مفاوضات فيينا والمشهد في إيران

كان تعليق مفاوضات فينا بخصوص الاتفاق النووي الإيراني فرصة وربما فرصة أخيرة لكي تراجع الأطراف المشاركة في المفاوضات مواقفها فهي محتاجة لذلك لأنها وصلت إلى مرحلة تحتاج فيها إلى قرارات سياسية.

فقد وصلت المفاوضات إلى مراحلها النهائية ورشحت مؤشرات على احتمال التوصل إلى اتفاق لكن الوفود باتت بحاجة إلى موافقات من حكوماتها على ما توصلت إليه.

وعندما يعود فريق التفاوض الإيراني إلى فينا في الأسبوع القادم فقد يحمل قرارات جديدة تساعد على الوصول إلى نهاية سعيدة للمفاوضات يتوقع أن تكون في أواخر شهر فبراير المقبل تنقل العلاقات بين إيران والغرب إلى مرحلة جديدة.

ما الذي تغير في المواقف الإيرانية حتى يجعل الوصول إلى الاتفاق قريبا؟ لا بد أن العقوبات الأمريكية القاسية كانت العامل الأكبر الضاغط على حكومة رئيسي وكان لها تأثير كبير على البلاد. فقد جعلت هذه العقوبات الاقتصاد الإيراني قريبا من الانهيار والضغوط التي عاني منها الإيرانيون باتت لا تحتمل.

وهذا دفع إيران للعودة في مواقفها إلى ما كانت عليه المفاوضات عند توقفها في شهر يونيو الماضي أي أنه يمكن القول إن فريق التفاوض الإيراني الذي تشكل بعد تولي الرئيس الإيراني الجديد عاد إلى ما وافق عليه فريق التفاوض أيام عهد الرئيس السابق حسن روحاني وقد استفاد من خبرات ذلك الفريق.

أحد محللي السياسات الإيرانية يرى أن قبول إيران بقيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعادة تركيب كاميرات مراقبة في بعض المنشآت النووية الإيرانية دليل على مرونة جديدة في مواقف إيران التفاوضية.

ولا شك أن إدارة الرئيس رئيسي اكتشفت أن التشدد لن يكون مفيدا وليس في مصلحتها.

ولا بد أن هذه الإدارة ترغب في أن تكون هي التي تتوصل إلى الاتفاق في النهاية وليس أي هيئة أخرى قد ينقل إليها ملف الاتفاق.

فمن المعروف في إيران أن هناك الكثير من الملفات التي لا تتولاها الحكومة بل تم وضعها بيد هيئات مستقلة تتبع المرشد مباشرة مثل الملف الأمني وملف الحرس الثوري.

بالتزامن مع هذه التطورات شهدت إيران تحركات مثيرة للانتباه خلال الأسابيع القليلة الماضية كان أبرزها اللقاء الذي جمع الرئيس السابق حسن روحاني مع المرشد الإيراني.

فهذا اللقاء لم يكن بروتوكوليا لأن اللقاء البروتوكولي مع الرئيس السابق تم قبل ذلك بكثير مع أعضاء الحكومة السابقة.

أما هذا اللقاء فكان يحمل أهمية خاصة لأن له علاقة بمحادثات إيران النووية.

وبحسب ما تسرب عن تفاصيل اللقاء فقد كان محوره الرئيسي التحذير من الأوضاع الاقتصادية المتردية ومخاطر انهيار الاقتصاد تصب في جانب الضرورة المطلوبة للتفاوض بمرونة بخصوص الاتفاق النووي مع الغرب لأن العودة إلى الاتفاق كما يرى روحاني هو المدخل الذي سينقذ الاقتصاد.

لم يكن هذا اللقاء مجرد لقاء شخصي. فالرئيس السابق عضو في جماعة تسمي نفسها “الحكماء” ومعه في الجماعة رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني وآخرون من أعضاء البرلمان السابقين. وهذه الجماعة تحاول بين وقت وآخر تقديم المشورة إلى المرشد.

وهذه الجماعة ليست جديدة على إيران فهي موجودة منذ عقود وقد سبق أن قابلت الخميني عام ثمانية وثمانين من القرن الماضي ونصحته بقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب مع العراق.

ومع أن الاقتراح في حينه لم يعجبه وأمر بوقف نشاط الجماعة إلا أنه أخذ برأيها ووافق على وقف اطلاق النار.

وهذه المرة مثلما فعل الخميني طلب الخامنئي من روحاني وقف لقاءات الجماعة لكنه قد يقبل بالأفكار المتعلقة بالعودة إلى الاتفاق النووي لأن ذلك سيكون الخطوة الأولى نحو إنقاذ الاقتصاد الإيراني وتوسيع التعاون مع أوروبا. ما إذا كان خامنئي اقتنع بمقترحات روحاني أم لا ستظهر نتائجها لاحقا. وقد كان من المتوقع أن يتم تعيين روحاني رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام فإذا تم ذلك في المدى القريب فقد يكون مؤشرا على توافق بينه وبين المرشد. قد يكون لمشورة جماعة الحكماء تأثيرها الذي سيسري ببطء في جسم النظام. وقد لاحظ كثيرون أن الحكومة أخذت تبتعد قليلا عن مواقفها المتشددة في المفاوضات. قد لا تستطيع التغيير الجذري والفوري لكن التغيير سيحدث تدريجيا وبتدخل أصدقاء إيران الذين يشاركون في التفاوض.

من الملفت في إيران خلال الأسابيع الماضية كان لقاء الرئيس مع آيات الله في مرجعية قم.

فقد ذهب الرئيس إلى قم والتقى عددا من آيات الله هناك سعيا للحصول على دعمهم في مواجهة سيل الانتقادات التي توجه إلى حكومته سواء في البرلمان أو الصحف لكنه في الواقع سمع منهم كلاما ربما لم يعجبه.

فقد طالبوه بالعمل على حل المشكلات بصورة جدية والعمل على وقف عزلة إيران في العالم.

وفق الصحافة الإيرانية دعا آية الله لطف الله صافي الرئيس لإطلاق رسالة سلام وصداقة إلى العالم وأن يركز على الأوضاع الاقتصادية للبلاد.

أما آية الله عبدالله جوادي أمولي فقد طلب من الرئيس التفاوض مع العالم لأن إيران لا يمكنها أن تظل معزولة.

وفسرت هذه الدعوة على أنها انتقاد لرفض الحكومة التفاوض مع الولايات المتحدة.

من المعروف أن صنع القرار في إيران يمر في مراحل مختلفة لكن الكلمة العليا دائما للمرشد لكنه بالتأكيد لا يستطيع أن يعلن مرة واحدة موقفا جديدا مناهضا لمواقفه المتشددة السابقة لذلك فإن اتخاذ موقف مرن لتسهيل التفاوض والوصول إلى نتيجة سيحتاج بعض الوقت.

بات واضحا أن التحذير من تدهور الوضع الاقتصادي مرتبط بتأخير الوصول إلى اتفاق.

فالاقتصاد الإيراني لم يعد يحتمل المزيد من العقوبات وكذلك لن يحتمل تعرض إيران لاي ضربة عسكرية فالأمور وصلت حدا لا يمكن تحمله من حيث الفقر والبطالة والتضخم وغلاء الأسعار.

وقد وجه عدد من أعضاء البرلمان الإيراني انتقادات للرئيس على فشل سياساته الاقتصادية.

وكشفت صحف المعارضة أن التيار الأصولي الذي ينتمي إليه الرئيس الذي كان يهدد المؤيدين للتفاوض بات الآن أكثر حماسة للتفاوض ويعتبرها عامل خلاص وإنقاذ للبلاد من وضعها الراهن. وانتقدت صحف المعارضة امتناع الحكومة عن إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة وترى أن حكومة رئيسي باتت تقع في ذات الأخطاء التي وقعت بها حكومة احمدي نجاد.

كل هذه الظروف والتحركات قد تدفع نحو تغيير المواقف المتشددة في المفاوضات إلى مرونة تسهم في العودة إلى الاتفاق. فأي تأخير في الوصول إلى نتائج إيجابية للمفاوضات يعني زيادة الخسائر والأضرار التي تتحملها إيران.

الرئيس الإيراني يبدو محاصرا من عدة جهات وافتقاده للخبرات الإدارية قد تسقط رئاسته مبكرا.

الضغوط الاقتصادية الهائلة وضغط المعارضة الداخلية والتأثيرات السلبية الناجمة عن ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانتقادات رجال الدين قد تحدث فروقا مهمة وقد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة قد تدفع الرئاسة الإيرانية لتغيير مواقفها والانتقال إلى المرونة لأن هذا على ما يبدو سيكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ البلاد وبالتالي إنقاذ النظام.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.