تحويلات مالية سرية، وشركات وهمية، وعمليات بيع أسلحة “ضخمة” لتنظيم داعش الإرهابي من شتى أنحاء العالم، هو ما كشفت عنه دراسة متخصصة لمنظمة “كونفليكت آرممنت ريسيرتش“.

ووفق الدراسة التي حصلت “أخبار الآن” على نسخة مفصلة منها، فإن التنظيم الإرهابي استطاع بعد سيطرته على مساحات كبيرة من سوريا والعراق في الفترة ما بين 2014 و2019 من شراء أطنان المواد الفرقعة والمعدات الإلكترونية والأسلحة والذخائر من دون أن يقوم بلفت الانتباه.

الدراسة أشارت إلى أن ذلك تم من خلال إقامة شركات وهمية وتحويلات مالية سرية وشركات عائلية قامت بتنظيم شبكات داخل العراق وسوريا ووفرت الأسلحة والذخائر للتنظيم الإرهابي، من خلال عمليات توريد وتوزيع، تحت غطاء عمليات بيع مشروعة تم استغلالها في عملية توفير الأموال للتنظيم الإرهابي.

وأوضحت الدراسة أن التنظيم الإرهابي تمكن من الأعوام 2014 إلى 2017 من إنشاء وحدات عسكرية تعد من أكثر قدرات الإنتاج للأسلحة والعبوات الناسفة تطورا وتقدما، بما أسهم في توفير إنتاج عسكري متقدم تقنياً عبر شراء بضائع ومواد خام تم تصنيعها في أوروبا وآسيا.

وبالتالي، فإن العمليات التي نظمها التنظيم الإرهابي المتطرف عابرة للحدود، بحسب الدراسة التي أوضحت أن التنظيم الإرهابي تمكن أيضاً من المواد المنهوبة في الأراضي التي سيطر عليها في العام 2016 أيضاً، ما مكنه من تشكيل قاعدة للمواد الخام التي يمكن له استغلالها في صناعة المتفجرات، والأسلحة والذخائر.

وشملت عمليات التوريد مواد كيميائية، ومتفجرات وآليات تصنيع، ومكونات إلكترونية، وأجهزة طائرات بدون طيار، من خلال موزعين إقليميين لمنشآت إنتاج أسلحة ما مكن التنظيم من تخزين كميات ضخمة من الأسلحة.

إلى ذلك، أولت الدراسة اهتماما تفصيلياً بالطرق التي قدم بها المشترون أنفسهم للمصنعين والموزعين التجاريين، وطبيعة ومحتوى الاتصالات مع هؤلاء المصنعين والموزعين، وطرق الدفع المستخدمة، وكيف تم نقل البضائع فعلياً.

وأشارت الدراسة إلى أن أغلب السلع تتمثل في الأسمدة القائمة على النترات المستخدمة في إنتاج المتفجرات محلية الصنع وكذلك عجينة الألمنيوم المستخدمة في إنتاج المتفجرات، ومادة السوربيتول المستخدم في إنتاج وقود الصواريخ.

أسلحة مصنعة صينياً وروسياً

وأوضحت الدراسة أن التنظيم الإرهابي تمكن من الاستيلاء على أسلحة أمريكية من الوحدات العسكرية العراقية، غير أن هذه الأسلحة لا تمثل سوى 2% من مخزونات التنظيم الإرهابي من الأسلحة التي حصل عليها من خلال العمليات التي نفذها في كل من سوريا والعراق، موضحة أن الصين كانت هي الدولة المصنعة في الأغلب للمواد الأولية والمعدات التي تشكلت منها هذه الأسلحة.

وبحسب الدراسة، فإن الذخائر ذات العيارات الصغيرة المستخدمة في البنادق الهجومية والأسلحة الرشاشة تشكل نحو 93% من مجموع الأسلحة الموثقة في الدراسة، وتمثل الذخائر الصينية والروسية والرومانية أكثر من نصف العينة؛ أي بنحو 65% من إجمالي الأسلحة التي تم توثيقها، ونحو 21% مصنعة في الاتحاد الأوروبي. كما تم صناعة النسبة الأكبر من الذخائر والأسلحة ما بعد عام 2010.

صواريخ داعش

وتمثل الصواريخ الموثقة ثاني أكبر مجموعة من الذخائر الموثقة بموجب الدراسة، لكنها لا تمثل سوى 3% من إجمالي الصواريخ من عيارات مختلفة، وقاذفات متعددة العيارات، مصنعة في الصين وبلغاريا وإيران، إضافة إلى روسيا ورومانيا.

ووفق الدراسة، فقد تم إنتاج أكثر من ثلث الصواريخ من عيار 40 ملم والمصنعة بعد عام 2010، كما أن معظم عينة الصواريخ الإيرانية المصنعة كانت من عيار 73 ملم، والتي صنعت بعد عام 2010.

كما أشار التقرير إلى أن التنظيم المتطرف استولى على نسبة كبيرة من الأسلحة والذخائر التابعة للقوات العراقية والسورية.

ووثقت الدراسة ما مجموعه 171 سلاحاً من الأسلحة التي تحمل علامة الترسانة العراقية ما يشير إلى انه تم ضم الأسلحة إلى مخزونات قوات الدفاع والأمن العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وأوضجت الدراسة أن التنظيم استولى على هذه المخزونات خلال هجماته ضد القوات المسلحة العراقية في منطقة الموصل عام 2014 وتم نقل العديد من هذه الأسلحة من منطقة الموصل العراقية إلى مناطق سورية، فيما رجحت الدراسة أن يكون مصدر الأسلحة في سوريا الحكومة السورية ذاتها.

في سياق ذي صلة، كان تقرير أمريكي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) جدد المخاوف بشأن مصير أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 715 مليون دولار، موجّهة من أمريكا إلى حلفائها في سوريا لمحاربة التنظيم المتطرف، إلا أنها لم تكن لها سجلات دقيقة.

وكان التقرير الذي أعده مكتب المفتش العام بالوزارة، وهو هيئة مستقلة مكلفة بإجراء التحقيقات الداخلية بالبنتاغون، كشف عن أن قوة المهام المشتركة لعملية “العزم الصلب” بسوريا لم تحتفظ بقائمة تشمل المعدات كافة التي تم شراؤها وتسلمها منها نحو 4100 قطعة سلاح، وفق موقع “ميليتاري تايمز”.

عطية: تنظيم داعش الإرهابي قد يستغل هذه الأسلحة في حروب استنزاف

وتعليقا على الدراسة، قال إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، والمتخصص بشؤون التنظيمات والجماعات الإرهابية إن المخاطر الناجمة عن استخدام هذه الأسلحة كبيرة جدا وعلى الدول أن تتنبه لها؛ ذلك أن تنظيم داعش الإرهابي يمكن أن يدفع مليشياته المسلحة والتنظيمات والجماعات المرتبطة به إلى استخدام هذه الأسلحة في تنفيذ ما يسمى بـ “حروب الاستنزاف” والدفع نحو منطق أزماتي جديد يعرقل المسيرة التنموية في كل من سوريا والعراق.

وأضاف أن “هناك العديد من الشركات الوهمية التي يقتصر دورها على تمويل وتسليح تنظيم داعش الإرهابي، والجماعات المرتبطة بالتنظيم مثل جماعة بوكو حرام الإرهابية وغيرها، وهذه الجماعات ترتبط في حسابات وهمية ومواقع إلكترونية وهمية، الأمر الذي يستلزم على الدول حل هذه الشركات ومحاسبتها وفقاً لقواعد القانون الدولي والقانون الجزائي والإجراءات الجنائية فيها.

وأوضح أن عملية تهريب الأسلحة هي عملية فوق الدول وتدخل في إطار الجريمة المنظمة التي تقوم بعمليات تهريب أسلحة أو معدات تصنيع أسلحة من أجل تنفيذ عملياتها الإرهابية، في الدول التي تنشط فيها أو الدول التي بدأت تمارس عملياتها فيها لا سيما أفريقيا.

هماش: المساحات الصحراوية التي يتواجد فيها داعش أسهم في تخزين الأسلحة

وقال الخبير في القانون الدولي العام، عبدالسلام هماش إن “القانون الدولي العام منع انتشار الأسلحة التقليدية أو الأسلحة العمياء، ومن هنا يمكن محاسبة التنظيم الإرهابي على هذه الأسلحة بغض النظر عن الجرائم الأخرى التي ارتكبها”.

وأضاف: “الحركات الإرهابية لا تنشأ إلا في الدول غير المستقرة ما يفقد الدولة السيطرة على جغرافيا المكان”، لافتا إلى أن “تنظيم داعش يتواجد في مساحات صحراوية ما أسهم في تخزين الأسلحة”.