خامنئي والشاه: النفط مقابل الدعم السياسي

شكلت عملية الحفاظ على النظام السياسي في إيران، هاجساً مشتركاً لكلً من الشاه محمد رضا بهلوي، والمرشد الأعلى علي خامنئي، فالأول رهن النفط الإيراني للشركات الأمريكية والبريطانية، من أجل الحصول على الدعم السياسي لنظام حكمه، وهو ما خلق تذمراً كبيراً في أوساط الطبقات الإجتماعية الإيرانية لاحقاً، من ذهاب جميع الإمتيازات النفطية للخارج، وليشكل هذا التذمر أحد أسباب الثورة على نظام الشاه فيما بعد، ويبدو إن الأسباب التي دفعت بالشاه للإرتماء في أحضان الولايات المتحدة وبريطانيا في السابق، هي ذاتها التي دفعت خامنئي للإرتماء في أحضان الصين هذه المرة، عبر توقيع إتفاق شراكة إستراتيجية طويلة الأمد (25 عاماً)، تحظى بموجبه الصين على إمتيازات واسعة في قطاع النفط الإيراني، في مقابل تعهدها بتنفيذ مشاريع خدمية وإستراتيجية داخل إيران، إلى جانب شراكات أمنية وعسكرية، تمثلت أولى بوادرها إعلان إيران تراجعها عن شراء مقاتلات روسية، في مقابل عزمها شراء 36 مقاتلة من الصين.

من الشاه إلى خامنئي.. إيران قد تنتفض من جديد

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الصيني وانغ يي بعد توقيع الاتفاق بين البلدين 27 مارس 2021

واجهت إيران بعد الثورة العديد من الإحتجاجات الشعبية، وتحديداً منذ عام 1999 وحتى الوقت الراهن، ورغم نجاح النظام في كل مرة من إخماد هذه الإحتجاجات عبر السطوة الأمنية، إلا إن أسباب إندلاعها ظلت مستمرة، خصوصاً مع تزايد الأعباء الإجتماعية والإقتصادية التي يعيشها المواطن الإيراني، فإلى جانب العقوبات الأمريكية التي أثقلت كاهل الإقتصاد، هناك تحديات أخرى أهمها جائحة كورونا وتفشي الفساد وسيطرة الحرس الثوري على مجمل القطاعات الإقتصادية في البلاد.

اتفاقية تركمانجاي واتفاق خامنئي.. وجهان لعملة واحدة

وبالعودة إلى الوراء قليلاً؛ قد لا نجد إختلافاً كبيراً بين الإتفاق الذي وقعته إيران مع الصين مؤخراً، مع ذلك الإتفاق الذي سبق وأن وقعته بلاد فارس مع روسيا القيصرية عام 1828، فيما عُرف آنذاك بإتفاقية تركمانجاي، والتي تنازلت بموجبها بلاد فارس عن السيطرة على الأراضي في جنوب القوقاز لصالح روسيا القيصرية، ورغم تأكيد المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف على أهمية الإتفاق مع الصين، في إعادة إنعاش الواقع الإقتصادي والإجتماعي الإيراني، إلا إنه ليس من المتوقع مع إستمرار العقوبات الأمريكية القصوى، أن تستطيع الصين منح طهران الدعم الذي تسعى إليه، بل وقد لا يتحقق شيء من هذا الإتفاق أصلاً.

Signing of the Treaty of Turkmenchay, 1828. Found in the collection of State Hermitage, St. Petersburg. Artist : Beggrov, Karl Petrovich (1799-1875). (Photo by Fine Art Images/Heritage Images/Getty Images)

التوقيع على معاهدة تركمانجاي 1828. أرشيفية/غيتي

إن الإشكال الرئيسي الذي تعاني منه إيران اليوم، هو تزامن التوقيع على الشراكة مع الصين بتحديات إجتماعية معقدة جداً، أدت إلى تفاقم الوضع الإقتصادي، بحيث أدى توقيت الإتفاقية ونطاقها ومدتها إلى زيادة المخاوف لدى الإيرانيين، من أن طهران تتفاوض مع الصين من موقع ضعف، بينما تمنح بكين إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الإيرانية لسنوات عديدة قادمة، حيث أدى إنعدام الثقة الشعبية بنظام خامنئي، إلى إندلاع إحتجاجات شعبية كبيرة في نوفمبر / تشرين الثاني 2019، بسبب تزايد أسعار المحروقات وغلاء المعيشة، إلى جانب إحتجاجات شعبية أخرى على إثر إسقاط طائرة ركاب أوكرانية PS 752 في 8 يناير / كانون الثاني 2020، وهي أسباب كان يُنظر إليها في البداية على أنها تتستر – في إنتقاد الصفقة الصينية، خصوصاً وإنه كان يتم الحديث عنها منذ المفاوضات الأولية حول الإتفاق الإستراتيجي في يناير/كانون الثاني 2016، عندما زار الرئيس الصيني تشي جين بينغ إيران، حيث ظلت هاجساً مستمراً للمواطنين الإيرانيين، في إمكانية أن يضحي نظام خامنئي بثروات البلاد مقابل الحفاظ على وجوده.

وبالإضافة إلى ماتقدم؛ تسود في أوساط المجتمع الإيراني حالة عدم ثقة بالنموذج الصيني، لأسباب كثيرة أهمها، تشابه الحالة السياسية – السلطوية بين النظامين، وتسبب الصين بشكل أو آخر بالتعقيد الإجتماعي الذي يعانيه المواطن الإيراني بسبب جائحة كورونا، بإعتبارها بؤرة إنتشار الوباء، والأكثر من ذلك ينظر قطاع واسع من الإيرانيين إن العلاقة بين طهران وبكين منذ فترة طويلة، تُفيد الصين أكثر بكثير من طهران، مُعتبرين أن الصين تقدم وعوداً كبيرة، ولا تقدم سوى القليل من الفعل، فهي استفادت كثيراً من العقوبات المفروضة على إيران، وأغرقت السوق الإيرانية بموادها الإستهلاكية، وساهمت بإغلاق العديد من الشركات وتسريح الأف العاملين الإيرانيين بسبب الجائحة، وقدمت منتجات دون المستوى المطلوب، ومن ثم تقول وجهة النظر الشعبية، إذا كان التعامل الطويل مع الصين أدى إلى هذه النتائج، فما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه الصين عبر إتفاق الشراكة الأخير.

إن السؤال الرئيسي الذي يتبادر إلى ذهن المواطن الإيراني اليوم، هل أن نظام خامنئي قادر على تحقيق إتفاق شراكة مع الصين، يُلبي المصالح الوطنية للشعب الإيراني؟

قد تكون الإجابة البديهية لهذا التساؤل، من الصعب جداً تحقيق هذا الهدف، لأن ما ينقص معجم نظام خامنئي أولاً هو المصالح الوطنية، فالمصالح الوطنية ليست في المقام الأول في ذهن قادة الحرس الثوري، لأنهم ما زالوا يعتبرون “ثورتهم الأممية” أعلى من ثورة إيران الوطنية، ويجب أن تُسخر منافع الإتفاق لخدمة الحلفاء والوكلاء، عبر دعمهم مالياً وعسكرياً، وليس فقط مصالح المواطن الإيراني، كما إن نظام خامنئي لا يفكر بشيء سوى الحفاظ على سيادته في حالة من الإكراه السياسي، ما يلغي إمكانية التوصل إلى نتيجة جيدة لإيران، بالإضافة إلى ذلك، يمكن الإستدلال إلى حد ما على أن العديد من الإتفاقات غير المتكافئة قد أبرمتها الصين سابقاً بمساعدة فساد حكامها، وبالتأكيد لن يتصرف نظام خامنئي في إيران بشكل مختلف.

وفي هذا الإطار؛ يمكن الإستدلال بالإتفاق النووي المبرم في أبريل / نيسان 2015، كمثال في تأكيد عدم قدرة نظام خامنئي على على إبرام إتفاقات طويلة الأجل، ففي الوقت الذي كان بإمكان إيران الحصول على العديد من المنافع الإقتصادية والتجارية من هذا الإتفاق، إلا إنها في مقابل إلتزاماتها النووية، عملت على توسيع نفوذها الإقليمي وتحديث منظومة صورايخها الباليستية، ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للإنسحاب من الإتفاق النووي في مايو / آيار 2018، لتدخل إيران فيما بعد تحت طائلة العقوبات الأمريكية المشددة، والتي إنعكست سلباً على حياة المواطن الإيراني.

إن الإستثمار في الموقف السياسي الصيني الذي يمارسه نظام خامنئي اليوم، قد يُوجد أسباب جديدة للمواطن الإيراني للنزول للشارع، ففي الوقت الذي يحتاج فيه النظام لشراكة وثيقة مع الصين لموازنة الضغط الأمريكي، إلا إن الموطن الإيراني قد يتسأل، إذا كانت الصين مهتمة جداً بإقامة علاقات استثنائية مع إيران، فلماذا لا تعيد الأصول الإيرانية المجمدة في البنوك الصينية، والتي تبلغ قيمتها حوالي 20 مليار دولار، ولماذا تمتثل بكين للعقوبات الأمريكية العديدة ضد إيران، ولماذا غادرت الشركات الصينية إيران بعد وقت قصير من مغادرة واشنطن الإتفاق النووي، ولماذا أغلقت البنوك الصينية الحسابات الإيرانية؟، كل هذه أسئلة يجد المواطن الإيراني اليوم نفسه مضطراً لإيجاد إجابات مقنعة بخصوصها.

إجمالاً؛

إن الإتفاق الذي أبرمته إيران مع الصين بالوضع الحالي، من شأنه أن يتعارض مع المصالح الوطنية الإيرانية، وقد يدفع بالمواطن الإيراني للمطالبة بإسقاط نظام خامنئي، بذات الصورة والأسباب التي دفعته للمطالبة بإسقاط نظام الشاه في السابق، خصوصاً ما إذا كان هدف النظام هو إستخدام الإتفاقية من أجل البقاء السياسي، وربما حتى مناورة لإستنزاف الغرب، كم إن فرص أن تصبح هذه الإتفاقية حقيقةً واقعة قليلة، بسبب الوضع غير المستقر للنظام، وتحديداً عندما يتم الحديث عن مرحلة ما بعد خامنئي التي يكتنفها الكثير من الغموض، حول بقاء أو زوال النظام حسبما سبق وتحدث عن ذلك الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد مؤخراً.