تشهد سوريا تظاهرات منذ أيام بسبب غلاء المعيشة

  • عانى نحو 9.2% من سكان العالم الجوع في عام 2022
  • أنهت روسيا اتفاقية الحبوب في 17 يوليو الماضي
  • قفزت العقود الآجلة للقمح بنسبة 3% في نفس اليوم

حرب بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، يدفع ثمنها حليفه الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، حيث تشهد محافظة السويداء مظاهرات احتجاجية مناهضة للحكومة منذ أيام، في ظلّ إضراب للمحال التجارية والمرافق العامة في المنطقة، وذلك على خلفية ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما تسبب به الغزو الروسي لأوكرانيا- وذلك وفق تقديرات دولية.

خرج مئات السوريين – على مدار الأيام الماضية- في مدينة السويداء (جنوبي سوريا) إلى الشوارع للاحتجاج على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والمطالبة برحيل رئيس النظام بشار الأسد.

وقال شهود ونشطاء المجتمع المدني إن سكانا تجمعوا في ميدان رئيسي بالمدينة الواقعة جنوب غرب البلاد، في احتجاجات اندلعت الأسبوع الماضي بسبب رفع حاد مفاجئ لأسعار المحروقات زاد من سوء الأوضاع المعيشية.

واجتمع زعماء دينيون بارزون بالطائفة الدرزية، الخميس، للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات، وأقروا بالحق في الاحتجاج السلمي على سياسات الحكومة.

وقال الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري -لأعضاء بالطائفة التي ينتمي إليها معظم سكان المحافظة- إن هذا الحراك صوت الحق للشعب السوري. لكنه ندد بالتخريب أو أعمال العنف.

وأضاف “الهجري”: “ثروات البلاد ملك للشعب السوري، ولم نفوّض أحداً ليبيعها أو ليوقع عقوداً من وراء ظهرنا… سواء عن طريق الحكومة أو عن طريق سواها. هناك دول دخلت ووقَّعت عقوداً اشترت بموجبها ثروات هذا الشعب. لكن الشعب لم يفوّض أحداً ليبيع ثرواته”.

سوريا وتكاليف المعيشة: هل تهز حرب بوتين الاختيارية حكم الأسد؟

وكان شيخ “عقل الطائفة الدرزية” في سوريا حمود الحناوي أكد -في كلمة أمام متظاهرين في السويداء قبل يومين- إن الاحتجاجات التي تشهدها المحافظة “نابعة من صميم الواقع”.

وهتف محتجون كانوا قد أحرقوا الأربعاء، ملصقًا ضخما للأسد معلقا في الميدان الرئيسي “بدنا ناكل يا بشار” و”ارحل، ارحل يا بشار”. وكانت قد سُمعت مثل هذه الهتافات بداية الثورة ضد حكم الأسد عام 2011، وقد واجهت حملة قمع عنيف من قوات أمن النظام وأشعلت شرارة صراع مستمر منذ أكثر من عقد.

وتداولت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو لتجمعات احتجاجية، تخللها إحراق إطارات وقطع طرقات، مع ترداد شعارات منها “الحرية” و”يسقط بشّار الأسد”، و”عاشت سوريا”.

وقال “تلفزيون سوريا” المعارض إن محتجين في قرية دوما بالسويداء أغلقوا مبنى البلدية ومباني الفرع المحلي لحزب البعث الحاكم.

وأظهر مقطع فيديو نشرته القناة رجالاً يزيلون ملصقاً كبيراً يحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد عن المبنى.

وانتشرت تسجيلات فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص يعتقد أنهم من الساحل السوري، المعروف بموالاته للنظام، ينتقدون الأسد بشكل مباشر.

في حديث مع “أخبار الآن”، قال مواطن سوري -فضّل عدم ذكر اسمه- في السويداء إن الاحتجاجات لها مطالب مشروعة وهي الحصول على العيش الكريم والحرية والديمقراطية والقضاء على الفساد”.

وأضاف أن الاتهامات التي وٌجهت إلى السويداء بمحاولة الانفصال أو “العمالة الخارج” هي عارية عن الصحة تماماً، مضيفًا: “نحن نرفض الوجود الإيراني والروسي بالكامل على الأراضي السورية، والنظام السوري باع كل المنشآت الاقتصادية الكبيرة والاستراتيجية للمحتل الإيراني والروسي، وأصبح الشعب مصدر رزق الدولة الوحيد”.

واستطرد: “اليوم هو السادس على التوالي من الاحتجاجات، والعديد من القرى مثل (المزرعة وشهبا والجنينة) انضمت للحراك السلمي واجتمعت في ساحة الكرامة في السويداء داعيين لدولة حرة ديمقراطية لكل أطياف سوريا بالكامل”.

وتقول مواطنة سورية: “الاحتجاجات تطالب بحقوق أقل من طبيعية. الحياة صعبة فلا كهرباء ولا مياه، نتمنى أن نحصل على الخبز، من دون ذل الوقوف في الطوابير”.

اتفاق على “الأزمة”

ويتفق الإعلام السوري الموالي والمعارض، على أن الأزمة المعيشية لم تعد تحتمل، رغم الاختلاف حول أسبابها.

ورأت صحيفة “الوطن” الموالية للحكومة السورية أن قرار رفع الدعم أحدث “فوضى كبيرة” في قطاع النقل الداخلي، وتحدثت عن “القرارات المتسرعة وغياب التنسيق بين السلطات والوزارات المعنية”.

أما “تلفزيون سوريا” المعارض فقال إن أسعار المواد الغذائية والطازجة ارتفعت بنسبة تراوحت بين 15 بالمئة و25 بالمئة في الأيام التي تلت رفع الدعم عن الوقود، مشيراً إلى أن أي زيادة في الأجور لن تتناسب مع التضخم.

الأزمة الاقتصادية الخانقة جعلت غالبية السوريين تحت خط الفقر، في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وفقدان العملة المحلية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها، بينما يعاني أكثر من 12 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة.

سوريا وتكاليف المعيشة: هل تهز حرب بوتين الاختيارية حكم الأسد؟

حبوب أوكرانية “مسروقة”

أفادت السفارة الأوكرانية في لبنان، ومذكرة دبلوماسية اطلعت عليها وكالة رويترز بأن مسؤولين أوكرانيين طلبوا من بيروت، الخميس، منع سفينة شحن مملوكة لسوريا تحمل حبوبا أوكرانية “مسروقة” من الرسو في مرفأ طرابلس.

وقالت البعثة الأوكرانية في تعليقات لرويترز إن السفينة (فينيقيا) تنقل ستة آلاف طن متري من الذرة، تعتبرها البعثة مسروقة، من ميناء سيفاستوبول المطل على البحر الأسود.

كما جاء في المذكرة المرسلة إلى وزارات النقل والمالية والاقتصاد وإلى إدارة الجمارك في لبنان أن الذرة “سُرقت من وحدات التخزين في مناطق زابوريجيا وميكولايف وخيرسون”.

وأضافت أن السفينة: “تنتهك القانون الدولي” وعبرت عن أملها في “ألا يسمح (لبنان) بدخول سفينة الشحن فينيقيا المذكورة آنفا إلى المرافئ اللبنانية لبيع الحبوب الأوكرانية المسروقة”.

ولم ترد وزارتا النقل والمالية اللبنانيتان بعد على طلبات من رويترز للتعليق. ولم ترد الحكومة السورية والمؤسسة العامة السورية للنقل البحري، المالكة للسفينة، على أسئلة مكتوبة.

وقال وزير الاقتصاد اللبناني إنه لم يتلق مذكرة رسمية، لكن السفارة أرسلت إخطارات مشابهة فيما سبق. وكانت موسكو قد نفت من قبل سرقة حبوب أوكرانية.

وأصدرت أوكرانيا في العام الماضي تحذيرات حينما رست السفينة (لاوديسيا) التي ترفع علم سوريا في بيروت وعلى متنها ما قالت أوكرانيا إنها عشرة آلاف طن متري من الطحين والشعير المسروقين.

واحتجز لبنان السفينة لكنه سمح لها بالمغادرة في نهاية المطاف. وأبحرت السفينة إلى سوريا. وتملك المؤسسة العامة السورية للنقل البحري سفينتي فينيقيا ولاوديسيا.

وتخضع المؤسسة والسفن التي تملكها لعقوبات أمريكية منذ 2015 لاتهامها بالاضطلاع بدور في الحرب السورية.

وتشير تقديرات كييف إلى أن 500 ألف طن متري مما تصفها بأنها حبوب أوكرانية منهوبة وصلت إلى سوريا في 2022 منذ بدء الغزو الروسي في فبراير من نفس العام قادمة من عدة موانئ.

وانتهى سريان اتفاق سمح بتصدير الحبوب الأوكرانية بأمان عبر البحر الأسود في يوليو.

سوريا وتكاليف المعيشة: هل تهز حرب بوتين الاختيارية حكم الأسد؟

كيف تأثرت أسعار الغذاء؟

انتهت اتفاقية الحبوب في 17 يوليو/تموز الماضي. ومنذ ذلك اليوم، شنت روسيا سلسلة من الغارات على موانئ أوكرانية، أعلنت أوكرانيا أن هذه الضربات دمّرت 270 ألف طن من الحبوب خلال شهر.

وقال وزير البنى التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “تقصف روسيا بشكل منهجي خزانات ومستودعات حبوب لوقف الصادرات الزراعية”.

أضاف “في المجموع، أدت الهجمات على الموانئ في غضون شهر إلى تدمير 270 ألف طن من الحبوب”.

منذ انهيار اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود في تموز/يوليو قصفت روسيا موانئ أوكرانية على البحر وعلى نهر الدانوب.

سوريا وتكاليف المعيشة: هل تهز حرب بوتين الاختيارية حكم الأسد؟

الهجوم على شرق الفرات

وتداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منشورًا منسوب لمستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، لونا الشبل، جاء فيه أن “القيادة السورية حسمت أمرها مع حلفائها للمضي بحملة عسكرية لتحرير شرق الفرات من القوات الأمريكية”، وذلك نظرًا لفشل “المفاوضات المباشرة بين سوريا وأمريكا في عُمان في إحداث أي نتائج”- حسب ما جاء في المنشور.

 

أزمة عالمية

أزمة الغذاء التي تسببت بها روسيا لم تصل فقط إلى سوريا، حيث قال تقرير حديث للبنك الدولي إن النشاط الاقتصادي في أوروبا وآسيا الوسطى من المرجح أن يظل ضعيفاً هذا العام بسبب التداعيات المتواصلة للغزو الروسي لأوكرانيا واستمرار معدل التضخم المرتفع وتشديد الأوضاع المالية.

ويسلط تقرير أوضاع انعدام الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2023 الضوء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم والتحديات والفرص التي تصاحب التوسع الحضري في سياق أنظمة الأغذية الزراعية. وظل قياس مستويات الجوع على مستوى العالم وفق معدل انتشار سوء التغذية دون تغيير نسبيا في الفترة من 2021 إلى 2022، لكنه لا يزال أعلى بصورة كبيرة مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا.

وعانى نحو 9.2% من سكان العالم الجوع في عام 2022، مقارنة بنسبة 7.9% في عام 2019. وكان لانعدام الأمن الغذائي على نحو متوسط أو شديد أثر كبير على 29.6% من سكان العالم (2.4 مليار نسمة) في عام 2022، وعانى 11.3% منهم من انعدام الأمن الغذائي الشديد. ويؤثر انعدام الأمن الغذائي بشكل غير متناسب على النساء والناس في المناطق الريفية. ولم يتمكن أكثر من 3.1 مليارات نسمة في جميع أنحاء العالم (42٪%) من تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في عام 2021 (بزيادة قدرها 134 مليون نسمة مقارنة بعام 2019).

في 17 يوليو/تموز 2023، أعلنت روسيا أنها لن تجدد مبادرة حبوب البحر الأسود (BSGI). وقفزت العقود الآجلة للقمح بنسبة 3% في نفس اليوم، لكنها ظلت أقل بكثير من مستويات الذروة في العام السابق. وعلى المنوال نفسه، ارتفعت العقود الآجلة للذرة وفول الصويا قبل أن تعود إلى مستويات ما قبل الإعلان الروسي.

وعلى الرغم من قرار روسيا، لا تزال أسواق السلع الأولية العالمية مواتية نسبيا. وأظهر إصدار يوليو/تموز 2023 من نشرة رصد الأسواق الزراعية الصادرة عن نظام معلومات السوق الزراعية تحسن آفاق مستويات إنتاج القمح في العديد من البلدان، ومنها كندا وكازاخستان وتركيا. وظلت تنبؤات إنتاج الذرة لعام 2023 دون تغيير تقريبا، وشهدت تنبؤات إنتاج الأرز وفول الصويا تعديلات هامشية.