ما زالت التطورات الأمنية سيدة الموقف في مالي، ويتزامن ذلك مع تصاعد الأزمات بين هذا البلد الإفريقي الواقع في منطقة الساحل وفرنسا خلفية إعادة تنظيم وتمركز قوات بارخان ومحاولة السلطات المالية استبدالها بمجموعة فاغنر الروسية.

أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقريراً له مطلع تشرين الأول الفائت ، خصّ به تطور الأوضاع في مالي والتي استجدت منذ صدور تقريره الأسبق في حزيران/ يونيو الماضي.

وجاء في هذا التقرير الجديد أن مجلس الأمن مدّد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد (مينوسما) حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو من العام 2022 وذلك بهدف تحقيق الاستقرار في ذلك البلد الذي تحول مسرحاً لعمليات عسكرية دامية واعتداءات تشنها مجموعات جهادية متطرفة ضد المدنيين والعسكريين النظاميين وحلفائهم الفرنسيين والأممين.

وتطرق غوتيريش في تقريره لنواح عديدة منها اتفاق السلام والمصالحة الذي تم توقيعه في العام 2015 والذي لم يحرز تقدماً فهو يعتمد على نزع السلاح والتسريح ودمج المقاتلين وإعادة نشر القوات الأمينة، هذا إضافة للتحضير لإجراء انتخابات في شباط/ فبراير المقبل على أن تفضي لوصول مدنيين إلى السلطة.

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

أبرز ما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة

وأشار غوتيريش إلى أن 1765 شخصاً كانوا ينتمون لمجموعات متمردة مسلحة خضعوا لعملية نزع سلاح وتم نشر معظمهم ضمن الكتائب الأربع المعاد تشكيلها في غاو وكيدال وميناكا وتمبكتو.

وعن أبرز ما ورد في هذا التقرير، حدثنا القاسم واين الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد (مينوسما) في مالي، واصفًا نجاح عمليات إعادة تشكيل الكتائب الأربع المذكورة آنفًا «سجلنا بعض التقدم خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بين حزيران/ يونيو وأيلول/ سبتمبر، استطعنا إكمال الكتيبة التي أعدنا تشكيلها في كيدال، كما استطعنا نشر العناصر الذين انتظرناهم كي تتحول السرية الموجودة في ميناكا إلى كتيبة متكاملة».

تحقيق السلام في الشمال والاستقرار الأمني في وسط البلاد

وشرح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في مالي التقرير مشيراً إلى أن الوضع مقلق جداً لجهة حقوق الإنسان في وسط البلاد حيث تتزايد الهجمات على المواطنين المدنيين وتستهدف أيضاً القوات العسكرية المالية ومينوسما.

وأضاف «كما قيّم التقرير عملية الانتقال الجارية حالياً، وحث المعنيين الماليين على ضرورة مضاعفة جهودهم من أجل تحقيق الأهداف المنشودة المتعلقة بالسلام في الشمال، والاستقرار في وسط البلاد وعملية الانتقال».

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

واين يدين الاعتداء على سكان واتاغونا

وبحسب  واين فإن عدم الاستقرار الأمني هذا بدأت تتوسع رقعته لتطال جنوب البلاد حيث تعرض، موكب للدرك المالي، مؤخراً «ذلك أبرز خطورة الوضع السائد على الأرض فهو دعوة للتحرك بقوة أكبر وأسرع بهدف محاولة احتواء الوضع الأمني وتجنب زعزعة استقرار البلد بأكمله».

خلال شهر آب/ اغسطس الماضي، قام بها مسلحون ينتمون لما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» بهجوم على سكان مدينة واتاغونا بمنطقة غاو، شمال مالي، فقتلوا أكثر من أربعين مدنياً، وقد أدان قائد مينوسما هذا الاعتداء الدامي مشيراً إلى إنه «يوضح جميع المخاطر التي يتعرض السكان والآتية من المجموعات المتطرفة، إنهم أهداف مباشرة للمجموعات المتطرفة».

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

وضمن إطار مينوسما، يقول واين «انتشرت وحدة مجموعة الاستطلاع الطويلة المدى البريطانية (في المدينة) التي تهدف مهمتها لتعزيز الشعور بالأمن لدى السكان، وطمأنتهم وتقديم الحماية لهم قدر المستطاع».

ويرى القاسم واين أن استتباب الأمن في مالي مرتبط مباشرة باستعادة الدولة لكامل سلطتها ليس فقط «في بعدها الأمني وإنما أيضاً في بعدها السيادي المتعلق بالعدالة، وأيضاً كدولة تعمل على إرضاء احتياجات سكانها المحليين».

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

الاعتداءات العشوائية لإخافة السكان هي استراتيجية المتطرفين

وفيما يتعلق بالاستراتيجية التي يتبعها هؤلاء المسلحون المتطرفون فإنهم جميعهم يشنون اعتداءاتهم بطريقة عشوائية لإخافة السكان وتعزيز نفوذهم «إنهم يريدون تقديم أنفسهم كبديل عن الدولة، وبما في ذلك التظاهر بإقامة العدل، نعلم جيداً جداً أن الأمر لا يتعلق بالعدل، وفي الحقيقة، شاهدنا ذلك من خلال قيام هذه المجموعات ببتر أطراف أناس متهمين باقتراف بعض الجُنَح».

ومن أجل احتواء عدم الاستقرار الأمني بشكل مستديم، ووضع حدّ له، يرى واين أن الرد يجب أن يكون أمنياً «مع الحضور القوي لمينوسما والدولة المالية ومؤسساتها من أجل الاستجابة للمطالبات بالعدل وبمراعاة الخدمات الأساسية».

المجموعات المتطرفة هي عدو للسكان

المجموعات المتطرفة الناشطة في مالي متعددة من بينها تنظيم ما يسمى «لدولة الإسلامية في منطقة الصحراء الكبرى» و «تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي» والقاعدة وجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، فهذه المجموعات بالنسبة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة «هي عدو للسكان، والحلول التي تقدمها، لن تساهم، إطلاقاً، في تحسين الوضع الأمني بل على العكس، إنها تستغل لصالحها مخاوف الناس واحتياجهم للعدل من أجل أن تبسط نفوذها، في حين أن البديل هو الحضور القوي للدولة المالية التي يدعمها شركاؤها الدوليون».

قبل أيام، وفي ظل إعادة تنظيم أجهزتها، نفذت قوة بارخان انسحابها من قواعدها في كيدال وهي تستعد لاستكمال انسحابها من ميانتي تمبكتو وتساليت، ففي هذه المدن تتواجد أيضاً بعثة مينوسما، هذا الانسحاب لن يكون له تأثير كبير على هذه البعثة الأممية لأن فرنسا أكد للقسام واين استمرار دعمها عندما تقتضي الحاجة.

وأضاف «إنه دعم نقدره عالياً، يسمح لنا بتأمين، إلى حد أقصى، سلامة قواعدنا وعناصرنا، بالطبع نحن معرضون لاعتداءات خاصة في مدينة أغلهوك، حيث تعرضنا لسلسلة اعتداءات، لكن قواتنا أظهرت الكثير من التصميم، في شهر نيسان/ إبريل، وردت بقوة كبيرة، وذلك وبموجب قرارات التفويض الممنوح لنا (مقتل أربعة عناصر تشاديين التابعين لقوات حفظ السلام وعشرات الجهاديين). لذلك، لدي الثقة الكاملة في قدرة قواتنا على حماية نفسها وحماية السكان المحليين، وأشعر بالاطمئنان كون فرنسا مستمرة بتقديم دعمها لنا».

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

قائد بارخان وأساليب المتطرفين الإرهابية لنشر الذعر ومنع الدولة من القيام بعملها

من جهته، أعلن قائد قوة بارخان الجنرال لوران ميشون، الذي استلم منصبه في شهر تموز/ يوليو الماضي، أن القضاء على قائد ومؤسس «تنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى» عدنان أبو وليد الصحراوي وغيره من القياديين المتطرفين في مالي، لا يعني أبداً القضاء على قدرتهم على إعادة تشكيل وتنظيم مجموعاتهم، إنهم يملكون طرقاً خاصة تتراوح بين التخويف والتهديد ومحاولات الاقناع.

وقال إن الاساليب التي يتبعها هؤلاء المتطرفون لإرهاب السكان «عبر منعهم من العيش ورميهم بالرصاص في الحقول خلال فصل الأمطار، وسرقة المواشي، فإنهم ينشرون الذعر لمنع الدولة من القيام بعملها الطبيعي في حماية السكان وردع زعماء القرى عن التوجه إلى قوات الأمن المالية».

قائدا مينوسما وبارخان: المجموعات المتطرفة ترهب الماليين لبسط نفوذها

«إنها حقًا طريقة إستخدام الإرهاب التي ليست بالضرورة مشابهة لما يتم استخدامه في المشرق، لكنّ المنهجية واحدة، في الواقع إنها النظرية التي يعتمدونها. ثم، فيما يتعلق بضم عناصر إليهم أو إقامة علاقاتهم فنحن بعيدون عن معرفة كلّ شيء، ومن خلال الإرغام والردع هناك عمليات تجنيد داخلية وروابط تجمع بين خبرات بعض المسؤولين ووحدات أخرى موجودة».