لقد ضرب الإنفصاليون البلوش مرّة جديدة، وتلك المرة تقدّموا خطوةً كبيرة نحو السيطرة على قواعد الجيش في ولاية بلوشستان المضطربة في باكستان، في خطوة جاءت بمثابة رسالة مقلقة وجهوها إلى بكين في وقت كان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان منهمكاً بالإشادة بالإستثمارات الصينية في البلاد.

  • بلوشستان أكبر مقاطعة في باكستان من حيث المساحة وهي موطن مشروع الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني 
  • مقاتلو جيش تحرير بلوشستان يشنّون هجمات متكرّرة على مواقع أمنية باكستانية وتركّزت بمنطقتي بانجور ونوشكي
  • الهجمات الأخيرة سبقت رحلة رئيس الوزراء خان إلى الصين ووضعت الحكومة الباكستانية في موقف محرج 

عناصر أمنية باكستانية سقطت خلال هجومين منفصلين على قواعد لقوات الحرس الحدودي في بلوشستان، وتحديداً في مدينتي بنجكور ونوشكي

ولطالما كان مسلّحو بلوشستان الإنفصاليون الذين نفذوا هجوماً على القواعد العسكرية الباكستانية، يعارضون الإستثمارات الصينية في منطقة غوادار وفي أنحاء أخرى من البلاد لمدّة طويلة، ظنّاً منهم أنّ الصين بالتواطؤ مع الجيش الباكستاني، تريد استعمار موارد الولاية واستغلالها.

يطالب جيش تحرير بلوشستان، وهو جمعية محظورة مؤلّفة من انفصاليين بلوش، باستقلال ذاتي أكبر لولاية بلوشستان، وقد تداولت معلومات مفادها أنّ ما يزيد على 100 جندي وضابط في الجيش الباكستاني قد سقطوا في هجومين منفصلين على قواعد لقوات الحرس الحدودي في بلوشستان، وتحديداً في مدينتي بنجكور ونوشكي في وقت متأخر من ليل الثاني من فبراير.

وفي تصريح صدر عنه في الخامس من فبراير حول نتيجة العمليات التي نُفّذت، أعلن جيش تحرير بلوشستان أنّ “عملية غانجال” التي نفذت في مدينتي نوشكي وبنجكور قد انتهت بالكامل. وجاء في التصريح أنّ “16 فدائياً من فرقة ماجد قد شاركوا في تلك العملية. وتحديداً، فقد هاجم 9 منهم مقر الحرس الحدودي في نوشكي، و7 منهم نفذوا العملية في معسكر بنجكور”.

غير أنّ الجيش الباكستاني كان دحض مزاعم جيش تحرير بلوشستان، وصرح بأنّ 9 من جنوده وضباطه قد قتلوا في هجومين متزامنين على مقرّات الجيش في المناطق الحدودية بين باكستان وإيران، مضيفاً أنّ 20 إرهابياً قد قُتلوا أيضاً في الهجوم المضاد الذي نفذته القوات النظامية. واعتبر الجيش الباكستاني أنّ المسؤولين عن الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات على القوى الأمنية في بلوشستان، يتواجدون في أفغانستان والهند.

في الرسم البياني أدناه، يمكن الإطلاع على عدد الهجمات التي نفّذها البلوش في إقليم بلوشستان، موطن مشروع الممر الإقتصادي الباكستاني – الصيني. 

باكستان by أخبار الآن

دور استراتيجي لإيران

كما يرى بعض المراقبين أنّ طهران كانت تملك دوراً إستراتيجياً في الهجمات الإرهابية الكبيرة التي استهدفت الجيش الباكستاني، معتبرين أنّ مسلّحي جيش تحرير بلوشستان لديهم معاقل في إيران. وفي ذلك الإطار، فقد أثار تصريح حديث للناطق بإسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين شيخ الإسلام موجة من الشكوك في إسلام أباد، والذي دعا فيه كما نقلت عنه وكالة أنباء آسيا الدولية في تقرير لها، إلى استعمال مرفأ تشابهار بما أنّ مرفأ غوادر لم يعد حلقة ربط تجاري بين الصين وباكستان، وحثّ بكين وإسلام أباد على استخدام مرفأ غوادر بدلاً من مرفأ تشابهار.

الصين تتلقى إنذاراً.. بلوشستان لم تعد آمنة لمشروع الحزام والطريق

وفي حديث مع “أخبار الآن“، صرح جان أشاكزاي وهو المستشار السابق لحكومة بلوشستان والمحلل الإعلامي الذائع الصيت، بأنّ تزايد هجمات البلوش تأتي نتيجة اسراتيجية جديدة تضمّ إيران في كنفها. وأضاف قائلاً: “لديهم ملاذات في إيران وأجهزة متطوّرة ودعم مالي من الهند، وما الأسلحة الأميركية التي ضمت بنادق أم -4 وأم- 16 وبنادق القناصين التي استعملها الإرهابيون في العمليات إلا دليل على ذلك”. وأفاد بأنّ “طهران قد ضربت بيد من حديد انفصاليي البلوش الإيرانيين السنّة في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية من جهة، بينما بدأت تقدم المأوى للمحاربين البلوش الباكستانيين من جهة أخرى”.

وكانت الهجمات الإرهابية الأخيرة في كيتش ونوشكي وبنجكور قد ضمّت مقاتلين متحدّرين من معاقل إيرانية. بالفعل بعد سقوط أفغنستان، انتقل متمردون بلوش إثنيون من قندهار وهلمند ونمرز وفرح إلى منطقة سيستان ووبلوشستان الإيرانية. ويُعتقد أنّ الزعيم الحالي للإنفصاليين البلوش الطبيب ألله نذر يجد في إيران ملاذاً له ويتلقى الحماية والدعم المالي منها. بالإضافة إلى ذلك، تنفذ غالبية المجموعات المماثلة عملياتها على طول الحدود الإيرانية بحيث يكونون قادرين على التخفّي بسهولة في إيران، بعد أيّ عملية ينفذها المقاتلون في بلوشستان.

“فهل هم قادرون على تنفيذ العمليات منطلقين من الداخل الإيراني من دون علم الدولة الإيرانية الكامل والتواطؤ معها”؟ ذلك السؤال طرحه أشكزاي. وأضاف أنّ لواء “الزينبيون/ الفاطميون” (الذين درّبتهم وطوّرتهم إيران لدعم الجبهة السورية) وأنّ مجموعة قاسم قد حُرّكوا مؤخراً ومن المرجح جدّاً أن يتمكنوا من فرض نفسهم بقوة.

أسلحة متطوّرة بيد جيش تحرير بلوشستان تزيد احتمال شنّ المزيد من الهجمات وترسل إنذاراً واضحاً للصين وباكستان بضرورة وقف مشاريع الرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني في الولاية

وترجع وحشية هجمات نوشكي وبنجكور إلى التكنولوجيا المتوفّرة بيد تلك المجموعات الإرهابية، إذ أنّ بحوزتهم كل الأسلحة والمعدّات الفتّاكة الأمريكية الصنع التي تركتها قوات حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكية في أفغانستان. وقد باتت تلك التكنولوجيا الحديثة اليوم بيد هؤلاء الإرهابيين، ما يدقّ جرس إنذار أقلق إسلام أباد، فالمقاتلون الإرهابيون كانوا يحملون أسلحة متفوقة بكثير على الأسلحة التي بحوزة الجيش الباكستاني، ومنها نظام التصويب بشعاع الليزر المزدوج (Dual Beam Aiming Laser)، والذي يمكن تركيبه على أيّ سلاح لكي يجعل إطلاق النار دقيقاً في الظلام.

من المعروف أنّ ذلك النوع من الليزر يقوم بإصدار إشارة ما تحت الحمراء من أجل التصويب الدقيق على الهدف، كما يبعث شعاعاً من أجل إضاءة المنطقة المستهدفة، ولا يمكن رؤية تلك الإشارات ما تحت الحمراء بالعين المجردة،  بل يمكن رؤيتها فقط بفضل أجهزة الرؤية الليلية عبر الأشعة ما تحت الحمراء (Imagine Illuminator أو Infrared Night sights).

كما أنّهم كانوا يحملون أجهزة الرؤية الليلية المثبتة على الرأس من  طراز PVS 7D التي تؤمّن لمقاتلي جيش تحرير بلوشستان القدرة على الرؤية في الظلام، والتصويب بدقة على الجنود الذين ما كانوا يعرفون بوجود تلك القدرة التكنولوجية بيد المهاجمين.

ولم يعتمد الإرهابيون فحسب على أجهزة تسليط الضوء على الصور والأشعة ما تحت الحمراء، بل كانوا مجهّزين أيضاً بأجهزة التصوير الحراري Thermal Imaging Sights، القادرة على التقاط حرارة الجسد بهدف التمييز بين الأجسام في الظلام. وكان بالإمكان رؤية أجهزة التصوير الحراري تلك معلّقة على البنادق التي كان مقاتلو جيش تحرير بلوشستان يحملونها.

وفي ذلك الإطار، كشف وزير الداخلية الباكستاني رشيد أحمد في مؤتمر صحافي عقده في إسلام أباد مؤخراً، أنّ الأسلحة التي تركتها القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان قد استُخدمت في الهجمات التي استهدفت القوى الأمنية في بلوشستان، وبالتالي طرحت تأكيدات وزير الداخلية علامات استفهام حول الدور المريب الذي تلعبه حركة طالبان الأفغانية في تلك الهجمات.

وفي مقاطعتي بنجكور ونوشكي على حدٍّ سواء، تمّ قطع خطوط الهاتف الخلوي والإنترنت، وفرض منع تجوّل غير معلن من الثاني إلى الخامس من فبراير، كما طُلب من السكان ملازمة منازلهم. كذلك فإنّ بعض الإعلاميين الذين كانوا يملكون القدرة على الوصول إلى تلك المنطقة، كشفوا لـ”أخبار الآن” أنّ الوضع الذي فُرض في بنجكور وكان منع تجول مقنّع استمر عدة أيام، أدّى إلى نقصٍ حاد في المأكولات الغذائية. وأفادوا أيضاً بأنّ سكان المدن المتاخمة لمعسكر الجيش الباكستاني قد حوصروا وسط القتال وحُرموا حتّى من مياه الشرب.

الصين تتلقى إنذاراً.. بلوشستان لم تعد آمنة لمشروع الحزام والطريق

وفي حديث لـ “أخبار الآن“، قال منصور خان محسود وهو المدير التنفيذي لمركز FATA research center الموجود في إسلام أباد (مركز أبحاث مستقل)، إنّ الهجمات الأخيرة التي نفّذتها فرقة ماجد التابعة لجيش تحرير بلوشستان على معسكرات قوات الحرس الحدودي في نوشكي وبنجكور متطورة ومعقّدة للغاية. وأضاف أنّ “تلك الهجمات تظهر مدى التطوّر الكبير في القدرات العسكرية الخاصة بجيش تحرير بلوشستان، ما تتطلب من القوى الأمنية أكثر من 50 ساعة من الوقت لتطهير المعسكرات”.

يعتقد المحللون بأنّ الهجومين اللذين تزامنا مع زيارة عمران خان إلى الصين بعثا برسالة مدوّية للحكام الصينيين

وتابع: “ما لا شك فيه أنّ تلك الهجمات كانت بمثابة رسالة موجهة إلى الصين وباكستان، في وقت كان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يقوم بزيارة دولة للصين استغرقت 4 أيّام. وهكذا فإنّ جيش تحرير بلوشستان قد أرسل إنذاراً واضحاً للطرفين بضرورة ترك بلوشستان ووقف مشاريع الرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني في الولاية”.

وكان جيش تحرير بلوشستان قد أصدر تصريحاً أعلن فيه أنّ فرقة ماجد التابعة له باتت تسيطر على معسكر بنجكور الخاص بقوات الحرس الحدودي في الساعات الأخيرة، وقد صدّت محاولة القوات الخاصة في الجيش الباكستاني دخول المعسكر. كما أنّ تلك الجماعة الإنفصالية المحظورة حذّرت بكين من مغبّة مواصلتها تمويل المشاريع في بلوشستان. وقالت إنّها ستكثّف هجماتها على المواطنين والمشاريع الصينية ما لم توقف الصين دعم القوات الباكستانية ولم تسحب المواطنين الصينيين المتواجدين في بلوشستان.

لقد جاء الإعتداء الأخير بعد أسبوع تقريباً من اعتداء آخر استهدف حاجزاً عسكرياً في منطقة كيش على طول الحدود الغربية مع إيران، ما أوقع ما لا يقل على 10 قتلى في صفوف الجنود الباكستانيين. ويعتقد المحللون بأنّ الهجومين اللذين تزامنا مع زيارة عمران خان إلى الصين بعثا برسالة مدوّية للحكام الصينيين، مفادها أنّ بلوشستان لم تعد آمنة بالنسبة إلى مشروع الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ.

الصين تتلقى إنذاراً.. بلوشستان لم تعد آمنة لمشروع الحزام والطريق

في ذلك الصدد، كشف مشاهد حسين السيد، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني، لـ “أخبار الآن“، أنّ توقيت الهجمات قد تزامن مع زيارة عمران خان إلى الصين، ما أربك الحكومة بما أنّ تلك الهجمات قد أظهرت أنّه لم يتمّ احتواء آفة الإرهاب أو التخفيف من حدتها حتى في المناطق التي لم تشهد يوماً هجمات من ذلك النوع. كما أنّه أضاف أنّ “صانعي السياسات الباكستانيين قلقون من حدّة الهجمات وحجمها وتطورها، ومن قدرة الإرهابيين على خوض معارك ضارية، ما أدّى إلى تكذيب الإدعاءات الرسمية التي تؤكّد أنّ باكستان حقّقت انتصاراً على الإرهاب. كما أنّه استشهد بتصريح لقائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال ماكنزي حول “تنامي المخاطر الإرهابية بوجه باكستان”، ما يشكل بعداً “إقليمياً” في مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وقال الجنرال ماكنزي أيضاً إنّ ذلك الخطر كبير ولا تحمد عقباه، ولا بدّ من أخذه على محمل الجد.

يسعى جيش تحرير بلوشستان إلى إبعاد الإقليم عن أيّ تأثير خارجي لا سيما التأثير الذي تمارسه الحكومتان الصينية والباكستانية

كما أضاف مشاهد أنّه حتى اليوم ليس هناك أيّ استراتيجية متماسكة وشاملة لمكافحة الإرهاب، كما ليس هناك أي جهاز  خاص بتلك المهمة بما أنّ سلطة مكافحة الإرهاب الوطنية قد وُلدت ميتة، وبالتالي لا بدّ من إيجاد خطة بديلة بأسرع وقت ممكن. لقد فرضت السلطات حظراً تاماً على وسائل الإعلام المحلية باستثناء وسائل الإعلام الرسمية، إذ منعت الأخبار المرتكزة على معلومات مأخوذة من المصادر المحلية المستقلة.

ويسعى جيش تحرير بلوشستان إلى إبعاد الإقليم عن أيّ تأثير خارجي لا سيما التأثير الذي تمارسه الحكومتان الصينية والباكستانية، كما أنّه يعارض الرواق الإقتصادي الصيني – الباكستاني، إضافةً إلى وجود مواطنين من الصين في بلوشستان.

وفي الماضي، نفذ العديد من الهجمات الكبيرة على المصالح الصينية، فمثلاً في العام 2018 اقتحمت المجموعة القنصلية الصينية في كراتشي، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وجرح آخرين. كذلك في يونيو  من العام 2020، هاجم مبنى البورصة الباكستانية في كراتشي علماً أنّ الشركات الصينية الرائدة في مجال البورصة العالمية بما فيها شركة China Financial Futures Exchange Company Ltd وShanghai Stock Exchange و Shenzhen Stock Exchange تملك 40 % من الأسهم في البورصة الباكستانية.

شاهدوا أيضاً: هكذا دمّر الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني اقتصاد إسلام أباد.. وكلفة أمنه تفوق حصة باكستان