليات الإنسانية في سوريا. ولم يتم تمويل خطة للعمليات بقيمة 5.4 مليار دولار هذا العام إلا بنسبة 25% فقط، في حين تم تمويل خطة أخرى لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة بنسبة 10% فقط.

بحسب الأمم المتحدة فإن متوسط الأجر الشهري يغطي ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، حيث يعاني 12 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي فيما 15 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية.

وفي إفادته الدورية لمجلس الأمن الدولي، تحدث المبعوث الأممي غير بيدرسون عن تدهور الأوضاع في سوريا ومعاناة السوريين داخل وخارج وطنهم بسبب الصراع وغياب العملية السياسية الحقيقية.

وذكر بيدرسون، في كلمة ألقاها أمام المجلس عبر دائرة اتصال بالفيديو، أن آخر المؤشرات على تلك المعاناة تتجسد في تدهور الوضع الاقتصادي.

وأشار إلى انخفاض قيمة الليرة السورية خلال الأشهر الثلاثة الماضية بأكثر من 80% ليصل سعرها بالنسبة للدولار -في السوق غير الرسمية- إلى 15,500. ويُذكر أن سعر الدولار الواحد كان يبلغ 47 ليرة سورية عام 2011.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

ويعاني الكثيرون من السوريين لتوفير الغذاء لأسرهم في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الغذاء والدواء والوقود، وخروجها عن نطاق السيطرة كما قال المسؤول الأممي.

وأشار بيدرسون إلى اتخاذ عدة خطوات للاستجابة لذلك “التدهور المفاجئ” بما فيها مضاعفة الحد الأدنى للأجور الحكومية ليصل إلى 13 دولارا شهريا. ولكنه قال إن ثمن سلة الغذاء، التي تشمل المواد الأساسية، في شهر حزيران/يونيو بلغ 81 دولارا تقريبا وفق برنامج الأغذية العالمي.

“الحقيقة المأساوية” التي عرضها بيدرسون على أعضاء مجلس الأمن الدولي تتمثل في أن معاناة الشعب السوري ستزداد سوءا مع استمرار الصراع العنيف وجمود العملية السياسية.

وقال إن التحرك على مسار تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو السبيل الوحيد الكفيل بالبدء في معالجة الأزمات الكثيرة التي تعاني منها سوريا.

وكان مجلس الأمن في قراره 2254، الصادر عام 2015، قد أيد خارطة الطريق لعملية السلام في سوريا وحدد جداول زمنية لإجراء المحادثات بين الحكومة والمعارضة بتيسير من الأمم المتحدة بالإضافة إلى تحديد وقف لإطلاق النار على الصعيد الوطني يبدأ بمجرد اتخاذ الأطراف المعنية خطوات الانتقال السياسي.

"نشتري لسد الجوع".. كيف يعيش أهالي السويداء في ظل ارتفاع الأسعار؟

وعن الوضع الإنساني، دعا غير بيدرسون إلى تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا التي لم تتلق سوى 25% من قيمة المبلغ المطلوب للقيام بأنشطة الإغاثة خلال عام 2023. كما تلقت الخطة الإقليمية لدعم اللاجئين 10% فقط من إجمالي التمويل اللازم لها.

واختتم بيدرسون كلمته بالقول إن الجميع يدفع ثمنا باهظا للصراع، وأولهم الشعب السوري الذي خسر معظمه كل شيء تقريبا على مدى أكثر من عشر سنوات.

وقال إن الوضع يصبح أكثر صعوبة في ظل تراجع الاهتمام والتمويل الدوليين لسوريا. وأكد أن السبيل الوحيد لإنهاء ذلك الوضع يتمثل في العملية السياسية التي تشارك فيها الأطراف السورية بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254