إنسباير.. تحولات عديدة في قاعدة اليمن

أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عبر مؤسسة الملاحم التابعة للتنظيم في العاشر من فبراير الجاري ٢٠٢٤، تسجيلاً مرئياً باللغة الإنكليزية ضمن سلسلة “إنسباير inspire” تحت عنوان “الجهاد في سبيل الله هو الحل” للقيادي خبيب السوداني، وركز هذا الإصدار على الترويج للقيام بعمليات إرهابية أحادية التخطيط والتنفيذ ضد المصالح الغربية، والتي تعرف باسم “عمليات الذئاب المنفردة”.

ويمكن القول إن خطاب السوداني الأخير يعد نقطة تحول في كيفية الاستجابة الأيدلوجية والاستراتيجية لتنظيم القاعدة مع مسار التحولات الإقليمية والدولية التي احتدمت منذ هجوم حماس في الـ ٧ من أكتوبر .

ما واقع عمليات القاعدة في اليمن على الأرض؟ وهل الإصدار الجديد يشير إلى تطور مختلف بخصوص التعاون مع الحوثي والتبعية لإيران، وما مستقبل مشاركة القاعدة في هجمات الحوثي على البحر الأحمر؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير عبر مصادرنا على الأرض ومراجعتهم للإصدار في ضوء المعلومات المتاحة والتسريبات من داخل التنظيم.

ما تأثير إيران والحوثي على إصدار "إنسباير" الجديد من القاعدة في اليمن؟

مضمون الخطاب

حاول خبيب السوداني، وهو القيادي الذي بات مسؤولاً عن صياغة الخطاب الدعائي والأيديولوجي للتنظيم، تقديم مقاربة “تاريخية/شرعية” يحقق منها هدفين: أولاً إيجاد التبرير الديني لمثل هذه العمليات العشوائية، وثانيا إثبات فعالية وجدوى هذه العمليات في تغير سير أحداث الصراع.

واستعرض السوداني بعض الأسماء الجهادية المعاصرة والتي قامت بعمليات نوعية ضد المصالح الغربية مثل القواعد العسكرية أو المراكز المالية أو اغتيال شخصيات مشهورة، وكان أبرز هؤلاء السعودي محمد الشمراني الذي قام بعملية نوعية في القاعدة الأمريكية البحرية في فلوريدا في 2019.

ما تأثير إيران والحوثي على إصدار "إنسباير" الجديد من القاعدة في اليمن؟

دلالات الإصدار.. امتصاص الضغوط

قدم الإصدار الأخير للسوداني بعض الإجابات عن طبيعة التوجه الجديد لتنظيم القاعدة تماشياً مع التطورات الإقليمية والدولية، لكنه في المقابل أثار جملة من التساؤلات حول أسباب هذه الانعطافة التي يمكن وصفها “بالانهزامية” في استجابتهم مع الصراع القائم في غزة.

لقد أظهر تنظيم القاعدة منذ أكتوبر الماضي، سعيه العملياتي والدعائي لركوب موجة التضامن الإسلامي والعربي مع معاناة الفلسطينيين في غزة، وحرص التنظيم على اقتسام الأضواء والشهرة رفقة الجهادية الشيعية وتحديدا جماعة الحوثي التي احتكرت كافة الاهتمام.

وزعم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أنه أمر عناصره بوقف جميع الأنشطة في المناطق الجنوبية المحررة، ولكن في أرض الواقع شهدت الأسابيع القليلة عدد من عمليات التنظيم ومنها ما حدث في وادي عومران في مديرية مودية بعد تفجير عبوة ناسفة استهدفت عربة عسكرية، وسقط ضحية العملية المصور عبدالكريم العبادي وعدد من الجنود.

وشهد جدول أعمال التنظيم تغير جذري؛ من التحضير للقيام بعمليات نوعية على الشواطئ اليمنية إلى التحريض للقيام بعمليات ذئاب منفردة في الغرب.

ويأتي هذا الإصدار ليؤكد المعلومات التي أفادت بوجود ضغوط كبيرة مارستها ايران وجماعة الحوثي على سيف العدل وقيادة تنظيم القاعدة في اليمن وذلك كي يقوم التنظيم باستئناف عملياته الداخلية جنوب اليمن ويمتنع عن القيام بأي عمليات خارجية.

مصادر تكشف لأخبار الآن كواليس اللقاءات بين قيادات حوثية والقاعدة في اليمن

وخلال شهر يناير الماضي زعمت جماعة الحوثي أنها قامت بتعليق تعاونها ودعمها للقاعدة، بعد أن تأكدت بأن التنظيم يجهز لعمليات نوعية في سواحل اليمن الجنوبية ضد مصالح غربية، وهو ما ينذر باحتمالية خروج المواجهة الإيرانية الأمريكية عن السيطرة في البحر الأحمر وباب المندب. كما زعمت أنها قامت خلال يناير بتجميد صفقة كبيرة لتبادل الأسرى تم الاتفاق عليها مسبقا مع تنظيم القاعدة.

وعلى وقع هذه الخلافات خاض الطرفان مفاوضات طويلة في محافظة البيضاء، من جانبهم ضغط الحوثيون على التنظيم كي يستأنف عملياته الداخلية في جنوب اليمن، ووعدوهم في المقابل بتقديم الدعم العسكري الذي سبق وأن طلبه تنظيم القاعدة مثل العبوات الناسفة بكمية أكبر مع كل متطلباتها الإلكترونية، وكذلك الصواريخ النوعية والمسيرات وقذائف خاصة بها. وقد وعد الحوثي باستئناف عمليات الإفراج عن الأسرى بعد مرور شهرين من اختبار التزام القاعدة بالعمليات الداخلية.

أما بخصوص العمليات الخارجية فقد رجح مصدر جهادي مطلع أن تنظيم القاعدة قد يعيد التفكير في خطط العمليات النوعية في المياه اليمنية وذلك بسبب الضغوط الممارسة عليه وكذلك بسبب المصاعب الأمنية واللوجستية المترتبة عليه.

وأضاف المصدر : “يبدو أن التنظيم قرر أن يمسك العصا من المنتصف، فهو سوف يواصل عملياته الدولية لكن من منظور آخر لا يهدد المصالح الإيرانية وقواعد اشتباكها مع واشنطن، ويأتي إصدار السوداني الأخير ليعزز هذا التوجه”.

لكن المصدر الجهادي لم يستبعد أن يكون خطاب السوداني أيضا محاولة لشراء الوقت وتطمين الحلفاء، وأنه سيكون جزءا من خطة خداع استراتيجي؛ بحيث أن التنظيم لو ضمن قدرته على القيام بعملية نوعية من اليمن فإنه سوف يفاجئ الجميع بها على غرار ما فعلت جماعة الشباب مؤخرا في الصومال.

أما في حال عجزها عن ذلك فإنها تكون قد حضرت الخيار البديل الذي يضمن الحضور للقاعدة في المشهد العام وبنفس الوقت يكون قليل التكلفة.

ما تأثير إيران والحوثي على إصدار "إنسباير" الجديد من القاعدة في اليمن؟

الخداع الاستراتيجي

وكما أكدت المصادر الجهادية فإن عمليات “الذئاب المنفردة” تعد الأسهل من حيث التخطيط والتنفيذ كما أن لها مردود إعلامي ودعائي كبير لاسيما إن تمت في الداخل الغربي، يفوق في كثير من الأحيان المردود الدعائي للعمليات النوعية في الشرق الأوسط.

وتقول المصادر إن تنظيم القاعدة ومنذ صعود باطرفي أمر بوقف هذه العمليات رغم قدرته على مواصلتها، وذلك لاعتقاد القيادة أن هذا الأمر هو ما دفع إلى تكثيف الضربات الأمريكية وتصفية نخبة التنظيم القيادية. وقد كان لافتا أن اغتيال قاسم الريمي على سبيل المثال جاء بعد أيام فقط من تخطيط عملية الشهراني في أمريكا.

لقد رأت قيادة تنظيم القاعدة الجديدة ضرورة إيقاف عمليات الذئاب المنفردة وخفض مستوى الاهتمام الأمريكي المباشر بتحركات التنظيم. لكن ظهور السوداني الأخير يؤسس لحقبة جديدة من السلوك الجهادي الذي قد يعيد القاعدة إلى دائرة القصف الأمريكي.

ويعلق قيادي جهادي ساخرا على ذلك: “على الأقل إن لم نتقاسم مع الحوثي ضرب المصالح الغربية، سوف نتقاسم ضرباتهم الجوية على اليمن، وهكذا ننجح كلانا بتعزيز شعبيتنا وبأقل التكاليف”.

ما تأثير إيران والحوثي على إصدار "إنسباير" الجديد من القاعدة في اليمن؟

الخلاصة

شهدت الفترة الأخيرة تحركات سرية لقادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بحسب بعض المصادر الأمنية والجهادية في اليمن.

ووفقاً لهذه المصادر، يعتقد بعض قادة تنظيم القاعدة في اليمن أن فرق مكافحة الإرهاب المحلية والدولية منشغلة الآن بالتطورات الجيوسياسية، ويريد جناح الجهاد العالمي لتنظيم القاعدة الذي ترعاه إيران استغلال هذه الفرصة لشن هجمات خارجية.

ويشعر معارضو باطرفي داخل القاعدة في اليمن بالقلق من جذب المزيد من الاهتمام الدولي وخشية من عودة الضربات الجوية المكثفة التي تستهدف مسلحي التنظيم، كما أنهم لا يريدون أن يصبحوا حصان طروادة، أو الطابور الخامس الذي سيقوض القبائل الجنوبية بناء على طلب الحوثيين والإيرانيين المتحكمين بهم.