زلزال تركيا يبرز المخاوف جرّاء حركة الصفائح التكتونية في المنطقة.. فماذا يجري جيولوجياً؟ 

الإثنين الموافق في 6 فبراير 2023، الساعة 04:17 فجراً بتوقيت تركيا المحلي، لم يكن توقيتاً عادياً على الإطلاق. لحظات كانت كفيلة بتغيير المشهد كليّاً وتبديله إلى أسوأ السيناريوهات، فبعد ذلك التوقيت ليس كما قبله ولن يكون أيضاً.

زلزال شرق المتوسط أو زلزال كهرمان مراش (Kahramanmaraşضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا ووسطها، لتكون أكثر المدن تضرراً على الشكل التالي:

  • في سوريا حلب التي قتل فيها الزلزال آلاف السوريين، ريف إدلب لاسيما منطقة سرمدا، حماة، اللاذقية.
  • أمّا في تركيا، فأكثر المدن تأثراً: غازي عنتاب (Gaziantep) وديار بكر (Diyarbakir) وأضنة (Adana) وملطية (Malatya).

عداد الضحايا يستمر بالارتفاع

عدّاد الضحايا جرّاء الزلزال المدمّر الذي بلغت قوته 7.9 على مقياس ريختر وكان عمقه 17.9 كلم، لم يتوقف بعد حتى تاريخ إعداد ذلك التقرير، ونحن نتحدث عن الآلاف من الضحايا، وسط توقعات بأن تزداد الحصيلة بشكل كبير نظراً للمساحة الجغرافية الكبيرة التي امتد عليها الزلزال الذي تبعته ارتدادات وهزّات أرضية متفرّقة طوال يوم الاثنين وحتى الساعات الأولى من يوم الثلاثاء 7 فبراير 2023، فيما لفت العلماء والخبراء في علم الجيولوجيا إلى أنّ الزالزال يٌعتبر من أكبر الزلازل التي سجلت في تركيا على الإطلاق. 

بعد زلزال تركيا وسوريا.. هذه الدول على صفائح متحركة

خريطة تظهر المنطقة الجغرافية التي طالها الزلزال وارتداداته في الدول المجاورة وحجم التأثّر الحاصل

وبحسب الإحصاءات التركية الرسمية، فقد تضرّر جراء الزلزال نحو 13.5 مليون تركي، فيما أعلنت الحكومة التركية أنّها ستخصص أكثر من 5 مليارات دولار لعمليات الانقاذ التي تعترضها عوامل عديدة، أبرزها الدمار الشامل الظروف المناخية القاسية.

عوامل تعيق وصول المساعدات إلى الشمال السوري

ذلك الزلزال دمَّر مئات الآلاف من المنازل والمجمّعات السكنية في تركيا وسوريا، وقد وصلت ارتدداته إلى كلّ من لبنان، الأردن، العراق، وقبرص.

وفي وقت جنَّدت فيه تركيا كلّ طاقاتها للنهوض من الكارثة التي ألمَّت بها، ووصول مساعدات من أكثر من 20 دولة حتى الساعة، يزداد الوضع تعقيداً في سوريا وعلى السوريين الموجودين تحت الأنقاض إلى الآن، بحيث تصطدم المساعدات بحاجز العقوبات المفروضة على النظام السوري، فيما يصطدم سكان الشمال السوري المنكوب بالنظام الذي يعيق وصول المساعدات إليهم، الأمر الذي دفع بوزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك (Annalena Baerbock) التي طالبت بممارسة ضغوط دولية على النظام السوري للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري.

على تلك الدول التنبه

في سياق متصل، أجرت “أخبار الآن” لقاءً مع الخبير المتخصص في علم الجيولوجيا طوني نمر، لمعرفة ما الذي ينتظر المنطقة بعد الزلزال المدمّر والهزات الأرضية التي تلته، فماذا يحصل جيولوجياً، وماذا بعد؟

وقال نمر لـ”أخبار الآن” إنَّ “علم الجيولوجيا يوضح أنَّ زلزالاً بذلك الحجم تليه هزّات أرضية عديدة ،ويحدث ارتدادات أرضية واسعة، فذلك أمر طبيعي”، لكنَّه حذَّر من وجوب أن تبقى تلك الهزّات الأرضية والارتدادات ضمن الرقعة الجغرافية المحددة التي حصل فيها الزلزال الكبير لئلا يعني ذلك حصول زلازل جديدة وأكثر فتكاً. وأوضح: “إذا تخطت حركة الصفائح التكتونية (Tectonic Plates) التي تكوّن قشرة الأرض، والبالغ عددها 12 لوحاً، حالة إنتاج ارتدادات بسيطة، فذلك يعني أنّ زلزالاً جديدا يحدث. ولكنَّ نمر الذي شرح ذلك الاحتمال أوضح أنَّه يبقى مستبعدا، مع العلم أن علم الجيولوجيا يبقى غامضا بشكل عام.

ويشرح في حديثه لـ”أخبار الآن” كيفية حصول الزلازل التي تنتج عن تحرّك الصفائح التكتونية، موضحاً أنَّ مناطق الجنوب والشمال التركي والدول الموجودة شرق البحر المتوسط، هي مناطق تشهد تاريخياً حركة نَشِطة للصفائح التكتونية. فتركيا وحدها على سبيل المثال شهدت العام 2022 حصول 22 ألف هزّة، بما في ذلك 322 هزّة بقوّة تزيد عن 4 درجات على مقياس ريختر، بحسب ما أتى في مقال نشر في صحيفة “ديلي صباح” التركية، مطلع العام 2023 الحالي، أي قبل حدوث زلزال الاثنين المُدمّر.

بعد زلزال تركيا وسوريا.. هذه الدول على صفائح متحركة

وأضاف نمر بالقول إنَّ “تلك المنطقة تعتبر نشطة تكتونياً إذ تمثل نقاط التقاء أو اصطدام بين الألواح الصخرية أو الصفائح التكتونية، لأنَّ منطقة شرق بحر المتوسط هي المنطقة التي تلتقي فيها صفيحة قارة أفريقيا بصفيحة أوراسيا أو قارة أوروبا التي تعرف باسم فالق شرق الأناضول”، أي الفالق الموجود شرق تركيا والذي يشكّل الحدود التكتونية بين صفيحتين، الأولى عربية والثانية أناضولية، وهو يمتد من صدع البحر الميت (Dead Sea Transform) إلى تقاطع آخر”، وبالتالي يلتقي فالق شرق الأناضول بفالق البحر الميت في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، ما يُعزز حصول زلازل.

واستناداً إلى ذلك، ولكون المنطقة هي منطقة تلاقي لفالقين على الأقل، وبحسب ما شرح الخبير طوني نمر، فعلى سكان كلّ من سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، وشمال تركيا وجنوبها، التنبّه من حدوث زلازل قوية في المستقبل، لاسيّما أنَّ تلك المناطق تاريخياً لم تسلم، فيما الحركة النشطة فيها ليست جديدة إنّما كثيفة. لذلك يقول نمر: “على تلك الدول أن تحضر نفسها لهكذا كوارث وأن تعرف نتائجها”.

“تركيا تحرّكت 3 أمتار”

وفي تصريح لافت، نقلت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” (Corriere Della Sera) الإيطالية عن كارلو دوغليوني (Carlo Doglioni)، رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين، قوله إنّه يعتقد أنّ الصفيحة الأناضولية، حيث يقع خط الصدع، “تحركت 3 أمتار على الأقل في الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوب الغربي مقارنة بالصفيحة العربية”، لافتاً الانتباه إلى حقيقة أنّ تلك الحركة حدثت في 30 إلى 40 ثانية. وأكّد العالم الإيطالي أنّ النشاط الزلزالي كان مرتفعاً للغاية في المنطقة عبر التاريخ، وأنّ “الأمر يبدو كما لو أن تركيا قد تحرّكت من مكانها”.

بينما قال الدكتور بولنت أوزمن (Bülent Özmen)، وهو عضو هيئة التدريس في جامعة غازي التركية والمتخصص في إدارة الكوارث، إنّ “ما حصل عبارة عن حدث نادر جدّاً، إذ أنّ هناك 550 صدعاً نشطاً في تركيا كلّ منها قادر على إحداث الزلازل، ولا نعرف متى يمكن أن يحدث ذلك”. وأضاف أنّ ذلك الزلزال أثّر على الصدوع الموجودة على يمين ويسار قطاع بوتورج في محافظة ملاطيا (Malatya). تسبب في الصدع الممتد نحو هاتاي (Hatay) وإيلازيغ (Elazığ)

“كما تقع اسطنبول ومحيطها على صدع شمال الأناضول، وهنا الخطر”.

وعلى خط آخر أوضح نمر أنَّه ما من رابط بين ما يحصل فوق الأرض وما يحصل في باطنها، وذلك ردّاً على سؤال حول إمكانية ارتباط ظاهرة كثرة الزلازل بظواهر أخرى كأزمة المناخ مثلاً، لكنَّه أوضح أنَّ بناء بعض السدود في تركيا من الممكن أن يكون عاملاً مؤثراً ومساهماً.

شاهدوا أيضاً: مشاهد مرعبة من تركيا وسوريا لحظة وقوع الزلزال المدمر