في  الحوار الذي أجريناه مع الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية نيكولا نورمان الذي يحمل أعلى رتبة دبلوماسية في بلده فرنسا وهي رتبة وزير فخري مفوض، كما كان سفيراً سابقاً لبلاده في مالي حاولنا ان نستعرض الجوانب الهامة للأزمة الناشئة بين مالي وشركائها الفرنسيين والأوروبيين وحتى الإفريقيين والتي تسبب بها تفاوض مالي الرسمي مع مجموعة فاغنر الروسية، كما حدثنا السفير السابق نورمان عن دور هذه المجموعة في إفريقيا وتحديداً حيث تتواجد في كل من ليبيا وإفريقيا الوسطى وموزمبيق.

شعور بعدم الرضى من نتائج عملية باركان

استهل الوزير الفخري حديثه محدداً أسباب الأزمة القائمة بين بلاده ومالي وأيضاً بين الدول الأوروبية والإفريقية والأمم المتحدة ومالي، وقال إن «ثلاثة آلاف جندي فرنسي من أصل خمسة آلاف موجودون في مالي من أجل مكافحة الإرهابيين ضد  المسلحين، وبالطبع، بطلب من مالي وبقية دول منطقة الساحل، وذلك قبل ثمانية أعوام، والكثير من الأشخاص في مالي يعتقدون أن نتائج هذه العملية العسكرية الفرنسية ضد الإرهابيين غير مرضية».

ويرى نورمان أن وجود عملية بارخان ساهم كثيراً في عدم قيام إمارات إسلامية مشابهة لداعش أو للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مالي ودول الساحل، وحدد أن وجود هؤلاء الجهاديين، خاصة في مالي، تسبب به غياب الدولة في المناطق الريفية وفقدان الشباب لفرص العمل ولا آمال لهم، مشيراً إلى أن « الماليين لا يفهمون جيداً هذا الأمر وبالتالي لا يقدرون نتائج باركان، لهذا السبب وبلا شك، أرادت السلطات المالية استبدال بارخان بتعاون مع روسيا».

صفقة بين مالي وفاغنر وأزمة متزايدة مع الشركاء الفرنسيين والأوروبيين والإفريقيين

تنصل روسي من المساعدة وتقديم مجموعة فاغنر

وفي التفاوض مع روسيا من أجل وصولها إلى مالي، أكد نورمان أنهم «لا يرغبون بالمجيء إلى الساحل والقيام بالعمل الذي تقوم به فرنسا والذي يكلفها مليار دولار سنوياً، وقد قال الروس للمسؤولين الماليين إنهم لا يمكنهم تقديم المساعدة وطلبوا منهم الاتصال بشركة خاصة لديهم وصفوها بالفعالة، وهذا ما قام الماليون به.. اتصلوا بفاغنر التي أكدت لهم أنها تتقاضى 9 ملايين يورو في الشهر، وأكثر من ذلك، فإنها تريد استغلال مناجم الذهب في مالي ـ شمالي مالي، وحماية العسكريين الموجودين في السلطة حالياً من انقلاب عسكري ثالث بعد الانقلابين العسكريين، ومحاربة الجهاديين إلى حدٍ ما وذلك مقابل المال الذي سيتم دفعه لها».

وبحسب الدبلوماسي الفرنسي فإن التفاوض مع فاغنر خلق أزمة بين مالي وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية وحتى مع الأمين العام للأمم المتحدة، وما أكد على مشروع التعاون هذا هو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. فبالنسبة لفرنسا ليس من الممكن «أن يتعايش الجيش الفرنسي مع مرتزقة لا إيمان لهم ولا قانون يردعهم ويقومون بالسرقات، وقد جاء رد فعل السلطات الفرنسية قوياً بعض الشيء كما لم يكن من الجدير قوله علناً».

صفقة بين مالي وفاغنر وأزمة متزايدة مع الشركاء الفرنسيين والأوروبيين والإفريقيين

“أكذوبة رئيس الوزراء المالي” والاستحقاق الانتخابي

على ذلك وبكثير من المغالاة جاءت ردة فعل مالي، قال نورمان مضيفًا أنه في الخطاب الذي ألقاه رئيس وزراء مالي شوغويل مايغا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، اتهم فرنسا بالتخلي عن مالي.

وهنا يوضح الدبلوماسي الفرنسي «لم يكن مطروحاً أن تتخلى بارخان عن مالي، وانما فقط تكييف التدابير وتحويلها كي تكون أكثر فعالية وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الجيش المالي، فهذه أكذوبة لرئيس الوزراء».

أما لماذا صرح رئيس الوزراء المالي بهذا الكلام، فقد أجاب نورمان أن مايغا أراد أن يستخدم عدم شعبية بارخان لصالحه خاصة في «غياب نتائج ملموسة، لكن النتيجة الملموسة هي عدم وصول الجهاديين إلى السلطة».

صفقة بين مالي وفاغنر وأزمة متزايدة مع الشركاء الفرنسيين والأوروبيين والإفريقيين

غياب تنظيم الإنتخابات ينذر بأزمة جديدة

كما فسّر نورمان أسباب تصريح مايغا الذي وصفه بـ «أكذوبة» قائلًا: «من المقرر إجراء انتخابات في مالي، لكنّ العسكريين استساغوا طعم السلطة، ومن الواضح أنهم لا يريدون تنظيم انتخابات العام المقبل في شباط/ فبراير 2022 أو حتى في وقت لاحق، المسألة لا تتعلق بجدول زمني، وسينتج عن ذلك أزمة، ليس فقط مع فرنسا وإنما مع المنطقة، مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو)، والأمم المتحدة ومع جميع شركاء مالي».

وأضاف «إنهم يتبعون سياسة شعبوية تقوم على استغلال العواطف والرأي العام دون استخدام الوثائق والبراهين والعقل، وبالطبع، مساوئ الشعبوية هي في خلق ردة فعل معادية للغرب وهذا بالطبع يدخل ضمن لعبة الجهاديين أيضاً».

مروحيات روسية ضمن عملية تجارية وليست هبة

هذا وكانت روسيا قد سلمت مالي أربع طائرات مروحية هجومية، وعن هذه المروحيات العسكرية أفادنا نورمان أنها ليست هبة من روسيا لحكومة مالي «فرنسا لم تعترض على ذلك لكن لا يجب تقديم هذه المروحيات على أنها مساعدة فهي عملية تجارية، وروسيا لا تبيع للخارج سوى المعدات العسكرية و 42 ٪ من مبيعات روسيا العسكرية موجهة لإفريقيا».

وأكد الدبلوماسي الفرنسي أن روسيا لا نية لها لتحل محل فرنسا في مالي « فرنسا ستكون سعيدة لو أنها تتخلص من هذا العبء الذي يكلفها مليار يورو سنوياً ولو أن المساعدة الروسية هي مساعدة جادة بلا مصلحة مثلما هي المساعدة الفرنسية»، وأضاف أن النشاط الروسي فهو إما هو للتجارة وإما للتضليل الإعلامي من أجل زعزعة وجود وتأثير فرنسا.

وخلص نورمان إلى أن الحكومة العسكرية في بانغي لم توقّع رسمياً أي عقد مع مجموعة فاغنر وذلك لاعتراض جميع الدول الأوروبية ومعها دول الساحل مثل النيجر على هذا الاحتمال، هذا إضافة إلى أن التعاقد مع هذه المجموعة سيكون بمثابة عملية انتحارية لمالي «عملياً، وصول فاغنر إلى مالي سيعزل مالي عن جيرانها ويحرمها من المساعدات الغربية».

مجموعة فاغنر في ليبيا.. وسوريا

عن وجود مجموعة فاغنر والانتهاكات التي تقوم فيها في إفريقيا، قال لنا نيكولا نورمان إنها عاملة في ثلاث دول أفريقية وهي ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق.

في ليبيا، وحسب نورمان، أثبتت مجموعة فاغنر عدم فعاليتها في دعم المشير خليفة حفتر الذي يقاتل حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من المجتمع الدولي وأضاف «روسيا ترسل مرتزقة يقاتلون إلى جانب حفتر، هؤلاء المرتزقة لم يسمحوا لحفتر، هذا القائد العسكري الذي أصفه بالمتمرد، لم يسمحوا لحفتر بالاستيلاء على طرابلس وإحراز النصر لكننا لم نعلم بحدوث انتهاكات معينة، ويجب الاعتراف بذلك».

أما في جمهورية إفريقيا الوسطى، فأشار نيكولا نورمان إلى وجود ألف مرتزق تابع لفاغنر وقد تم توثيق هذه الانتهاكات «هناك أشخاص مدنيون تم اعدامهم بلا محاكمة، كما رأينا مع داعش مع وجود فاغنر في سوريا، هنالك أفلام فيديو لمرتزقة فاغنر في سوريا يعدمون سجينًا لهم».

صفقة بين مالي وفاغنر وأزمة متزايدة مع الشركاء الفرنسيين والأوروبيين والإفريقيين

مقتل 4 صحفيين روس بسبب تحقيقهم بانتهاكات المرتزقة

ورأى الدبلوماسي الفرنسي أن مرتزقة فاغنر غير مرتبطين بالمعاهدات الدولية المتعلقة بالجيوش والدول “إنهم نوع من العصابات المسلحة يتم استخدامها حين لا تريد روسيا أن تظهر نفسها ولدى وقوع انتهاكات تنفي ورسيا علمها بالأمر”، وأشار إلى أن هذه الانتهاكات أثارت سخط الناس في روسيا نفسها وقد كتبت وسائل الاعلام عنها، خاصة وأن أربعة صحفيين أرادوا اجراء تحقيق عن انتهاكات فاغنر في إفريقيا الوسطى فلقوا حفتهم.

في موزمبيق.. الجهاديون لا يستفيدون من فاغنر

في الوقت الحالي، لا وجود لفاغنر في مناطق الجهاديين سوى في موزمبيق حيث حركة جهادية وصفها نيكولا نورمان بالإرهابية، بيد أن سلطات مابوتو أتت بمجموعة فاغنر لكن هذه الأخيرة لم تقلب الموازين ولم تطرد الجهاديين الموجودين في شمال البلاد، كما نفى أن يكون هؤلاء الجهاديون قد استفادوا من وجود فاغنر إذ أنه «تم توظيف فاغنر، من حيث المبدأ، لمحاربة إما المتمردين وإما الجهاديين».

في إفريقيا الوسطى المتمردون بين مستفيدين وغير مستفيدين من فاغنر

أما في إفريقيا الوسطى، فقد أشار الدبلوماسي نورمان، لعدم وجود جهاديين، وإنما مجموعات متمردة، بعض هذه المجموعات «متحالف مع فاغنر من أجل استغلال واستخراج الموارد المنجمية من ذهب والماس وبعضها الآخر يحاربها مرتزقة فاغنر لحماية نظام بانغي».

وأضاف أن مرتزقة فاغنر يموّلون أنفسهم مباشرة عبر سيطرتهم على الجمارك «كل الواردات إلى جمهورية إفريقيا الوسطى يتم جمع رسومات دخولها البلاد مباشرة من قبل مجموعة فاغنر، وإلى جانب ذلك تستغل مجموعة فاغنر المناجم».