انتفاضة إيران مستمرة رغم الانتهاكات

لم يكن عام 2023 مختلفا كثيرا عن الأعوام الماضية فيما يتعلق بملف الانتهاكات ضد المرأة في إيران، بل كان شاهدا على ممارسات قمع ربما أكبر وأوسع من قبل السلطات التي اعتادات التنكيل بكل من يدافع عن المراة أو حقوقها.

قبل عام، توفيت مهسا جينا أميني، وهي امرأة إيرانية كردية بلغت من العمر 22 عاماً، أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق بعد اعتقالها بتهمة عدم الالتزام بقواعد اللباس في طهران.

أشعلت وفاتها موجة من الاحتجاجات الوطنية التي استمرت حتى في عام 2023 وشكلت تحديًا أكبر للحكم الاستبدادي لإيران وكشفت عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الانتهاكات المنهجية لحقوق النساء.

وفاة مهسا نتج عنه شعاراً قوياً، وهو الشعار الذي نشأ في الحركة النسائية الكردية، والذي سرعان ما تردد في جميع أنحاء إيران: “المرأة، الحياة، الحرية!” وبعد مرور عام، لا تزال النساء والأصوات المعارضة والأقليات العرقية مستهدفة في إيران.

شاركت النساء في حملات العصيان المدني، ونظمن شبكات على الإنترنت وخارجها، وتحدين قوانين اللباس الصارمة من خلال خلع حجابهن في الأماكن العامة، حتى واجهن العنف والمضايقة والسجن بسبب نشاطهن.

وكانت النساء قوة حاسمة في هذه الاحتجاجات، إذ قادن المقاومة ضد السياسات الأبوية والتمييزية التي تنتهجها الحكومة، وطالبن بحقوق متساوية.

ردت قوات الأمن والسلطة القضائية الإيرانية على الاحتجاجات باعتقال واحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك مئات المدافعات عن حقوق الإنسان.

وعلى مدار بضعة أشهر، اعتقلت السلطات المئات من الناشطين والناشطات في مجال حقوق النساء، والنسويات، ونشطاء المجتمع المدني، والعلماء، والمحامين، والصحفيين، في محاولة استباقية لمنعهم من الانضمام إلى الاحتجاجات أو قيادتها.

وبينما تم إطلاق سراح بعضهم بموجب عفو عام، لا يزال العديد منهم يواجهون اتهامات أو ما زالوا في السجن، بما في ذلك نيلوفر حميدي وإلاهي محمدي، وهما صحفيتان قامتا بتغطية وفاة وجنازة مهسا جينا أميني.

مهسا أميني جديدة

في شهر أكتوبر الماضي، أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن الشابة أرميتا غراوند توفيت في مستشفى السلاح الجو الإيراني في العاصمة طهران، بعد نحو شهر من إدخالها إليه، وقيل إنها أصيبت في رأسها بعد مشادة مع شرطيات مترو طهران بسبب الحجاب، وسط نفي مستمر من السلطات.

وتم تهديد أفراد آخرين من عائلة أرميتا غراوند وأقاربها بعدم السماح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام وتقديم معلومات حول حالتها، وقد أخبر عناصر الأمن عائلة غراوند بأن علي خامنئي أمر بنقل أرميتا خارج طهران.

أرميتا ماتت دماغياً

وقال شهود عيان لصحيفة “الغارديان” إنها تعرضت للدفع بقوة من قبل امرأة ترتدي الحجاب والتي ربما كانت “ضابطة حجاب”، أو موالية للنظام، وكان سبب ذلك أن أرميتا لم تلتزم بقواعد اللباس الصارمة.

وتحولت قضيتها إلى موضوع جدلي بين إيران وعواصم غربية، حيث سبق أن أعربت ألمانيا والولايات المتحدة عن قلقهما على مصير فتاة إيرانية، فيما ردت الخارجية الإيرانية على هذه المواقف برفضها واتهام الغرب بـ”التدخل” في شؤونها الداخلية.

نوبل خلف القضبان

كرّست الناشطة الإيرانية نرجس محمدي البالغة 51 عاما والتي فازت بجائزة نوبل للسلام، حياتها للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران ما كلّفها سنوات خلف القضبان وانفصالا مؤلما عن عائلتها.

وتناضل محمدي ضد إلزامية وضع الحجاب وعقوبة الإعدام وتندّد بالعنف الجنسي الذي يحدث في السجون وتواصل نضالها بلا كلل، حتى من داخل زنزانتها في سجن إيوين في طهران حيث أعيد احتجازها منذ أكثر من عام.

أوقفت نرجس محمدي مرات عدة منذ العام 1998 وحُكم عليها بالسجن مرات عدة ويفترض أن تحاكم قريبا بتهم جديدة وتعتبر منظمة مراسلون بلا حدود أن نرجس هي ضحية “مضايقة قضائية حقيقية”.

2023| عام من القمع بحق المرأة.. والانتفاضة مستمرة رغم الانتهاكات الإيرانية

ويعدّ منح جائزة نوبل للسلام لهذه الناشطة رمزيا للغاية، في حين تهزّ حركة “امرأة، حياة، حرية” إيران منذ أكثر من عام.

فيما صرحت محمدي لوكالة فرانس برس من خلف القضبان أن “الحركة الاحتجاجية ساهمت في تسريع عملية السعي إلى الديمقراطية والحرية والمساواة” التي أصبحت الآن “لا رجعة فيها”، لافتة إلى أن “الناس أصبحوا مستائين وعدائيين”.

صرخات خلف القضبان

قام عدد من السجينات السياسيات بترديد شعارات مثل “الموت للديكتاتور” و”المرأة، الحياة، الحرية”، خلال زيارة قضاة المحكمة الثورية والسلطات القضائية الإيرانية إلى سجن إيفين.

وقال مصدر مقرب من عائلات هؤلاء السجينات لـ “إيران إنترناشيونال“: “توجه عدد من السجينات إلى ممر موظفي السجن للتعبير عن احتجاجهن على قمع المواطنين، والسجن والاعتقال والتعذيب والإعدام، وفور ترديدهن للشعارات والأناشيد الثورية قام الحراس بإغلاق أبواب الغرف التي يتواجد فيها مسؤولو السلطات القضائية.

قانون مجحف بحق النساء

تواجه النساء التمييز في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج، والطلاق، والميراث، والقرارات بشأن الأطفال. بموجب القانون المدني، للزوج الحق في اختيار مكان السكن، ويمكنه منع زوجته من ممارسة مهن معينة إذا اعتبرها ضد “القيم الأسرية”. يسمح هذا القانون أيضا بزواج الفتيات في سن 13، والصِبية في سن 15، وكذلك في سن أصغر إذا أذن القاضي بذلك.

إيران

بموجب قانون الجوازات، لا يمكن للمرأة المتزوجة الحصول على جواز سفر أو السفر خارج البلد دون إذن خطي من زوجها، الذي يمكنه سحب هذا الإذن في أي وقت.

بينما تتزايد التقارير عن حالات قتل الإناث في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس لدى إيران قانون بشأن العنف الأسري لمنع الانتهاكات وحماية الضحايا.

قمع الأقليات

يحرم القانون الإيراني البهائيين من حرية الدين ويميّز ضدهم. تواصل السلطات اعتقال ومحاكمة أعضاء الطائفة البهائية بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي وإغلاق الشركات التي يمتلكونها. كما ترفض السلطات الإيرانية بشكل منهجي السماح للبهائيين بالتسجيل في الجامعات الحكومية.

فيما تميّز الحكومة أيضا ضد الأقليات الدينية الأخرى، بمن فيهم المسلمون السنة، وتقيّد الأنشطة الثقافية والسياسية للأقليات العرقية الأذرية، والكردية، والعربية، والبلوشية في البلاد. يتم اعتقال نشطاء الأقليات بانتظام ومقاضاتهم بتهم الأمن القومي التعسفية في محاكمات لا تفي إلى حد كبير بالمعايير الدولية.