أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

منذ بداية العام والساحة العراقية تشهد استئنافا لعمليات عصابة داعش الإرهابية وبعض تلك العمليات أظهرت تغيرا نوعيا في الهجمات التي تشنها العصابة مستهدفة الجيش العراقي وميلشيات الحشد الشعبي. تحاول داعش من هذه العمليات استعادة نفوذها وتجديد وجودها بعد أن هزمت في معاركها مع الجيش العراقي وقتل زعيمها على يد الأمريكيين أواخر العام 2019.

وكما تزايدت عمليات التنظيم على الأرض فقد تزايدت أيضا نشاطاته على شبكات التواصل الاجتماعي من حيث الدعاية وتجنيد المزيد من العناصر.

غداة قتل البغدادي على يد وحدة عمليات خاصة أمريكية توقعت مجلة تايم أن عمليات داعش ستعود خلال فترة ستة شهور وفي أبعد تقدير خلال اثني عشر شهرا. من الواضح أن توقعات مجلة تايم كانت في محلها فقد عادت عمليات داعش فعلا بعد ستة شهور من مقتل البغدادي.

تعتمد تكتيكات عصابة داعش في ظل زعيمها الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي على العمليات المرنة ولكن المخطط لها بعمق للقيام بعمليات سريعة وخاطفة. فلم تعد داعش قادرة على احتلال مساحات من الأراضي مثلما كانت في عام ألفين وأربعة عشر عندما استولت على مدينة الموصل في أربع ساعات وهو ما أثار دهشة العالم كله وخلق شكوكا بان هناك من ساعد على ذلك من بين السلطات العراقية نفسها.

في الشهور الأربعة الأولى من عام 2020 قتلت داعش مئة وسبعين عراقيا في عمليات وهجمات متفرقة استهدفت اختبار الجاهزية العسكرية للقوات العراقية. لكن معظم عمليات داعش الجديدة كانت في مناطق الشريط الفاصل ما بين كردستان العراق وباقي المناطق العراقية لان تلك المنطقة تفتقد وجود قوات عسكرية لأي من الجانبين بسبب الخلافات بينهما. وهذا سمح لعناصر داعش بالحركة والاختباء وشن الهجمات انطلاقا من تلك المناطق وكان أحد تلك الهجمات قد أوقع عشرة قتلى في صفوف الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين في عملية كانت الأكثر تعقيدا منذ عام ألفين وسبعة عشر.

كذلك استغلت داعش انشغال القوات العراقية في تأمين المدن الداخلية بسبب ظروف جائحة كورونا وتقليل أعداد القوات المناط بها عمليات مكافحة الإرهاب لاستخدامها في ضبط الأحوال الداخلية وهذا ما سهل لعناصر داعش القيام بعمليات تصل إلى عشرين عملية في الأسبوع. وترى السطات العراقية في هذه العمليات تهديدات جدية وخطيرة. وبعد شهور عاش خلالها العراق فترة فراغ سياسي وخلافات على تشكيل الحكومة يجد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي نفسه أمام معضلتين كبيرتين هما جائحة الكورونا وعمليات داعش.

وبالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية في عدة مناطق في العراق خصوصا المنطقة الغربية وسهل نينوى وكركوك وجدت العصابة قدرة على التحرك بسهولة وتجنيد عناصر جديدة، لكن قرار رئيس الوزراء العراقي الجديد بإعادة قائد عمليات مكافحة الإرهاب إلى منصبه الذي أقالته منه الحكومة السابقة يشير بوضوح إلى نية الحكومة العراقية بعدم التهاون في مكافحة الإرهاب.

العامل الآخر الذي قد يسمح ويساعد عصابة داعش على القيام بعمليات جديدة هو قرار السلطات في أكثر من دولة أوروبية بإطلاق سراح حوالي ألف سجين ممن ينتمون لعصابة داعش من سجونها. فإطلاق ألف عنصر من مقاتلي داعش بعد فشل تهجينهم وإقناعهم بنبذ الإرهاب سيكون دعما حقيقيا للعصابة ومن المؤكد انهم سيشكلون إضافة نوعية وعددية لها. لذلك فالمتوقع أن تسعى العصابة لزيادة عملياتها الإرهابية سواء في العراق أو سوريا أو أي مكان آخر يمكنها الوصول إليه لإثبات قدرة زعيمها الجديد على إحكام سيطرته على العصابة.

يبدو إطلاق سراح هؤلاء وكأنه قنبلة موقوتة لاستخدامها في الزمان والمكان الذي تريده العصابة. فلم تنجح سنوات السجن في إعادة تأهيلهم وإقناعهم بتبديل سيرتهم الإرهابية. ويرى خبراء بأن أوروبا ستكون المتضرر ا لأول من ذلك وقد تشهد موجة جديدة من عمليات الإرهاب بعد أن يكتمل إطلاق سراح الألف سجين.

يرى الخبراء أيضا أن داعش التي كادت أن تهزم وتختفي تستغل حال الانشغال العربي والعالمي بجائحة كورونا لكي تستعيد حياتها بشكل أقوى وأكثر جرأة وعدوانية على القيام بعمليات إرهابية جديدة. فوجود ما يقرب من خمسة وعشرين ألف مقاتل يلتزمون أيديولوجيتها في العراق وسوريا بالإضافة إلى عشرات الألوف من المتعاطفين معها من المجتمع المحلي في مناطق وجودها يثير قلق السلطات في العراق وسوريا ويزيد من أعباء السلطات فيهما في الوقت الذي تحاول فيه حكومتا البلدين معالجة الأوضاع الناشئة عن جائحة كورونا.

عمليات داعش في سوريا بدأت تتزايد أيضا ووقعت مواجهات عديدة بين عناصر العصابة والقوات السورية قتل فيها ستة وعشرون إرهابيا واثنان وثلاثون جنديا وتعرض إنتاج النفط في المناطق الشرقية من سوريا لأضرار أعاقت توليد الكهرباء بنسبة ثلاثين في المئة.

كذلك في شمال سيناء حيث تنشط عصابة داعش جرت عملية إرهابية في منطقة بير العبد قتل فيها عشرة من رجال الجيش المصري.

قد تكون عصابة داعش استطاعت أن تعيد بناء نفسها بعد مقتل البغدادي وتراخي القبضة الأمريكية في العراق بعد انسحاب القوات من هناك لكن اللامركزية الفضفاضة في الجماعات الإرهابية هي التي تسمح للعناصر بالتحرك بحرية والقيام بعمليات من شأنها إرباك الحكومات.

تحتاج عصابة داعش الآن أكثر من أي وقت مضى دعم التنظيمات الإرهابية الأخرى وخصوصا القاعدة التي انفصلت عنها وشكلت تنظيما مستقلا بعد خلافات بين الزعماء. والان بغياب البغدادي واحتمال غياب الظواهري زعيم القاعدة الذي لم يظهر منذ زمن يتوقع بعض المتابعين أن تنسق الجماعتان فيما بينهما ولكن من غير المتوقع أن يتم الاندماج بينهما في قيادة واحدة.

تتبع الاستراتيجية الأمريكية على ما يبدو في تعاملها مع الإرهاب والإرهابيين مبدأ اضرب الراعي فيتفرق الغنم. لكن هذه الاستراتيجية لم تنفع مع الجماعات الإرهابية التي أثبتت قدرتها على اختيار البديل بسرعة.

وعندما قتل البغدادي رأى الرئيس الأمريكي أن النصر تحقق لكن الخبراء الأمنيين قالوا له أن هزيمة العصابة الإرهابية ليست بتلك السهولة. قد تكون الولايات المتحدة تخلصت من زعيم عصابة لكن المعركة مع الإرهاب لم تنته والمستقبل لا يزال مجهولا.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

اقرأ أيضا:

داعش خطر باق.. التنظيم يغير استراتيجيته ويحاول العودة من جديد بالعراق

الأمم المتحدة: تنظيم داعش يستغل كورونا لشن هجمات على المدنيين في سوريا