الوصم بالخيانة وسيلة روسيا لتهجير تتار القرم داخل قطار ستالين

تسعة وسبعون عاما مرت على رحلة تهجير التتار عبر “قطار ستالين” من خانية القرم إلى المجهول، في الساعات الأخيرة من ليلة الثامن عشر من مايو عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين فوجئ التتار المسلمون سكان شبه جزيرة القرم بأقدام قاسية لجنود الزعيم الروسي السابق جوزيف ستالين تدهس حياتهم وتكسر أبوابهم دون طرق مسبق، فكيف كانت حياة التتار أهل الأرض قبل صعودهم القطار الذي سلبوهم فيه الوطن.

أكثر من 6 أشهر أمضيناها نبحث عن معمرين كانوا على متن قطار ستالين، على أن يكونوا أثناء التهجير كانوا في سن مناسب يسمح لهم برصد تفاصيل مأساة التهجير، عطلت البحث ظروف الحرب في إقليم القرم  وخوف البعض على أبنائه واحفاده من بطش الروس إذا تحدثوا عن جريمة ستالين، حتى توصلنا إلى عديلة أميتوفا (88 عاما) من مواليد 1935 وعبد الرحمن سْمَيِلوف (93 عاما) من مواليد 1930.

كانت عديلة تبلغ من العمر 9 سنوات حين قرع الجنود الروس، باب منزل والديها في الرابعة من صباح 18 مايو عام 1944، تبدأ عديلة حديثها لـ”أخبار الآن” عن حياتها في القرم قبل الترحيل فتقول”بسم الله الرحمن الرحيم، ولدت في قرية ديرمين في يالطا. والداي أيضًا من قرية ديرمين، وحتى 18 مايو 1944 كنا نعيش في قرية ديرمين، كان لدينا حدائق جميلة جدا، ذات يوم جاؤوا وأخذوا والدي إلى الجيش.” بقيت والدتي مع ثلاثة أطفال وهي في انتظار طفل رابع.”

عديلة وعبدالرحمن عجائز كانوا أطفالا في قطار ستالين عام 1944

اليوم، عجوزٌ هي عديلة، خط الزمن تصاميمه على وجهها بعناية ولكنها مازالت تحتفظ بمشاعر طفلة تتذكر معاناة أمها المسكينة، الوحيدة مع أطفالها وأم زوجها المريضة في قطار لا يعرف قلب سائقيه الرحمة، تكمل عديلة حديثها وهي تتذكر والدتها فتقول “أمي المسكينة! أنا من مواليد عام 193، ولد أحد إخوتي عام 1938، والثاني من مواليد عام 1942، في عام 1944، لم يكن لهذا الطفل من العمر عامين.”

في عربة أخرى من القطار كان عبدالرحمن سميلوف، ربما القطار الذي كانت به عديلة وربما غيرها غيره، ففي اليوم الواحد كانت هناك عشرات القطارات إلى وجهات عديدة وعلى مدار عدة أيام كانت قطارات ستالين قد حملت ما يزيد عن 220 ألفا من شعب التتار إلى سيبيريا وجبال الأورال وغيرهما من المناطق النائية قرب القطب الشمالي، بينما تم استبدالهم بشعب جديد من الروس يسكن منازلهم الدافئة ويأكل من أراضيهم الطيبة

كان عبدالرحمن سميلوف (93 عاما) صبيا في الرابعة عشر من عمره حين أجبروه على صعود قطار ستالين مع من تبقى من عائلته، يحكي عبد الرحمن قصته لـ “أخبار الآن” فيقول “ولدت في قرية تَرَقْتَشْ في منطقة سُدَقْ عام 1930، أرادت السلطة نزع أملاك والداي لذلك اضطررنا إلى الفرار من قريتنا الأصلية، توفيت أمي في إقليم كراسنودار، في جمهورية أديغيا، بعد وفاة والدتي، عدت أنا وأبي إلى شبه جزيرة القرم، كان هذا في عام 193،على مقربة من قرية ترقتش يوجد جبل بيرشم، حيث عشنا هناك، لم يؤخذ أبي إلى العمل لأنه كان “كولاك – أي من الفلاحين الأثرياء، كان لدينا ثور واحد صادرته المزرعة الجماعية والتي كان يطلق الروس عليها: كُولْخُوزٌ”

مؤرخ تتري:الروس استبدلوا حروفنا العربية بالسيريلية لمحو هويتنا الدينية قبل الترحيل

وعن حياة تتار القرم قبل مأساة الترحيل عام 1944 يقول شكري سعيد عمروف (56 سنة)، وهو مؤرخ تتاري متخصص في تاريخ تتار القرم، من باختشيساراي (وهي مدينة تقع بوسط إقليم القرم) ” في بداية القرن العشرين، بعد أن جاءت الحكومة السوفيتية لتدمير شعب القرم، مسلمي القرم، حيث تم نشر المجاعة عمدًا، وبحسب بعض التقارير، كان نصف الذين لقوا حتفهم من المسلمين التتار، بالإضافة إلى ذلك، من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم، و لجعلهم ينسون مبادئ الإسلام، تم استبدال الحروف العربية أولاً باللاتينية، ثم اللغة السيريلية ”

ثم يكمل شكري “إذا سألتم عن الغرض من ذلك، بالطبع، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن هذا تم حتى لا يتمكن الناس من قراءة هذه المصاحف، وهذه الكتب، ولا يمكنهم أن يعيشوا حياتهم وفقًا لكتابهم المقدس، تم ذلك حتى يتقبل الناس الحياة الجديدة، الحياة بدون دين، بدون إيمان، و يفرحون بحياتهم هكذا”

ثم يتساءل شكري مستنكرا “بهذا الشكل، تم تنفيذ هذه الإجراءات، ماذا نسمي هذا؟ أليس هذا اضطهاد؟ أليس هذا طغيان؟!، عندما يكون شعب بأكمله قد عاش وفق دينه لقرون، قرأ كتبه، وبنى حياته، فقد حُرم من مبادئه وقواعده، أليس هذا هو عين الاستبداد؟ أعتقد نعم هو كذلك.”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

اضطهاد الروس للتتار المسلمين من أهل القرم بدأ منذ قرون مضت لمحو هويتهم الدينية..بالصورة لوحة لرحلة سفر عائلة تترية عام 1927

شكري سعيد عمروف: روسيا كانت تحاكم علماء الدين وتعدمهم خلال أيام

يؤكد شكري عمروف أنه أثناء حقبة العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي، كان أول من وقع تحت ظلم الروس هم المتعلمون من شعب التتار وكان من بينهم جد شكري عمروف

يمسك عمروف في يمناه بمجموعة صور ثم يبدأ في شرح قصصها فيقول “هذه الصورة لأمي، لقد غادرت هذا العالم منذ وقت ليس ببعيد، في عام 2017 في التسعين من عمرها، وهذا والدها، جدي، رأيناه فقط على هذه الصورة، أما هذه الصورة فهي الصورة الرئيسية،الشخص الظاهر في الصورة يسير في الشارع هو جدنا، جاءت هذه الصورة إلينا عن طريق الصدفة وبشكل غير متوقع، أحد أصدقائنا رآها في أحد معارض الصور، فهو كان يعرف والدتنا وجدنا وأحضر لنا هذه الصورة وأعطاها لنا. لقد قمنا بتكبير الصورة أي أنه في الثلاثينيات من القرن الماضي، تُركت أمنا البالغة من العمر 11 عامًا بدون الأب الذي تم اعتقاله وأيضا اعتقل مصطفى سفيشكا”.

ويكمل عمروف “تم القبض على خمسة أشخاص في يوم واحد فقط لكونهم مسلمين،جمعتهم صفة واحدة وهي أنهم جميعًا كانوا أئمة مساجد في باختشيساراي، وهم كانوا من الأشخاص المعروفين والمشهورين كعلماء دين، وقد تم اتهامهم متهمون بالرغبة في فصل شبه جزيرة القرم عن الدولة الجديدة وإلحاقها بالدولة التي تشكلت آنذاك في تركيا، وفي غضون شهرين، عُقدت جلسات المحكمة وصدر حكم بالإعدام، ووفقًا للوثائق التي بحوزتنا، فقد قُتل جدنا وكل هؤلاء الأشخاص في نفس اليوم، ما هذا؟ هذه أعمال الموجهة ضد شعبنا، ما هي إلا طغيان وخروج على القانون ضد شعبنا فقط لكوننا مسلمين”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

 

ضربة نعل وكعب بندقية ووجوه حمراء تأمر بالرحيل

فقط ضربة نعل وكعب بندقية ووجوه حمراء قاسية تتلو الأوامر: أمامكم خمسة عشر دقيقة، احزموا امتعتكم واخرجوا إلى الساحة.

أكثر من ٢٢٠ ألفا من أهل القرم تم ترحيلهم في قطارات الموت المكتظة بالعجائز والأطفال والنساء، فكيف كانت الحياة داخل هذه الرحلة التي استمرت في بعض القطارات على مدار شهر دون طعام أو ماء، عن تفاصيل يوم ترحيلها وعائلتها تروي عديلة أميتوفا فتقول”في ذلك اليوم، حملت والدتي هذا الطفل بين ذراعيها، وأنا طفلة في التاسعة من عمري كانت هناك أيضًا جدة عجوزة، والدة أبي، أخذت جدتي من ذراعها وأخرجتها من المنزل هكذا. لم تكن ترى جيدا. هكذا ساقونا جميعًا إلى الميدان”

وتكمل أميتوفا “في هذا الحقل، تم تحميلنا في سيارات ونقلنا إما إلى سيمفروبول أو إلى مكان آخر، أنا لا أعرف على وجه اليقين، توقفت السيارات عند عربة القطار كانت السيارة ممتلئة بالفعل، تم إدخالنا هناك مثل الأسماك، كانت جدتي المسكينة مريضة، ولم تستطع والدتي أخذ أي شيء معها،أخذت إبريقا واحدا فقط،لإعطاء الماء لأطفالها،هكذا لم تصطحب معها إلا إبريقًا واحدًا ”

لم تحمل عائشة والدة عديلة شيئا مع ذلك الإبريق إلا شالا لفت فيه وليدها ذا العامين، الذي تقول عديلة أنه لم يكن قد أتم حتى عامين بل سنة و بضعة أشهر وكان ملفوفا في وشاح من الصوف، هكذا أنقذت الأم هذا الطفل.

كيف كانت رحلة قطار ستالين من القرم إلى المجهول

تحكي عديلة أميتوفا عن يومياتها في قطار ستالين  فتقول”بدأ القطار في التحرك، سافرنا في هذا القطار لمدة شهر كامل، توقف هنا وهناك خلال هذه المحطات، نزل الناس من القطار، بعض الناس وجدوا فنجانا، وبعضهم إبريقا، وبعضهم طنجرة ووجدوا قليلا من الحطب، قاموا بإشعال النار فيها لكي نتمكن على الأقل أن نغلي الماء، وفي هذا الحين يرفع صوت القطار توت-توت و ينطلق، هرع الناس وأخذوا اشياءهم، وكان منهم من تمكن و من لم يتمكن، كان هناك من لم يتمكن ركوب القطار، وبقوا على الطريق، أما والدتي المسكينة أصلا لم تستطع أن تخرج من القطار، كان الجنود قد أحضروا كيسًا ووزعوا سمكة واحدة لكل منا كانت الأسماك مالحة هذه السمكة هي الوجبة التي قدموها لنا طوال الطريق.”

مهلة 15 دقيقة للتتار لحمل متاعهم ثم الضرب والدفع عنوة داخل العربات

وعن تفاصيل رحلة قطار ستالين تقول عديلة أميتوفا “لقد كنا على الطريق لمدة شهر كامل، وبعد شهر توقف القطار أخيرًا في مكان ما، جاء الناس وفتحوا العربات و أمامها الشاحنات

يفتحون العربة ويسألون: هل يوجد قتلى؟ وهل هناك مرضى؟ كانت جدتنا مريضة جدا. قلنا: نعم،  فأخرجوها أولا ووضعوها في السيارة ثم انطلقت هذه السيارة مع العربات الأخرى.”

ويصف شكري سعيد عمروف المتخصص في التاريخ التتري الترحيل بأنه الشيء الأكثر مأساوية لشعبه، ذلك الترحيل الذي حدث في 18 مايو 1944

وعن أحداث ذلك اليوم والتي وثقها عمروف من أفواه من أجبروا على الرحيل من أهل القرم يقول شكري” اقتحم الجنود المنازل في الصباح الباكر بقرع قوي على الأبواب، وجمعوا كل الناس، وحملوهم في سيارات، ثم طردوهم من شبه جزيرة القرم، في ذلك الوقت، وفقًا للبيانات والوثائق الرسمية، تم ترحيل أكثر من 200,000 تتري مسلم كانوا يعيشون في شبه جزيرة القرم.”

ثم يضيف عمروف” لقد أعطوا مهلة 15 دقيقة فقط، أخذ الناس معهم ما تمكنوا من أخذه، بالضرب والدفع، تم تحميلهم جميعًا في عربات القطار وترحيلهم إلى آسيا الوسطى وسيبيريا و الأورال علي حد علمي، مات الكثير من الناس على الطريق، فقد الكثير آباءهم، وكثير من الناس ماتوا في أماكن الوصول، على سبيل المثال، في جبال الأورال، كانوا غير قادرين على تحمل البرد والظروف المعيشية، وسرعان ما ماتوا.و أولئك الذين انتهى بهم المطاف في آسيا الوسطى وجدوا أنفسهم في نفس الموقف.”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرين تتار يروون مأساة ترحيلهم

كانت جبال الأورال الجليدية إحدى ثلاث جهات انطلقت إليها قطارات ستالين لترحيل التتار

اتهامات الخيانة الروسية تطارد التتار في المهجر

إحدى العائلات التي انتهى بها المطاف في آسيا الوسطى، وهي أوزبكستان، أخبرت أخبرت المؤرخ التتري عمروف عن هذه الأحداث و نقلت ذكرياتها له، لقد اتهم ستالين التتار بالخيانة والتعاون مع الألمان في الحرب العالمية الثانية كذريعة لتهجير أمة كاملة من وطنها، ولكن الأمر لم يبدأ مع ستالين فقد قامت الإمبراطورة كاثرين الثانية عام 1783 بضم القرم إلى روسيا وتهجير التتار منها بل والعمل على إبادتهم أحيانا ليحل محلهم الروس، ثم توالت بعد ذلك محاولات التطهير العرقي والتهجير من قبل القياصرة اللاحقين ضد التتار المسلمين فقط بسبب عرقهم وديانتهم.”

الترحيل كان نتيجة قرون من الاضطهاد الروسي للتتار بعد تدمير خانية القرم، تعرض تتار القرم المسلمون، الذين نشأوا في شبه جزيرة القرم و، علي يد الامبراطورية الروسية للعديد من مضايقات بشكل دائم وعن سبب ذلك يقول عمروف “إن الوضع الحالي لشعبنا، بالطبع، هو نتيجة لما بدأ قبل عدة قرون أي هي نتائج للأعمال الموجهة ضد شعبنا خلال وجود خانية القرم لأننا مسلمون ونطبق ديننا الإسلامي،هم لم يعترفوا بنا كورثة للحقبة الماضية من خانية القبيلة الذهبية وهي دولة كبيرة والتي كانت تقع في الشمال وقد بدأ هذا الاضطهاد الشرس ضدنا لدرجة أننا نعاني من عواقبه حتى يومنا هذا.”

ويضيف عمروف “دعنا نقول فقط أنه لا يوجد جيل واحد من شعبنا عاش بسلام بدون أي نوع من الضغط والقمع ضده، لأنه إذا نظرنا إلى الأحداث التاريخية، فهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد وتثبت هذه الحقيقة

بالأمس، أثناء تصفحي كتب تاريخية، صادفت ما يلي، في عام 1783، بعد استيلاء الإمبراطورية الروسية على خانية القرم، في شمال شبه جزيرة القرم، في مناطق السهوب، بين الرجال الدين، بين المسلمين، أتباع الشيخ منصور – شخصية معروفة من شمال القوقاز، بدأوا بأنشطة دينية.”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرين تتار يروون مأساة ترحيلهم

وكانت سيبيريا ثاني الجهات الثلاث التي انطلقت إليها قطارات ستالين لترحيل التتار

علماء الدين والأئمة أول التتار المضطهدين

يقول شكري سعيد عمروف “بعد أن علموا عن ذلك، قرر ممثلو الدولة العدوانية الجديدة (الاتحاد السوفيتي)، اعتقال المتورطين في مثل هذه الأنشطة واستجوابهم وإجبارهم على مغادرة أراضي القرم، ووفقًا للوثائق، كان هؤلاء في الغالب من رجال الدين والأئمة، أي أننا نرى كيف أن الشخصيات الدينية المعروفة في المجتمع، الذين لم يكونوا يريدون ترك شعبهم وكانوا نشطاء دينيين بين الناس، كانوا هم أول من تعرض للقمع، بالإضافة إلى ذلك، في عصر روسيا القيصرية، تم تجنيد شعبنا قسرًا للخدمة العسكرية وإرساله إلى الحروب للعمل إلى جانب روسيا،ب الطبع، بناءً على بعض المصادر، كان من المفترض أن يكون هناك أشخاص من بين شعبنا الذين خدموا هذه الدولة الروسية،و هذا ممكن، لكن إذا أخذنا الشعب بشكل عام، فإننا نرى أن قسم من شعبنا، الذين لم يرغبوا في المشاركة في ذلك، أُجبروا على المغادرة إلى الدولة العثمانية، أو كما يقال عندنا (الي الجهة المقابلة)، جزء آخر من الناس، الذين كانوا يسكنون في السهوب والساحل الجنوبي، أُجبروا أيضًا على الهجرة من شبه جزيرة القرم لقد أُجبر مئات الآلاف من مواطنينا على ترك وطنهم الأصلي والهجرة إلى الدولة العثمانية.”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

 

عبد الرحمن سميلوف: أخذ الروس أبي ذات صباح ولم نره مرة آخري

يروي عبدالرحمن سميلوف الذي كان عمره وقت الترحيل ١٤ عاما حياته قبل أن يصعد قطار ستالين إلي جهة مجهولة فيقول ” ذات يوم وفي وقت مبكر من الصباح في الساعة الرابعة جاء الروس وأخذوا والدي لم نراه مرة أخرى، فأخذتنا خالتي إلي بيتها حيث كانت تعيش في مكان قريب، طوال هذا الوقت، كانت خالتي تعتني بنا كان اسم زوجها إسماعيل، كانت قريتهم كبيرة، في ذلك الوقت، لم يتم استخدام مصطلح “مهندس زراعي”، كان زوج خالتنا هو المهندس الزراعي الوحيد في مزرعتين جماعتين-كُولْخُوزٌين كانوا يهددونه لأنه ضمنا إليه و نحن أبناء “الكولاك، أجابهم زوج خالتي: هم أولاد صغار لا يمكننا طردهم.”

وفي النهاية مات زوج الخالة قبل بدء الحرب وبقي الأطفال الثلاثة وخالتهم بلا عائل.

يقول عبدالرحمن سميلوف “في هذا العام سيكون قد مر 79 عامًا منذ أن تم ترحيلنا من القرم. كان عمري في هذا الوقت 14 عامًا. كنا أولادًا، كنا نرعى الماعز في الجبال، استيقظنا في الصباح، وكنا ننوي إخراج الماعز إلى المراعي، أم كانت القرية في ذلك الوقت محاصرة بالكامل من قبل الجنود كانت المنطقة بأكملها في سياراتهم، في الصباح الباكر بقرعة شديدة على الأبواب اقتحم منزلنا ضابط و جنديان، كان الظلام لا يزال في الخارج قال لنا الضابط: لديكم 15 دقيقة للاستعداد، خذوا الأشياء اللازمة فلن تعودوا إلى هنا.”

ويضيف سميلوف”كانت أختي الكبرى تنهي دراستها، في ذلك الوقت تخرجوا بعد الصف السابع. نحن كنا صغارًا، و هي كانت تعرف بالفعل ما كان يحدث. أخذنا بعض الأشياء معنا، أردنا اصطحاب أطفال عمنا معنا، لكن لم يُسمح لنا بذلك تم إحضارنا إلى روسيا، إلى قرية برافدينسك، في منطقة بالاخنا بمنطقة غوركوسكي نيجني نوفغورود الآن، كنا نعيش هناك، تم نقلنا في عربات الشحن، كنا على الطريق لمدة 18 يومًا وفي الطريق لم نتغذى بأي شيء، عندما تم ترحيلنا، كانت العربات المزدحمة بالناس، لم تكن هناك مراحيض، كسر الناس الأرضية الخشبية في أحد الزوايا و نقبوها لقضاء حاجتهم وأغلقوا هذا المكان ببطانية.”

وتقول عديلة آميتوفا عن معايشتها داخل رحلة القطار”تم إحضارنا وإدخالنا إلى عربات،كانت العربات مليئة بالناس. لم يكن هناك مكان لرقود، يمكننا فقط الوقوف أو الجلوس،  كان وضع سيء للغاية، ومرض الناس. لقد مرضت جدتي. كان الأطفال المساكين يصرخون ويبكون. هكذا سافرنا. عندما توقف القطار، ركض كل من لديه القليل من القوة إلى الخارج لجلب بعض الماء. وإذا وجدوا شيئًا، أحضروه وأطعموا هكذا. لم أر أي شيء آخر غير السمك في العربات،  أتذكر كيف أعطونا السمك، أحضروها في كيس ووزعوها على الجميع، واحدة في كل يد.”

وعن حالة العربات داخل القطار تكون عديلة” كانت العربات مغلقة. لم تكن هناك نوافذ. كان الناس يبحثون عن بعض الثقوب على الأقل وحاولوا استنشاق الهواء النقي من خلالها، نثقب في قاع لنقضي الحاجات، نصبّ كل شيء إلى هناك وهكذا سافرنا، لا سمح الله لأي شخص آخر أن يمر بهذا يا الله! لم يكن هناك جنود في العربات. كانوا في العربات الخلفية. جاء الجنود عندما فتحوا أبواب العربات. فتحها الجنود بأنفسهم و أغلقوها.”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

عديلة أميتوفا: ماهي تلك الخيانة التي وصمونا بها!

تحكي عديلة أميتوفا عن تهمة الخيانة التي اتخذها الروس ذريعة للترحيل أولا ثم التشويه في مجتمعات التهجير الجديدة ليظلوا منبوذين حتي في تغريبتهم فتقول “تم ترحيلنا و هم يقولون: “تتار القرم خائنون، لذالك نطردكم، ما هي تلك “الخيانة”! الله وحده يعلم، لقد تم ترحيلنا من القرم ولكن عند وصول جنود السوفيتي كنا فرحين بمجيئهم اعتقدنا أن جيشنا قد عاد بعد الألمان لكنهم قاموا بترحيلنا، ما ذنبنا!.”

ثم تضيف عديلة مستنكرة ” آباؤنا و رجالنا، كانوا جميعًا يقاتلون في الحرب العالمية ولم يبق في القرم سوى الأطفال وكبار السن في المنازل، ماذا فعلوا؟ ما ذنبهم؟ كل هذا صعب جدا وغير معقول، لا يتناسب مع عقل سليم، نحن لسنا في عداوة مع أحد، نحن شعب دَؤُوبٌ و مكد، ليس لدينا عيوب، لا يوجد سوى مزايا هي جمال الخلق و الدَأبٌ في العمل.”

ثم ترفع عديلة نسخة من أوراق عتيقة للمصحف الشريف وتقول” نحن نؤمن بالله، نحن متدينون، لقد جاءت هذه النسخة من القرآن من جبال الأورال، أنا أخذته، حصلت عليه من الأشخاص الذين وصلوا إلى هناك بعد التهجير، أينما ذهبت لا أترك هذا القرآن أبدًا، فهو دائمًا معي، آخذه معي، هذه نسخة قديمة، ألق نظرة على الحروف من الواضح أنه قديم جدا أي شخص يستطيع القراءة سيفهم هذا، أنا لا أستطيع القراءة، ولكني دائما أحمله معي.”

لافيرنتيني بيريا صديق ستالين.. عراب مأساة ترحيل تتار القرم

كان عراب هذه المأساة هو لافرينتي بيريا أحد أقرب رجال ستالين إليه والذي تولى عام 1940، قيادة المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية ولعب دورا هاما أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.

واستغلالا لانشغال العالم بالحرب العالمية الثانية، ارتبط اسم القائد السوفييتي بيريا بالعديد من الجرائم كمذبحة كاتين (Katyn) التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من البولنديين وتم توثيق ما يرنو من 22000 جثة في مقابر جماعية بتلك المذبحة

كما نسبت إليه الأحداث الدامية ضد الشيشانيين والإنغوش إضافة للعديد من عمليات الترحيل الجماعية نحو المناطق النائية للاتحاد السوفيتي والتي أدت بدورها لسقوط أعداد هائلة من الضحايا الذين توفوا أساسا بسبب الجوع والمرض وكان على رأس هذه القائمة من الجرائم ترحيل تتار القرم

وكانت رسالة بيريا إلى جوزيف ستالين بـ استصواب قرار ترحيل شعب تتار القرم استنادا إلى عدم الرغبة في إقامة التتار على المشارف الحدودية للاتحاد السوفيتي، أحد أهم الوثائق السوفيتية التي أثبتت أن الترحيل كان بلا سبب سوى الاضطهاد العرقي والديني

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

رسالة موجهة من لافرينتي بيريا إلى جوزيف ستالين يثني فيها على قرارهبترحيل تتار القرم عن وطنهم لأنهم غير مرغوب بهم على حدود الدولة السوفيتية (1)

رئيس المجلس القومي لتتار القرم: مات نصف التتار أثناء الترحيل ولا نستطيع نسيان تلك الكارثة

وعن خطة تشريد تتار القرم يقول رفعت شوباروف رئيس المجلس القومي لتتار القرم في حواره ل”أخبار الآن” ” في ١٨ مايو ١٩٤٤ بدء تشريد تتار القرم خلال ٣ أيام، رحل جنود الجيش الأحمر الروسي المسلحين ٢٢٠ ألفا من تتار القرم، أبي وأمي كانا طفلين في ذاك الوقت والدي كان لديه ١١ عاما و أمي ١٠ أعوام، ولدت في سمرقند عام ١٩٥٧، أثناء الترحيل مات نصف التتار وهذه تعتبر كارثة إلي الآن لا نستطيع نسيانها، تتار القرم منعوا من العودة إلى أراضيهم حتى عام ١٩٨٩، من حاول الرجوع في كل مرة يتم ترحيله مرة أخرى وفي ذاك الوقت النظام السوفيتي حاول تغيير كل شئ في القرم بعد طردنا كل ما يذكر بالإسلام دمروا كل شئ و محوه، بالتأكيد من أي عائله من تتار القرم تسمعون الكثير من الحكايات و التفاصيل التي تنقل من الأجداد والآباء و نحن نعلم كل شئ من البداية.”

ويكمل شوباروف وصفه لأحداث مأساة ترحيل التتار داخل قطار ستالين فيقول “عندما دخل الجنود إلى منازل التتار في الرابعة أو الخامسة صباحا بضرب الأبواب بعقب السلاح حيث دخل الجنود وبدأوا في ترحيل تتار القرم، نحن نعلم كل التفاصيل التي حكاها لنا الآباء والأمهات كيف حدث الترحيل وكيف مات الناس في الطريق ولم يسمحوا بدفنهم و إنما تم إلقاء جثثهم من القطار رحلوا الناس في حراسة الجنود لأسابيع إلى آسيا الوسطى و الأورال وسيبيريا، إنها تفاصيل فظيعة، حكوها لنا .”

عديلة أميتوفا: أدعو أن لا يرى أحفادنا ما رأيناه في الماضي

وإلي جبال الأورال أتت عديلة، طفلة ذات 9 سنوات، كان حريا بها أن تتعلم في المدرسة كباقي آقرانها من الروس الذين شغلوا مكانها في مدرستها بالقرم فتقول ” في السنة الأولى من الترحيل لم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة لا أملك ملابس ولا حذاء، عندما كنت في العاشرة من عمري، ذهبت إلى الصف الأولكان أخي رفعت يبلغ من العمر ست سنوات، عندما بلغ السابعة من عمره، ذهبنا إلى نفس الفصل معًا”

تحمل عديلة بيدها صورة فوتوغرافية قديمة وتشير قائلة “هنا أخي رفعت، هنا أنا، أنظر، أنا أجلس في المركز وكأنني معلمو فقد كان عمري 10 سنوات.”

ثم ترفع عديلة صورة آخرى من ألبوم ذكرياتها بالمهجر وتقول “تم التصوير هذه الصورة أيضًا في جبال الأورال،هنا عمري 18 سنة، لتصوير هذه صورة، استعرت هذا الفستان من أحد الجيران. لم يكن لدينا ملابس،ذات مرة حين كنت أعمل جبال الأورال، انطلق الغصن من الفأس بيدي وضرب امرأة روسية.فقالت لي: أنت يا خائنة، أخذت الفأس و تأرجحت عليها، قلت: من الخائنة؟ أنت لا تعرفين شيءلقد غربت عني و بعد ذلك، لم يفتح أحد فمه ولم يتفوه بكلمة، هكذا أطلقوا علينا لقب الخونة.

نحن لسنا الخونة،نحن نعيش في وطننا، في أرضنا و نضحى بأرواحنا من أجل أرضنا، نرجو ألا يحرمنا الله من أرضنا بعد الآن وفقنا الله. حتى لا يرى شبابنا و أطفالنا وأحفادنا ما رأيناه و اختبرناه.”

أبناء الأطفال المهجرين في قطار ستالين صاروا زعماء للتتار

بعض أبناء التتار لم يكونوا في القطار ولكن أمهاتهم كن هناك وحكوا لهم عما رأوه عن رحلة سلب الوطن من عيون الأطفال داخل قطار ستالين

فصنعت حكايا الأمهات من أطفالهن زعماء يقاتلون يكافحون من أجل الوطن ومنهم الزعيم التتري مصطفى جميلوف المرشح لجائزة نوبل و رفعت شوباروف رئيس المجلس القومي لتتار القرم

يقول الزعيم التتري مصطفي جميلوف في حواره لأخبار الآن”في فترة الترحيل الكبير كان عمري ٧ شهور لذا لا أذكر شئ لكن كل هذه الأعوام في المنازل عندما نجتمع يكون الحديث عن القرم وكيف كان الترحيل لذلك نحن نعي و نعرف جيدا كل التفاصيل، في الصباح الباكر في الرابعة أو الخامسة هجم الجنود على منازل التتار و بعقب السلاح على الأبواب وأخذوا الجميع الي الشاحنات و من ثم إلى القطارات والي آسيا الوسطى.”

مصطفى جميلوف: مات الكثير من التتار علي طريق قطار ستالين ولم يجدوا من يدفنهم

ويضيف جميلوف “وضع كل المرحلين تقريبا كان متشابه، جمعوهم ورحلوهم داخل قطارات الماشية، وسافرت هذه القطارات حوالي شهر ونصف من القرم إلى آسيا الوسطى و الأورال وسيبيريا و تم التوزيع عشوائيا كما يريد الروس، مات الكثيرون بالطريق وأن يتم دفعهم من القطار لكن الأصعب كان في مناطق الترحيل وهنالك مات الكثيرون ولم يجدوا من يدفنهم وحتى من دفن تأتي الذئاب ليلا و تنبش القبور.”

 

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

شوباروف: رحلوا التتار في قطارات المواشي وسكبوا الماء على الأرض كي لا يشربوا

أما رفعت شوباروف فيحكي قصة كانت والدته بطلتها داخل قطار ستالين فيقول”سوف أحكي لكم حدث حكته لي أمي، تم ترحيل البشر في قطارات المواشي،إنها ليست للبشر وقد تم دفعهم إلى المقطورات و إغلاق الأبواب عليهم نساء وكبار السن والأطفال كلهم مع بعضهم كانوا يدخلون المرحاض في أحد الأركان.”

ويكمل شوباروف”أمي قالت لي كانت هناك جدة لم تستطع الوصول إلى المرحاض لوجود أناس بالرغم من تغطية المنطقة بقطعة قماش، هذه كانت رحلة بحراسة المسلحين و مرة أو مرتين في اليوم يوقفون القطار و يفتحون المقطورات ويسألون هل يوجد ميتون؟ إذا كان هناك ميتا فيسحبوه باستخدام عصا طويلة يرموه من القطار.”

ويضيف شوباروف روايته لقصة أمه من داخل قطار ستالين فيقول” أمي حكت لي أنه في يوم من الأيام رموا لهم سمكا مالحا للأكل واكله الأطفال لأنه لم يوجد شئ آخر وبعد ذلك أرادوا شرب الماء و لم يكن هناك ماء عندما توقف القطار أمي كانت طفلة صغيرة فرفعها بعض الرجال لاعلي لوجود فتحة في سقف القاطرة و سألوها ماذا ترين؟ وهي ردت عليهم أنها ترى امرأة وهذا كان بروسيا لكنها لا تعلم أين

فقط تري سيدة تقف فقال لها أحد المسنين اطلبي منها ماء و صارت أمي تنادي سو سو (سو باللغة التترية ماء) عندها صاح المسن لا لا قولي ماء باللغة الروسية هذه السيدة سمعت النداء ولكنها اختفت و أمي لم تراها من تلك النافذة و بعد ذلك جاءت السيدة ومعها ابريق على الأغلب كان به ماء، جاءت هذه السيدة إلي المقطورة و أمي لم ترها وهنا قال الجندي شيء لهذه السيدة و صاح و في هذه اللحظة أمي قالت إنهم سمعوا صوت صب الماء على الأرض، أنا أعيش هذه الذكريات طوال عمري.”

وصول قطار ستالين إلى وجهته المجهولة وحياة صعبة للتتار في المهجر

ماذا بعد أن وصل القطار إلى محطة التهجير المجهولة، كيف كانت حياة هؤلاء المشردين منزوعي الهوية؟ في حين تم ترحيلهم من الشمس والزروع و الحدائق الغناء التي رويت بأيادي الأباء والأجداد إلى ثلوج سيبيريا وما شابهها من أراضي لم تحمل لهم إلا بردا ورعشة مازالت تصاحب أصواتهم حتى اليوم

يقول عبدالرحمن سميلوف “تم إحضارنا إلى روسيا، إلى قرية برافدينسك، في منطقة بالاخنا بمنطقة غوركوسكي نيجني نوفغورود الآن، كنا نعيش هناك تم نقلنا في عربات الشحن، بدأ الناس العمل هناك، كانوا يعيشون في بؤس- 4 عائلات في غرفة واحدة، لم تكن هناك أحذية على سبيل المثال،كانوا يستعيرون الأحذية من بعضهم البعض إذا احتاجوا للذهاب إلى السوق ولم يُسمح لنا بالسفر خارج منطقتنا، و تم فرض حظر التجول، وكان لزاما علينا الذهاب للتسجيل كل 5-10 أيام عند الكُومَانْدَان، إذا غادر شخص ما منطقته دون إذن، يحق للقائد الكُومَانْدَان سجن هذا الشخص لمدة أسبوعين، وهكذا فعلوا بي، وضعوني في زنزانة عقابية ثم أطلقوا سراحي بعد أسبوعين، لم يكن مسموح لك بالسفر خارج المنطقة، كان أخي الأكبر يعمل في قطع الأشجار، هناك صورة له هنا.”

يحمل سميلوف صورة أخيه ويتنهد تنهيدة أليمة ثم يقول”شعبنا عُذِب كثيرا، كنت أذهب كل يوم إلى المنظمة النقابية، أنام في الممر و لكن لم يوظفوني، قالوا إنك صغير جدًا. كان عمري 14 عامًا

وفي المنظمة النقابية قضيت الليالي مع الحارس، في النهاية تم تعييني متدرب عند الدهان. لفترة طويلة كنت أعمل هكذا، حتى توفيت خالتي عام 1947، لقد تركت وحيدا، في ذلك الوقت تزوجت أختي الكبرى أنا ما ذهبت للعيش معهم، كانت أختي الكبرى تعمل قاطعة الأشجار في المنطقة غَرَدِتْسْكِي. هي جاءت من هناك إلى القائد الخاص لتسأله السماح لي بالذهاب معها، هي كانت ذاهبة إلى زوجها إلى مدينة تولا

لم يسمح القائد الخاص لي بالذهاب قال: “إنه يبلغ من العمر 14 عامًا، لم يعد ممكنا، ثم هربت من هناك.”

ويكمل سميلوف”كانت هناك بيوت للكلاب في عربات القطار الأمامية، اختبأت في مثل هذا البيت وذهبت إلى تولا منطقة دونسكوي، المنجم رقم 25، كان زوج أختي مدرسًا. جئت إليهم، وجدت أختي لي العمل، كان رئيس المنجم جورجيًا، صنعوا لي جواز سفر بعد 5 سنوات كنت أعمل في منجم تحت الأرض، ولم يكن هذا ممكنا هذا ممكنا إلا بعد 18 عامًا من العمر وفي الصباح، عندما عدت من العمل من الدوام الثالث، كان هناك شخصان ينتظراني كان هذان الاثنان من الشرطة، أخذوني بعيدا، وحكموا علي 8 سنوات وتم ترحيلي إلى سيبيريا لقطع الأشجار، كان هناك شخص آخر من شعبنا – كريم أغا ،عملت معه في قطع الخشب لفترة قصيرة، كان لديّ مهنة وعملت في لصق اطارات سيارات وصل البرد هناك إلى 53 درجات تحت الصفر و لكن ليس هناك ريح، لقد حصلنا على ملابس خاصة: السراويل القطنية، كنزة من النوع الثقيل، جاكت دافئ و غطاء للأذن

كنت أرتدي قفازات من شعر الإبل وعليها كنا نرتدي قفازات عمل لقد كان الجو باردا جدا، كان يجب أن يطلق سراحي عام 1960، لكن تم إطلاق سراحنا في وقت سابق، في عام 1954، بعد وفاة ستالين”

وعن شكل الحياة التي اختارها الروس لهم في المهجر تقول عديلة “تم إنزالنا جميعًا في مكان في جبال الأورال، ثم وضعونا جميعاً في التسقيفة، وهي عبارة عن غرفة واحدة – في زاوية منها عائلة واحدة، وفي الأخرى – عائلة أخرى وفي الغرفة الواحدة 3-4 عائلات في الصباح، ذهبت والدتي للبحث عن جدتي في المستشفيات لأنهم قالوا إنهم سينقلوها إلى المستشفى. تجولت بحثًا في جميع المستشفيات – لم تجدها حية أو ميتة ما زلنا لا نعرف أي شيء عنها. لقد مر من يومين إلى ثلاثة أيام، وأنا طفلة في التاسعة من العمر ذهبت لأتسول، أمي خيطت لي كيسًا. فذهبت إلى أبواب الروس المحليين من أعطى بضع بطاطس، ومن أعطى قطعة خبز. هكذا تم إنقاذنا”

كنت طفلا في قطار ستالين.. معمرون تتار يروون مأساة ترحيلهم

نهج الروس مع تتار القرم.. اتهامات بالعمالة يتبعها مذابح وتهجير

مذابح وتهجير ثم مذابح وتهجير، يسبقها اتهامات بالعمالة مرة وأخرى اتهامات بالارهاب، شباب يقتل وآخرون في السجون فهل تنسي روسيا بكل قمعها أولئك التتار وطنهم المسلوب وهل يستطيع حقا بوتين أن يحرم أرض الوطن على جثة أبنائه ويمنعهم من أن يدخلوا وطنهم أحياءا أو أمواتا كما فعل مع جميلوف؟

يقول مصطفي جميلوف الزعيم التتاري الممنوع من الدفن في وطنه بآمر من بوتين “تحدثت مع بوتين في مارس ٢٠١٤ لمدة ٤٥ دقيقة قال لي بوتين أننا سوف نكون سعداء في ظل الحكم الروسي وانه سوف يعمل علي حل جميع مشاكلنا و قال لي هذه الكلمات:”ما لم تستطع أوكرانيا فعله لكم خلال ٢٣ عاما سوف أفعله في خلال عدة أشهر لأننا دولة غنية و قوية”

قلت له: “إذا كنت تود أن تفعل لنا شئ جيد خذ جنودك و غادروا أرضنا بعد ذلك تم منعي من دخول القرم لمدة ٥ أعوام وبعد أن نفذت ال٥ أعوام جددوا المنع لمدة ١٥ عام لذا أنا ممنوع من دخول القرم إلى عام ٢٠٣٤ وأنا أعلم أني لن أعيش حتى ذلك الوقت، لديهم قانون منذ زمن الاتحاد السوفيتي ينص أنني إذا مت في هذه الفترة حتى جثماني سيكون ممنوع من الدخول وسوف يمنعون دفني على أرض القرم، لدي من العمر ٧٨ عاما و لكني أشعر أنني سوف أعيش أكثر من بوتين وأنا سوف أعيش في القرم المحررة لان بدولتنا توجد العدالة والقانون الدولي وتعاطف كل العالم المتحضر ومعنا الله.”

عيسى أكاييف: ورثت الثأر عن آبائي وأجدادي وسوف أورثه لأبنائي وأحفادي

عيسى أكاييف هو قائد الكتيبة التترية المقاتلة على الجبهة الأوكرانية في الحرب مع روسيا  يقول أكاييف عن وطنه القرم”الشباب التتاري المعاصر يتفهم ولكن للاسف البعض يخاف على نفسه و انا لا اسمي هذا جبنا فالكثيرون يفضلون الصمت، في التسعينات عندما عاد التتار إلى القرم اعلنت 18 مايو 1944 كيوم حداد والكل يتحدث عن تلك الأيام ولكن في طفولتي أتذكر أن الكثيرين كانوا يخافون الحديث عن الترحيل ولا يودون ذكره هذا الثأر ليس لأجدادي فقط انه لكل امتي لأنهم اغتصبوا اراضي امتي و نكلوا بهم و هو ثأر نتوارثه فانا قد حكت لي جدتي ما فعلوه بنا و انا سوف احكي لابنائي و لاحفادي كذلك حتى لا تموت هذه الذكرى فكل أمة لابد لها أن تعرف من صديقها و من عدوها”

أولئك الشباب والنساء والأطفال ممن ركبوا قطار استالين أكملوا حياتهم ووجوههم ملتفتة للوراء في مؤخرة القطار هناك صورة الوطن مازالت عيونهم هناك حملوها بصورة الوطن و أورثوها لأحفادهم الذين نقلوها للأجيال الجديدة ليوصلوا للعالم رسالة أن “الأوطان لا تنسى” حتى وإن تم تحميلها داخل قطار مغلق إلى جهة غير معلومة