فانية وتتدهور.. داعش يعترف بتراجع هجماته بصورة غير مسبوقة في ٢٠٢٢

في إصداره الجديد، والذي بثه المكتب الإعلامي لما يُعرف بـ”ولاية العراق“، مساء الجمعة (6 يناير/ كانون الثاني الجاري)، سعى تنظيم داعش للتغطية على تراجعه غير المسبوق في العراق بالادعاء أنه يُصعد الهجمات ضد قوات الجيش والشرطة العراقية، ويقوم بتعزيز وجوده في البلاد عن طريق نشر العديد من اللقطات المصورة لمقاتلي التنظيم وهم يشنون هجمات إرهابية في أوقات سابقة.

ورغم أن التنظيم حاول، من جديد، مغازلة أتباعه وأنصاره بالادعاء أنه تنظيم قوي وقادر على الصمود ومواصلة الهجمات الإرهابية، إلا أن الإصدار حمل اعترافًا ضمنيًا منه بأنه تراجع بصورة غير مسبوقة في العراق، وأن التنظيم صار مقوضًا في ظل قيادته الحالية التي يُسيطر عليها “الحجاجي” الذين كان أغلبهم من رجال نظام حزب البعث المنحل.

واستعان التنظيم بمشاهد لهجمات وعمليات اغتيال نفذه مقاتلوه في العراق، إلا أن التدقيق في تلك الهجمات يكف أنها غالبيتها هجمات قديمة بعضها مر عليه أكثر من عام، كعملية ذبح العقيد ياسر الجوراني، مدير جوازات الأعظمية سابقًا، والتي تمت أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2021، أي قبل أكثر من عام على نشر الإصدار الأخير للتنظيم.

وأكدت تلك المشاهد على ما سبق واعترف به التنظيم من تراجع الهجمات الإرهابية في العراق، إلى مستوى غير مسبوق، فوفقًا لإحصائيات التنظيم انخفضت الهجمات في العراق من 484 هجومًا في 2022، مقارنة بـ1127 هجومًا في 2021، أي بانخفاض قدره 57.1 %، فيما تراجع عدد القتلى والمصابين من 2093 في عام 2021، إلى 833 في عام 2022، بنسبة 60.3%، وهو ما يُثبت أن التنظيم يتراجع بشكل عام في ظل قيادته الحالية وأن دولته المزعومة “فانية وتتدهور”، رغم أن قيادته تزعم أنها “باقية وتتمدد”، على طريقة حزب البعث العراقي السابق، وهو ما تتناوله القصة التالية:

جهادية بعثية.. داعش يناقض أيديولوجيته

خلال الحملة التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش السابق أبو الحسن الهاشمي، ألقى مجموعة من المقاتلين السوريين المحليين القبض على رامي محمد فالح الصلخدي، القيادي بتنظيم داعش وصهر زعيمه أبو الحسن الهاشمي، وخلال التحقيق معه بتهمة اغتيال عدد من أبناء مدينة جاسم التابعة لمحافظة درعا، جنوب غرب سوريا، أقر “الصلخدي” بأنه عمل مع لؤي العلي، رئيس جهاز المخابرات العسكرية السورية التابع لنظام دمشق (نظام البعث السوري)، وأنه اتفق معه على تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال ضد أبناء المدينة، ونسبت هذه العمليات في النهاية إلى تنظيم داعش.

لكن الصدمة الأكبر لم تكن في اعتراف القيادي الداعشي المسؤول عن إدخال وإيواء زعيم داعش وقادته إلى مدينة جاسم العراقية، حيث قُتل زعيم داعش منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعمله مع نظام البعث السوري، بل في وشايته بعدد من كبار قادة التنظيم أبرزهم خليفته أبو الحسن الهاشمي، والذي تواجد في داخل المدينة باسم مستعار هو “عبد الرحمن العراقي”.

وكشفت تلك الوقائع والاعترافات التي وثقت صفحة “تجمع أحرار حوران” جزءًا منها وبثته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” في 22 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، عن تخادم بين ضباط وقادة نظام البعث السوري وقيادات بتنظيم داعش، على الرغم من أن كلاهما يقفان على طرفي نقيض، موضحةً أن قناع السلفية الجهادية (الزائف) الذي يتشبث به التنظيم سقط بفعل البراجماتية التي يتعامل بها والوشايات العديدة التي أسقطت جل قادته ومن بينهم أبو الحسن الهاشمي، الخليفة السابق، وسلفه أبو إبراهيم الهاشمي، الذي قُتل في عملية عسكرية أمريكية على الحدود مع تركيا، في فبراير/ شباط 2022.

داعش والبعث.. جهاديو ما قبل سقوط صدام حسين

وبرهن سقوط قيادات داعش وخلفاؤه، واحدًا تلو آخر، على أن التنظيم أصبح مقوضًا من الداخل بفعل الاختراق الأمني والوشايات، التي تشبه بصورة أو بأخرى الوشايات التي كان يقوم بها عناصر حزب البعث المنحل في العراق والذي انضم عدد منه لتنظيم القاعدة في العراق، وتنظيم دولة العراق الإسلامية الذي صار يُعرف بتنظيم داعش.

وجاءت الهجرة العكسية من البعثية إلى الجهادية، عقب سقوط نظام البعث العراقي بقيادة الرئيس الأسبق صدام حسين، في أبريل/ نيسان 2003، لكن التدقيق في مرحلة ما قبل سقوط صدام حسين يؤكد أن نظامه احتضن مجموعات مسلحة تدين بفكر السلفية الجهادية في بعض المراحل، كما يكشف أن الهجرة نحو السلفية الجهادية سُبقت تلك الهجرة بتحولات عديدة تمت في إطار الحالة البعثية العراقية التي تشظت داخليًا، قبيل الغزو الأمريكي للعراق، قبل أن تسقط بسقوط صدام حسين.

وأوضح أبو مصعب السوري “عمر عبد الحكيم” المعروف أيضًا بمصطفى ست مريم أنه تلقى تدريبات عسكرية داخل معسكر الرشيد التابع للجيش العراقي بجنوب بغداد، في ثمانينات القرن الماضي، إيان انخراطه في جماعة الطليعة المقاتلة، (كانت جماعة جهادية مرتبطة بجماعة الإخوان في سوريا)، والتي حاربت ضد نظام البعث السوري برئاسة الرئيس السابق حافظ الأسد.

وذكر السوري في كتابه الشهير “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية” أن أحد قادة التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين والذي أنشأه مؤسس الجماعة حسن البنا، عام 1940 على الأرجح، قام بتدريب كوادر جماعة الطليعة المقاتلة برعاية نظام البعث العراقي وفي قلب معسكر الرشيد التابع للجيش العراقي السابق (جيش صدام).

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

أبو مصعب السوري يشرح تفاصيل تلقيه دورة تدريبية داخل معسكرات جيش صدام

وفي الفترة التي سبقت سقوط نظام صدام حسين، تشكلت مجموعات جهادية صغيرة من العراقيين الذين اقتنعوا بفكر السلفية الجهادية في مناطق بغداد، وحزام بغداد، والأنبار، وصحراء الأنبار، وكركوك، والموصل، وتلعفر، وتواصلت تلك المجموعات مع جماعات تنتهج الفكر الجهادي ومن بينها: جماعة الشيخ فايز السلفية، وموحدي الموصل، وجماعة أنصار الإسلام في كردستان والمرتبطة بتنظيم القاعدة وقتها، وذلك وفق ما ذكرته صحيفة النبأ (عدد 41) والصادرة عن ديوان الإعلام المركزي لتنظيم داعش.

ومن بين أبرز كوادر السلفية الجهادية في ذلك الوقت أبو علي العفري المعروف أيضًا بأبي علي الأنباري (قُتل عام 2016)، نائب خليفة داعش سابقًا والذي شكل واحدة من المجموعات السلفية الجهادية وضمت تلك المجموعة ثلة من ضباط البعث الذين اعتنقوا الأفكار السلفية الجهادية وعلى رأسهم أحمد فاضل الحيالي المكنى بأبي المعتز القرشي و”أبو مسلم التركماني” (قتل عام 2015)، والذي كان عقيدًا بعثيًا في الحرس الجمهوري لصدام حسين، وشغل لاحقًا منصب نائب الخليفة (أبو بكر البغدادي) بعد إعلان الخلافة المكانية عام 2014.

وتبنى هؤلاء الضباط البعثيين السابقين موقفًا رافضًا لحكم صدام حسين انطلاقًا من الأيديولوجيا السلفية الجهادية التي ترى كفر وردة نظام البعث، كما خططوا للإطاحة بنظامه، لكن الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003، دفعهم لتغيير خططهم والدخول في التنظيمات الجهادية التي تشكلت، آنذاك، ومن بينها جماعة التوحيد والجهاد بإمارة أبو مصعب الزرقاوي (نواة تنظيم داعش)، والتي عُرفت، منذ 2004، باسم القاعدة في بلاد الرافدين.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

لا تستمع إلى ما يقولونه، انظر إلى ما يفعلونه.

ويرجع الفريق الركن حسن البيضاني، الخبير في مكافحة الإرهاب ورئيس أركان قيادة عمليات بغداد العراقية سابقًا، أسباب التحولات نحو الجهادية إلى بعض سياسات الرئيس السابق صدام حسين، قائلًا في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن”، إن نظام البعث ساهم في نمو وتمدد الأفكار المتشددة، في سنواته الأخيرة، حينما حاول أن يجند الكثير من الإسلاميين في صفوفه بإنشاء جامعة العلوم الإسلامية وتشجيع المراكز والمساجد التي تروج للفكر السلفي، مضيفًا أن هناك شواهد على وجود نوع من التعاون بين نظام صدام حسين ومجموعات السلفية الجهادية التي تواجدت في كردستان العراق ومنها مجموعة أبو مصعب الزرقاوي، الذي تواجد في تلك المنطقة قبيل الغزو الأمريكي.

ورصد الفريق الركن حسن البيضاني في كتابه “صدام ورفاقه: سيرة خمسة وخمسين قائدًا حكموا العراق” شواهد هذا التعاون ومن بينها سفر بعض البعثيين إلى أفغانستان، قبل سقوط صدام، وعودتهم إلى محافظة السليمانية حيث أسسوا خلايا مرتبطة بجماعة أنصار الإسلام، بالإضافة لتلقي أبو مصعب الزرقاوي العلاج في أحد المستشفيات العراقية الخاضعة لنظام البعث، قبل الغزو الأمريكي.

وأشار “البيضاني” إلى أن الساحة العراقية أصبحت خالية، بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، إلا من بقايا ينتمون إلى البعث العراقي، وبعض الإسلاميين المشتددين الذي يعتنقون فكر السلفية الجهادية ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، فضلًا عن فصائل شيعية أخرى لم يكن لها باع طويل في العمل المسلح، وقتها.

التخوف الجهادي من سيطرة البعثيين

على أن أبو مصعب الزرقاوي، أمير القاعدة في العراق سابقًا، اتخذ موقفًا حذرًا من سيطرة البعثيين السابقين على تنظيمه، رغم أن أولئك البعثيين قدموا أنفسهم له على أنهم “تائبون” ومتخلون عن فكر البعث”، وذلك على حد رواية أحد رفاق الزرقاوي السابقين الذي قدم نفسه باسم “أبو أحمد الأردني“، بعد انشقاقه عن داعش في أعقاب إعلان الخلافة المكانية.

وعرف “الأردني” نفسه قيادي سابق في داعش خابت آماله من التنظيم وكشف زيف دعاويه فعاد إلى تنظيم القاعدة، موضحًا أن أبو مصعب الزرقاوي حرص خلال قيادته للقاعدة  في العراق على إبعاد الشخصيات التي عملت بصورة رئيسية وفاعلة مع نظام صدام وأجهزته عن المواقع القيادية داخل القاعدة أو حتى الحلقات الصلبة في التنظيم، لكن بعد مقتله، تولّى القيادة أبو حمزة المهاجر أو أبو أيوب المصري الذي بايع أبو عمر البغدادي أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية (قُتلا معًا في عام 2010).

“المصري” و”البغدادي” لم يتمكنا من الاستمرار على نهج الزرقاوي في إبعاد البعثيين السابقين عن مواقع القيادة في التنظيم، ليقوم هؤلاء البعثيين بالسيطرة التدريجية على التنظيم وبدأوا في تدعيم جهودهم لـ”عرقنة التنظيم” بتعبير الباحث الأردني المتخصص في الحركات الإسلامية محمد أبو رمان.

وألمح “أبو رمان” في مقال سابق له بعنوان “داعش والبعث.. من أكل الآخر؟!” إلى أن ضباط البعث السابقين انضموا إلى تنظيم أبو مصعب الزرقاوي ثم تنظيم دولة العراق الإسلامية (داعش، حاليا) بسبب الظروف التي مروا بها بعد حل الجيش العراقي السابق واستهدافهم من قبل النظام الجديد الذي أصدر قانون اجتثاث البعث، عام 2003، لذا مثل “الزرقاوي” في أعينهم حالة راديكالية صاعدة تتقاطع مع مخاوفهم وموقفهم من العملية السياسية من جهة، ويُشكل حاضنة بديلة لهم عن النظام السابق من جهة أخرى، ومن ثم حدث التلاقي بين الطرفين.

“الاضطرار” والتوسع الجهادي في ضم البعثيين

ودفعت التطورات والضرورات اللاحقة، الجهاديين الذين تخوفوا في بدايات العمل التنظيمي داخل العراق من تولية كوادر البعث والعناصر التي عملت في أجهزته سابقًا، إلى التوسع في ضم البعثيين والعسكريين السابقين الذين خدموا في جيش صدام حسين، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2006، أصدر أبو عمر البغدادي، أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية، خلال كلمة صوتية بعنوان “وقل جاء الحق وزهق الباطل”، دعوة لضباط الجيش العراقي من رتبة ملازم إلى رائد للالتحاق بتنظيمه بشرط اجتياز “اختبار” شكلي في العقيدة السلفية الجهادية يؤكد فيه الضابط المتقدم للتنظيم بكفره بالبعث ورئيسه صدام حسين، مقابل أن يوفر التنظيم له المسكن والراتب والسيارة (المركبة) المناسبة التي تكفل له الحياة الكريمة، على حد وصف البغدادي.

ونجح البعثيون في اختراق الدائرة القيادية لتنظيم دولة العراق الإسلامية (داعش حاليا)، بأساليبهم وحيلهم المعتادة واستطاعوا أن يتحكموا في تعيين قادته وعلى رأسهم زعيم أو خليفة التنظيم، وهو ما حصل بعد مقتل أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر المصري/ أبو أيوب المصري عام 2010، فاختار حجي بكر سمير الخليفاوي، رئيس مجلس شورى التنظيم وقتها، إبراهيم عواد البدري (أبو بكر البغدادي) ليُصبح أميرًا للتنظيم.

وفي هذا الصدد، قال الناطق باسم جهاز مكافحة الإرهاب في العراق صباح النعمان إن نواة التنظيمات الإرهابية في العراق كتنظيم داعش هم المقاتلين العرب الذين قدموا إلى العراق لمحاربة الجيش الأمريكي لكن تقطعت بهم السبل في محافظات عدة ليتم بعد ذلك إعادة تجميعهم وإدارتهم من قبل مجموعة من ضباط المخابرات وعناصر حزب البعث المنحل وتشكيل مجموعات مسلحة منها تنظيم القاعدة (نواة داعش) والجيش الإسلامي، وجيش الطريقة النقشبندية، لمقاومة التواجد الأمريكي في العراق.

وأضاف نعمان أن ضباط الجيش والمخابرات العراقية السابقين شغلوا مناصب مهمة في التنظيمات الإرهابية حتى أن أغلب المعلومات الاستخبارية تؤكد أن الزعيم الأسبق أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (أمير محمد سعيد المولي) أحد ضباط جهاز المخابرات العراقي السابق، وهو ما يُجلي حقيقة أن جميع التنظيمات الإرهابية كانت تدار بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل ضباط وقيادات بعثية سابقة والتي كان لها تأثير كبير في القرارات التي تتخذها التنظيمات الإرهابية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

وعن هذا الأمر، قال عروة عجوب كبير المحللين ، في مركز التحليل والبحوث العملياتي لتحليل السياسات “كور جلوبال” إن تنظيم دولة العراق الإسلامية نواة تنظيم داعش، تحول بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي عام 2006، وتولي أبو عمر البغدادي إمارته ، إلى تنظيم أمني من البعثيين السابقين، مضيفًا أن ما جعل داعش منظمة معقدة ومتطورة على المستوى الأمني والعسكري هو انضمام ضباط بعثيين سابقين للتنظيم، وهو ما نجح فيه التنظيم بشكل كبير بعد أن كانت كل الجماعات الجهادية (كالقاعدة، والإخوان، وفصائل الجهادي الأفغاني، تسعى لاستقطاب ذوي الخبرات وفي مقدمتهم العسكريين وذوي الخبرة الأمنية لتحسين أدائها.

ولفت “عجوب” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن تنظيم داعش ضم عدد كبير من الضباط البعثيين ومن ثم تحول من منظمة إرهابية تضم مقاتلين من خلفيات مختلفة إلى مجموعة أكبر تضم مقاتلين أكثرهم لديهم خبرة عسكرية وأمنية، وأصبح الجهاز الأمني داخل التنظيم أخطر من أي جهاز أمني موجود داخل الجماعات الجهادية الأخرى وهذا يرجع إلى دور ضباط البعث السابقين.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

وبحسب عروة عجوب فإن الضباط البعثيين لعبوا دورًا كبيرًا في توطيد أركان التنظيم وتطوير إمكانياته وقدراته على شن عمليات عسكرية وأمنية في مناطق مختلفة، بالرغم من لامركزيته في بعض الأحيان، ومركزيته في أحيان أخرى، واتضح ذلك في أكثر من مرة إحداهما عندما نجح التنظيم في التكيف والبقاء بعد قيام قوات الصحوة العشائرية التي أنشأتها الولايات المتحدة بطره من مناطق نشاطه في المثلث السني عام 2007، وفي عام 2014 عندما سيطر على مساحة جغرافية واسعة، وفي المرتين يبرز دور كوادر داعش وفي القلب منهم البعثيين.

ومن جهته، قال الفريق الركن حسن البيضاني إن جذور داعش الأصلية نبعت من التربة البعثية وتكرس التلاقي العلاقات بين الطرفين في سجن بوكا الذي خضع للإدارة الأمريكية بعد احتلال العراق، وكان بمثابة “جامعة الإرهاب” التي تخرج منها قادة التنظيم، مضيفًا أن السجن انقسم إلى 3 أقسام، وكان القسم الذي يضم البعثيين هو نفسه الذي يضم قيادات الجهاديين من القاعدة وغيرها أي التواصل المباشر بين البعثيين والجهاديين تعزز في فترة السجن.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

وعزى الباحث الأردني المتخصص في الحركات الإسلامية محمد أبو رمان في مقاله (داعش والبعث.. من أكل الآخر؟!)، التوحش الذي اكتسبه تنظيم داعش إلى التلاقي بين المنهج الجهادي المتشدد للتنظيم والذي يتوسع في التكفير وفتاوى التترس (تحليل قتل المدنيين لدواعٍ عسكرية)، وبين خبرة القيادات والشخصيات البعثية، الذين اتسموا بالطابع الأمني والعسكري الدموي الذي يستسهل القتل وإراقة الدماء والتعذيب من جهة أخرى، وهو ما دفع التنظيم لاتباع نفس أساليب القتل والتعذيب في التعامل مع خصومه.

وانحاز الفريق الركن حسن البيضاني إلى الرأي السابق، موضحًا أنه لا يمكن استبعاد فكرة أن الجذور البعثية أثرت بشكل أو بآخر على داعش وبداياته الحركية، بل أضحى النهج البعثي الذي يتصف بمرونته وقدرته على التشكل والتحول إلى صور مختلفة، هو المتحكم في التنظيم أو المؤثر فيه بصورة أو بأخرى، خاصةً أن البعثيين أمثال حجي بكر، وعبد الله قرداش (يُعرف أيضًا بأبو إبراهيم الهاشمي، وهو خليفة داعش الأسبق)، كانت لهم الكلمة المسموعة عند أمراء التنظيم (السابقين) كأبي عمر البغدادي، وأبو بكر البغدادي.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

ومن جهته، رأى مصطفى كمال، الباحث المصري المتخصص في الدراسات الأمنية والإرهاب، أن هناك تصاعد ملحوظ في المكون العراقي بما فيه البعثيين السابقين في صفوف داعش، لدرجة أن جميع قيادات الصف الأول عراقيين رغم أن التنظيم تأسس على أيدي مجموعة من الجهاديين الأجانب بالأساس في مقدمتهم أبو مصعب الزرقاوي الأردني، وأبو حمزة المهاجر المصري.

وأضاف “كمال” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن تلاقي البعثيين السابقين مع الأيديولوجيا السلفية الجهادية أفرز نهجًا جديدًا يُعبر عن مزيج من “الجهادية البعثية”، معللًا هذا التلاقي بوحدة العدو المشترك للبعثيين السابقين والجهاديين على حد سواء، إذ أن كلاهما يعتبران الغرب والتمدد الشيعي عدوًا لهما، لافتًا إلى أن خبرة البعثيين العسكرية جعلتهم يُفضلون الحلول العسكرية التي تتضمن نشر الرعب وإظهار القسوة في التعامل مع خصومهم على الحلول السياسية التقليدية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

أما اللواء الركن الدكتور عماد العلو، مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والإستراتيجية بالعراق، فاعتبر أن داعش لا يجسد طورًا من أطوار الفكر البعثي التقليدي وأن عناصر البعث لم يؤثروا في داعش على المستوى الأيديولوجي، مشيرًا إلى أن هناك عناصر من الأجهزة الأمنية والجيش العراقي السابق انضموا للتنظيمات الجهادية ومنها داعش، في مرحلة من عمر التنظيم، للحفاظ على أنفسهم، واعتنقوا الفكر السلفي الجهادي بنسخته التكفيرية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

واتفق هشام العلي، الضابط السابق بالجيش العراقي والخبير في الشؤون الإستراتيجية مع ما طرحه اللواء عماد العلو، قائلًا إن عدد من كوادر البعث تعرضوا للتصفية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، لذا انقسم كبار البعثيين إلى فريقين أحدهما دخل العملية السياسية الحالية، والآخر انضم للمجموعات المسلحة ومنها تنظيم القاعدة في العراق ثم تنظيم داعش، وزاد من زخم الحالة الأخيرة إعلان قيادات بعثية لها وزنها مثل يونس الأحمد، وعزت الدوري نائب الرئيس الأسبق صدام حسين دعمهم للعمليات التي شنتها المجموعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة وداعش، بجانب انخراط العديد من كوادر البعث والعسكريين والأمنيين السابقين في الدعم العملياتي والمشورة المباشرة لتلك التنظيمات.

أمراء أم عملاء؟

على صعيد متصل، تدلل رسائل نشرها جهاديون بتنظيم داعش على وجود شكوك حول البعثيين السابقين الذين دخلوا التنظيم، واتهامات لهم بالتعامل بنفس النهج البعثي مع كوادر التنظيم، فضلًا عن كون عدد منهم عملاء زرعوا لتقويض بنيان التنظيم من الداخل.

وتقدر المعلومات المتوافرة عن قيادات تنظيم داعش أن عدد الكوادر البعثية التي انضمت للتنظيم بالعشرات، أما الفريق الركن حسن البيضاني فقال إن المعلومات التي لديه تتحدث عن أن 238 ضابط ركن من “عتاة البعثيين” انتموا بشكل أو بآخر لتنظيم داعش، منذ عام 2014 فقط، مردفًا أن المجلس الأعلى أو المجلس العسكري لقيادة داعش يتألف من 12 شخص 8: 9 منهم ضباط عراقيين من كبار ضباط نظام حزب البعث أو من أعضاء التنظيمات الحزبية للحزب المنحل المنحل، مؤكدًا أن الجهاديين الأجانب أو المهاجرين حاولوا تحجيم نفوذ العراقيين والبعثيين لكنهم فشلوا وبقي العراقيين متحكمين في التنظيم.

وبدوره، بين أبو عبد الملك الشامي، أحد قيادات داعش في سوريا، في رسالة سابقة له بعنوان “زفرات من الدولة الموؤدة” أن الانتماء لنظام البعث السابق كان أحد المحددات التي يكتسب بها قادة أو حجاجي (أمراء) داعش الثقة في أوساط التنظيم، ويتم بناءً عليه اختيارهم لشغل مناصب رفيعة بالتنظيم بعد إعلان الخلافة المكانية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

الانتماء لحزب البعث سبب كافي لاكتساب الثقة في داعش وتولي مناصب رفيعة.. المصدر: رسالة ابو عبد الملك الشامي زفرات من الدولة الموؤدة

وقال “الشامي” إن الثقات أو الحجاجي في داعش هم أصدقاء قدامى في جيش صدام حسين أو أعضاء سابقين بجهاز المخابرات العراقية أعلنوا تبرؤهم من البعث وانضموا للتنظيم، أو شاركوا في القتال مع بعضهم سابقًا في العراق وهذا جعلهم “الحجاجي” أو الثقات لدى التنظيم، لافتًا إلى أن من قيادة داعش العليا التي أعطت “البعثيين السابقين” لقب الحجاجي تناست أن بعضهم قد يكون مدفوع من أعداء التنظيم لاختراقه وإجهاض الخلافة وإسقاط رايتها، على حد قوله.

وأشار أبو عبد الملك الشامي إلى البعثيين السابقين أو حجاجي داعش أُضفيت عليهم هالة من القداسة داخل التنظيم وأصبح انتقادهم أمرًا مجرمًا، وتولى هؤلاء العناصر مناصب في اللجنة المفوضة (أعلى هيئة تنفيذية داعشية)، وشغلوا إمارات الدواوين الداعشية (وزارات التنظيم)، كما تولوا مناصب ولاة الأقاليم أو الولايات الداعشية، وإمارة ألوية عسكرية، فضلًا عن أن بعضهم يُدير التنظيم من خلف ستار، ولا يمكن لأي عضو بالتنظيم الوصول إليهم كما يقول.

واعتبر أبو عبد الملك الشامي أن البعثيين السابقين أو حجاجي داعش ينقسمون إلى أقسام فمنهم عملاء مدسوسون على التنظيم يتلقون أوامرهم من خارجه، ومنهم مصابون بجنون العظمة يطيعون القسم الأول (العملاء) طاعة عمياء، ومنهم مستتابون (الذين دخلوا بعد دعوة أبو عمر البغدادي للتنظيم)، قليلي العلم الشرعي ويعاملون عناصر التنظيم بنفس العقلية “الجاهلية” التي تربوا عليها أيام البعث كما أنهم مطيعون للقسم الأول (البعثيين العملاء) لأنهم يرونهم أصحاب فضل عليهم.

وأكد أبو عبد الملك الشامي أن أصغر مقاتل في داعش أصبح يعلم أنه مخترق من قبل العملاء والجواسيس، لاسيما بعد مقتل الجهاديين الكبار في التنظيم كأبي محمد العدناني الشامي، نائب خليفة داعش ومتحدث التنظيم الرسمي الأسبق- قتل عام 2016، مردفًا أن مهمة فضح الخونة والعملاء والمفرطين والمفسدين المتواجدين في قمة الهرم القيادي في داعش هي مهمة الخليفة (زعيم داعش) وجهازه الأمني الخاص، لكن الخليفة، وقتها، كان مختفٍ عن المشهد ويترك التنظيم للبعثيين السابقين الذين ما زال بعضهم يتلقى معاشات التقاعد من الحكومة العراقية التي يحاربها التنظيم، وهو ما يعد قرينة إضافية على عمالتهم.

نهج بعثي لقيادة تنظيم جهادي

ومن خلال تلك الرسائل والشهادات، نستنتج أن البعثيين السابقين والذين يُطلق عليهم “جهاديي البعث” أداروا التنظيم بنفس النهج الطريقة التي تمت بها إدارة الحزب المنحل، والتي تقوم على الاستفراد بالسلطة والنفوذ وإبعاد الخصوم بأي وسيلة ممكنة سواء كانت هذه الوسيلة اغتيال وتصفية جسدية (مادية) أو تصفية معنوية عن طريق تشويه المخالفين وإسقاط رمزيتهم ووصفهم بأنهم مخالفين للنهج القويم، وهو ما حدث داخل تنظيم داعش مرارًا.

ووفقًا للناطق باسم جهاز مكافحة الإرهاب في العراق صباح النعمان فإن المعلومات الاستخبارية تشير إلى أن تنظيم داعش منذ تأسيسه دخل في تدافعات وصراعات داخلية، وحاول بعض قادته في عبر مراحل زمنية مختلفة التخلص من القيادات البعثية أو الحد من تأثيرها في اتخاذ القرار لكنه فشل في ذلك لعدة أسباب أهمها، تغلغل عناصر البعث في مستويات عديدة من هيكلية داعش، لأن أغلب عناصر حزب البعث وضباط الجيش السابق الذين انضموا إلى التنظيمات الإرهابية بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين لبسوا عباءة الدين والجهاد لأنهم كانوا مرفوضين من عامة الشعب ونجحوا في الاستحواذ على القيادة في داعش وغيره من التنظيمات، بجانب وجود حواضن شعبية مؤيدة لحزب البعث المنحل في جميع المناطق التي ينشط فيها داعش والتي لا يستطيع التنظيم التضحية بها لما تقدمه من دعم مادي ولوجستي لعناصر التنظيم وخوفه من فقدان التأييد.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"ووفق تقدير الناطق باسم جهاز مكافحة الإرهاب في العراق فإن هناك نوع من التوازن وتبادل المصالح بين التنظيمات الإرهابية وبقايا حزب البعث المنحل، تقوم بموجبها التنظيمات الإرهابية (ومنها داعش) بتجنيد العناصر والقيام بالعمليات الإرهابية، ويقوم حزب البعث بتقديم الدعم المالي واللوجستي للتنظيم، مشيرًا إلى أن الجهاديين الآخرين من تنظيم القاعدة اتهموا تنظيم داعش بأنه مجموعة من البعثيين السابقين ويرجع ذلك إلى الانتكاسات التي تعرض لها تنظيم القاعدة بعد تخلي المجموعة البعثية وجزء كبير من مقاتلي القاعدة السابقين عن التنظيم وانضمامهم إلى داعش، لكن القاعدة ليس له تأثير على عناصر داعش لأنه ليس له تأثير على الأرض أو ما يسمى بـ”الساحة الجهادية” في العراق، فضلًا عن أن داعش يُوظف آلته الإعلامية في الرد على القاعدة الذي أصبح هامشي التأثير، خلال الوقت الراهن.

أما الفريق الركن حسن البيضاني فخلص إلى أن التنظيمات السلفية الجهادية التي استقطبت البعثيين كتنظيم داعش أُصيبت بنوع من الشطط الذي لم يكن موجودًا في التنظيمات الجهادية التقليدية كتنظيم قاعدة خراسان على سبيل المثال، مؤكدًا أن الرسائل والخطابات المتبادلة بين أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي، في فترة، وبين أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي في فترة تالية تكشف وجود حالة ونوع من الشطط والممارسات الوحشية التي دخلت على الجهاديين بعد انضمام البعثيين السابقين لهم، وزدات تلك الممارسات بعد عام 2014 حينما انضمت مجموعات أخرى من البعثيين السابقين لداعش غداة إعلان الخلافة المكانية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

ونوه هشام العلي، الضابط بالجيش العراقي السابق والخبير في الشؤون الإستراتيجية، إلى أن الحلة السلفية الجهادية التقليدية تعرضت للانحسار بين عامي 2014، و2017، ولذا عملت التنظيمات كتنظيم داعش بنوع أكبر من الانفتاح على البعثيين وعلى أي معارض آخر للحكومة العراقية، في عمليات الدعم الدعائي والإعلامي وتلقي الاستشارات وغيرها، ومن ثم ازداد النفوذ البعثي في داخل التنظيم، وغيره من المجموعات المسلحة.

واسترسل مصطفى كمال، الباحث المصري المتخصص في الدراسات الأمنية والإرهاب، أن النهج البعثي داخل قيادة داعش أدى إلى حدوث نوع من الشذوذ والخروج عن الأُطر التقليدية الحاكمة للفكر الجهادي، وصار التنظيم يقتل أبنائه ورفاقه الجهاديين السابقين بدعوى أنهم مرتدون وخارجون عن خلافته المزعومة، مع أنه في بداياته كان يصفهم بأخوة الجهاد الذين لا يستحل دمهم، بيد أن كل هذا تغير بفعل التحولات التي تمت داخل الحالة الجهادية الداعشية.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

وثيقة مسربة من داعش تكشف أن التنظيم قتل بعض عناصره وكذب على أتباعه وقال إنهم قتلوا شهداء أي في اشتباكات مع أعداءه

الوشايات وسقوط قادة داعش

على صعيد متصل، تُسدل عمليات اغتيال واعتقال قادة داعش وأمراءه البارزين الستار عن كواليس الوشايات التي تتم داخل التنظيم والتي تؤدي إلى الإطاحة بكوادره، فخلال عام 2022، خسر التنظيم عدد كبير من قادته منهم 2 من زعمائه أو خلفائه هم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (حجي عبد الله قرداش)، وأبو الحسن الهاشمي (نور كريم مطني عساف الراوي)، علاوة على قائمة طويلة من الأمراء البارزين منهم ماهر العقال أمير أو والي داعش في سوريا.

واعتبر الفريق الركن حسن البيضاني أن الوشايات وخصوصًا التي يقوم بها البعثيين السابقين المنخرطين في صفوف داعش هي التي تؤدي إلى تساقط أمراءه وعناصره، متابعًا أن البعثيين العراقيين سبق أن غدروا برئيسهم صدام حسين وأبناءه وقادته، ومن غير المستبعد أن يكونوا وراء سقوط قادة التنظيم.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

واستشهد الفريق الركن حسن البيضاني، الذي شغل سابقًا منصب رئيس أركان قيادة عمليات بغداد في العراق، بعملية استهداف وقتل زعيمي تنظيم دولة العراق الإسلامية (نواة داعش) أبو عمر البغدادي، وأبو أيوب المصري (أبو حمزة المهاجر المصري)، قائلًا أتذكر حينما ذهبنا للقضاء “البغدادي” و”المصري”  في منطقة الثرثار (مدينة عراقية شمال مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، وتبعد 20 كم جنوب بحيرة الثرثار)، أننا حصلنا على المعلومات عبر “واشٍ بعثي” من عائلة بعثية كبيرة، وكان على ارتباط بالتنظيم، مؤكدًا أن هذا الواشي جلب الكثير من المعلومات عن التنظيم للجانب العراقي والأمريكي معًا، وتمكن الطرفان وقتها من قتل أبو عمر البغدادي، وأبو حمزة المهاجر بالإضافة لمجموعة أخرى من القادة.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

ولفت مصطفى كمال، الباحث المصري المتخصص في الدراسات الأمنية والإرهاب، إلى أن تحليل عمليات مقتل خلفاء داعش الثلاثة أبو بكر البغدادي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وأبو إبراهيم الهاشمي، في فبراير/ شباط 2022، وأبو الحسن الهاشمي، في أكتوبر 2022، يبين أن هناك حالة عدم ثقة بين عناصر التنظيم وبعضهم مرجعها إلى الوشايات وإلى تسرب المعلومات من داخل داعش، كما أنه يثبت وجود صراعات على من يتولى القيادة من “حجاجي داعش” أو البعثيين السابقين، ولذا تأخر الإعلان عن اختيار الخليفة الجديد أبو الحسين الحسيني لمدة شهر ونصف تقريبًا.

وأيد هشام العلي، الضابط بالجيش العراقي السابق والخبير في الشؤون الإستراتيجية، الرأيين السابقين، موضحًا أن الإدارة داخل داعش ليست متماسكة في ظل اختلاف التوجهات ما بين البعثية، والسلفية والعشائرية، مع وجود خيوط ارتباط خارجية مع عدة أطراف إقليمية ودولية، وهذا يجعل الولاءات مفككة ومن ثم تُصبح الوشايات مسألة طبيعية جدًا، ويزيد منها وجود تنافس بين قيادات التنظيم على النفوذ والسلطة.

فانية وتتدهور.. الاستبداد والخيانة وانحلال السلفية إلى "البعثية"

الخلاصة:

وبناءً على ما سبق، يتضح أن تنظيم داعش أصبح في مأزق كبير جعله يتدهور بصورة لافت لدرجة أن احتفاظه بالوجه أو القناع السلفي الجهادي التقليدي أصبح أمرًا مشكوكًا فيه في ظل استمرار قيادة التنظيم العليا في محاكاة النهج البعثي في التعامل مع التنظيم وأعضائه بما في ذلك عمليات الوشاية التي تتم بكبار قادته، واغتيال عناصر التنظيم وتصفيتهم والكذب على أعضاءه بادعاء أن القتلى “شهداء” قتلوا في المعارك، وهو ما تؤكده وثائق مسربة من التنظيم نشرها منشقون عنه.

كما تُثبت تلك الوقائع وغيرها أن داعش تحول من السلفية الجهادية إلى البعثية الجهادية التي وصفها أيمن الظواهري، زعيم القاعدة السابق، في آخر كلماته الصوتية المنشورة منتصف يوليو/ تموز 2022، بأنها “خلافة مجاهيل” يُديرها مجموعة من البعثيين غير المعروفين للجهاديين يصح وصفهم بـ”أبي الملثم وأبي المكمم، وأبي المتخفي، وأبي المبرقع، وأبي المُجهل”، وأن تاريخهم الجهادي لا يُعرف شيء عن تاريخهم الجهادي سوى الكذب وتكفير المسلمين واستهدافهم بالعمليات الإرهابية، وخداع أنصارهم بـ”وهم الخلافة” التي هي خلافة القهر والتغلب والتي جرى تزيينها بالإصدارات والأناشيد الحماسية، بحسب قوله.

لا يفوتك أهم التطورات الخاصة بداعش خلال ٢٠٢٢:

  • تخبط إعلام داعش المستمر يوضح كيف خسر التنظيم ميدانيا وإعلاميا.
  • مصير أبو حمزة يبقى أقوى أدلة تخبط وخداع داعش لأنصاره، تعرف على السبب وراء إصرار التنظيم على إخفاء حقيقة ما حدث.
  • علاقة حقاني لم تقتصر علي تنظيم القاعدة، بل امتدت إلى التنسيق مع داعش كما ذكر أحمد سلطان في تقرير خاص.
  • الموت للجنود“.. لماذا يُعاني مقاتلو داعش بينما يتنعم قادتهم؟
  • مقتل عبدالله قرداش أو أبو إبراهيم القرشي لم يحسم الجدل الكبير الذي أثاره وصوله لإمارة داعش، بل فاقمت من الضجة المثارة حول شخصية الخليفة صاحب الحقبة الأقصر في إمارة التنظيم الإرهابي الأخطر عالميًا.