شهادات مروعة تعرض في فيلم “سفاري سراييفو” يوثق “صيد البشر” في حرب البوسنية

من بين العديد من المآسي لحصار العاصمة البوسنية سراييفو، الذي بدأ عام 1992 واستمر 3 سنوات، ظلت قصة “رحلات السفاري” بعيدة عن أعين الناس، قلة مختارة فقط كانت على علم بأن حصار سراييفو على الجانب الصربي لم يشمل فقط جيش صرب البوسنة والمتطوعين والمرتزقة ولكن أيضًا مجموعة أخرى صغيرة وسرية، تكونت من أجانب أثرياء دفعوا رسومًا عالية مقابل فرصة إطلاق النار على سكان سراييفو المحاصرة.

"سفاري سراييفو" فيلم يروي قصة أثرياء دفعوا المال لاصطياد البشر في الحرب البوسنية

سلّط فيلم “سفاري سراييفو” الوثائقي الضوء على ما قام به بعض الأثرياء زمن الحرب في تسعينيات القرن الماضي من دفع الأموال للجنود الصرب لـ”اصطياد البشر” في البوسنة والهرسك.

وعرض الفيلم أول مرة، السبت الماضي، في العاصمة سراييفو، ضمن فعاليات أيام الجزيرة الوثائقية، وأنتجته شركة “آرسميديا” (Arsmedia) مع الجزيرة بلقان وآخرين كمنتجين مشاركين، وبتمويل جزئي من مركز الفيلم السلوفيني.

"سفاري سراييفو" فيلم يروي قصة أثرياء دفعوا المال لاصطياد البشر في الحرب البوسنية

مدنيون بوسنيون يفرون من نيران قناص في شوارع سراييفو- غيتي

الفيلم الذي أخرجه السلوفيني ميران زوبانيتش حظي بإعجاب المشاركين في المهرجان الدولي الذي استمر حتى 13 سبتمبر/أيلول الجاري، وقال المخرج إنه في البداية لم يصدق وجود “كل هذا الشر”، مشيرا إلى أن الضحايا كانوا من المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في مرمى نيران قناصة هؤلاء الأجانب القساة، حسب تعبيره.

ويروي الفيلم الوثائقي أحداثًا وقعت في أطول حصار في تاريخ الحروب الحديثة، حين قام بعض الأثرياء بزيارة مواقع الجيش الصربي وتقديم الأموال لعناصره بهدف عيش تجربة “اصطياد البشر” من البوسنيين.

قصة مروعة

يفتتح الفيلم الوثائقي الذي تبلغ مدته 75 دقيقة مع لقطات شاعرية على ما يبدو لموقع على التلال الجميلة المطلة على المدينة، لكن سرعان ما تأتي لقطات أرشيفية مفجعة من الحياة في المدينة تحت الحصار بين 1992-1995، ثم يبدأ الراوي سرد ​​قصته عن رحلات “السفاري” وعلاقته بها كشاهد.

تلقى الراوي الذي لم يذكر اسمه تعليما عسكريا في يوغوسلافيا السابقة في الثمانينيات، وكسب لقمة العيش من العمل في الاستخبارات قبل انهيار البلاد، ولكنه عندما كان عاطلًا عن العمل اتصلت به “وكالة أمريكية مهمة” وقدمت له عرضا مربحا يتضمن السفر إلى أجزاء مختلفة من الدولة المنهارة “للاستماع إلى نبض شعبها ومجتمعاتها”، حسب شهادته التي عرضها الفيلم.

ومن خلال اتصالاته في بلغراد، تعرف على برنامج “سفاري” حيث “الصيادون” المنغمسون في هذا النشاط كانوا يطلقون النار على الناس في مدينة سراييفو المحاصرة من مواقع القناصة للقوات الصربية، مقابل مكافأة مالية، وتم تنظيم رحلات “السفاري” وتسهيلها من قبل جيوش كل من صربيا وجمهورية صربسكا وجاء المشاركون من الخارج لتلبية رغباتهم.

"سفاري سراييفو" فيلم يروي قصة أثرياء دفعوا المال لاصطياد البشر في الحرب البوسنية

وتحدث رجل الاستخبارات السابق عن رؤيته للغرباء الذين أتوا إلى أحد أحياء سراييفو لاصطياد المحاصرين فيها، وأثارت الشهادة جدلا واسعا في البوسنة، إذ عدّ حقوقيون بوسنيون الفيلم دليلا جديدا على جرائم حرب لم توثق بالكامل سابقا، في حين قال ناشطون من جمهورية صربسكا إن الفيلم مبني على كذبة غير حقيقية.

ويدعم الفيلم القصة بالاستماع للضحايا ومنهم زوجان فقدا ابنتهما البالغة من العمر عامًا واحدًا برصاص قناص، وجندي أسير روى قصة الصيادين. كذلك تحدث في الفيلم إدين سوباسيتش، المحلل العسكري الذي عمل سابقا في جيش البوسنة والهرسك، عن معلومات استخبارية تلقاها الجيش من جهاز الأمن العسكري الذي أسر مقاتلًا متطوعًا، وأثناء الاستجواب أكد وجود أجانب في ساحة المعركة، حسب سوباسيتش.

"سفاري سراييفو" فيلم يروي قصة أثرياء دفعوا المال لاصطياد البشر في الحرب البوسنية

مواطنون بوسنيون يحتمون بالجنود من القناصة الصرب- غيتي

في الفيلم، يصف سوباسيتش استجواب السجين الذي أخبرهم عن إيطاليين نُقلوا مع مقاتلين متطوعين من بلغراد إلى بلدة بالي بالقرب من سراييفو، حيث اعترف أنهم لا يتلقون أجرًا للذهاب إلى الحرب، بل يدفعون المال للذهاب إلى الخطوط الأمامية أثناء الحصار.

وقال مخرج الفيلم السلوفيني زوبانيتش إنه لا يعرف هوية القتلة، مشيرا إلى أن هذه مهمة هيئات التحقيق، ومؤكدا أنهم عملوا أكثر من 3 سنوات في التقصي والبحث عن شهود، وأضاف أن الهدف هو استكشاف هذه الظاهرة الموجودة على نطاق عالمي والتفكير في أخلاقيات المجتمع البشري.

يُذكر أن حصار القوات الصربية لسراييفو بدأ في الخامس من أبريل/نيسان 1992 واستمر حتى توقيع معاهدة دايتون للسلام يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1995، التي أنهت الحرب البوسنية.

وخلال الحصار، ألقيت على سراييفو قرابة 500 ألف قنبلة، ولقي 11 ألفا و541 شخصا حتفهم، وانهار نحو 80% من مباني المدينة، فضلا عن أضرار كبيرة لحقت بالبنية التحتية.