حبيبة هربت من جماعة الشباب بأطفالها على عربة يجرها حمار بعمق الصحراء

وقعت مدينة واجد Waajid التابعة لإقليم بكول Bakool جنوب غرب الصومال في يد جماعة الشباب الإرهابية بعد حصارهم لها على مدار أعوام وتجويع أهلها، بل إنهم قاموا بإحراق المعونات الغذائية التي أرسلتها سلطات مقديشو لإغاثة متضرري الجفاف في الإقليم المحاصر.

لم تكتف جماعة الشباب بذلك، بل بعد تمكنها من الاستيلاء على واجد التي يمتهن أهلها الزراعة ورعي الماشية، فرضت عليهم الجبايات تحت مسمى ما أطلقت عليه الزكوات، حتى حولت حياة الأهالي إلى جحيم ولم يتبق للأطفال رغيف خبز من حصاد أرض أو كوب لبن من ضرع شاة.

ففر الأهالي فرادى تحت جنح الليل إلى العاصمة مقديشو ليستقروا في مخيم حمل نفس اسم مدينتهم، مخيم واجد، وداخل المخيم قضينا يوما بين النازحين لنرصد آلامهم، كان الجميع خائفون من الحديث لأن الحديث يعني أن تتعقبهم جماعة الشباب بعد سرد جرائمهم، كانت حبيبة السيدة الأشجع والأكثر جرأة وقوة لتوافق على عمل حوار مع “أخبار الآن”.

ضحية جماعة الشباب: قتلوا زوجي وسرقوا طعام أطفالي بجمع الإتاوات

حبيبة: الشباب حرقوا الحصاد وقتلوا المواشي لكل من رفض دفع زكواتهم

تروي حبيبة حكايتها مع الحرب ومع إتاوات الشباب فتقول “كنا نسكن في واجد، كنا فلاحين نزرع الأرض ورعاة حيوانات نرعي المواشي، قبل أن تموت معظم المواشي، وبعد ما ماتت المواشي تبقى لنا بعض الحمير كنا نستعمل الحمير في نقل الماء، وكانت تحمل لنا المحصول من القرية للمدينة، بعد ذلك بدأ الشباب يحرقون الحصاد على ظهور الحمير و يقتلون الحمير ويغتالون الشخص الذي يقود الحمير ”

حبيبة أم لأطفال يتامى من زوجين متوفيين، الأخير منهم قتل بيد جماعة الشباب، غادرت هي وأطفالها مدينة واجد بعد أن باعت مزرعتها بسعر زهيد وفرت بأبنائها، تقول حبيبة “أنا أم اليتامى بعت المزارع ورحلت إلي مقديشو وحاليا أعيش في مقديشو في هذا المخيم، بعض أبنائي الأيتام كبروا وبعضهم مازالوا أطفال صغار، أصغرهم عمره ١١ سنة والحمد لله أننا نعيش هنا، فإننا لا نستطيع العودة إلى القرية فقد ضاعت المزارع والمواشي، كل شئ انتهى، نحن هنا لا ندفع إيجارًا، حيث نعيش في هذا المخيم الذي تبرعوا لنا به.”

بلا أموال ولكنهم في أمان بعيد عن الشباب وهذا جيد

في ظل صراع دائم وحرب ليس فيها هدنة بين الحكومة الصومالية وجماعة الشباب قتلت قذيفة مجهولة زوج حبيبة الأول فتركها بأطفال عليها أن تعولهم، وما أن وجدت حبيبة من يوافق أن يعولها بأطفالها اليتامى فتزوجت وأنجبت أطفالا أصبحوا أيضا يتامى حينما قررت جماعة الشباب قتل زوجها الأخير لأنه مجند في صفوف الجيش الصومالي، أصبحت حبيبة أرملة للمرة الثانية وأمًا لحفنتين من اليتامى بلا عائل.

تقول حبيبة عن هذه الواقعة “تزوجت مرتين الزوج الأول مات بقذيفة مجهولة لا نعرف من قتله، ولكن الزوج الثاني قتلوه الشباب لذا فأنا أم يتامى مرتين ، الأخير قتله الشباب، لقد قتلوه في مدينة أفجوي Afgoye فقد كان مجندًا مع الجيش الصومالي في مجموعة تحارب ضد الشباب وقتلوهم هناك، بعد ذلك أصبحت عاملة في المنازل أقوم بغسل الملابس للناس الأغنياء، ثم عملت، شيالة في رفع الأحمال الثقيلة على كتفي.”

قذائف، قنابل، ورصاصات، هذه هي تفاصيل الحياة التي عاشتها حبيبة في كنف حكم الجماعة الإرهابية لذا فهي ممتنة لحياتها الجديدة ولو كانت أكثر فقرا، حيث تحكي حبيبة “مؤخرًا أصبحتُ مريضة بعد أن وقعت علي يدي قذيفة، وبعد ذلك الجرح أصبحت أعاني من آلام في الكتفين والظهر والرأس لم أعد قادرة على العمل، ولذلك فإن بعض الأقارب والمعارف يدفعون مصاريف مدارس أبنائي القرآنية وقالوا ندفع هذا فقط أما باقي متطلبات الحياة فأنت ونصيبك، هؤلاء الأقارب المتبرعون هم أيضًا نازحون مثلنا من غرب الصومال، وموجودون حاليًا في بايدو، لذا فهم يرسلون لي فقط ثمن تكاليف الشهر لتعليم أبنائي لا شئ أكثر من ذلك، الحمد لله، الحمد لله أننا فقط نعيش”

ضحية جماعة الشباب: قتلوا زوجي وسرقوا طعام أطفالي بجمع الإتاوات

حبيبة: الزكاة تدفع للفقير في الدين ولكن الشباب يأخذونها جباية من الفقراء

بعد أن استولت جماعة الشباب على محصول الأرض وعلى المواشي، لم يعد لحبيبة وغيرها من الفقراء شيئا ليعيشوا منه فكيف كانت حياة هؤلاء الفقراء المستضعفين تحت حكم هذه الجماعة الإرهابية التي استولت على طعام أطفالهم تحت اسم الزكوات، التي يجمعونها من الفقراء لإطعام مقاتليهم وجلب السلاح.

تشرح حبيبة كيف تقوم الجماعة بجمع الإتاوات من الفقراء من الفلاحين والرعاة فتقول” الفقير فينا لو عنده جملين يأخذ الشباب منه واحد ولو حصدت من مزرعتك ٣ أجولة من الذرة يأخذون جوالين، مثلا لو عملت أو حتى لو تسولت بعض الذرة من أقاربك دون علمهم ووضعته في عربة الكارو يحرقوه، إنهم لا يريدون لك أن تعيش، حتى الماء يحرموك إياه، لو عندك خيمة أو عشة يحرقونها، لا يريدون لك الحياة وليس عندهم فرق بين التاجر الثري والفقير، إنهم يحاربون الحياة.”

وعندما سألناها: هل كانوا يخبرونكم إلى أين تذهب هذه الأموال؟

أجابت حبيبة : “كانوا يقولون هذا لأجل الله والمجاهدين الذين يحاربون في سبيل الله ويقولون نحن ندافع عن الدين والوطن ولكنهم هم الذين يقضون على الوطن، واليتامى لو عندهم جملين أو تلاتة ماعز يأخذون واحد والذرة الذين يجدونها في مزرعتهم يأخذونها ولا يراعون حتى يتم الأطفال، إنهم لا يعطون اليتامى شئ بل يأخذون منهم،”

وعن مصير من يرفض دفع تلك الإتاوات للجماعة تقول حبيبة “من يرفض كانوا يعتقلونه ويحاكمونه في محكمتهم الخاصة، ويغرمونه ثمن بندقية أو يحكمون عليه بالحبس، ويقوم أقرباؤه بجمع فدية له لو يقدرون، ولو لم يستطيعوا فديته يقوم الشباب بقتله أحيانا دون علم أحد من أهله”

ضحية جماعة الشباب: قتلوا زوجي وسرقوا طعام أطفالي بجمع الإتاوات

بعد 8 أعوام تحت حكم الشباب..هربت وأطفالها على عربة بحمار في الصحراء

٨ سنوات هي المدة التي قضتها حبيبة وأسرتها تحت حكم هذه الجماعة، حبيبة سيدة بسيطة، ربما لم تتعلم ولكن كلماتها تقطر بالحكمة، إنها الحكمة التي اكتسبتها من معايشة مأساة تلو الأخرى على مدار حياتها، فتضيف حبيبة في روايتها لنا عن جمع الإتاوات باسم الدين من قبل جماعة الشباب فتقول”الزكاة لو نظرنا لها من الدين لا تؤخذ إلا ممن وصل نصاب الزكاة ويختار هو ما يريده من ماله للزكاة، أما هم فيدخلون حظيرة المواشي ويأخذون ما يعجبهم ولو قلت أنا دفعت الزكاة لشخصٍ فقيرٍ أو يتيم، يقولون: لا يخصنا، أنت من دفعت ويأخذون ما يريدون.”

على عربة “كارو” يجرها حمار، غادرت حبيبة ليلا من طرق جانبية صحراوية وعرة، هاربة بأطفالها من واجد إلى العاصمة تاركة خلفها أرضا وماشية ووجوه جماعة ملطخة يدها بدم زوجها، جماعة متربصة بطعام أطفالها وحياتها ومستقبل أبنائها

وعن هذه الرحلة التي خاضتها وحيدة مع أطفالها في دروب الصحراء تستطرد حبيبة “لو ما في أب، والأسرة بها الأم والأولاد فقط، فإن على الأم أن تصبح أما وأبا معا، ولا يمكن أن تغادر ببعض أطفالها وتترك بعضهم في القرية، لو تركت بعضهم سوف تكون قلقة عليه، رحلنا من واجد وركبنا عربة بحمار و كنا مختفين في طرق جانبية ولم نسافر من الطريق الرئيسي حتى وصلنا إلى بايدو، ثم رحلنا من بايدو حتى وصلنا إلي هذا المكان وكان خاويا وبنينا فيه العشش بالصفيح والسقف بالكرتون”

كانت حبيبة في الماضي صاحبة أرض ومواشي وأغنام، تزرع وترعى وبعد أن سلبتها جماعة الشباب ممتلكاتها وممتلكات أطفالها، لم يعد لديها مورد رزق غير ما تبقى من صحتها المنهكة، فتقول ” بدأت أحمل على ظهري وأغسل الملابس لنعيش، ثم عملت في خدمة الأغنياء لذلك استطعنا أن نحيا مجددا، لم يمت أحد منا رغم المعاناة مازلنا أحياء عندما يكون الإنسان رزقه موجود فلن يموت ربما يعاني فقط ولا يموت، لو رزقه انتهي سوف يموت، أعاننا الله والحمد لله والأتراك هنا عملوا لنا بعض المساعدات ونحن نعيش هنا ونتكيف مع المعاناة حتى نموت.”

حبيبة: الشباب هددوني بالقتل بعد نجاحي في الهرب

في بداية هروبها واختبائها من الشباب جاءتها اتصالات تهديد بالقتل من الشباب حين توصلوا لرقم هاتفها، ولكن الحكومة الصومالية تعمل على تأمين الفارين والنازحين من مناطق الشباب لأنهم هدف للجماعة، وعن ذلك تقول حبيبة”اتصل بي أفراد من الشباب بعض المرات وفي إحدى المرات اتصلوا بي وقالوا لو ما تركت العمل الذي أنت فيه فسنقتلك فقلت متعجبة أي عمل أنا ليس لدي عمل!، كنت خائفة لكن الحمد لله بعد فترة هدأ بالي، الحمد لله نعيش هنا بدون مشاكل وتأتي إلينا بعض الهيئات الخيرية وأحيانا لا يمروا ولكننا مازلنا نعيش.”

هكذا لم ترحم جماعة الشباب وأمراؤها جوع الجوعى ولا فقر الفقراء من فرض إتاواتهم التي أطلقوا عليها اسم الزكوات ليلبسوها ثوبا دينيا لا يمت لها بصلة، لقد أكلت الجماعة الأخضر واليابس في الصومال بهدف أن تصبح أهم أذرع تمويل تنظيم القاعدة في أفريقيا بل وفي العالم، ومازالت الدولة الصومالية تخوض معركتها الشرسة مع هذه الجماعة الأكثر دموية في العالم الآن.