منذ مئة وخمسين سنة لم يمتنع رئيس أمريكي عن حضور حفل تنصيب خلفه لكن الرئيس دونالد ترامب سيفعل ويكون الرئيس الرابع في تاريخ الولايات المتحدة الذي يقوم ذلك. وسيظل الأميركيون يتذكرون أن الرئيس السابق امتنع عن الحضور حردا لأنه خسر الانتخابات لولاية رئاسية ثانية.

كان دونالد ترامب الرئيس الأكثر إثارة للجدل في حملته الانتخابية الأولى وفي أثناء سنواته الأربع في البيت الأبيض وفي حملته الانتخابية لمحاولة الفوز بولاية ثانية والأكثر إثارة للاستهجان والاستغراب عندما رفض نتائج الانتخابات وحاول بكل جهد ممكن أن يقلب النتائج بدعاوى قضائية فشلت جميعا وعبر محاولات إعادة احتساب الأصوات وأخفق فيها وظل حتى آخر يوم يحاول أن يتمسك بالمنصب ويستعيد البيت الأبيض.

لم يقر ترامب بهزيمته وظل يماطل ولم يقبل الانصياع للأعراف الديمقراطية وادعى بشكل لم يصدقه فيه أحد أن الانتخابات تم تزويرها وتم سرقتها فلم يهنىء خصمه ولم يستقبله في البيت الأبيض مثلما جرى العرف بين الرؤساء؛ فانتهى به الأمر بالخروج القسري معزولا ومتهما بالتحريض على العنف وعرضة لمحاكمة أمام الكونغرس هي الثانية له قد تحرمه حقوقه السياسية في المستقبل وتمنعه من الترشح للرئاسة في انتخابات ألفين وأربعة وعشرين.

شهدت رئاسته أكبر عدد من الاستقالات بين الوزراء وكبار المسؤولين وأكبر عدد من التعديلات والتبديلات والإقالات وبعضها كان بدون أي سبب موجب.

والغريب في الأمر أن إعلان الاستقالات أو الإقالات كان يتم في تغريداته على تويتر قبل أن يصدر عنها بيان رسمي؛ فقد كان ترامب الأكثر استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي كما كان الأكثر ظهورا على وسائل الإعلام المختلفة وأغلفة المجلات السياسية.

ما دمر سمعة ترامب السياسية وفتح الباب واسعا أمام اتهامه ومحاكمته واستجماع الغضب السياسي والشعبي عليه هو قيامه بالتحريض على اقتحام الكونغرس بينما كان أعضاؤه يستعدون للاجتماع وإقرار النتائج النهائية الرسمية للانتخابات الرئاسية وإعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.

كان يوم السادس من يناير يوما حاسما ومميزا وفارقا بين زمنين في تاريخ الرئاسة الأمريكية؛ لم تهدأ تهديدات ترامب وأنصاره وكشفت الشرطة عن وجود احتمالات بمزيد من أعمال العنف وهذه المرة باستخدام الأسلحة خصوصا في يوم التنصيب.

في الأسبوع الماضي صوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون وكذلك عشرة من الأعضاء الجمهوريين على محاكمة الرئيس ترامب بتهمتين رئيسيتين هما سوء استخدام السلطة وإعاقة عمل الكونغرس بالإضافة إلى تهمة جنائية عن دوره في التحريض على مهاجمة الكونغرس يوم السادس من يناير.

وقرار مجلس النواب الأمريكي يعد توبيخا قويا للرئيس ترامب ونائبه الذي رفض استخدام التعديل الخامس والعشرين للدستور للقيام بعزل الرئيس والإقرار بعدم قدرته على القيام بواجباته الرئاسية حسبما يقتضيه الدستور.

حاصر الديمقراطيون في الكونغرس الرئيس ترامب حصارا محكما وأقروا مبدأ محاكمته بعد خروجه من المنصب، ولكن الكونغرس بقي متأهبا متحسبا من عمل طائش يقوم به ترامب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض خصوصا وان مفاتيح السلاح النووي ما زالت بيده الأمر الذي دفع رئيسة مجلس النواب الأمريكي للاتصال بالقيادة العسكرية وتحذيرها من ذلك، وبحسب الدستور يظل الرئيس ممسكا بكل الصلاحيات حتى آخر لحظة من ولايته.

أما الجمهوريون فالقليل منهم أبدى تعاطفا مع الرئيس وتأييدا علنيا وأغلبهم نأى بنفسه عنه معترفا بانه ارتكب الكثير من الأخطاء وكانوا مقتنعين بضرورة استقالته بدلا من محاكمته.

كان ترامب رئيسا مختلفا بكل المقاييس؛ وخلال فترة قصيرة نسبيا استطاع أن يستحوذ على المشهد السياسي، فمنذ اليوم الأول لرئاسته وعد بإعادة تشكيل الاقتصاد ليكون لصالح الصناعة وليس التجارة.

ومع أنه بدأ يحقق بعض النجاح إلا أن هذا النجاح لم يستمر وأخذ يتراجع، فلم تستطع سياسته الحمائية للصناعات الأمريكية من حمايتها تماما.

ربما خلقت فرص عمل جديدة خصوصا بعد أن خفض الضرائب على الشرائح العالية فعمل هذا التخفيض على إنعاش الاقتصاد بصورة غير مسبوقة لكنه لم يستمر طويلا.

ولأسباب كثيرة من بينها جائحة كورونا وصل الدين الأمريكي إلى 27 تريليون دولار وهو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، وبسبب الجائحة تعرضت الأعمال الصغيرة للخسائر وارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى 14 في المئة.

من إنجازاته على الصعيد الوطني إعادة تشكيل القضاء الأمريكي وتشكيل القوة الفضائية والإصلاح الضريبي وإصلاح نظام المرافعة في المحاكم والقضاء على القوة الرئيسية لجماعة داعش وقتل زعيمها.

كما حقق بعض وعوده الانتخابية وخرج من الاتفاق النووي الإيراني وأمر بتنفيذ قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني؛ وبالنسبة للشرق الأوسط اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها واستطاع أن ينجز اتفاقات تطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية.

لكنا إخفاقاته في السياسة الداخلية وبعض القضايا الخارجية أدت إلى سقوط مدوٍ، فتسبب مقتل مواطن أمريكي من أصل أفريقي على يد الشرطة في إحراج كبير للإدارة وانفلات في الشارع واهتزاز لصورة أمريكا الديمقراطية؛ كما أن تعامله مع قضايا إيران وسوريا والشرق الأوسط والعلاقات مع الحلفاء أثارت ردود أفعال غير إيجابية من الأصدقاء والأعداء.

إخفاقه الأكبر كان في إدارة أزمة كورونا وهذه الإدارة هي التي قادته إلى خسران الانتخابات وأدت بالتالي إلى كل التداعيات التي تبعت ذلك وصولا إلى عزله ومحاكمته، فلم يعمل على مكافحة الجائحة بصورة جدية وكانت إجراءاته غير حازمة.

ومنذ بداية الإصابات التي كانت قليلة في وقتها لم يلتفت ترامب إلى نصائح العلماء والمختصين وكان تعامله مع انتشار الفايروس غريبا وظل يعلن أن الفيروس سيختفي بحلول الربيع وتواصلت تصريحاته من هذا النوع أكثر من أربعين مرة بان الفيروس سيتلاشى مثل أعجوبة.

وظل يعلن أن الأمر تحت السيطرة برغم انه لم يملك المعلومات الحقيقية الكافية؛ وكان أخطر تصريح أذاعه ترامب وأثار الاستهجان عندما تساءل إن كان حقن الجسم بالمطهرات يمكن أن يحارب فيروس كورونا.

تفاقم انتشار المرض في الولايات المتحدة بوصول أعداد الوفيات إلى ما يزيد عن أربعمئة ألف والإصابات إلى ما يقرب من خمسة وعشرين مليونا وباتت المستشفيات غير قادرة على الاستيعاب وتكاد تتوقف وهي تسابق الزمن بانتظار خطة الرئيس الجديد المتعلقة بالتعامل مع الجائحة.

ربما كان أمام ترامب فرصة ذهبية للفوز بولاية رئاسية ثانية لو كان قد أحسن التعامل مع جائحة كورونا لكنه لم يحسن الإصغاء لنصائح الأطباء والعلماء من مستشاريه ولو فعل وأدار الأزمة بعقلانية وحكمة لربما حقق أكبر فوز في انتخابات الولاية الثانية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن

تحولات المعارضة الإيرانية والزحف من الداخل