قطار المفاوضات النووية يقترب من النهاية

المرحلة صعبة وحاسمة وسيتعين على الولايات المتحدة اتخاذ الموقف النهائي، هذا هو التحذير الذي ينطق به لسان حال المسؤولين الأمريكيين قبل الاستعداد لجولة أخرى من التفاوض مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي أو وضع اتفاق جديد.

ومع استمرار التعنت الإيراني وعدم الاستجابة تؤكد الإدارة الأمريكية أن نهاية فبراير قد تكون المهلة الأخيرة لإحراز اختراق حقيقي وإلا فإن واشنطن ستعلن فشل المفاوضات وتغيير المسار وهذا معناه انتهاء الاتفاق والعودة إلى الحال الذي كان قبل العام 2015.

تصدر إشارات مختلفة من الجانبين تتعلق بالمفاوضات إحداها من الجانب الإيراني وتقول إن الكثير تحقق لكن المطلوب هو الانتهاء من كل نقاط التفاوض قبل الإعلان عن النجاح في الوصول إلى نتيجة نهائية.

وقد تحاول إيران استغلال انشغال الولايات المتحدة بأزمة أوكرانيا وتطن أن بإمكانها فرض شروط جديدة أو حتى تحسين شروط التفاوض الحالية.

قد يكون هذا الاحتمال هو ما دفع الرئيس إبراهيم رئيسي للإشارة في خطابه يوم الجمعة الماضي بمناسبة ذكرى الثورة أن إيران لا تعلق آمالا على محادثات فينا.

هل تعني العودة إلى حال ما قبل الاتفاق أن يتم ترك إيران تفعل ما تريد في المجال النووي؟ من المؤكد أن الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى لن تقبل بأن يكون البديل لإخفاق المفاوضات عودة إيران إلى حالة من الفلتان النووي. لكنه لن يعني أيضا أنها ستتعجل استخدام القوة العسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية أو أنها ستعطي إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بذلك.

لكن واشنطن ستشدد العقوبات الاقتصادية وتجد التأييد الكافي واللازم من شركائها الأوروبيين بانتظار ما قد يتبع ذلك.

أعطت إدارة بايدن الكثير من الوقت لهذه المفاوضات ومدت الحبل طويلا لإيران. ومع أن الرئيس الأمريكي يجد تأييدا من الديمقراطيين في الكونغرس إلا أن هذا التأييد لا يبدو انه سيستمر كثيرا مع بقاء المفاوضات تراوح مكانها.

فأي تغير في تركيبة الكونغرس بعد الانتخابات النصفية القادمة قد تجعل الأمر شديد الصعوبة على الرئيس للتوصل إلى اتفاق.

ومنذ الآن هناك بعض أعضاء في الكونغرس اخذوا يعارضون سياسة بايدن تجاه إيران التي يرون فيها مهادنة ويطالبونه باتخاذ مواقف أكثر تشددا.

وكثيرون من أعضاء الكونغرس أخذوا يتحدثون علانية عن عدم ارتياحهم لمسيرة التفاوض مع إيران.

ومع أن خلفية هذه المواقف قد تكون بتأثير من اللوبي الصهيوني إلا أن المواقف الإيرانية نفسها ما زالت تثير الشبهات أيضا.

ويضغط الكونغرس لأجل إشراكه في تفاصيل المفاوضات والاتفاق في حال تم التوصل إليه. وعدم إشراك الكونغرس والحصول على مواقفته التامة معناه أن أي اتفاق يتم التوصل إليه قد يكون عرضة للإلغاء إذا ما جاءت إدارة جمهورية بعد انتخابات 2024.

فالجمهوريون في الكونغرس يرون أن اتفاق 2015 كان ضعيفا وضارا بمصالح الولايات المتحدة ولم يكن ليمنع إيران من تصنيع وامتلاك السلاح النووي.

كما انه لم يكن يغطي أسلحة إيران الأخرى من الصواريخ البالستية التي تهدد جيران إيران وتضر بالسلام الإقليمي.

الخلافات المتعلقة بمفاوضات الاتفاق لم تبرح النظام الإيراني نفسه أيضا.

فهناك نوع من البلبلة والتململ في أوساط النخب الإيرانية وبدأت تظهر انقسامات بين السياسيين أنفسهم.

وكشفت مصادر إيرانية معارضة أن سعيد جليلي الذي كان يقود الفريق الإيراني في المفاوضات النووية في بعض المراحل يتدخل في مسيرة التفاوض إلى درجة أن وزير الخارجية الحالي اخذ يطالب بأبعاد جليلي بأمر رسمي عن التدخل في مسيرة المفاوضات.

لكن وزارة الخارجية مع ذلك نفت وجود رسالة شكوى من الوزير إلى المرشد تتعلق بتدخلات جليلي في مسار المفاوضات النووية.

مع ذلك تواصل إيران أن تجعل الكرة في مرمى الولايات المتحدة عندما يتهم سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني الإدارة الأمريكية بأنها تفتقد الانسجام في مواقفها إزاء الاتفاق النووي محاولا إبعاد الأنظار عن تخبط النظام الإيراني نفسه في مواقفه من الاتفاق.

فما الذي يجعل إيران تتخذ مثل هذه المواقف؟ ليس فقط تعنتها ولكن أيضا ما يصدر عن الإدارة الأمريكية نفسها أحيانا من تصريحات توحي بأن واشنطن بحاجة إلى الاتفاق أكثر من حاجة طهران إليه.

وعندما يقول المبعوث الأمريكي لشؤون إيران أن العودة إلى الاتفاق هي في مصلحة الولايات المتحدة لأنه بدون اتفاق ستظل إيران غير منضبطة في الشأن النووي.

ولكن في حال فشل المفاوضات عند وصول مرحلة الحسم في نهاية فبراير الحالي كما يقول الخبراء هل معنى هذا أن إيران أصبحت حرة في نشاطها النووي؟ بالطبع لا فهذا حال لن يكون أبدا ولن يرضى به المجتمع الدولي.

عندها ستكون إيران عرضة لظرفين الأول أنها قد تكون عرضة لضربة عسكرية أمريكية أو ضربة إسرائيلية أو أمريكية إسرائيلية مشتركة مع أنه لا بوادر واضحة لمثل هذه الضربات حتى الآن.

والظرف الثاني هو أن تزداد العقوبات الاقتصادية عليها وتشارك في هذه العقوبات معظم الدول الغربية.

فهل تحتمل إيران المزيد من العقوبات؟ الاقتصاد الإيراني في أدنى مستوياته والتضخم مرتفع للغاية وكذلك نسبة الفقر والبطالة.

والقدرة الشرائية للإيرانيين متهاوية وبحسب بعض المصادر الإيرانية فإن المجتمع الإيراني على وشك الانفجار.

وبحسب هذه المصادر فإن الإيرانيين انقسموا بين طبقتين إحداها الأغنياء والأخرى المحرومون الذين لا يملكون شيئا ليخسروه وسيكونون وقود أي انتفاضة ضد النظام.

وقد كان ملفتا للانتباه ما قاله رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني في كلمة له في مناسبة ذكرى ابن سينا وتطرق فيها إلى أحوال إيران الراهنة عندما قال إن الجمهورية تواجه التراجع والانهيار.

مفاوضات فيينا وصلت الآن إلى محطة فارقة وقد تكون الأخيرة، ومع أنه من المؤكد أن الطرفين يرغبان في الوصول إلى اتفاق هما بحاجة إليه فإن الفشل في الوصول إلى اتفاق حسبما قالت مصادر الوفد الأمريكي سيجعل عودة الولايات المتحدة إلى التفاوض مجددا مستحيلة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.