فانية وتتدهور 4 | سيرة صحيفة النبأ تكشف تحولات داعش

عقب مقتل القيادي بتنظيم داعش بلال السوداني، بعملية عسكرية أمريكية خاصة شمال الصومال أواخر يناير/ كانون الثاني 2023، سرب منشقون عن داعش رسالة من داخل التنظيم تُظهر مراسلة بين عبد القادر مؤمن، أمير الفرع الصومالي لداعش وأمير ما يُعرف بمكتب الفرقان أحد المكاتب الخارجية الـ8 لداعش، وأبو سارة العراقي أو عبد الرؤوف المهاجر، أمير إدارة الولايات البعيدة والمتحكم الأول في التنظيم حاليا، حول عمليات نقل الأموال بين أفرع داعش.

وكشفت الرسالة أن القيادة المركزية لداعش تستغل أفرعها الخارجية لتمويل عملياتها ودعم أتباعها في المناطق المختلفة حتى تبدو كأنها قوية وفاعلة رغم الانتكاسات التي مُني بها التنظيم، طوال السنوات الماضية.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

وأوضحت تلك الرسالة، جزءًا من الميكانيزمات التنظيمية التي يعتمد عليها داعش للسيطرة على أتباعه، والتي تعتمد على سلسلة من العمليات التنظيمية والاتصالية والإعلامية التي تقوم بها أذرعه وهيئاته المختلفة، وفي مقدمتها ديوان الإعلام المركزي وصحيفة النبأ الأسبوعية، الناطقة بلسان حال التنظيم..

واكتسبت صحيفة النبأ أهمية بارزة في إطار هيكل المؤسسات الإعلامية لداعش، بسبب كونها الوسيلة الأكثر انتظامًا في الصدور كما أنها تُعبر عن وجهة نظره الرسمية عن طريق المقال الافتتاحي أو الافتتاحية التي تنشرها في صفحتها الثالثة من كل عدد، ولذا تسعى القصة التالية لإماطة اللثام عن التحولات التي مرت بصحيفة النبأ وتبيان كيف خدعت أنصار داعش.

فقبل نحو أسبوعين من إعلان مقتل خليفة داعش أبو الحسن الهاشمي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، سعت صحيفة النبأ الأسبوعية، الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي للتنظيم للترويج للخليفة السابق في مقالاتها المختلفة ومنها افتتاحيتها التي نشرتها في العدد 365 الصادر بتاريخ  17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بعنوان “موزمبيق وبركة الخلافة”، قائلةً إن النشاط والتوسع العملياتي للتنظيم في إفريقيا ما هو إلا “بركة من بركات الاجتماع تحت راية الخلافة”، على حد تعبيرها.

وبعد نحو أسبوعين، خرجت الصحيفة مرةً أخرى لتؤكد مقتل خليفة التنظيم أبو الحسن الهاشمي، ناشرةً في العدد 367 والصادر بتاريخ 1 ديسمبر 2022، تفريغ كلمة صوتية للمتحدث باسم داعش أبو عمر المهاجر أقر فيها بمقتل الهاشمي وأعلن اختيار خليفة جديد للتنظيم هو أبو الحسين الحسيني، الذي وصفه بأنه أحد أمراء وقادة التنظيم المخضرمين.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

صاحب بالين كدّاب وصاحب تلاتة منافق

وأثبتت الأحداث والتطورات التي وقعت بين التاريخين، أن صحيفة داعش الرسمية والتي تصدر بشكل أسبوعي روجت لـ”خلافة بلا خليفة”، إذ أن أبو الحسن الهاشمي، الزعيم السابق للتنظيم، كان قد تمت تصفيته على أيدي مقاتلين سوريين محليين في مدينة جاسم بجنوب سوريا في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، دون أن يدري القائمون على الصحيفة أو محرريها بحقيقة ما وقع لـ”الخليفة” الذين ظلوا يدعون لبيعته ومناصرته رغم مقتله.

ومع الإعلان عن تنصيب أبو الحسين الحسيني، خليفةً جديدًا لتنظيم داعش عادت صحيفة النبأ مرة أخرى لتروج للزعيم الداعشي المجهول عبر مقال افتتاحي أوردته في عددها 368 الصادر في 8 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، واصفةً إياه بأنه “مُجاهد هُمام وفارس مقدام”، دون أن تكشف عن هويته أو تضيف أي معلومة جديدة عنه لأتباع داعش وأنصاره.

بل وأقرت الصحيفة، ضمنيًا، أنه أمير مجهول لا يعرفه أحد من عامة مقاتلي التنظيم وإن حاولت تبرير هذا الأمر بكونه مُبايعًا ومختارًا من مجلس شورى داعش أو أهل الحل والعقد في داخله الذين وصفتهم بأنهم يتصفون بـ”العدالة الجامعة” والتي تعني أهليتهم لاتخاذ القرارات المصيرية والشرعية في التنظيم.

فانية وتتدهور.. الجزء الأول

وعلاوة على ذلك، تحدت الصحيفة جميع الجهاديين والفصائل المسلحة الأخرى في الافتتاحية المذكورة والمعنونة بـ”وليرني امرؤ أميره”، معتبرةً أن مقتل خلفاء وأمراء داعش دليل على صحة نهجه، وأن قادة التنظيم يؤثرون القتل على الاستسلام أو الأسر لدى أعداء التنظيم، وأن أهل الحل والعقد في داخل التنظيم أو مجلس شوراه هو الجهة الوحيدة التي تتصف بصفات تؤهلها لاختيار أمير أو خليفة للتنظيم والمسلمين على حد سواء، وفق تعبير أسبوعية النبأ.

بيد أن لهجة التحدي التي تحدثت بها النبأ لم تتناسب على الإطلاق مع واقع الصحيفة أو التنظيم، على حد سواء، فأبو الحسين الحسيني ليس سوى زعيم مجهول آخر جرى اختياره بصورة غامضة من قبل مجموعة من الأمراء والقادة المجهولين الذين يلقبهم داعش بـ”أهل الحل والعقد”، مع أن المنهج الجهادي والفقه الحركي الذي يتبناه التنظيم يُوجب إعلان هوية الخليفة أو الزعيم الداعشي حتى تصح بيعته وإمارته ويعتبر أيضًا أن الأمير المجهول حكمه كالأمير المعدوم أو غير الموجود من الأساس.

كما أن من الشروط الأساسية لأهل الحل والعقد في الفقه الحركي أن يكونوا معلومين لعموم أعضاء وأنصار داعش وأن يشتهروا بالعلم والدراية الكافية التي تمكنهم من اختيار الأمير أو الخلافة ومعاونته في مهام عمله، وهو ما يطعن في ما روجته صحيفة النبأ في إطار سعيها لإضفاء شرعية على ولاية أبو الحسين الحسيني إذ لم تستشهد الصحيفة بهوية واحد فقط من أهل الحل والعقد أو مجلس شورى داعش والذي تعتقد عدة جهات من بينها الاستخبارات العراقية أن عدد أعضاءه 12 فردًا جلهم من “الحجاجي” أو القادة البارزين الذين خدموا زمنًا في الجيش أو الأجهزة الامنية في نظام البعث العراقي المنحل.

وفي الحقيقة، لا يعد أسلوب المغالطات التي تجافي المنطق في أحيان كثيرة أمرًا غريبًا على أسبوعية النبأ التي تحولت من كونها واحدة من المؤسسات الإعلامية الكبرى داخل ديوان الإعلام المركزي لتنظيم داعش، إلى مجرد صحيفة ناقلة تجمع الأخبار التي تنشرها وكالة أعماق، الذراع الإخبارية للتنظيم، دون إضافة أي جديد عليها في أغلب الأحوال.

على أن هذا التغير في أدوار صحيفة النبأ جاء ضمن سلسلة من التغيرات والتحولات التي مرت بتنظيم داعش، قبل سنوات، وهي التغيرات التي جاءت بالتزامن مع تراجع تنظيم داعش في سوريا والعراق وخسارته معاقله الرئيسية في كلا البلدين، وأدت تلك التغيرات إلى تراجع مكانة وفاعلية الصحيفة بصورة ملحوظة.

فانية وتتدهور.. الجزء الثاني

النبأ والخلافات المنهجية في داعش

ففي خضم الحملات العسكرية التي استهدفت معاقل التنظيم، منذ عام 2016، عاش داعش خلافا أيديولوجيا بين تياراته المتنافرة، وتركزت تلك الخلافات على قضايا التكفير وأحكام الديار، والتي تشكل مرتكزًا رئيسيًا في فكر الجهادية العابرة للحدود الوطنية التي يُعد داعش أحد تمثلاتها.

وكانت صحيفة النبأ في قلب الأزمات  والخلافات المنهجية حين انحاز عدد من العاملين بها أبرزهم مشرف الصحيفة ومدققها إلى تيار المناهجة والمعروف أيضًا بتيار تركي البنعلي في تنظيم داعش، وهو التيار الأقل تشددًا في التنظيم، ورفضوا الانحياز إلى تيار أبو محمد الفرقان الذي تبنى أطروحات أكثر تشددًا في ما يتعلق بالتكفير، لكن التيار الأخير أحكم قبضته على المؤسسات الإعلامية لداعش مستفيدًا من وجود ثلة من أبرز رموزه في ديوان الإعلام المركزي منهم أبو محمد الفرقان نفسه، أمير ديوان الإعلام المركزي آنذاك، وأبو عبد الله الأسترالي نائب أمير ديوان الإعلام سابقًا وأمير الديوان حاليا، وأبو بكر الغريب محمد خضر رمضان مسؤول الإعلام المناصر في داعش وأحد مشرفي ديوان الإعلام المركزي، وقرب هؤلاء القادة من حجاجي داعش أو القيادة العليا له.

وبدت مظاهر هذا الانحياز واضحة في نشر أسبوعية النبأ سلسلة مقالات بين عامي 2016، و2017 بعنوان “رموز أم أوثان” ألمحت فيهما إلى تكفير رموز جماعات الإسلام السياسي كحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة لقادة جهاديين بارزين منهم أبو مصعب السوري، المنظر الإستراتيجي لفكر الجهادية العالمية، وعطية الليبي أو جمال المصراتي مسؤول العمليات الخارجية بتنظيم القاعدة سابقا، والذي كان مرتبطا بتنظيم داعش ومسؤولا عن التنسيق بينه وبين القاعدة حتى عام 2012، فاتحة بذلك الباب أمام تكفير قيادات داعش أنفسهم ومن بينهم أبو بكر البغدادي خليفة داعش، حينها، وأبو ميسرة الشامي نائب أمير ديوان الإعلام المركزي سابقا، واللذين أثنيا على عطية الليبي في كلماتهم ومقالاتهم المختلفة.

ورد العديد من قادة وأنصار داعش البارزين على صحيفة النبأ، في ذلك التوقيت، ووصفوا القائمين عليها بأنهم يُفرقون صفوف أتباع التنظيم، حتى أن “أبو عمر الشنقيطي” أحد أبرز مناصري التنظيم كتب مقالةً مطولة بعنوان “الخطأ من صحيفة النبأ” اعتبر فيها أن القائمين على أسبوعية النبأ ومن وقف في صفهم شقوا صف التنظيم وهاجموا كل مخالفيهم من أجل إسقاط رمزيتهم وتشويههم.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

أبو عمر شنقيطي ينتقد القائمين على صحيفة النبأ لأنهم شقوا صف أنصار داعش- المصدر مقالة الخطأ من صحيفة النبأ

وبسبب احتدام الخلافات الداخلية بين تيارات التنظيم، لجأ حجاجي داعش إلى حيلة لاحتواء العناصر والقيادات الرافضة لنهج تيار أبو محمد الفرقان، فتم إجراء سلسلة من التغيرات الداخلية في بنية المؤسسات الإعلامية الداعشية بأمر خليفة التنظيم (الأسبق) أبو بكر البغدادي، وتكليف أبو محمد المصري، عضو اللجنة المفوضة لداعش سابقًا، بنشر سلسلة جديدة بعنوان “سلسلة علمية في بيان مسائل منهجية” ردًا على “سلسلة رموز أم أوثان”.

وبالفعل نُشرت 6 حلقات من السلسلة العلمية بين عامي 2017 و2018، وركزت على تقديم رؤية أقل تشددًا في قضايا ومناطات التكفير، قبل أن يأمر حجي عبد الله قرداش (أبو إبراهيم القرشي)، نائب أبو بكر البغدادي ثم خليفة داعش حتى فبراير/ شباط 2022، بإيقاف هذه السلسلة دون نشر الأجزاء الثلاثة الأخيرة (السابع، والثامن، والتاسع) بحجة مخالفتها لمنهج التنظيم، وإعادة رموز تيار الفرقان إلى الواجهة ليتحكموا في داعش وديوانه الإعلامي وصحيفته الأسبوعية.

وأكدت رسالة سرية أرسلها عدد من كوادر ديوان الإعلام المركزي- بينهم مشرف أسبوعية النبأ- إلى قيادة التنظيم، أن القائمين على الديوان في مرحلة ما بعد أبو محمد الفرقان وفي مقدمتهم أبو حكيم الأردني، أمير الديوان سابقًا، عملوا على إقصاء خصومهم وإبعادهم عن المناصب التي يتولونها، بما فيهم مشرف صحيفة النبأ ومدققها ومصممها، نتيجة الخلاف الأيديولوجي بينهم على أحكام التكفير.

فانية وتتدهور.. الجزء الثالث

شكوى ديوان الإعلام

وعلى نفس المنوال، أرسل المجلس العلمي في ولاية البركة (الحسكة السورية)، وهو مجلس جُمعت فيه الهيئات الشرعية لداعش بعد انحساره، طلب فيه من حجاجي وخليفة التنظيم التدخل من أجل إنهاء الصراعات بين مسؤولي ديوان الإعلام المركزي والكوادر العاملين به، مضيفًا أن ديوان الإعلام المركزي انقسم إلى قسمين أحدهما يضم أبو حكيم الأردني وأبو بكر الغريب والآخر يضم فريق المتابعة والإشراف وآخرين من قادة التنظيم منهم أبو محمد القطري وأبو جهاد الشيشاني وغيرهما.

ووصف المجلس العلمي لداعش الفريق الأول بأنه امتداد لتيار التكفير الذي كفر رموزه- كأبو مرام الجزائري، وأبو زيد العراقي وغيرهما- التنظيم وقادته وفروا خارج مناطق نشاطه، عام 2018، حسبما نصت الرسالة.

القضاء على المعارضين في إعلام داعش

وفي المقابل، عمد “حجاجي داعش” إلى أسلوب وتكتيكات استئصالية في التعامل مع كوادر ديوان الإعلام المركزي المعارضين لتيار التكفير المتشدد (تيار الفرقان)، وبذلك تعززت سيطرة المجموعة الأكثر تشددًا في داعش بما فيها أبو بكر الغريب وأبو عبد الله الأسترالي، أمير ديوان الإعلام المركزي الداعشي، على الديوان ومؤسساته المختلفة وفي القلب منها صحيفة النبأ.

وبفعل تلك الصراعات وأيضًا الهزائم التي تلقاها داعش، طرأت تغيرات على صحيفة النبأ التي تقلصت عدد صفحاتها من 16 إلى 12 صفحة فقط في الوقت الحالي، كما تحولت الصحيفة إلى مجرد ناقل لما يُنشر في وكالة أعماق الإخبارية، وقلت المساحة المخصصة للتقارير والحوارات الحصرية التي كانت تنشرها من آن لآخر، حتى أن الصحيفة أصبحت تصدر لأسابيع عديدة وربما لأشهر دون أن تحتوي على أي مواد نوعية غير منشورة مسبقًا في وكالة أعماق.

فضلًا عن أنها تتأخر في نشر المواد الحصرية التي تحصل عليها مثلما حدث عندما تأخرت في نشر مواد حوارية لبعض قادة داعش البارزين لفترات طويلة حتى قُتل بعضهم، كما حصل مع “أبو الوليد الصحراوي“، أمير فرع تنظيم داعش في الساحل والصحراء الإفريقية، والذي نشرت أسبوعية النبأ جزءًا ثانيا من حوار أجرته معه في عام 2020 ونشرت جزءه الأول في العدد 260 لها، بعد فترة من مقتله وتحديدًا في أكتوبر/ تشرين الثاني 2021  وذلك ضمن العدد 308.

وأكدت تلك التطورات أن القيادة العليا لداعش “الحجاجي” نجحوا في تحويل صحيفة النبأ الأسبوعية إلى مجرد “بوق” ينقل ما يريدون نقله فقط، دون أن يكون هناك دور حقيقي لمحرري أو مشرفي الصحيفة في الاعتراض على المواد التي تنشر، وذلك خلافًا لما حدث في مناسبات سابقة اعترض فيها مسؤولي الصحيفة على الخط التحرير لها، كما تُوضح رسالة المجلس العلمي وشكوى مجموعة ديوان الإعلام المركزي الذين كان من بينهم 2 من كبار مسؤولي أسبوعية النبأ.

صحيفة التضليل والتعتيم

وعلى نفس الصعيد، عمدت النبأ إلى خداع وتضليل أتباع وأنصار تنظيم داعش عن طريق التعتيم على الخسائر والانتكاسات التي يُمنى بها التنظيم، ومحاولة إظهار أن دولة داعش باقية وتتمدد مع أن واقعها الميداني والذي تؤكده إحصائيات العمليات التي تتضمنها الصحيفة تثبت أنها “فانية وتتدهور”.

ولجأت الصحيفة إلى نشر تقارير عن هجمات مضى عليها أكثر من عام، كما حصل في العدد 374 الذي نُشر بتاريخ 21 يناير/ كانون الثاني 2023، وأشار إلى تراجع العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم إلى 9 عمليات فقط في غضون أسبوع، وهو أقل معدل للعمليات في نحو 8 سنوات، وفق ما وثقته صحيفة النبأ.

وكذلك، أخفت صحيفة النبأ وغيرها من مؤسسات ديوان الإعلام المركزي التابع لداعش حقيقة ما حصل لمتحدث التنظيم السابق أبو حمزة القرشي (المهاجر)، والذي قُتل في ظروف وتوقيت غير محدد، عام 2021، فلم تتطرق له طيلة أشهر قبل أن تعترف ضمنيًا في عددها رقم 349 والصادر بتاريخ 29 يوليو/ تموز 2022 بأن أبو حمزة لم يُقتل في نفس الهجوم أو التوقيت الذي قُتل فيه الخليفة الأسبق أبو إبراهيم القرشي (الهاشمي) في فبراير/ شباط من نفس العام.

وسلطت الصحيفة بهذا الاعتراف الضوء على خداع التنظيم لأتباعه الذين أوهمهم متحدثه الحالي أبو عمر المهاجر بأن سلفه أبو حمزة القرشي قُتل في نفس الفترة التي قُتل فيها خليفة داعش الأسبق أبو إبراهيم القرشي، قبل أن تتكشف الحقيقية جزئيًا ليتبين أن المتحدث السابق قُتل قبل فترة من مقتل خليفة داعش الأسبق.

وبدلًا من أن تُقدم الصحيفة تبريرًا مناسبًا لما قامت به من خداع في حق جمهورها من أبناء وأنصار التنظيم، اتبعت الصحيفة تكتيك القفز إلى الأمام فهاجمت في عددها الصادر في منتصف أغسطس/ آب 2022 (عدد 351)، وسائل الإعلام المناهضة لداعش ووصفتهم بـ”المتربصون الناعقون” في تلميح منها إلى قيام هذه الوسائل بتتبع ما ينشره التنظيم والتدقيق فيه لكشف الحقائق التي يُخفيها عن أتباعه وفضح الكذب والخداع الذي يمارسه بحقهم.

وبنفس الطريقة، خدعت الصحيفة ومن خلفها ديوان الإعلام المركزي أنصار داعش عندما نشرت صورًا وفيديو لمنفذ هجوم شيراز في إيران، في الـ29 من أكتوبر/ تشرين الثاني من العام الماضي وقالت إن منفذ الهجوم بايع خليفة داعش أبو الحسن الهاشمي، والذي ثبت بعد نحو شهر من ذلك التاريخ أنه قُتل في منتصف أكتوبر الماضي.

خليفة ومجلس شورى المجهولين

ولم يتوقف مسلسل الخداع والأكاذيب عند هذا الحد، إذ انخرطت صحيفة النبأ في حملة للترويج لـ”أبو الحسين الحسيني”، خليفة داعش الحالي، بصورة مكثفة وكذلك سعت لإضفاء الشرعية على مجلس شورى التنظيم أو أهل الحل والعقد فيه كما يُطلق عليهم، فقالت إن اختياره تم من قبل الأعضاء الموثوق فيهم لكن القائمين على الصحيفة لا يعرفون حتى من هم أهل الحل والعقد، حسبما يقول منشقون عن داعش يديرون قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي”.

وذكرت القناة تعليقًا على ما وصفته بـ”صحيفة النبأ والهروب للأمام” أن داعش تنظيم لمجهولين يجتمعون ليعلنوا اختيار أمير مجهول باسم وهمي مفبرك ثم يُجبروا أتباع داعش على بيعته والامثال له.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

القائمين على صحيفة النبأ لا يعرفون هوية الأمير – المصدر قناة فضح عباد البغدادي

وردت قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي” على افتتاحية النبأ المعنونة بـ”ليرني امرؤ أميره” والمخصصة للترويج للخليفة الداعشي الجديد، قائلةً إن كاتب المقالة لم يعلم الهوية الحقيقية لخليفة داعش السابق أبو الحسن الهاشمي حتى مقتله، إذ علم بها من وسائل الإعلام المعادية للتنظيم.

وأردفت القناة أن المتحكم الأول في التنظيم، “عبد الرؤوف المهاجر“- على حد تعبيرها، وهو نفسه أبو سارة العراقي-، وهو أمير الولايات البعيدة في لا يكشف هوية خليفة داعش لكتاب المقالات في النبأ سواء عاش الخليفة أم مات، كما أنه لا يكشف هذه الهوية لأمراء المكاتب الداعشية، مضيفةً أن هذا يعني أنه لن يكشف هويته لـ”صبي من صبية ديوان الإعلام” في إشارة للقائمين على صحيفة النبأ.

خبراء: صحيفة النبأ لم تعد فاعلة وتحاول رسم صورة غير دقيقة للتنظيم

وتعليقًا على النهج الحالي للصحيفة، قال عمرو فاروق، الباحث المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، إن المنظومة الدعائية لداعش هي أحد أدوات الترويج للتنظيم، وبالتالي فمن البديهي أن تحاول صحيفة النبأ والقائمين عليها أن يحاولوا رسم صورة محددة ومعينة للتنظيم، وهذه الصورة تغازل مؤيدي التنظيم وأتباعه في كل بقعة جغرافية وتغازل أنصار الجماعات الإسلامية بشكل عام، وتحاول أن تُصدر صورة للرأي العام الدولي أن داعش ما زال قوي وقادر على الانتشار والتمدد وما زال قادر على استهداف الأنظمة السياسية والحكومات في المناطق التي ينشط فيها.

وأضاف “فاروق” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” إلى أن صحيفة النبأ تروج للتنظيم كذبًا لأنه يعاني من حالة إفلاس وتراجع، ومع أن هذا لا يعني نهاية التنظيم نهائيًا، إلا أنه يعني فقدانه حالة الزخم والتأثير التي كانت له، كما أنه خسر أهم عامل من العوامل التي سوق بها مشروعه وهو السيطرة المكانية التي قدمها في صورة الدولة المزعومة، مردفًا أن صحيفة النبأ تبالغ في ما تنشره عن التنظيم وتدعي أشياء غير موجودة على أرض الواقع وتبالغ في تصوير الهجمات والضحايا كي يبدو أن داعش قائم وباقِ.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

وأشار الباحث المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي إلى أن صحيفة النبأ والجزء الإعلامي لداعش بشكل عام، أحد أدوات رسم الصورة الذهنية بشكل عام الخاصة بالتنظيم لكي يُعطي انطباعات للجميع بأنه قادر على التمدد والانتشار والاستقطاب والتجنيد، موضحًا أن القائمين على الصحيفة متوحدين مع المشروع والأيديولوجيا الداعشية ولذا شرعنوا الكذب الإعلامي والخداع الذي تنشره الصحيفة وينشره إعلام داعش بشكل عام.

وأكد الباحث عمرو فاروق أن ما تنشره صحيفة النبأ يختلف عن واقع التنظيم على الأرض بصورة كبيرة، كما أنها تحاول إضافة هالة على التنظيم وقياداته وتوظف الشائعات لخلق مساحات تمكن التنظيم من العمل والانتشار.

ومن جانبه، قال الدكتور مروان شحادة، الخبير الأردني في الجماعات والحركات الإسلامية والذي أجرى بحثًا مطولًا على صحيفة النبأ وغيرها من المنصات الدعائية لداعش ضمن أطروحته لنيل درجة الدكتوراه ونشرها في كتابه “أسرار وإعلام وأيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية”، إن صحيفة النبأ هي لسان حال تنظيم داعش منذ عام 2010، حين بدأت بالصدور بانتظام إذ مرت بـ 7 مراحل فبدأت تصدر بشكل غير دوري ثم تحولت إلى صحيفة شهرية، ثم تحولت إلى صحيفة أسبوعية.

وأضاف “شحادة” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن صحيفة النبأ خُصصت في البداية لأعضاء التنظيم داخل مناطق نشاطه فقط، قبل أن تتحول إلى صحيفة إلكترونية منتظمة الصدور منذ 2010، مشيرًا إلى أنها بدأت بالصدور 12 صفحة ثم زاد التنظيم عدد صفحاتها إلى 16 إبان فترة الخلافة المكانية قبل أن تعود مرة أخرى إلى 12 صفحة بعد هزيمة التنظيم، كما أن شعارها وإخراجها تغير أكثر من مرة.

وذكر الخبير الأردني في الجماعات والحركات الإسلامية أن الصحيفة تُعبر عن داعش وكل أفرعه الخارجية لكن تبقى إدارتها خاضعة للفرع المركزي للتنظيم ومتحدثه الإعلامي الذي يتحكم في ديوان الإعلام المركزي، موضحًا أن كل ما يُنشر في الصحيفة يتم بموافقة ومعرفة قيادة التنظيم وبالتوافق مع إدارة الديوان الإعلامي.

وتابع: في الغالب كان التنظيم ينشر أخبارا صحيحة في أسبوعية النبأ، لكنه يبالغ في بعض الأحيان في أعداد الضحايا وذلك اعتمادا على المصادر التي تنقل عنها الصحيفة والمشرفين الذين يتابعون العمليات التي تتم، كما أن بعض الأخبار تلقى تحريفًا وتصبح غير دقيقة في ما يتعلق بدوافع هجمات معينة وأيضًا الخسائر التي خلفتها.

وألمح الدكتور مروان شحادة إلى أنه لا يمكن مقارنة وضع التنظيم الحالي بأوضاعه السابقة، معتبرًا أن الإعلام الداعشي وفي القلب منه صحيفة النبأ لم يعد فاعلا وأصبح تأثيره وعملياته في الاستقطاب والحشد والتعبئة ضعيفًا جدًا، على الرغم من مواصلة داعش نشاطه في بعض المناطق في إفريقيا وأفغانستان.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

وبدوره، قال الباحث جون روني، القائم على مشروع النبأ/ The Al-Naba’ Project” وهو مشروع بحثي تحليلي مستقل يُعنى حصرًا بدراسة الصحيفة وتحليل مضمونها ومساعدة الباحثين الأجانب المختصين بالتطرف في التعامل مع محتوها، إن هناك شبه إجماع بين الباحثين أن صحيفة النبأ تصدر من دولة مجاورة للعراق وسوريا، وهو ما يعني أن القائمون على الصحيفة يتلقون معلوماتهم من قيادة داعش العليا مباشرة، وهذا يؤكد أنهم ليسوا على إطلاع حقيقي على ما يدور داخل التنظيم، مضيفًا أن هذا يطرح سؤال آخر عن ما إذا كانت قيادة داعش نفسها تعرف ما يدور بالتنظيم وأفرعه الخارجية، وهو الأمر الذي يبدو مستبعدًا في الوقت الحالي.

وأشار “روني” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” إلى أن صحيفة النبأ هي في نهاية المطاف إنتاج إعلامي مثل غيرها وبالتالي فلابد من وجود فريق لديه إلمام بالمهارات الصحفية والتحريرية والإخراجية اللازمة لإصدار الصحيفة وهذا يعني أن هناك فريق عمل يماثل فريق عمل صحيفة صغيرة أو مكتب مجلة صغيرة يقوم على الصحيفة، لكن الفريق القائم على النبأ متأثر بأيديولوجيا داعش، كما أن وظيفتهم بسيطة نسبيًا لأن إخراج أو تصميم الصحيفة ثابت منذ سنوات كما أنهم يعيدوا نشر أو طباعة بعض المواد التي نشروها سابقًا حسب المناسبات أو الظروف المحيطة بالعملية.

فمثلا أعادت الصحيفة نشر تصميمًا جرافيكيًا نشرته بمناسبة المولد النبوي في العدد 58 صفحة 16 في الصفحة 11 من عدد تالي هو العدد 359، وكذلك نشرت تصميمًا آخرًا عن الاستعداد لموسم الشتاء في العددين 319، صفحة 12 و375 صفحة 11، معتبرًا أن السؤال الأهم يبقى عن هوية القائم على كتابة افتتاحية الصحيفة والذي لا يمكن الجزم بهويته الحقيقية حتى الآن.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

متى تعترف صحيفة النبأ بسر أبو حمزة؟

وأردف الباحث المتخصص في تحليل صحيفة النبأ أن صحيفة النبأ وإعلام داعش ككل يصور نفسه على أن المصدر الوحيد للأخبار الصادقة بالنسبة للجهاديين فهو يعتبر أن كل المصادر الأخرى كاذبة سواء كانت تلك المصادر منظمات دولية مثل الأمم المتحدة أو حكومات مثل الحكومة العراقية أو حتى التنظيمات الجهادية الأخرى مثل تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، وحركة طالبان وغيرهم، ويدعو إلى عدم تصديق تلك المصادر، مستشهدًا بخبر سابق نشرته أسبوعية النبأ عن الهجوم على مطار كابل العسكري في الصفحة الخامسة من العدد 373 والذي وصفت الصحيفة فيه حركة طالبان الأفغانية وقادتها بأنهم كاذبون مع سبق الإصرار، حتى تطعن في مصداقيتهم لدى عموم الجهاديين.

وأوضح الباحث جون روني أن بعض الأشخاص الذين سافروا للانضمام إلى داعش تأثرًا بدعايته لم يستطيعوا تصديق الفارق بين الواقع والإصدارات، لدرجة أنهم اعتقدوا أن بعض الإصدارات الرسمية التي نشرها ديوان الإعلام المركزي بالفعل كانت من إنتاج خصوم التنظيم، مثل الحكومة البريطانية، لتشويه سمعته وهذا يشير إلى وجود تناقض معرفي خطير في محتويات ينشرها إعلام داعش وصحيفة النبأ في بعض الأحيان، كما أن الصحيفة تعتمد على مصادرها الخاصة التي قد تكون مصادر جهادية ميدانية في الغالب ولذا فإنها تبالغ في تصوير الهجمات والضحايا ولا تقوم بعملية تدقيق للحقائق علاوة على أنها لا ترغب في ذلك بالفعل.

وألمح “روني” أن إلى انخفاض الإنتاج الإعلامي لداعش بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بإنتاج ونشر الإصدارات الصوتية والمرئية، مضيفًا أنه من المنطقي افتراض أن صحيفة النبأ فقدت زخمها أيضًا ولم يعد لديها نفس الجمهور الذي كان قبل سنوات حينما كانت تُطبع وتُوزع داخل مناطق سيطرة داعش بسوريا والعراق.

وعن أهمية صحيفة النبأ في عملية الحشد الأيديولوجي للتنظيم خاصةً في ولايات داعش الخارجية غير الناطقة بالعربية مثل الولايات في إفريقيا وجنوب ووسط آسيا وغيرها، قال “جون روني” إن دراسة حالة وتأثير صحيفة النبأ لدى الأفرع غير الناطقة بالعربية أمرا مثيرا للاهتمام ولا تتوافر عنه معلومات كافية، متابعا أن الصحيفة اتسمت بالثبات من الناحية الإخراجية والتصميمية على مدار سنوات وهذا الثبات يُعطي انطباع لأنصار داعش أنها مستمرة من أجل تحقيق أهداف التنظيم، لكن نجاح تلك الأهداف مرتبط بما يمكن أن يحققه التنظيم من انتصارات على الأرض، وهو ما لم يتمكن داعش من تحقيقه في الفترة الماضية، وهذا يبرهن بصورة أخرى على تراجع تأثير داعش وصحيفته وإعلامه ككل.

وأنهى الباحث المتخصص في تحليل صحيفة النبأ كلامه بالقول إن سر استمرار الصحيفة هو كونها ناطقة بالعربية التي هي لغة الجهاديين المفضلة، ولذا فإن النبأ ظلت مستمرة بينما اختفت صحف ومجلات أخرى مثل مجلتي دابق ورومية الناطقة باللغات الأجنبية، مشبهًا صحيفة النبأ بأنها تمثل قلب داعش والذي طالما بقي ينبض ولو بصورة ضعيفة فسيبقى التنظيم موجودًا ولذا فإنه ينبغي هزيمته في المقام الأول لضمان غياب فاعليته.

منبر الأكاذيب.. كيف ضللت صحيفة النبأ أنصار داعش؟

الخلاصة:

وتمثل شهادات الخبراء، ومن قبلها الشهادات التي أوردها المنشقون عن داعش تأكيد إضافيا على أن صحيفة النبأ صارت بوقا من أبواق “حجاجي داعش” المسيطرين عليه، وأصبحت مجرد ناقلا لما تنشره وكالة أعماق لدرجة أنها فقدت جزءًا من أهميتها التي كانت تشكلها في داخل ديوان الإعلام المركزي وفي أذهان أنصار داعش، مع تأخرها في النشر وتكرارها لمواد منشورة ومنقولة من وكالة أعماق وغيرها.

ومن الواضح أن تحكم “حجاجي داعش”  أو أهل الحل والعقد كما يُسمون في صحيفة النبأ أضر بها وأضر بعلامة داعش الجهادية، خاصةً بعد انكشاف العديد من الأكاذيب مثل خداع التنظيم لأنصاره فيما يتعلق بمصير أبو حمزة القرشي، متحدثه السابق، وكذلك في ما يتعلق بمصير أبو الحسن الهاشمي الذي قُتل دون أن يدري القائمون عن صحيفة النبأ بالأمر.

مراجع لأهم نقاط التقرير:

  • صراعات وفشل وفضائح.. خلافات الدواعش تكشف المسكوت عنه في “الإعلام المناصر“.
  • بعد انتكاسة غير مسبوقة.. داعش يخدع أنصاره بهجمات قديمة.
  • يتحكم في التنظيم وخليفته.. من العراقي الذي يُدير داعش حالياً؟
  • مسرحية البعثيين.. ولايات الخلافة الوهمية للسيطرة على تنظيم داعش.
  • خلافة الكذب والخيانة.. كيف خدع تنظيم داعش أنصاره بالأمراء الزائفين؟
  • فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى “البعثية“.
  • داعش يحاول رفع معنويات عناصره المنهارة بعد مقتل قادته.