حوار خاص مع جامع إتاوات سابق لجماعة الشباب الصومالية

أعلن التلفزيون الحكومي الصومالي الجمعة 16 فبراير، مقتل 7 من قادة جماعة الشباب الإرهابية ومسلحين آخرين في عملية عسكرية في إقليم شبيلي السفلى بولاية جنوب الغرب، وجرت العملية التي استهدفت محكمة تابعة للجماعة، بالقرب من بلدة جنالي في إقليم شبيلي السفلى المجاور للعاصمة مقديشو.

وهكذا تتوالى الضربات الموجهة إلى جماعة الشباب الإرهابية في الصومال، ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي ألقت وكالة المخابرات والأمن القومي الصومالي (NISA) القبض على القيادي في جماعة الشباب، محي الدين عبدالسلام محمود، الشهير بـ “محي الدين دقري”، في عملية أمنية في العاصمة، مقديشو، كشفت عنها في الثالث من فبراير الجاري، فيما تتوالى الخسائر على جبهة القتال حيث استهدفت العمليات الأخيرة للحكومة الصومالية، معقلين لجماعة الشباب بوسط الصومال، ولكن الهزيمة الأكبر والتي تقض مضجع الجماعة الأكثر دموية في أفريقيا هو عودة الصومالين المنتمين لها عن طريق الإرهاب وإعلان توبتهم واستقبال الحكومة الصومالية لهم وحث المجتمع على تقبلهم وغفران جرائمهم التي ارتكبوها أثناء انضمامهم لجماعة الشباب.

حاولنا في “أخبار الآن”، وأثناء رحلتنا لتغطية الحرب في الصومال، البحث في ملفات “الشباب” جيدا رغم صعوبة المهمة بسبب انتشار جواسيس الجماعة في كل مكان بالصومال، استطعنا الوصول لطرف خيط يخبرنا عن داخل الجماعة وما يحدث به ربما يفك شيفرة الغموض حول “جماعة الشباب”، ويقربنا خطوة بخطوة للتعرف على أسرارها استطعنا الوصول إلى شخص كان يعمل مديرا لجمع الزكوات في منطقته والتي تعد أحد أقوى مصادر التمويل للجماعة وأنشطتها، كان الرجل مترددا للغاية قبل مقابلتنا، فالجماعة مازالت تهدده إلى جانب خشيته من تهديد المجتمع أو نبذه لو أشيع أنه كان جامع للإتاوات والتي تمثل الذي يمثل حجرًا جاثمًا على صدور الصوماليين.

وفي النهاية وصلنا للرجل ورغم موافقته على ظهور اسمه معنا، إلا أنه آثر عدم كشف وجهه، وبدأ في سرد رواية كيف لف الشباب خيوطهم حوله واستدرجوه للانضمام لهم والعمل لصالحهم.

عائد من صفوف جماعة الشباب:لهذه الأسباب فرض علينا القادة خطب الظواهري وبن لادن

عبدي بارودي: لا يوجد فرد في الشباب لا يقتل الناس والفقراء تركوا كل شئ وفروا رعبا

إسمه عبدي بارودي كان يعمل جامعًا للزكوات في صفوف جماعة الشباب لمدة 10 أعوام ثم انشق عنهم منذ ثلاثة أعوام، وعن بدايته مع جماعة الشباب يقول بارودي”انضممت لجماعة الشباب عام 2011، كنت أعمل معهم لفترة طويلة حتى تركتهم في 2020″

وعن طبيعة عمله معهم يتذكر بارودي “في الفترة التي عملت معهم كنت أجمع الزكوات من السكان المحليين في ولاية شبيلي الوسطى وأيضا من سكان المناطق المجاورة لها، وعندما أقنعوني بالانضمام إليهم كانوا يسيطرون على منطقتي بالكامل لذلك انضممت إليهم لقد سطوا على عقولنا وظلوا مستولين علينا لفترة طويلة ورغم أنني تركتهم إلا أنه ما زال هناك أشخاص يستطيع الشباب غسل مخهم.”

هكذا كان استقطاب الشباب لعبدي بارودي تم بنفس الطريقة التي استقطبها العشرات مثله، ترهيب وغسل عقول، وعن كيفية استدراج جماعة الشباب للفتية الصغار والرجال من الصوماليين يضيف بارودي”أنت لا تذهب إليهم بل هم من يأتون إليك ويلقون محاضرات في المدينة في المساجد والمدارس وفي الأماكن العامة بعد ذلك يحاولون إقناعك ولو رفضت يجبرونك بالقوة”.

روى لنا جامع الإتاوات التائب أنه لم يرتقِ لمنصب مدير جمع الزكوات في منطقته إلا بعدما ضمن الشباب أن ولاءه لهم، فكيف يتم الترقي والتدرج في باقي مناصب ومواقع الشباب، خاصة الأمراء منهم، عن هذه العملية يقول عبدي بارودي جامع الإتاوات التائب “تتكون جماعة الشباب من مكاتب متفرقة مثلا مكتب الأمنيات والجبهات والزكوات ومكاتب الدعوة المسؤول عن نشر الدين ومكاتب العمليات مكاتبهم كثيرة والتدرج كبير فهي تتدرج ابتداءً من قرية أو منطقة ثم المدينة فالعاصمة والإدارة متفرعة وموزعة”.

كان عبدي بالنسبة لنا صندوقا أسود بمثابة كنز نتعرف من خلال على خبايا “الشباب” وقادتها وتاريخها الدموي.

ويضيف عبدي”لا يمكن لشخص في الجماعة ألا يعرف في ذلك الوقت كان أمير “الشباب” أحمد عبدي غوداني (Ahmed Abdi Godane) وبعد ذلك اصبح أبو عبيدة الأمير (Ahmed Diriye, Ubaidah) وهو مازال الأمير الحالي رغم أنه مريض، ولا يوجد شخص واحد في الشباب لا يقتل الناس مهاد كاراتي (Mahad Karate) وأبو منصور الأمريكي (Abu Mansoor Al-Amriki) وأيضا يوسف كبكوتوكادي (Yusuf Isse Kabakutukade) فالمسؤولون هم من يقتلون الناس”.

بارودي: لهذه الأسباب فرض علينا القادة خطب الظواهري وبن لادن

لكن عبدي كان أيضًا مطلعًا على الاتصالات فائقة السرية بين جماعة الشباب وباقي الجماعات الإرهابية الداعمة لها وعلى رأسها تنظيم القاعدة وفي هذا الشأن يقول عبدي “كنا نتلقى الرسائل من القاعدة وما زال التواصل قائما حتى من ماتوا رسائلهم موجودة لذلك هذه الرسائل هي التي يجذبون بها الفتية الصغار الرسائل التي جاءت من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأمثالهم هذه الرسائل التي يستخدمونها لبرمجة عقول الناس على الجهادية الموجودة في أفغانستان وبعض الأماكن الأخرى في العالم وكانت تأتينا هذه التسجيلات لنستمع إليها”

كشف لنا عبدي أيضا تفاصيلًا وأسرارًا من داخل العالم المظلم لجماعة الشباب وكيفية إجبارهم الناس لدفع الإتاوات أو ما يطلقون عليها “الزكوات” التي تمثل مصدرًا رئيسيا لتمويل الجماعة الإرهابية ونشطاتها المشبوهة

حيث قال عبدي بارودي”في جمع الزكاة العادية الإسلامية يجب أن تعامل كل شخص حسب قدرته أو ما لديه أو حجم عمله أو تجارته ولكن ليس الفقير والغني سواء في جمع الزكاة لذلك نأخذ الزكاة من كل شخص من حجم ما لديه، ولكن مع الشباب الوضع مختلف، كنا نأخذ من الفقير والغني على حد سواء”

عائد من صفوف جماعة الشباب:لهذه الأسباب فرض علينا القادة خطب الظواهري وبن لادن

جامع الإتاوات: السجن ونهب الأموال عقاب جماعة الشباب لمن يرفض الدفع

سنوات عدة، عانى الصوماليون من الاكتواء بنيران إتاوات أو “زكوات” الشباب كما يطلقون عليها، وضجوا من بطش أياديهم دون رحمة، فزكوات الشباب قائمة على النهب، وليست مستندة للدين الإسلامي الحنيف، فسواء استحقت على الشخص الزكاة أو لم تستحق نظرا لفقره، تٌفرض عليه، ففر البعض بأنفسهم وأهليهم بعدما أكلت زكوات الشباب كل ما يملكون، وباتوا لا يملكون شيئا ولا حتى قوت يومهم فهربوا من المدن التي تسيطر عليها الجماعة.

ويذكر عبدي بارودي ذلك قائلا “هذه حقيقة وواقع على الأرض، إن الناس قد نزحوا خائفين من نهب ما تبقى من أموالهم وذلك لأن في حقيقة الأمر أن زكوات الشباب لا تستند على الشريعة الإسلامية ولكن الزكوات عند الشباب هي أن تأخذ نسبة مئوية من أي شخص وليست بالطريقة المذكورة عند المسلمين”.

ويضيف عبدي بارودي “من كان يمتنع عن الدفع يسجنونه ويأخذون من ماله عنوة، هذا هو عقاب الشباب له، نهب الأموال والسجن”.

جامع الزكوات التائب: أخذناها من الفقير ووجهناها لطعامنا وشراء أسلحتنا

مصارف الزكاة في الإسلام ثمانية، تجاهلها الشباب وصبوها في طريق واحد فقط لخدمة مآربهم، فبدلا من إعطائها للفقير والمسكين والغارمين وابن السبيل، وجهوها جميعها لخدمة أنشطتهم الإرهابية تحت دعوى “خدمة المجاهدين”.

وعن ذلك يقول عبدي بارودي جامع الزكوات المنشق عن جماعة الشباب “كانوا يستخدمونها لشراء الأسلحة والطعام وشراء وسائل النقل وللعمال الذين يجمعونها من الناس يستخدمونها بهذه الطريقة”.

المفاجأة أن الشباب كان لديهم ما يشبه بالجهاز الاستخباري المصغر داخل الصومال، ومن خلاله كانوا يتجسسون على الصوماليين في الأسواق والمجالس وغيرها، ليعرفوا من خلالها ثرواتهم وأنشطتهم التجارية وأدق تفاصيلهم وعن ذلك يقول عبدي بارودي “أفراد جماعة الشباب موجودون في الأسواق وفي الشوارع، جواسيسهم في كل مكان الشباب ليسوا فقط المقاتلين بل لديهم تواجد كبير في كل الأماكن لذلك يحصلون على المعلومات بسهولة ولديهم تواجد في بعض الشركات أيضا”.

بارودي أخذ على عاتقه إقناع أصدقائه بالعودة عن طريق الجماعة الإرهابية

ما استوقفنا في حديث عبدي أن الجماعة لم تكتف فقط بكل ما تجمعه من مبالغ تحت بند الزكوات في الصومال، بل لجأت للبحث عن مصادر تمويل إضافية،وهنا يوضح عبدي بارودي جامع الزكوات المنشق عن جماعة الشباب قائلا “في بعض الأحيان يحصلون على تمويل خارجي بعض الدول تمولهم بالأسلحة والسيارات”.

عشر سنوات انقضت، كل يوم مر فيها جعل عبدي أكثر صعوبة في الانفصال عن “الشباب”، فشخص بكل هذا الوقت بات يعرف الكثير والكثير من الأسرار، لكنه في النهاية فضل الهروب من نيران الشباب وما ساعده كان المجتمع الصومالي والحكومة اللذين فتحا ذراعيهما له للعودة مرة أخرى لعيش حياة طبيعية مرة أخرى، تعلم الحكومة بخلفيته وتعامله معاملة برنامج حماية الشهود، ولكن المجتمع لا يعرف حقيقته حتى لا ينتقم منه البعض لو عرفت قصته من جمع زكوات الشباب وقهر وظلم الفقراء والاستيلاء على اموالهم او تعذيبهم إن رفضوا.

مهمة جديدة وضعها بارودي على عاتقه اليوم وهي ان يحاول إقناع أكبر عدد ممكن من زملائه في عضوية الجماعة بالانشقاق والعودة إلى صفوف الشعب الصومالي والتوقف عن محاربة واستنزاف أبناء وطنهم ، وهو ما نجح فيه بالفعل مع بعض العناصر التي ساعدها على العودة من طريق جماعة الشباب.