أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا (ميساء الحمادي)

لغة العيد هي حروف الفرحة والبهجة، لكن هل ما زال العيد يحمل هذه المعاني في قدومه على السوريين اللاجئين في دول الجوار بعد تشرد دخل سنته الخامسة؟.

العيد بين السوريين .. مفارقات

هناك ثلاثة فئات تختلف في وجهات نظرها في هذا الموضوع:

الفئة الأولى أهالي الشهداء والمعتقلين، فهؤلاء غادرهم العيد وفرحته للأبد ويرفضون القيام بأي مظهر من مظاهره.

الفئة الثانية هي الناس التي لا زالت الثورة تعيش في وجدانهم ولا يمارسون أي فعل  مرتبط بالعيد كتحضير الحلوى والثياب الجديدة وحتى الخروج للتنزه في أماكنه المخصصة، لكنهم في السنة الاخيرة أجبروا على إدخال بعض الفرحة إلى بيوتهم رغبة منهم في تعريف أطفال الجيل الجديد ما هو العيد وما هي طقوسه فيشترون لهم ثيابا جديدة ويعدون أطباق الحلوى الصغيرة بخجل شديد وعلى نطاق الأسرة فقط.

أما الفئة الثالثة فهي ستصيبك بالذهول والخيبة، فهي تعيش في حالة انفصال تام عن الواقع المرير ضاربة عرض الحائط مشاعر الناس في الداخل والفقراء في الخارج. لا  تستطيع العيش في مستوى أقل عن مستواها الحياتي في سورية ولا تستغني عن مظاهر الترف والبذخ في هكذا مناسبات. وللأسف فقد بات عددهم غير قليل فتجدهم منتشرين في الأسواق ويشترون أغلى الماركات ويرتادون المطاعم والمقاهي.

ونظرا لعدم خروج الفئتين الأوليتين بات يظن أهل البلد المضيف أن كل السوريين في وضع مادي جيد، فتصل تعليقاتهم إلى مسامعنا: "انظروا إلى هؤلاء من نقول عنهم لاجئين".

تحضيرات العيد .. وغيابه

في حديقة كبيرة في مدينة "غازي عنتاب" ترتاد بعض العائلات السورية المكان للتنزه، وقد يحدث أن ترى سيدة سورية تنزّه كلبها معها!!.

سمعنا أحاديث العائلات المتواجدة فيها عن تحضيرات العيد، فقمنا بالسؤال بشكل مباشر.

بداية تحدثنا مع "أم صبحي" التي تحدثت بفخر عن استقدامها لخادمة خاصة لتنظيف المنزل وإعداد طعاما يكفي لأسبوع كامل وشراء أفخر أنواع الحلويات، فهكذا هي كانت في سوريا لا تنقص شيئا من التحضيرات منذ أول "الأزمة" كما تسميها.

وتستكمل الحديث "أم مجد" لتقول أنها أيضا خبزت في منزلها أنواع مختلفة من الحلويات، فالعائلة كلها مجتمعة لديها ولا تريد أن يقال عليها غير مضيافة.

وتتعالى أصوات من هنا وهناك بقسم اشترى ثياب العيد وقسم يريد الذهاب لسورية للاحتفال مع الأهل. وهناك عائلات سوف تذهب لتقضي أيام العيد في مدين "مرسين" والاستمتاع بالبحر، تشعر وكأنك أمام سياح وليس لاجئين!!!

في منطقة أخرى "ياديه تابي" توجد حديقة محلية، توجد بعض العجائز والنسوة الكبار فتسألهن عن تجهيزات العيد فيرمقوك بنظرات التأنيب والاستهزاء بسؤالك.

هل مازلتم تفرحون؟ تجيبنا "أم مصطفى" إحدى الجالسات في الخمسين من عمرها: "كيف أجتمع مع أولادي وكل منهم في بلد. ألا أخجل من أهلي في الداخل والمحاصرين. لقد نسينا الأعياد منذ زمن مع أول رصاصة دخلت  في صدر أولادنا وهمومنا الآن هي توفير ما يكفي من رصيد للانترنت للاتصال بهم".

مظاهر ترف ..

يحدث هذا في الوقت الذي نرى فيه التصرفات اللامسؤولة في سلوك الترف من قبل الكثير من الشباب والشابات ممن يعملون في الشأن العام أو في الأعمال التجارية، أو من موظفي المنظمات الدولية، حين ينشرون صورهم لدى وصولهم لقضاء إجازة العيد في استانبول أو بيروت!!

نحن لسنا بصدد حرمان الناس من العيد وفرحته لكن هناك ألف طريقة لتمارس فرحك وألف أسلوب لتشرح لأطفالك عن العيد. وإلا فكيف تطلب من الآخرين التعاطف مع بلدك وقضيتك وأنت أكثر المنكرين لها وتكاد تتجاهلها في كل تصرفاتك.

خسرنا الكثير في هذه الحرب، لكن لن نخسر أخلاقنا فهي الشيء الوحيد اللذي نملكه لنواجه العالم ونثبت أينما حللنا أننا أصحاب حق ونستحق الحرية. ولن يأتي من يريد ممارسة انتماءاته الطبقية على أبناء بلده ويعيدوا إنتاج القهر من جديد. سوريا تستحق من أولادها أكثر من التذمر والهروب.