الفاغنر في مالي يعمق الهوة بين الجزائر وفرنسا

عند ترشحه للرئاسة، أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يسعى لعلاقة ودية مع الجزائر، ليصبح أول رئيس فرنسي لم يولد في زمن الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبالتالي أبدى استعداده للبدء من جديد، لتتحسن العلاقة بين باريس والجزائر في عهده حتى تحولت إلى 180 درجة قبل شهر. ومن المثير للاهتمام أن سبب الأزمة الأخيرة بين الدولتين المتعاديتين سابقًا يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، مالي.

قبل هذه الأزمة الخطيرة الأخيرة التي بدأت في سبتمبر، كانت هناك قضية شائكة تعكر صفو العلاقات الفرنسية الجزائرية. أشارت تقارير عديدة على مدى السنوات السبع الماضية إلى أن الزعيم الجهادي والعدو الأول لفرنسا إياد أغ غالي، قد تم إيواؤه في الجزائر على الحدود مع مالي. كثيرا ما اشتكت وزارة الدفاع الفرنسية من أن النظام الجزائري أنقذ حياة “آغ غالي” عدة مرات عندما طاردته القوات الخاصة الفرنسية.

في الواقع، منذ العام 2014، كان من الممكن أن يُقتل “أغ غالي” على يد الجيش الفرنسي، لكن الجزائر أخبرت فرنسا أنها ستتولى أمره، لكن من الواضح أنهم لم يفعلوا ذلك، وقد طلب الرئيس الفرنسي ماكرون من الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة عدة مرات التعاون للقبض على “آغ غالي” أو قتله، ولكن دون جدوى.

وبحسب بعض المصادر، فأن أكثر الإرهابيين المطلوبين في منطقة الساحل يخضعون لحماية من قبل السلطات الجزائرية، ولم تساعد الجزائر تاريخياً عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، رافضة بشكل قاطع مرارًا وتكرارًا الانضمام إلى مجموعة مكافحة الإرهاب الإقليمية المكونة من خمس دول في منطقة الساحل، والتي يطلق عليها مجموعة دول الساحل الخمس.

حدثت نقطة التحول التي دفعت العلاقة بين باريس والجزائر إلى أدنى مستوى تاريخي عندما تبين أن مجموعة الفاغنر المرتبطة بالكرملين، كانت بصدد إبرام صفقة ضخمة لإرسال قوة قوامها 1000 فرد لدعم المجلس العسكري في مالي. سيكسب الفاغنر 10.8 مليون دولار شهريًا لتدريب القوات وحماية كبار الشخصيات في النظام. من المحتمل أيضًا أن يكون هناك وصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب. إذا تم التوقيع على الصفقة بالفعل، ستشكل هزيمة جيوسياسية كبيرة لفرنسا.

لكن ما علاقة الجزائر بهذه الصفقة بين روسيا ومالي؟

تعتبر مالي أولوية بالنسبة للجزائر، ليس فقط لأنها تشترك في حدود بطول 1300 كيلومتر، ولكن أيضًا بسبب الصورة الأمنية ووجود فرنسا، وقريبًا حليف طويل الأمد روسيا. لا تزال روسيا من بعيد أكبر مورد للأسلحة للجزائر، بل أكثر من ذلك الآن بعد أن ارتفع الإنفاق على الأسلحة بنسبة 64٪ في الجزائر بين عامي 2016 و2020، ويجري العمل على عقد أسلحة ضخمة ربما تصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار بين البلدين، فضلًا عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين في المرسى الكبير وأوسيتيا الجنوبية.

إضافة لما سبق، الجزائر ملتزمة بالسيطرة على شمال مالي بعد رحيل فرنسا. وهكذا، فإن قائد الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، كان له دور فعال في إقناع الجيش المالي بإحضار مرتزقة الفاغنر. سافر مسؤولون عسكريون جزائريون إلى روسيا في سبتمبر للتعبير عن ارتياحهم لعقد الفاغنر المحتمل، وقدموا أيضًا مساعدة لوجستية مباشرة على الأرض في مالي، خاصة إذا انتهى الأمر بامتلاك روسيا قاعدة عسكرية في البلاد. في الواقع، الفاغنر هي الحل الأمثل للجزائر لأن الجنرالات الجزائريين البارزين مترددون تمامًا في إرسال قواتهم إلى مالي.

وبحسب Algerie Part Plus فإن مصادر داخل الجيش الجزائري وفي وزارة الخارجية الجزائرية أوضحت أن الجزائر وافقت على تمويل 70٪ من عقد الفاغنر الروسي المحتمل مع مالي. من بين أهداف الجزائر العاصمة طرد فرنسا من مالي والتأثير على المجلس العسكري الجديد في باماكو. يمكن أن يفسر هذا سبب غضب ماكرون وانتقاده للجزائر للتنديد بـ “النظام العسكري السياسي” الذي يحكم الجزائر منذ رحيل فرنسا في عام 1962.

لم تستغرق الجزائر وقتًا طويلاً في استدعاء سفيرها في فرنسا بسبب تصريحات ماكرون الأخيرة بشأن النظام، هذا على الرغم من العلاقة الجيدة جدًا التي أقامها ماكرون مع الرئيس الجزائري تبون، لكن الشخص الذي يقود الهجوم بإجراءات قوية مناهضة للفرنسيين هو قائد الجيش شنقريحة، وهو الذي قرر منع الرحلات الجوية الفرنسية من التحليق فوق الأراضي الجزائرية في طريقها إلى منطقة الساحل، دون تحذير باريس من أن هذا الإجراء العقابي قد تم وضعه. علمت فرنسا بذلك على الفور فقط عندما أمرت السلطات الجزائرية أربع طائرات عسكرية فرنسية بالاستدارة.

في إجراء عقابي مدمر آخر، قطعت الجزائر أيضًا كل إمدادات الغاز والنفط والمياه عن الجيش الفرنسي في مالي، بعد تقديمها هذه الإمدادات على مدار السنوات الثماني الماضية.

وفي حين تشهد الجزائر توترات دبلوماسية على الجانب المغربي، فقد ذهبت بكل قوتها إلى مالي. في الواقع، فإن أحد أسباب دعم النظام العسكري الجزائري بقوة لصفقة الفاغنر المحتملة ليس فقط مساعدة حليفه الروسي، بل أيضًا ملاحقة فرنسا في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة المهمة استراتيجيًا.

من خلال تقويض النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل وبناء محور “الجزائر-باماكو-موسكو”، تطمح الجزائر لأن تصبح الممثل الأول في غرب إفريقيا.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن