مادة الفنتانيل غزت دول العالم، إنطلاقاً من الصين، حيث تصنّع في الضواحي لأسباب واعتبارات عديدة… ساهم في ذلك كيفية إنتاج هذه المادة وتصديرها، وكذلك توزيعها غير المنضبط، إلى أن وصل دولاً عديدة، أجنبية وعربية، ومصر واحدة من أكثر البلدان العربية تاثراً. أحد ضحايا الفنتانيل الصيني كان طبيباً، زوّد أخبار الآن بقصته كي يعتبر منها الآخرون. كان مستقبلُ هذا الطبيب مشرقاً، لكن ما إن تحكّم به الفنتانيل حتى انقلب حاله رأساً على عقب، وبات يعيش في عالم خاص ملؤه الكذب والتخفّي.

الفنتانيل مادة أفيونية مصنّعة، تصل خطورتُها إلى مستويات مرتفعة جدّاً، وتنتهي في غالب الأحيان في تدمير حياة الشخص الذي يدمنها. وتُظهر بيانات الدراسات التي تجريها معاهد الصحة العالمية، أنّ المواد الأفيونية الإصطناعية، بما في ذلك الفنتانيل، هي الآن أكثر الأدوية شيوعاً المتورّطة في وفيات الجرعات الزائدة من المخدرات في الولايات المتحدة. فلماذا تعتبر هذه المادة غير المشروعة مميتة للغاية؟

الفنتانيل يقتل

يقول الدكتور عبدالرحمن حماد، مؤسس وحدة علاج الإدمان بمستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية في مصر،  لـ”أخبار الآن، إنّ الفنتانيل هو من المواد الأفيونية قريبة الشبه من المورفين والهيروين، لكنه أكثر ضرراً بمراحل، حتى أنّه يصل تأثيره يصل إلى 100  ضعف تأثير المورفين، و50 ضعف تأثير الهيروين، وأغلب حالات الوفيات بسبب الأوفردوز من المخدرات الأفيونية المصنعة مصدرها تعاطي الفنتانيل، لأنه مادة شديدة المفعول”.

وبما أنّ هذه المادة السامة  بهذا القدر من الخطورة، مَنْ هو مصنّعُها ومصدّرُها، وكيف تصل إلى المستهلك إذاً؟ طبخ هذه المادة السامة، تفوح رائحتها من هنا، في مقاطعة هوبي الصينية النائية، حيث يوجد أحد المختبرات المخفية داخل مجمّع مستودعات صناعية مترامي الأطراف، والتصنيع مازال مستمراً على قدم وساق، وكلّ ذلك تحت ستار الدوار المسكن، فيفتك بالشباب حتى يقضي على مستقبلهم.

في هذا السياق، يقول حماد: “عند البحث عن السبب وراء إعطائه هذا المفعول، يتضح أنّ تصنيعه غير طبي، وهو لا يخضع للمعايير الطبية، إذ أنّ الشركات أو المعامل التابعة للعصابات التي تقوم يتصنيعه، تزيد كمية المادة المخدرة فيه، وهو ما يحدث تأثيره القاتل. وفي العادة فإنّ الوفيات الناتجة عن تعاطيه تعود إلى سببين رئيسيين، إما توقف القلب أو توقف الجهاز التنفسي وهي الحالات الأكثر شيوعاً”.

وفق التقارير والمعلومات، فإنّ الشركات التي تصنّع الفنتانيل والعقاقير الخطرة الأخرى، مدعومة من الحكومة الصينية، وتعمل هذه الشركات في الإجمال في المناطق النائية، وتحصل على إعفاءات ضريبية على صادراتها، وفق ما أورد بن ويستهوف، الصحافي الإستقصائي، الذي تمكّن من الدخول إلى أحد معامل الفنتانيل خارج مدينة شنغهاي، بعدما تخفّى متظاهراً أنّه تاجر مخدّرات.

توزّع هذه المادة من خلال أسلوب إحتيال صيني، فيما النظام الإداري الذي يشرف على إنتاج وتصدير المنتجات الكيماوية والصيدلانية، سمح لأن تغزو هذه المادة السامة دولاً عديدة. كما أنّ تغيير الأسماء لهذه المادة ساهم في انتشار هذه المادة بشكل أكبر، فيما بيع هذه الأدوية عبر الإنترنت، زادت من سرعة شحنها.

وكانت سلطات ولاية نيويورك كانت أعلنت في تحذير أنّه “يتمّ إنتاج الفنتانيل الصيني غير الصيدلاني بشكل غير قانوني، وقد تمّ العثور عليه في إمدادات الكوكايين والهيروين والكيتامين والميثامفيتامين في مدينة نيويورك.

وهنا يوضح حماد أنّ “هناك 3 اتفاقيات عالمية تنظم حركة المخدرات وحركة الأدوية الموضوعة على جداول المخدرات، ويرى أنّ “هناك تحدياً عالمياً جديداً الآن، يتمثل في القدرة على النجاح في منع مافيا تصنيع الفنتانيل في الصين، من الهروب من سيطرة الاتفاقيات الدولية”.

الفنتانيل الصيني

الفنتانيل الصيني كيف يصل إلى أيادي الشباب في العالم

ويستهوف: الصين لا تقوم بعمل سيء فقط بل إنها تشجعه أيضاً

من السهل الحصول على الفنتانيل، فالعشرات من الشركات الصينية المختلفة ومواقع الإنترنت، تمكّنك من الوصول إلى هذه المادة من خلال إرسال بريد إلكتروني مباشرة إلى موظفي المبيعات. وهذا ما قام به الصحافي الإستقصائي بن ويستهوف، الذي الذي تواصل مع شركة فتقع في ووهان، وخلص إلى أنّ الصين لا تقوم بعمل سيء فقط، بل إنها تشجعه أيضاً بطرق عديدة.

 بين الدول العربية التي وصلتها هذه المادة الأفيونية، مصر ، حيث يحتل الفنتانيل المركز الأوّل في نشرة جدول المخدرات الموزعة على الصيديليات في مصر، حيث يقتصر وجوده على الصيدليات الكبرى وصيديليات المستشفيات العامة والخاصة، وجرعة واحدة من هذه المادة المخدّرة، كفيلة بقتل المدمن، وفق ما قال أحمد الأمين، الصيدلي في إحدى المستشفيات الحكومية المصرية.

ضحايا الفنتانيل الصيني.. الطبيب الواعد نحو مستقبل مجهول

 أخبار الآن” تمكّنت من الوصول إلى أحد ضحايا مادة  الفنتانيل الصيني في مصر. كان أ. ش. مشروع طبيب واعد، لكن هذا السم وضع مستقبله في مهبّ الريح، وجعله يتراجع في تحصيله العلمي حتى سبقه رفاقه بأشواط.  كان أ. ش. في عامه السادس والعشرين، يتابع دراسته في مجال الطب وكان متفوقاً بين زملائه. لكن في لحظة، وجد أن قدمه تنزلق نحو مخدر الفنتانيل الخطير.

ويقول أ ش: “في البداية تعاملت مع الفنتانيل على انه مسكن قوي سوف يريحني من آلامي الجسدية وينسيني أزمتي، كان في متناول يدي دائماً.. وشيئاً فشيئاً، بدأت أزيد من الجرعات، لكن في كلّ مرة كان جسمي يطلب المزيد”.

من دون أن يشعر، تحوّل الطبيب الشاب إلى لص يسرق الجرعات من صيدليات المستشفيات التي يعمل فيها، حتى باتت تلاحقه الشكوك، وبدأ الجميع يتهامس بقصته، فبات يثير الريبة أينما حلّ.

المخدّر الصيني، أصبح أكثر ما يبحث عنه الطبيب الشاب، ليجد في طريقه ممرضة تحترف التجارة به. فباتت تؤمن له الجرعة تلو الأخرى، وصل عددها إلى ثماني جرعات يومياً، يفوق ثمنها الألفي دولار شهرياً، فلجأ إلى الإقتراض لشراء هذه المادة السامة، حتى أوشك أن يفقد حياته مرتين بسبب الجرعات الزائدة. وهكذا تكون سموم الصين المصدّرة قد حوّلت الطبيب الواعد إلى شخص إنطوائي وأب وزوج مهمل. ألف شين اليوم يقبع في مركز لعلاج الإدمان بالقاهرة.

مخاوف من ازدياد الإنتشار في مصر

في هذا السياق يجيب حماد بنبرة يعلوها الخوف الشديد، فيقول: “سوف يكون معدل الوفاة بسببه عالياً جدّاً في حال ازداد انتشار  الفنتانيل أكثر في مصر”. ويشير إلى أنّ “تقرير المخدّرات العالمي يصف الفنتانيل بأنّه كارثة الافيونات، فيما لو بدأ الناس تجربته كمسكن للآلام الشديدة فقط، فهم سوف يدمنوه، بينما يستغرق الترامادول أسابيع من التعاطي ليصل لمرحلة الإدمان”. ويتابع أنّ الإدمان على الفنتانيل يحدث بمجرد تناول الجرعات الأولى… خطورته أيضاً تكمن في أنّ مصنّعيه تفننوا في طرق عرضه المغرية للمدمنين، وذلك عامل جذب للشباب، ومن هنا فالإقبال عليه سيكون كبيراً، ونسبة الوفاة بسببه ستكون مرتفعة أيضاً”.