يقف بلد القرن الأفريقي الصومال على عتبة المجاعة مع حلول منتصف العام الجاري، فأكثر من نصف المجتمع الصومالي يتأثر بالجفاف، وفق ما يقول رئيس بعثة المنظّمة الدولية للهجرة في الصومال (International Organization for Migration) فرانتس سيليستين (Franz Celestin)، في حديث خاص لـ”أخبار الآن“، فيما تتربص جماعة الشباب الإرهابية بالأهالي انتقاماً منهم لرفضهم منطق سلوك الجماعة والتحوّل النوعي ضدّها، فتقل الأبرياء وتقضي على مصدر رزقهم.

ثمّة مَنْ يقول إنَّ الحرب الروسية على أوكرانيا لا تقتل فقط أطفال أوكرانيا، بل أيضاً أطفال الصومال الذين يرزحون تحت وطأة إرهاب جماعة الشباب الصومالية وغضب الطبيعة… استنباط تلك العبارة يعود إلى الواقع المتمثل بأنَّ الصومال يستورد 90 % من حاجته إلى القمح، من روسيا وأوكرانيا، بحسب المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (International Food Policy Research Institute)، الأمر الذي مازال يُفاقم معاناة الصوماليين ويجعل الخطر داهماً على وقع كارثة إنسانية جديدة تكون تبعاتها شبيهة بمجاعة العام 2011 التي أودت بحياة 260 ألف شخص.

في ذلك السياق، يرفض فرانتس سيليستين تشبيه الأزمة الإنسانية الحالية في الصومال بسابقاتها، ويوضح ذلك بالقول إنَّ “أكثر من نصف المجتمع الصومالي يتأثر بالجفاف، إذ 7.8 مليون صومالي يعاني تبعات الموسم الجاف الخامس، فيما التوقعات المناخية تشير إلى أنّ الفصل السادس مقبل، لذلك فإنَّ أزمة المناخ اليوم في الصومال ليست كسابقاتها أبداً، وعلى سبيل المثال فقط في العام 2022 نزح 1.4 مليون صومالي”.

أشهر تفصل الصومال عن كارثة كبرى.. وذلك ما يهدد حملة القضاء على جماعة الشباب

النزوح يُثقل كاهل الصومال أكثر

المنظمة الدولية للهجرة حطت في الصومال العام 2006 بهدف تنظيم موجات النزوح البلاد، التي عان منذ ثمانينيَّات القرن المنصرم، من موجات متعددة من الحروب الأهلية، إلّا أنَّ مشاريع تلك المنظمة توسَّعت على ضوء استمرار الاقتتال الذي انتقل في السنوات الـ20 الأخيرة من كونه قبلياً بشكل صرف، إلى اقتتال ديني مع بروز جماعة الشباب الصومالية الإرهابية.

وأسست المنظّمة الدولية للهجرة في الصومال بالتعاون مع هيئات أممية أخرى، مخيمات خاصة للنازحين الصوماليين الذين يهرّبون من القتال والجفاف على حدّ سواء. ويقول سيليستين في السياق: “نقدّم دعماً مستمرّاً للنازحين ضمن استراتيجية هدفها تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لهم في المدى القريب، وجعلهم يتحرّرون من العيش في خيام على المدى البعيد”.

ويضيف شارحاً حركات النزوح وأبرز مناطق تواجد المخيمات بالقول: “هناك أكثر من 2600 مخيم للنازحين في البلاد، نحو 600 منها في بيدوا (Baidoa)، وولاية ساوث ويست (South West State of Somalia) التي تشهد حركة تدفق كبيرة للنازحين، وعدد كبير من النازحين توجه إلى دولو (Dolo) – وتلك منطقة متداخلة بين الصومال وأثيوبيا معظم سكانها من النازحين الصوماليين، وهنالك أيضاً من نزح بكثرة إلى العاصمة مقديشو”.

وشرح سيليستين تبعات النزوح قائلاً: “ذلك كلّه يؤدّي إلى الضغط على الأنظمة الموجودة، نظام الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية التي لم تكن حتّى مواتية للسكان المحليين، أصبحت الآن تعاني ضغطاً إضافياً كبيراً، نحن نرى الكثير من النازحين في تلك المدن المزدحمة، وذلك يساهم في انتشار الأمراض وحتّى الجرائم وأعمال العنف التي بتنا نشهدها الآن”.

وأضاف: “المنظمة الدولية للهجرة تعمل حالياً في تلك المناطق، ونوسّع نطاق عملنا إلى بلد وين (Beledweyne) وجالكعيو (Galkayo) وغيرها من المناطق حيث نحاول تقديم المساعدة، فبعض النازحين يسيرون على الأقدام لمسافة تصل إلى 100 كيلومتر للوصول إلى مخيماتنا، ونحن نُقدّم لهم حزمة مساعدات فوراً تُعنى بالتغذية والصحة والحاجات الشخصية”.

أشهر تفصل الصومال عن كارثة كبرى.. وذلك ما يهدد حملة القضاء على جماعة الشباب

التربية في ظل النزوح بسبب الإرهاب والجفاف

بحسب منظمة “يونيسف“، فإنّ أكثر من 3 ملايين طفل في الصومال خارج المدارس – أطفال النزوح لا يتعلمون – وذلك ما قاله سيليستين لـ”أخبار الآن، إذ شرح أنَّه”بسبب الصراع ، ينتقل الأشخاص من شبكتهم الاجتماعية الحالية إلى أماكن أخرى، ليصبح من الصعب تعليم الأفراد أثناء الترحال، ومن الصعب أيضاً القيام بذلك في المخيمات”. 

مع ذلك، بنت البعثة الدولية للهجرة مدارس وتسعى لتطوير الكادر التعليمي، وقد قال سيليستين: “قمنا بإحضار 20 خبيراً تربوياً من المغتربين، وضمِّهم إلى وزارة التعليم لدعم وتعزيز النظام التعليمي، نحن نبني مدارس خاصة في المناطق التي تمّ الوصول إليها حديثاً، فنحن نحرص على تنمية المهارات الشخصية وبناء القدرات الرسمية لتجاوز المصاعب”.

مراكز تأهيل عناصر جماعة “الشباب” السابقين مهددة

إلى جانب عملها مع النازحين لضمان أمنهم وسلامتهم وتوفير شيء من مقوّمات العيش الكريم لهم في مخيماتهم، تُدير بعثة المنظمة الدولية للهجرة في الصومال أموال المانحين المقدّمة للصومال بهدف تشغيل مراكز إعادة تأهيل العناصر السابقين في جماعة الشباب الإرهابية في كلّ من مقديشو، بيدوا، وكيسمايو. وقد كانت البعثة أعلنت في شهر ديسمبر العام 2022 عن عدم امتلاكها التمويل اللازم لإبقاء المراكز مُشغلة في العام الحالي 2023.

وتعتبر تلك المراكز التي تسعى لتحرير الصوماليين من الفكر المتطرف الذي تروّج له جماعة الشباب، في غاية الأهمية لجهة تنفيذ أهم بنود الاستراتيجية الثلاثية التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (Hassan Sheikh Mohamud) في أغسطس العام 2022، بهدف القضاء على جماعة الشباب. دور تلك المراكز أساسي وهو العمل على إعادة دمج كلّ مَنْ آمن بجماعة الشباب التي يُقدر عدد أفرادها الحالي بين 7 و12 ألف شخص.

وسألت “أخبار الآن” في حديثها مع رئيس البعثة عن تلك المراكز وعمَّا إذا توفَّر الدعم المالي اللازم لضمان سيرورتها ، إلاَّ أنّ سيليستين لم يعطِ إجابة واضحة على الملف واكتفى بالاشارة إلى العمل المتواصل مع السلطات المحلية لعدم تعليق العمل بتلك المراكز، مفضلاً عدم ذكر المزيد من المعلومات في إطار ضمان نجاح التواصل الجاري بين البعثة والحكوكة الصومالية لإعطاء تلك المراكز الاهتمام الذي تستحقه. وبحسب المعلومات، يبلغ عدد الشبان والشابات الذين يخضعون لبرامج إعادة التأهيل اليوم، نحو 500 عنصر سابق.

أشهر تفصل الصومال عن كارثة كبرى.. وذلك ما يهدد حملة القضاء على جماعة الشباب

المطلوب أكثر من تقدّم ميداني

وأشار سيليستين إلى التقدّم الميداني في الحرب على جماعة الشباب وأهميته. لكن من باب النقاشات التي يجريها مع الحكومة الصومالية لضمان استمرارية المراكز، وجّه عبر “أخبار الآن” رسالة هامة مفادها أنَّ التقدم الميداني للقوّات الحكومية المدعومة من قبل القبائل والخارج، لا يعني انتصاراً على الإرهاب إنْ لم تتم محاربة الشباب عبر فكرها والايديولوجيا التي تتبعها. وقد قال في السياق: “العمليات العسكرية ليست الآداة الوحيدة لمواجهة الأفكار المتطرفة، بل الأمر يتطلب مقاربة شاملة لأنّه قد تكون بعض تلك الأفكار أتت من أشخاص مهمّشين، لذا فإنّ معالجة ذلك أمر مهم أيضاً. خلق مساحة للتماسك الاجتماعي والاستقرار الإجتماعي، آداة مهمّة لتحديث العمليات العسكرية”.

وأكّد أنّ “مراكز إعادة التأهيل تعتبر محطّة أساسية تعمل المنظمة الدولية للهجرة عليها، وهي تعزيز السلام”. وقال: “نعمل على إيجاد نوع من التفاهم، إذ أنّ النزاعات التي شهدناها كان سببها التهميش، سوء التفاهم، عدم التواصل والقتال على الموارد… لذلك نحن في منصات التماسك الاجتماعي الخاصة بنا، نحاول خلق تفاهم بين المجتمعات لتوضيح ما الذي يحصل بينهم، وأيضاً نعمل على خلق مساحة للناس للتعبير عن مظالمهم والتحدث عنها. إنّ تشارك الموارد أمر مهم، إدارة الموارد الطبيعية يمكن أن تشكل سبباً للنزاعات. نحن نعمل مع الحكومة ولدينا برامج مختصة لدعم الحكومة التي تحاول إرساء السلام”.

متى ينتصر الصومال على الارهاب

في الإطار عينه، استمهل سيليستين مَنْ يعتبر التقدم الميداني، الذي كان آخره تحرير قرية هرارديري – Harardhere التي كانت معقل نائب زعيم الجماعة مهاد كاراتيه، كلّ مَنْ يرى أنّ الجماعة أصبحت في نهايتها من دون التقليل من أهمية ما تحققه القوات الحكومية. وقال: “في ذلك النوع من العمل لا يمكنك تحقيق النصر في غضون أشهر، تلك عملية تستغرق سنوات، خصوصاً عندما تواجه أفكاراً متجذّرة بشكل عميق”.

وأضاف أنّ يمكنه القول إنَّ ثمّة أملاً بالاستناد إلى ما يسمعه، الحكومة متفائلة بمسار الأمور، أمّا كم ستستغرق العملية من الوقت فذلك سؤال مختلف تماماً، فيما كيفية إدارة الأمور مسألة في غاية الأهمية”، موضحاً بالقول: “هناك خطوات ضرورية يجب اتخاذها في الأشهر القليلة المقبلة، لأنّه بالرغم من وجود تلك العمليات العسكرية ومواجهة تلك المعتقدات، إلّا أنّنا لا نعُد الأشهر أو الأسابيع، بل نعُد السنين لأنّ تلك المسائل تستغرق وقتاً لنرى نتائجها”.

أشهر تفصل الصومال عن كارثة كبرى.. وذلك ما يهدد حملة القضاء على جماعة الشباب

“الاحتياجات تزيد والتمويل إمّا على حاله أو يتناقص”

ووجّه سيليستين رسالة عبر “أخبار الآن للجهات المانحة التي تموّل كلّ البرامج الهادفة لمعالجة الأزمات المتعددة الأوجه في الصومال، لاسيّما مراكز إعادة التأهيل التي يأتي في طليعة مموليها كل من بريطانيا وألمانيا، فقال: “الاحتياجات تزيد، والتمويل إمّا على حاله أو يتناقص. في الواقع نحن نتوقع أن يتقلص التمويل العام الجاري رغم توقعاتنا بأنّ الإحتياجات ستتضاعف، ومن الطبيعي أن يقلقنا ذلك الأمر لأنّنا الآن في أمسّ الحاجة إلى التمويل لنتمكن من سدّ احتياجات الناس ومتطلباتهم، هناك الكثير من الأزمات على الصعيد العالمي، لذلك من الصعب على المتبرعين التركيز على منطقة واحدة، لكن عليّ أن أعترف بأنّ المتبرعين كانوا كرماء للغاية مع الصومال”.

وختم: “صحيح أنّ أوكرانيا حظيت باهتمام كبير، لكنّنا شهدنا زيادة في حجم التمويل القادم إلى الصومال بما في ذلك العام الماضي، لكن ما يقلقني هو ما تمّ إبلاغنا به ألا وهو أنّ التبرعات ستتقلص هذه السنة، وفي هذه السنة نحن نعلم أنّ احتياجات الناس ستتزايد وستزيد نسبة النزوح، وكما ذكرت سابقاً من المتوقع حدوث مجاعة بين أبريل ويونيو، نأمل ألّا نصل إلى ذلك. نود أن نطلب من الجهات المانحة السخية أن تبقي أعينها على الصومال”.

شاهدوا أيضاً: الخيانات تحكم جماعة الشباب الصومالية.. ومهاد كاراتي متهم بالعمالة