أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (روميو موسى)
قُبلت، لم تُقبل، سَتُقبل
لاتزال استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف محور أخذ ورد داخل وخارج إيران.
وسائل الإعلام الإيرانية انقسمت حول سبب الاستقالة المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني، والتي تزامنت مع زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لطهران، وعقب أسبوعين من مؤتمر “وارسو” الذي جمع 60 دولة لمواجهة “الخطر الإيراني”.
إقرأ ايضا: عبر الانستغرام.. الرئيس الإيراني يرفض استقالة ظريف
في الشكل
الاستقالة المفاجئة جاءت دون ذكر لأسبابها وخلفياتها، كما بدا لافتا أنها نشرت أولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا عبر وسائل الإعلام الحكومية.
حتى الآن، لا يعرف سبب استقالة ظريف التي أعلنها عبر صفحته على “إنستغرام”، قيل الكثير حول أسبابها على ألسنة مصادر مجهولة، غير أنه أصر في أكثر من مقابلة مع وسائل إعلام محلية على أن “كل التكهنات المثارة هي من وحي خيال أصحابها“.
وربطت وسائل إعلامية استقالة وزير الخارجية الإيراني بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران، حيث لم يظهر ظريف في أي اجتماع مع الرئيس السوري الأمر الذي فسره البعض على انه انتقاص من دوره من جهة، وامساك قائد فيلق القدس قاسم سليماني بالملفات الخارجية الحساسة، غير ان النائب الإيراني احمد علي رضا بيكي حاول دحض هذه الرواية كاشفا بان وزير الخارجية قدم استقالته منذ اكثر من شهرين وان ربط الاستقالة بقضية الزيارة هو مجرد ذريعة”، مضيفا ” اساس السياسة التي تابعها ظريف مبني على كسب ثقة الغرب وهو الامر الذي ادى الى فرض الكثير من الامور علينا“.
هل أدى ضغط المتشددين في إيران لاستقالة ظريف؟
في المضمون
أصبح ظريف شخصية خلافية في إيران بسبب تساهله الظاهري مع الأساليب الغربية وتبارى المحافظون في انتقاده لأنه يتحدث بشكل مباشر مع أعداء إيران.
ظهرت في مايو/ أيار عام 2015 لقطات مصورة سرا يظهر فيها ظريف وهو يتجادل في غضب مع نائب خلال جلسة مغلقة للبرلمان.
وقال حسين رسام وهو مستشار سابق لوزارة الخارجية البريطانية لشؤون إيران “قضى ظريف معظم حياته الدبلوماسية خارج إيران وهو ملم بالشؤون الدولية جيدا لكن هذه هي نقطة ضعفه أيضا“.
ولم تكن شخصية ظريف الجذابة كافية قط لتحييد رجال الدين المحافظين الذين اتهموه ببيع القضية الإيرانية. وهدد المحافظون ظريف بالإيذاء الجسدي عند توقيع الاتفاق في أعقاب سنوات من المفاوضات المضنية.
واعتبر البعض أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أفقد ظريف بريقه.
كما وصف بعض المحافظين ظريف بأنه جبان لأنه كان يدرس في الولايات المتحدة بدلا من أن يدافع عن بلاده خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دارت رحاها من عام 1980 إلى عام 1988 وأودت بحياة مليون شخص.
كتب السيناتور الأمريكي توم كوتون، وهو جمهوري يعارض الاتفاق النووي، تغريدة عن ظريف عام 2015 قال فيها “كنت مختبئا في الولايات المتحدة خلال الحرب العراقية الإيرانية بينما كان الفلاحون والأطفال يزحفون نحو الموت“.
فرد ظريف على كوتون بتهنئته على ولادة ابنه قائلا “ما نحتاجه هو الدبلوماسية الجادة وليس توجيه الإهانات الشخصية“.
لماذا استقالة ظريف تهدد الإتفاق النووي؟
عريضة دعم
وفي السياق ذاته، أعلن نواب إصلاحيون في مجلس الشورى بينهم مصطفى كواكبيان دعمهم لظريف، وحثوا الرئيس الايراني على عدم قبول استقالته.
وقال كواكبيان في تصريح لوكالة أنباء الطلبة المحلية: “بدون شك، الشعب الإيراني والحكومة والدولة لن تستفيد من هذه الاستقالة“.
ونقلت الوكالة عن رئيس لجنة الأمن الوطني والخارجية في البرلمان، حشمت الله فلاحت بيشه، قوله: إن “ظريف سبق أن قدم استقالته عدة مرات، لكن قيامه بهذا الأمر علناً هذه المرة يعني أنه يريد من الرئيس روحاني أن يقبلها“.
أبرز المحطات لظريف في السياسة الخارجية الإيرانية!
عدو للمتشددين
وجه السياسة الخارجية الإيرانية المعتدل انهى حقبة دبلوماسية استمرت 6 سنوات، و تمثلت أشهر جهوده الدبلوماسية، منذ تعيينه بعد فترة وجيزة من وصول حسن روحاني إلى رئاسة البلاد في عام 2013، في قيادته فريق التفاوض النووي الإيراني مع القوى الكبرى، وتمكن من التوصل في نهاية الأمر إلى اتفاق تم توقيعه، على الرغم من المعارضة القوية للمحافظين والمتطرفين السياسيين في بلاده.
وإلى وقت قريب، كان ظريف أيضاً يدير محادثات مع دول من الاتحاد الأوروبي، حول إنشاء آلية للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران، كما ألمح إلى رغبة بلاده في المصالحة مع دول الخليج.
ظريف، الذي كان يتمتع بدعم كامل من روحاني، ورئيس البرلمان الإيراني المحافظ، علي لاريجاني، ظل في الخطوط الأمامية مدافعاً، عندما كان الحرس الثوري الإيراني يهاجم وينتقد حكومة روحاني.
ازداد الضغط في الآونة الأخيرة على روحاني للاستقالة، بسبب ما يزعم النقاد بأنه مسؤول عن الأزمة الاقتصادية الخطرة السائدة في إيران، وهي الأزمة التي ينسبها المحافظون للاتفاق النووي، وما وصفوه بطأطأة الرأس أمام الغرب.
يبدو أن ظريف قد فكر في الاستقالة الشهر الماضي، بعد أن واجه الحرس الثوري ونشاطه الإرهابي في أوروبا، ما أدى إلى فرض عقوبات إضافية على إيران، وجعل من الصعب الدفع قدماً بآلية لتجاوز العقوبات المفروضة عليها. وتحدث ظريف أخيراً عن مدى الصعوبات الاقتصادية التي يتحملها الشعب. وجاء ذلك في أعقاب تصريح روحاني بأن إيران تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ الثورة.
وأثارت هذه التصريحات عاصفة من الانتقادات في ديوان المرشد الأعلى، علي خامنئي، ووسط المحافظين والحرس الثوري، الذين اعتبروا هذه التصريحات بمثابة اتهام ضد القيادة العليا، ودعوة لإجراء مفاوضات جديدة مع القوى الغربية.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “جمهوري إسلامي”، قال إن القتال بين الأحزاب والفصائل في إيران هو عبارة عن “سم قاتل”، في ما يتعلق بصياغة السياسة الخارجية، ما يشير إلى أنه ربما استقال بسبب ضغوط من عناصر متشددة معارضة لدوره في قيادة التفاوض على الاتفاقية النووية الشاملة في 2015. ويقول “علينا أولاً إبعاد سياستنا الخارجية عن القتال الحزبي والطائفي”، ويمضي قائلاً “السم المميت للسياسة الخارجية، هو أن تصبح السياسة الخارجية قضية قتال حزبي وطائفي”، وانتقد ظريف المتشددين الإيرانيين في خطاب ألقاه في طهران، الأحد الماضي، قائلاً: “لا يمكننا أن نختبئ وراء مؤامرة الإمبريالية، ونلومهم على عدم قدرتنا”، ويضيف “الاستقلال لا يعني العزلة عن العالم“.
وزير الخارجية الإيراني يعلن استقالته
ماذا بعد؟
كشفت استقالة ظريف سواء قبلت أم لا، عن وجود شرخ كبير بين المسؤولين الايرانيين حول السياسات المتبعة، واعادت الى الواجهة صراعات المعتدلين والمتشددين.
قريباً سيتضح ما إذا كانت استقالة ظريف فيما لو قبلت، قد أنقذت روحاني فعلياً من الضغوط ليتنازل عن الرئاسة قبل إكمال مدته، ويبقى أن نرى من الذي سيحل محله، وما إذا كان بديله سيوافق عليه البرلمان. ويبدو أن خامنئي سيفرض على روحاني تعيين وزير جديد، ما يؤدي إلى تعميق سيطرة المرشد الأعلى على الحكومة الإيرانية، وقدرتها على توجيه سياستها الخارجية. وهذا بالتأكيد ليس خبراً ساراً للاتحاد الأوروبي، الذي يحاول الحفاظ على الاتفاق النووي.
سواء قبلت الاستقالة أم لا، المستور داخل الحكم الإيراني بات مكشوفا لكل العالم..
لا تلاحم بين غالبية الشعب والحكومة، نظام الحكم يزداد تضعضعا داخل إيران كلما ازدادت الضغوط عليه من الداخل والخارج.
للمزيد: