لبنان يغرق في بحر من الأزمات ولا حل دون رئيس خارج العباءة الايرانية

في يناير العام 2023 صدر تقريرٌ أمميٌ يَعكِسُ عِمقَ الازمةِ المتعددةِ الأوجه التي يعانيها لبنان. خَلُصَ التقرير إلى أنَّ ذلك البلد الذي دخلَ في فراغٍ رئاسي في أكتوبر العام 2022 يواجهُ فيه مليونَ شخصٍ انعدامَ الامنِ الغذائي. وتوقع التقرير الصادر عن منظمة الأغذية العالمية تفاقم الأزمة في الأشهر الأولى من العام الجاري ليصل العددُ الإجمالي لمن هم بحاجة لمساعدة عاجلة الى 2.26 مليون شخص. 

الأزمة التي يعانيها لبنان، تختلف عن غيرها لكونها نقدية ومالية وسياسية. تعود تلك الأزمة بحسب الخبراء الماليين إلى مَطلِعَ مارس العام 2020 يومَ أخذت ما عُرفت بحكومةِ حزب الله أو حكومة اللون الواحد التي رأسها حسان دياب قراراً تاريخيا قِوامُهُ التخلّف عن سداد ديون لبنان الخارجية، رغم تواجد تلك الأموال آنذاك. ذلك القرار الذي اتُخذ مع بداية انهيار الليرة اللبنانية فاقم من الأزمة وزاد من عزلة لبنان الدولية التي أتت نتيجة فقدانه ثقةَ المؤسسات المالية، وتعاظمِ النفوذ الإيراني فيه مع تولي حليف حزب الله ميشال عون سدة الرئاسة، ما أفقدّه الإحاطةَ العربية التي لطالما تمتع  بها.

المشهد اللبناني لم يكتمل مَعَ انهيار العملة ودخول البلاد في عزلة عربية ودولية فحسب بل أتى انفجار مرفأ بيروت في صيف العام 2020  ليقتل أكثر من 200 شخص ويشرد مئات الآلاف ويدخل التاريخ كأقوى انفجارٍ غير نووي في التاريخ الحديث بحسب تقرير نشرته وكالة BBC البريطانية.

على ضوء الانفجار انقسمت الطبقة السياسية اللبنانية ومعها لبنان بين من أراد تحقيقا عدليا لبنانيا ومن أراد تحقيقا دوليا  شبيها بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي خلصت بعد سنوات طويلة إلى أن عنصرا صغيرا في حزب الله يدعى سليم عياش هو المسؤول عن اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري من دون حتى ادانة حزب الله بتلك الجريمة التي رآها البعض اغتيالا لدور لبنان.

بعد انفجار مرفأ بيروت، منع حزب الله وحلفاؤه تحويل التحقيقات إلى محكمة دولية، ليبدأ بعد ذلك مسلسل التدخل بالقضاء اللبناني. وقد وصل الأمر بحزب الله إلى تقديم تهديد علني من قلب قصر العدل اللبناني إلى قاضي التحقيق طارق البيطار في سبتمبر العام 2021، عندما قال المسؤول في حزب الله وفيق صفا لقاضي التحقيق: سنقبعك .. وفعلا قُبع قاضي التحقيق عن ملف انفجار بيروت لثلاثة عشر شهرا. ليعاود المحقق العدلي استئناف نشاطه في يناير العام 2023 مع مجموعة استدعاءات جديدة لشخصيات قضائية وأمنية رفيعة المستوى، فيلقى المصير نفسه … كُفَّت يداه، ومجددا ضاعت الحقيقة. ليبقى السؤال: أي مستقبل ينتظر لبنان، وهل ينتهي ذلك الكابوس؟ كيف؟ ومتى؟

اغتيالات بعد انفجار مرفأ بيروت.. لقمان سليم شهيد الوطنية

بعد أهشر على انفجار مرفأ بيروت، شهدت الساحة اللبنانية عودة للاغتيال السياسي الذي طال كل من: جوزيف بجاني وهو مصور عمل مع القوات الرسمية في لبنان وقتل في بلدته الكحالة برصاصة كاتمة للصوت في ديسمبر العام 2020، والعقيد منير أبو رجيلي الذي عمل في جهاز الجمارك وقتل بضربة على الرأس أيضا في ديسمبر العام 2020، ولقمان سليم الكاتب والناشط السياسي المعارض لحزب الله الذي قتل بـ5 رصاصات كاتمة للصوت اطلقت على رأسه في الجنوب اللبناني يوم الرابع من فبراير العام 2021.

أزمات لبنان تتفاقم على وقع الفراغ الرئاسي والخوف من تكرار تجربة ميشال عون الفاشلة

أخبار الآن أجرت مقابلة خاصة ضمن برنامج ستديو أخبار الآن مع مونيكا بروغمان (Monika Borgmann) زوجة الشهيد لقمان سليم الناشط والكاتب السياسي اللبناني لقمان سليم الذي عرف بمواقفه وكتاباته المعارضة لحزب الله فكان الصوت الذي اغتالته الميليشيا في عقر دارها وداره.

بورغمان قالت لأخبار الآن أن التهديدات التي طالت زوجها كنت ممنهجة وتعود للعام 2012 حينما أطلقت جريدة الأخبار اللبنانية حملة واسعة على شخصيات سياسية واجتماعية شيعية خارجة عن عباءة حزب الله وحركة أمل معتبرة اياهم “شيعة السفارة”، أي شيعة السفارة الأمريكة في لبنان.

وقد شرحت بورغمان أنَّ ذلك كان بمثابة دعوة من صحيفة حزب الله للجمهور الشيعي لاغتيال لقمان وغيره من المعارضين. وأضافت “كان هناك حدث بارز آخر في العام 2019 في ديسمبر 2019، في الشهر الثالث لما يسمى بالثورة هنا في لبنان، حيث جرى الاعتداء على خيمة كانت تجري فيها نقاشات من قبل جمهور حزب الله بسبب ما قاله سفير لبناني سابق في الامم المتحدة، ونتيجة لذلك أطلقت حملة على الشخصيات التي كانت تجري تلك النقاشات في بيروت، وصار هناك عراك مُدبَّر بدأ عبر تغريدة صباحية مهدة له، وكانت أتية من الصحافي بيار أبو صعب الذي كان يعمل في جريدة الأخبار، ضد تلك النقاشات ومن يقوم بها.

بورغمان أضافت، “في صباح اليوم التالي، كانت جدران فيلا سليم، أي فيلا عائلة لقمان كانت مغطاة بالتهديدات، سنقوم باسكاتك.. إلى آخره إلى آخره. لقمان الذي لم يرد على أي صحفي أبدًا عندما كان يُسئل عما إذا كان يخاف أو يخشى بسبب كلامه، إذ كان دائما يتجنب تلك الأسئلة، إلا أنَّه قال بوضوح شديد بعد الحادثة وليس من منطلق الخوف، في حالة حدوث أي شيء لي أو لعائلتي أو للمنزل، فأنا أُحمّل حسن نصرالله زعيم حزب الله ونبيه بري رئيس حركة أمل المسؤولية”.

عائلة لقمان سليم تطالب بضم ملفه إلى ملف انفجار مرفأ بيروت وعرضه على لجنة تقصّي دولية

في سيلق متصل، شرحت بورغمان أسباب ما أعلنته عائلة سليم عشية ذكرى استشهاده لجهة طلبها بضم ملف سليم وأبو رجيلي وبجاني إلى ملف انفجار المرفأ لدى لجنة تقص دولية. فقد اعتبرت بورغمان أن المقررين الاممين يرون أن التحقيقات بمقتل لقمان تجري ببطء شديد، وأنه لربما هناك رابط بين انفجار المرفأ والجرائم الثلاث. وقالت: “أنا أطلب فقط بتوسيع رقعة تفويض بعثة تقصي الحقائق لأن هناك 3 اغتيالات أعقبت انفجار المرفأ بفترة وجيزة. رجيلي وبيجاني ولقمان قد يكونون على صلة بانفجار المرفأ. على سبيل المثال، قيل أن جوزيف بجاني كان لديه الكثير من الصور عن المرفأ وأعني أنه قد تمت مصادرة جميع الهواتف والمعدات وأجهزة الكمبيوتر الخاصة به، ولم تتم إعادة أي شيء. قد يكون هناك رابط. أجرى لقمان في 15 من كانون الثاني (يناير) مقابلة مع قناة العربية الحدث حيث كان يجمع الأدلَّة التي كانت معروفة حتى تلك اللحظة والتي توضح أنَّ نيترات الأمونيوم كانت مفقودة في المرفأ وعلى الأرجح هذه النيترات ذهبت إلى سوريا حيث كان نظام الأسد يستخدمها في صناعة القنابل لذلك قد يكون هناك رابط”.

لبنان بحاجة لرئيس للخروج من النفق المظلم

في سياق الحلقة، أجرت أخبار الآن مقابلة مع عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب أكرم شهيّب الذي تحدَّث عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يخرج لبنان من النفق المظلم. وقال شهيّب: “الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، مع الوصول إلى رئيس توافقي خاصة أن تركيبة المجلس النيابي وتعديل قانون الانتخابات زادا من صعوبة الوضع على المستويات كافة”. وأضاف: “رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يريد تحسين شروطه بما يتعلّق بموضوع الرئاسة ويضمن مستقبله السياسي وهو يعي أن لا حظوظ له كرئيس للجمهورية ولن يخرج عن عباءة الثنائي الشيعي”.

وأكَّد شهيّب أن لا حل في لبنان دون انتخاب رئيس خارج عن ما يعرف بمحور الممانعة، مؤكدا أنَّ التواصل بين الفرقاء السياديين في المجلس النيابي اللبناني مستمر فلا خلاف بين الكتل التي أرادت ايصال ميشال معوض.

شهيب شرح مبادرة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الأخيرة التي تضمنت 3 أسماء مغايرة لميشال معوض الذي انتخبته القوى السيادية في 13 جلسة. وقال في السياق، أن المبادرة أرادت كسر الجمود واتيان برئيس لأن الوضع لا يحتمل.

وأضاف شهيب تعليقا على خلاف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله، أن جبران باسيل لا يخرج عن عباءة حزب الله وأن ذلك لا يعني الا أن باسيل يريد تحسين شروطه لدى حزب الله وضمان مستقبله السياسي بعد التأكد أن ما من امكانية له للوصول إلى سدة الرئاسة.

شاهدوا أيضا: الكبتاجون من المصدر إلى المستهلك.. فمن هم أرباب حبَّة الموت؟