داعش حوّل مستشفى للأطفال إلى سجن وارتكب جرائم وفظائع

ارتكب تنظيم داعش الإرهابي عندما احتل مدنًا كبيرة ومساحات شاسعة في سوريا مجازر كبيرة بحق السوريين، وكان من بين تلك المجازر تحويل مستشفى للأطفال في مدينة حلب إلى مركز للاعتقال.

وأظهرت مقاطع فيديو لكاميرات المراقبة داخل المستشفى الممارسات اللإنسانية التي كان يقوم بها عناصر داعش، إضافة إلى أن الكاميرات أظهرت وجوه الكثير منهم والذين كانوا قد أزالوا الأقنعة عن وجوههم.

وأجرت “أخبار الآن” لقاءً مع المتحدثة باسم منظمة CIJA نيرما يلاشيش، والتي أكدت أنها كانت تعمل في سوريا منذ بداية الحرب، ويتركز عملها بشكل رئيسي على جرائم النظام.

ولكن مع تقدم داعش، شكّلت فريقًا منفصلًا للتحقيق في جرائمهم. لذلك، فإن الأدلة من حلب هي جزء واحد فقط من إجمالي الأدلة التي تمتلكها منظمتها بشأن جرائم التنظيم.

وأضافت “يلاشيش” أن الفيديوهات وصلتهم من خلال هذا الفريق، وعلى الرغم من أنها كانت معهم لعدة سنوات لكن لم يكن لديهم القدرة على فتحها إلا مؤخرًا لأنها كانت محمية ومشفرة بشكل معقد على القرص الصلب الذي يحوي تسجيلات كاميرات المراقبة.

وأكدت أنه “بمجرد أن تمكنا من فتحها، بالطبع بدأنا على الفور في العمل مع شركائنا في إنفاذ القانون لتحديد هوية العناصر الذين يمكن رؤيتهم في ساعات من لقطات الكاميرات. لأن ما شاهدناه على شاشة CNN هو مقطع صغير فقط وقصير مع عدد قليل من الأفراد”.

وأضافت في حوارها مع “أخبار الآن” أن المنظمة لم تحصل على الفيديو قبل عشر سنوات ولم يكن متزامنًا مع حدوث الجريمة بالفعل. لكن حصلت عليه قبل بضع سنوات، والأمر استغرق حوالي عامين أو ثلاث أعوام للعثور على المساعدة المناسبة للوصول إلى التسجيلات داخل القرص الصلب”.

"داعش حوّل مستشفى أطفال بحلب إلى سجن تعذيب" شاهد عيان يكشف التفاصيل لأخبار الآن

هوية عناصر داعش

قالت نيرما يلاشيش إنه “فيما يتعلق بتحديد هوية العناصر. هذا الأمر الذي يهم السلطات القانونية في البلدان، وهناك تحقيقات جارية الآن على تحديد هوية العناصر من قبل ثلاث دول في أوروبا، لأننا عادةً ما نقدم المساعدة للبلدان التي نظامها القضائي يصل إلى معايير معينة لحقوق الإنسان وما إلى ذلك، لذلك هناك ثلاث دول حيث يقيم أفراد ممن ظهروا في هذه الفيديوهات تحت التحقيق. إحداها واضحة إلى حد ما، حيث تم رفع لائحة اتهام فيها، على الرغم من عدم تأكيدها بعد، في فرنسا، بشأن أحد المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين عادوا من سوريا والعراق وتم اعتقالهم في فرنسا، وهذه اللائحة قيد الاستئناف، ونأمل أن نرى توجيه لائحات اتهام أخرى في المستقبل القريب من قبل دول أخرى”.

وأضافت أن هناك المزيد من الأشخاص، والمنظمة مستمرة في فك طلاسم الفيديو لأن الفديوهات سجلت ساعات وأيام كثيرة، لذلك يستغرق الأمر وقتًا، خاصة في سياق جميع الأعمال الأخرى والمساعدة التي تقدمها المنظمة للسلطات.

وأكدت أن محور اهتمام المنظمة مع السلطات الوطنية على القضايا التي يمكن ملاحقة العناصر فيها فعليًا، وهذا يعني تحديد هوية الذين يمكن توجيه اتهامات لهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وليس فقط بسبب انتمائهم لمنظمة إرهابية، وهو ما يحصل عادةً في أوروبا، لذلك ينصب التركيز على أولئك العناصر الذين يمكن تحديد مكانهم والعثور عليهم. في البلدان التي تكون على استعداد للتحرك، ولا يوجد تركيز على البحث عن هوية عناصر قد يكونون لا يزالون في سوريا أو العراق حيث لا تجري هذه المحاكمات في تلك البلدان.

"داعش حوّل مستشفى أطفال بحلب إلى سجن تعذيب" شاهد عيان يكشف التفاصيل لأخبار الآن

تسجيلات كثيرة

أكدت نيرما يلاشيش أن المنظمة تمتلك عدة أيام من التسجيلات وهذا يعني عشرات الساعات من التسجيلات ولا يوجد تقييم كامل لجميع التسجيلات، ولكن الأجزاء التي قامت المنظمة بمراجعتها تظهر جرائم كبيرة حيث كان المجرمون يتلذذون في تجريد السجناء من كرامتهم.

وهذا ظهر جليًا في أحد المقاطع وهم يفكون أيدي شخص ممن تعرضوا للتعذيب حتى يمكنه أداء صلاة المغرب، ثم يقومون بربطه مرة أخرى بعد انتهاء صلاته. وهذا النوع من محاولة فهم نفسية تلك العقول هو بالطبع ليس شيئًا كان علينا القيام به، لكنه شيء مثير للاهتمام بالفعل لرؤيته ومحاولة فهمه.

وبشأن نشر تسجيلات أخرى أكدت المتحدثة بإسم منظمة CIJA أنه “ليس بالضرورة نشر المزيد من المقاطع للعامة، وإنما ليتم استخدامها في المحكمة، لتحقيق التوازن وللتعامل معها كأدلة، مما يعني أن الأولوية هي الحفاظ عليها لاستخدامها في المحكمة. ونحن ندرك أن بعضها له أهمية كبيرة بالنسبة للناجين والضحايا الذين يأتون من تلك المنطقة. لذلك نحن نبحث عن طرق يمكننا من خلالها الكشف عن بعض المعلومات”.

معرفة هوية الجناة

قالت نيرما يلاشيش إن هناك عناصر تم تحديد هويتهم بالوثائق والأدلة التي كانت لديهم في حلب بما في ذلك كيفية انضمامهم إلى داعش، لأن بعضهم جاءوا من الجماعات المسلحة الأخرى، ولكن عندما كنت أتحدث عن ثلاثة، كنت أركز على تلك التي تم العثور عليهم في أوروبا. وبالتالي هذا هو المكان الذي ربما سنرى فعليًا بعض الإجراءات القانونية على ضوء التعرف على الوجوه. وهذا مختلف عن تحديد الجماعات الأكبر التي يمكن العثور عليها في الفيديوهات، بالطبع.

وأشارت إلى أن المنظمة كانت في حلب وقامت بإعداد قضية أولًا في حلب بشأن جرائم النظام في عامي 2011 و2012 وما فعلوه وتم توثيق الأفراد الذين كانوا في السلطة آنذاك، في مكاتب مختلفة للأمانة العامة ووكالات الاستخبارات الأمنية. وتم إكمال عمل المنظمة على أتباع تنظيم داعش، والتحقيق في جرائم المستشفى منذ عام 2013 أو 2014.

"داعش حوّل مستشفى أطفال بحلب إلى سجن تعذيب" شاهد عيان يكشف التفاصيل لأخبار الآن

 

لقاء مع مسجون سابق لدى داعش

وفي السياق، أجرت “أخبار الآن” لقاء مع أحد المعتقلين السابقين في مستشفى الأطفال بحلب وهو أحمد بريمو والذي أكد أن عناصر داعش سيطروا على هذا المقر الذي كان يضم عدد من المستشفيات منها مستشفى العيون والأطفال ومقر خدمي آخر، وحولوه إلى مقر رئيس لهم وبنفس الوقت جعلوا منه سجنا لاعتقال المدنيين ومعظم المدنيين كانوا على خلاف مع التنظيم أو رفضوا وجوده.

وشدد على أن السجن كان عبارة عن عدة زنازين متواجدة في الطابق السفلي من المستشفى، وعندما اعتقلوه خطفوه من منزله وتعرض للضرب والتعذيب بشكل كبير وتم نقله إلى زنزانة كانت واضحة في الفيديو وهي الزنزانة الأخيرة التي كانت تحمل رقم 12.

"داعش حوّل مستشفى أطفال بحلب إلى سجن تعذيب" شاهد عيان يكشف التفاصيل لأخبار الآن

إعدام المعتقلين

قال أحمد بريمو إن “الزنزانة كانت ضيقة أربعة أمتار في خمسة أمتار، وكان فيها 50 شخصًا في هذه المساحة الصغيرة والضيقة وكان بها “حمام”.

وأشار إلى أن عملية هروبه حدثت في اللحظات الأخيرة، عندما كان هناك هجوما من فصائل الثورة التي شنت هجوما على داعش وطردتهم من المدينة. مبينا أن الدواعش قبل هروبهم من المدينة نفذوا حملة إعدام واسعة بحق الأشخاص الذين كانوا مسجونين وعدد قليل جدا لم يُقتلوا ربما بسبب ضيق الوقت عند هروبهم. موضحا أنه و7 أشخاص تمكنوا من كسر الأبواب والهروب في تلك اللحظات بعد أن تم اعتقاله لمدة 53 يوما.

والي حلب “أبو الأثير”

أكد أحمد بريمو أنه قادر على التعرف على بعض الإرهابيين، إذا تمكن من الإطلاع على الفيديوهات التي تمتلكها المنظمة، على الرغم من أن عناصر التنظيم كانوا حريصين جدا على إخفاء وجوههم.

وقال: “دائما كنت أراقب أعين الملثمين والمسلحين والذين عذبوني أو المحققين أو الجلادين أو ذلك الذي يحضر لنا الطعام ومن الممكن أن أتعرف عليهم في حال اطلعت على هذه الفيديوهات بشكل أوضح”.

وتابع: “كان هناك شخص في ساحة السجن أعرفه جيدا، وكان إلى حد ما لطيفا معنا كمعتقلين أو موجودين في هذا السجن. كان يلقب نفسه “أبو نظير” وهو اسم وهمي، وهو سوري من مدينة حلب استطعت تمييز لهجته، والشخص الوحيد الذي أعرفه شخصيا واستطيع أن أقول أنه هو وأنا جازم هو “والي حلب” الإرهابي المعروف “عمرو العبسي” وكان يسمي نفسه “أبو الأثير” قيل إنه قتل ولكن لست متأكدًا من ذلك.

وأوضح أن “والي حلب لم يظهر في الفيديو المتداول لأنه كان حاكما لمدينة حلب وكان متواجدا في الطابق العلوي”.

وقال :”أتذكر عندما أخذوني إليه أثناء التعذيب أعادوني “دحرجة على الدرج” لذلك أتمنى أن أصل لهذه المنظمة، والإطلاع على هذه الفيديوهات بالرغم من الألم الذي سأشعر به”.

"داعش حوّل مستشفى أطفال بحلب إلى سجن تعذيب" شاهد عيان يكشف التفاصيل لأخبار الآن

تعذيب وإكراه

وبشأن جرائم تعذيب المعتقلين أكد “بريمو” أن الفيديو لم يظهر 1 بالألف من التعذيب الذي كان يمارس على المعتقلين، معلقًا على طريقة “الشبحية” المستخدمة في السجون السورية.

وأشار إلى أن التعذيب كان عنيفًا “وكل ما نسمع وحتى ما نراه في أفلام الرعب يستخدم من قبل هذا التنظيم الإرهابي”.

وأوضح أن المشاهد هذه مُمَاثلة لجرائم النظام السوري.

وقال :”أنا أعتقلت لدى النظام السوري ولدى داعش والطرفان يمارسان نفس وسائل التعذيب بحق المعتقلين. لكن ربما من سوء حظ أو حسن حظ أحد الطرفين أن بعض هذه الممارسات ظهرت للعلن ولكن جرائم الطرف الآخر لم تظهر”.

وأوضح “أنا أريد استغلال هذه الفرصة لتسليط الضوء على المعتقلين في السجون ليس فقط لدى داعش. لأن داعش انهزم وانتهى ولكن النظام السوري موجود ولديه سجون وكذلك الفصائل السورية وقسد جميعهم لديهم سجون ويرتكبون جرائم ضد الإنسانية بعيدًا عن أي انتماء سياسي ومن حق أي إنسان أن يعامل بلطف ويقدم لمحاكمة عادلة وفق معايير حقوق الإنسان إذا كان قد ارتكب مخالفة”.

جنسيات متعددة

قال “بريمو” إن السجانين الذين كانوا يتعاملون معهم هم أقل رتبة من الأمراء. بالطبع الأمراء هم الذين يصدرون الأوامر وكانوا من جنسيات أجنبية أو عربية فكان هناك جنسيات فرنسية وأمريكية ومغربية، ومن النادر جدا أن ينزلوا إلى مكان الاعتقال.

وعوّل “بريمو” على ما تقوم به المنظمة من خلال السجلات في ملاحقة هؤلاء الأشخاص ومحاسبتهم، حتى وإن كانوا سوريين أو عراقيين، موضحًا أن معظمهم اليوم متواجدين في أوروبا، ويجب محاسبتهم ليس فقط لأجل العدالة بل لأجل الأمن الوطني والقومي لهذه الدول. حتى في كندا موجودين وهم قنابل موقوتة فمن الممكن أن يقوموا بأعمال إجرامية في أي وقت بمجرد الاختلاف معهم بالرأي أو الدين أو الفكر.