قصف مستشفى المعمداني.. تفاصيل ما حدث

لقد كان الهروب الأخير قبل الفاجعة،  آلاف المرضى والجرحى والنازحين من منازلهم قسريا بسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة معظمهم من النساء والاطفال تجمعوا داخل أروقة وساحات مستشفى المعمداني الأهلي في القطاع المحاصر ظناً منهم أن المكان سيحميهم من نار الحرب بين حماس وإسرائيل والتي حصدت حتى الآن آلاف القتلى والجرحى منذ هجوم حماس المفاجئ على مستوطنات غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر الجاري.

مئات القتلى والجرحى

لحظة واحدة مساء السابع عشر من أكتوبر، لم تكن في الحسبان، حولت عائلات بكاملها إلى جثث متفحمة عندما طال قصف صاروخي إسرائيلي المستشفى مخلفاً مئات القتلى والجرحى.

وزارة الصحة في غزة أعلنت أن غارة إسرائيلية أدت إلى مقتل قرابة 500 شخص معظمهم من النساء والأطفال، مشيرةً إلى أنها لا تستطيع تلبية الاحتياجات وأن “المجزرة كبيرة”، مؤكدة أنه لا يوجد مكان آمن في القطاع من القصف الإسرائيلي العشوائي.

وأظهرت صور من المستشفى الأهلي النيران تلتهم قاعاته وتناثر الزجاج وأشلاء الجثث في المنطقة كما تداول المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر جثثا مكدسة في ساحة المستشفى.

الرواية الفلسطينية

اتهمت حكومة حماس في غزة إسرائيل باستهداف المستشفى وارتكاب جريمة حرب جديدة، فيما قالت حماس إن مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني “جريمة إبادة جماعية” وقال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، إن الولايات المتحدة مسؤولة عن الهجوم على المستشفى الأهلي، مؤكدًا أن واشنطن أعطت إسرائيل “الغطاء لعدوانها”.

إسرائيل تتهم الجهاد

الجيش الإسرائيلي قال إنّ “فحصاً دقيقاً لأنظمة المراقبة” أثبت أنّ القصف الذي طال المستشفى ناجم عن “عملية إطلاق صواريخ فاشلة” تقف خلفها حركة الجهاد .

وقال دانيال هاغاري، المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي: سنقدّم الأدلّة على ما نقوله في الساعات المقبلة”.

وشدّد المتحدّث العسكري على أنّه “لحظة حصول القصف، لم تكن إسرائيل تنفذ أيّ عمليات جوية بالقرب من المستشفى، والصواريخ التي أصابت المبنى لا تتطابق مع الصواريخ الإسرائيلية”.

وقال هغاري : “لدينا معلومات استخباراتية عن اتصالات بين إرهابيين تحدثوا عن خطأ في إطلاق الصواريخ”.

ونشر الجيش الإسرائيلي بعد ذلك ما قال إنه تسجيل صوتي لمثل هذه المحادثة، مع تعليق باللغة الإنجليزية.

بدوره، علّق أفيخاي أدرعي المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي في رسالة مصورة على منصةّ إكس على الواقعة مؤكداً وقوف الجهاد خلف الاستهداف.

من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وفق بيان صادر عن مكتبه “ليعلم العالم أجمع: الإرهابيون الهمجيون في غزة هم الذين ضربوا المستشفى في غزة وليس الجيش الإسرائيلي.

أكاذيب ومحاولات للتضليل

وردّاً على هذه الاتّهامات، قالت الجهاد في بيان إنّ إسرائيل كعادتها في فبركة الأكاذيب، تحاول جاهدةً التنصّل من مسؤوليتها عن المجزرة الوحشية.

وأضافت أنّ “الاتّهامات التي يروّج لها العدو هي اتهامات باطلة لا أساس لها من الصحّة”.

واعتبر البيان أنّ “تضارب الروايات التي يقدّمها العدو تكشف كذبه” في إشارة إلى رواية وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تحدثت عن “تخزين أسلحة ومتفجرات بشكل متعمّد داخل المستشفى، وبأنّ الانفجار وقع داخل المستشفى عقب إطلاق الصواريخ من محيطه” بينما “زعم بيان الجيش بأنّ محاولة إطلاق صواريخ فاشلة أصابت المستشفى”.

غضب شعبي عارم

خرجت عشرات التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية في عدة مدن عربية وإسلامية وأوروبية تنديدًا بقصف مستشفى

وفي الضفة الغربية خرج آلاف الفلسطينيين إلى مراكز المدن والقرى الفلسطينية في مسيرات منددة بالمجزرة، وبحسب مصادر فلسطينية أصيب العشرات منهم بالرصاص الحي والاختناق بالغاز المسيل للدموع خلال مواجهات عنيفة مع القوات الإسرائيلية.

في الأردن الجارة حاول متظاهرون غاضبون اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية بالعاصمة الأردنية عمّان، واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين في محيط مقر السفارة كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة بمواقع التواصل الاجتماعي، جانبا من تلك الاشتباكات واندلاع حريق بمحيط السفارة.

وتوجه المئات من المتظاهرين ليل الثلاثاء إلى محيط السفارة الأمريكية شمال بيروت، حيث عملت القوى الأمنية على تفريقهم بإلقاء الغاز المسيّل للدموع كذلك، تجمع عشرات المتظاهرين أمام مقر السفارة الفرنسية في بيروت.

ووسط تعزيزات أمنية كبيرة، تجمع مئات التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة حاملين الرايات الفلسطينية، وأحاطت أعداد منهم بمقر السفارة الفرنسية بالشارع نفسه احتجاجا على “انحياز” باريس لإسرائيل.

وفي العاصمة الكويت تظاهرت شخصيات بينهم برلمانيون سابقون ورموز سياسية في تظاهرة احتجاجية حملت الأعلام الفلسطينية.

وشارك مئات المغاربة، مساء الثلاثاء، في وقفات احتجاجية، بعدة مدن، للتنديد بهجوم إسرائيل على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.

وعلى صعيد متصل، خرج مئات العراقيين في مظاهرات شعبية للتنديد بقصف إسرائيل لمستشفى المعمداني في غزة. وطالبوا الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي بالتدخل لمنع هذه الجرائم التي تطال المدنيين.

وتظاهر مئات الأتراك أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة أنقرة وقنصليتها بإسطنبول تنديدا بقصف المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة.

وفي العاصمة الإيرانية طهران تجمّع مئات المتظاهرين أمام سفارتي فرنسا والمملكة المتّحدة احتجاجاً على القصف الذي طال المستشفى المعمداني.

وفي اوروبا شهدت العاصمة الألمانية برلين وقفة احتجاجية تنديدا بالمجزرة. وقد أحاطت جموع من قوات الأمن الألمانية بالمتظاهرين وحاولت تفريقهم بالقوة.

في حين شهدت مدينتا مالمو وأوبسالا السويديتان مظاهرات تندد بالمجزرة .وخرجت مظاهرة أمام مبنى وزارة الخارجية في العاصمة الإسبانية مدريد نددت بالقصف الإسرائيلي.

كما تظاهر المئات في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن تنديدًا بمجزرة مستشفى المعمداني، وطالب المتظاهرون بوقف الجرائم الإسرائيلية التي تقترف في قطاع غزة.

إلغاء اجتماع الأردن

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “الحداد العام لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام”.

وقال مسؤول فلسطيني كبير إن عباس ألغى اجتماعا كان مقررا في عمان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يزور إسرائيل.

وجاء تأكيد إلغاء اللقاء من البيت الأبيض الذي قال في بيان إن بايدن قرر تأجيل زيارته التي كانت مرتقبة للأردن.

من جهته، أعلن الأردن أنّه قرّر إلغاء القمّة الرباعية التي كانت مقرّرة في عمّان بمشاركة بايدن والرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس إضافة إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد القصف الذي طال مستشفى الأهلي في غزة.

إدانات عربية ودولية واسعة

وقوبل القصف الإسرائيلي لمستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة بعاصفة من الاستنكار والإدانة من دول عربية وغربية.

وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القصف الذي طال مستشفى في غزة بأنه “مرعب”

وندّدت السعودية في بيان لوزارة الخارجية بـ”الجريمة الشنيعة” التي ارتكبتها “قوات الاحتلال الإسرائيلي”، رافضةً “بشكلٍ قاطع هذا الاعتداء الوحشي الذي يعُدّ انتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني”.

وأدانت دولة الإمارات بشدة الهجوم الإسرائيلي وعبرت وزارة الخارجية في بيان لها عن أسفها العميق للخسائر في الأرواح، وأعربت عن تعازيها لأسر الضحايا، متمنية الشفاء العاجل لجميع المصابين، كما دعت الإمارات ومعها روسيا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي عقب قصف المستشفى

أيضا دانت مصر “بأشد العبارات” الغارة الجوية الإسرائيلية على مستشفى في غزة قائلة إنه يتعين على المجتمع الدولي التدخل بشكل عاجل لوقف مثل هذه الانتهاكات.

من جانبه، ندّد مجلس التعاون الخليجي بـ”القصف الوحشي” على المستشفى، معتبرًا أنّ ما جرى “دليل صارخ لانتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي الخطيرة”.

وندد المغرب بالحادثة مطالباً بحماية المدنيين من قبل كل الأطراف وعدم استهدافهم”.

كذلك أدانت الرئاسة الجزائرية بشدة “الهجوم المتعمد” لإسرائيل على مستشفى بقطاع غزة.

الخارجية الأردنية أدانت بأشد العبارات الاعتداء على المستشفى المعمداني، وحملت إسرائيل المسؤولية عن هذا التطور الخطير.

واعتبرت وزارة الحارجية اللبنانية ما حدث  جريمة حرب ضد الانسانية لشعب محاصر تتم إبادته بصورة جماعية ومتعمدة” داعية إلى تدخل دولي عاجل، فيما أعلن حزب الله الأربعاء “يوم غضب غير مسبوق” ضد إسرائيل.

وعبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن “غضبه وحزنه العميق بسبب الانفجار في المستشفى” الأهلي في غزة.

من جهته، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “قصف مستشفى يضم نساء وأطفالا ومدنيين أبرياء هو أحدث مثال على الهجمات الإسرائيلية الخالية من أبسط القيم الإنسانية”.

أما في بريطانيا، فقد قال وزير خارجيتها جيمس كليفرلي إن بريطانيا ستعمل مع حلفائها للوقوف على ما حدث وحماية المدنيين الأبرياء في قطاع غزة

كما أعربت فرنسا عن “إدانتها الشديدة” للقصف فيما وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنها أمر “مروع وغير مقبول على الإطلاق”، كذلك اعتبرت إيران ما حدث جريمة حرب همجية”.

وقال الأمين العام للاتحاد الأوروبي شارل ميشال إن استهداف المنشآت المدنية في غزة ينتهك القانون الدولي

بدورها، استنكرت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة “المجزرة المروعة معتبرًا إياه “جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية وإرهاب دولة منظم.

 

ودخلت الحرب بين إسرائيل وحماس يومها الثاني عشر بعد أن أعلنت إسرائيل الأحد الماضي أنها في حالة حرب، غداة اختراق مقاتلي حماس أجزاء من السياج الحدودي الشائك وتنفيذهم هجمات على مقرات عسكرية وبلدات مجاورة خلفت أكثر من 1400 قتيل، فيما خلّفت الضربات الانتقامية الإسرائيلية على غزة أكثر من 3200 قتيل معظمهم من المدنيين الفلسطينيين، بحسب وزارة الصحة في القطاع.

ومع قطع إسرائيل للمياه والكهرباء عن القطاع ومنع دخول المساعدات الانسانية عبر معبر رفح وتحذيرات نفاد مخزون الغذاء تزداد معاناة المدنيين في غزة والذين يطالبهم الجيش الإسرائيلي بالإسراع من التوجه جنوباً فيما يبدو أنه تمهيد لعملية برية محتملة، لكن الأمم المتحدة تقول إن هذا الطلب غير واقعي وله تداعيات انسانية مدمرة حيث نزح تى الآن نصف السكان بفعل الهجمات الإسرائيلية.