أخبار الآن | ووهان – الصين (بيانات تحليلية – نسمة الحاج)

شهدت في العقود الأخيرة، عدة كوارث صحية، أودت بحياة الكثير من الصينيين، وأودت باقتصاد الصين نفسه إلى منحدر شديد الانزلاق، بما في ذلك الطاعون والسارس وأخيراً فيروس كورونا المستجد، إلا أن النظام الحاكم استمر في اتخاذ عدة إصلاحات اقتصادية لإنقاذ الأوضاع في كل مرة، لكن هل سعيد التاريخ سيعيد نفسه مع فيروس كورونا المستجد ويهوي باقتصاد الصين إلى الهلاك؟ 

وفي هذا السياق، يذكر أن الفيروس الجديد أودى بحياة 132 شخص وأصاب أكثر من 5974 آخرون حتى اللحظة، ووصل إلى 18 دولة في 4 قارات مختلفة، وبدأ الفيروس من سوق مأكولات بحرية في مدينة ووهان الصينية، ومثل الأوبئة الأخرى التي تفشت في الصين في السابق، لم يقتصر تأثيره على القطاع الصحي فقط، فقد رجح محللون اقتصاديون أن الصين تقف على مشارف أزمة اقتصادية عظمى إذا استمر الحال على ما هو عليه، فبعد مرور شهر واحد منذ الإعلان الأول للفيروس في ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بات من الممكن حصر القطاعات التي تضررت بسبب تفشي الفيروس، بما في ذلك السياحة والتجارة والنقل، وجاء ذلك على النحو التالي:  

بحسب تحليل اقتصادي نشرته صحيفة ليزيكو الفرنسية للكاتب فريدريك شيفر، أوضح فيه أن الاتفاق التجاري الأخير الذي وقعته الصين مع واشنطن في 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، أنعش الاقتصاد الصيني، مما دفع بالحكومة إلى تسجيل علامات تشير إلى استقرار الاقتصاد، بعد ما مرت بعدة فترات تباطؤ مؤخراً، لكن يبدو أنها لم تأخذ بعين الاعتبار انتشار وباء فيروس كورونا الجديد، والتدابير الصارمة التي اضطرت إلى فرضها في محاولة القضاء عليه أو الحد من تفشيه السريع على الأقل، على حد وصف شيفر.

فالتدابير التي اضطرت الحكومة إلى اتخاذها أثرت على الصين بشكل عام، حتى المناطق الواقعة خارج محيط الحجر الصحي الذي طال ما يقارب 60 مليون شخص، بحسبما قال فيشر، والذي أشار كذلك إلى أن قطاع السياحة في الصين تضرر كثيراً جراء تفشي الفيروس، حيث  ألغى ملايين الصينيين رحلاتهم خلال العام الجديد، وفرضت السلطات حظراً على وكالات السفر لمنع بيع بطاقات الرحلات السياحية المنظمة وحجر الفنادق، مما شكل ضربة موجعة للصناعة المحلية وللعديد من الوجهات المفضلة للسياح الصينيين الذين حرموا من زيارتها في آسيا، مثل تايلند وفيتنام واليابان والفلبين. كما عانت السلع الكمالية والنقل الجوي والسلع الفاخرة بشكل خاص من تغير ثقة المستثمرين، وفق ما ذكر شيفر.

ذكريات تفشي السارس المريرة

وعلى صعيد آخر، رجح محللون في كلية الاقتصاد بجامعة أكسفورد، أنه من المحتمل أن يكون لتفشي فيروس كورونا تأثير قوي لكن قصير الأمد مقارنة بفترة السارس، إذ قال شيفر إنه بالنظر إلى سابقة مرض متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في عام 2003، فقد توقع خبراء الاقتصاد أن يكون استهلاك الأسر المحرك الأكثر تضرراً من الأزمة. فعندما تفشى وباء السارس في عام 2003، انخفض نمو الاقتصاد الصيني إلى 9.1%، وبالرغم من أنه استعاد نشاطه بسرعة وبمعدلات مزدوجة، إلا أن التغيرات التي حلت على مؤشرات النمو الاقتصادي بقيت موجودة.

وفي هذا السياق، نوه شيفر، إلى مدى استمرار التأثير الاقتصادي، وأشار أنه إذا كان التأثير الاقتصادي رهيناً بمدة الأزمة، فإن “الاستهلاك” بات يحتل وزناً أكبر بكثير في الاقتصاد الصيني مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 17 عاماً، حيث يشكل 57% من نمو الناتج المحلي الإجمالي، بالتالي سيؤثر تفشي فيروس كورونا الجديد مباشرة على الاقتصاد الصيني، والذي بدأ يشهد تباطؤاً بالفعل. كما أشار أيضاً إلى أنه من المرجح أن يؤثر الفيروس الجديد على الإنتاج في مدينة ووهان التي تعتبر مدينة صناعية ذات مكانة في اقتصاد الصيني، وفي باقي أنحاء البلاد.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة ذا نيشن التايلاندية تقريراً يشرح مدى سوء الموقف بالنسبة للاقتصاد بما في ذلك قطاع السياحة، إذ أشار التقرير إلى إحصائيات شركة سياحية واحدة تقول إن 20 ألف سائح ألغوا حجوزاتهم لدى الشركة منذ تفشي الفيروس. كما طال ضرر تفشي كورونا قطاع صناعة الأفلام، حيث جاء تفشي الوباء بالتزامن مع أحد أهم المواسم بالنسبة لصالات السينما بمناسبة عطلة رأس السنة القمرية، والتي تعتبر أكبر عطلة سنوية في الصين، إذ تحصل صالات السينما على إيرادات تقارب 10 مليارات دولار في كل عام فقط من شباك التذاكر خلال هذه الفترة.

وعلى صعيد آخر، بدأ الصينيون بتجنب أماكن التجمعات والاحتفالات والمهرجانات بسبب مخاطر انتقال العدوى، والتي ألغيت على كل حال، حيث حظرت السلطات الصينية بشكل رسمي الاحتفالات بما في ذلك المهرجان الرئيسي للسنة القمرية الجديدة، كما أغلقت العديد من المعالم السياحية البارزة في البلاد بما في ذلك “المدينة المحرمة” والمتحف الوطني وأجزاء من سور الصين العظيم. بالإضافة إلى إيقاف العديد من الفعاليات بما في ذلك الرحلات النهرية في شانغهاي، وطال ذلك حتى الاستثمارات الدولية في البلاد، فقد أعلنت شركة ديزني لاند في شانغهاي مؤخراً أنها ستغلق أبوابها لفترة غير محددة، كل هذه ليست سوى أمثلة بسيطة عن مقومات الاقتصاد الصيني التي تضررت بشكل كبير بسبب تفشي كورونا.

وفي هذا السياق، يقول محللون إنه وبسبب التعداد السكاني الهائل للصين، فإن أي ذبذبة في مؤشرات الاقتصاد حتى لو كانت لمدة لا تزيد عن أسبوع، كافية لإضعاف اقتصاد البلاد على المدى الطويل بشكل كبير، ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة Economist Intelligence، فإن تأثير كورونا على الاقتصاد الصيني قد يصل إلى اقتطاع نقطة مئوية كاملة من إحصائيات نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لعام 2020، لذا يتعين على الصين أن تكافح ليس فقط لحماية المواطنين من الخطورة الصحية للمرض، بل لحماية اقتصادها الذي يقف على مشارف أزمة كبرى.

 

اقرأ المزيد:

فيروس كورونا يتخطى وباء سارس بعدد الإصابات