أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

قد يظل الشعب الصيني لأجيال عديدة قادمة يتساءل ويبحث عن إجابات عن الذي حصل؟ كيف ولماذا كان هناك تقصير واضح في التعامل مع فايروس كورونا عند بدايته في مدينة ووهان؟

بعد أن تزايدت الانتقادات الشعبية وتزايدت نغمة الاعتراض على الاستجابة المتساهلة وعدم الكفاءة في التعاطي مع انتشار الفايروس، كان ثمة اعتراف بالتقصير نادر ووحيد للقيادة الصينية في معالجتها للأزمة جاء من عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي دعا إلى تحسين وإصلاح نظام إدارة الأزمات وتقوية أنظمة الرقابة. كما اعترفت اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب بأن سوء الإدارة كان السبب في خروج المرض عن السيطرة.

لماذا كان الأمر كذلك؟

مثل أي نظام حكم شمولي فالمرؤوسون يخشون قول الحقيقة حتى لا يخسروا فرص ترقيتهم. نتج عن هذا إخفاق في احتواء المرض مبكرا فتحول إلى وباء سرعان ما أصبح عالميا.

عملت السلطات الصينية المحلية على التقليل من مخاطر الفايروس ولم تتحرك بالجدية الكافية لأنها كانت تخشى التحرك بانتظار أن تفعل ذلك الكوادر الأعلى في الحزب والحكومة وقد اعترف عمدة ووهان علنا بانه كان ينتظر تفويضا من رؤسائه للإعلان عن الحالات المرضية.

في البداية قالت الصين إن الأمر مجرد التهاب رئوي عادي من دون الكشف عن حقيقة أرقام المصابين. ثم خرج أحد مستشاري الحكومة ليقول للناس إن المرض بسيط وستتم السيطرة عليه. لكن أحد الأطباء حذر من خطورة المرض ولم يؤخذ برأيه بل اعتقل مع سبعة آخرين وأجبروا على توقيع اعتراف بأنهم نشروا أكاذيب.

الرواية الثانية للمرض قالت انه لا توجد دلائل على انتشار المرض بين البشر، وكان القصد أنه لا يوجد ما يثير القلق. وأعلنت السلطات أنها أوقفت زحف المرض وأنجزت المهمة.  زاد في المشكلة أن الخدعة انطلت على منظمة الصحة العالمية التي قبلت الرأي الصيني الرسمي ونشرت رسميا أن المرض لا ينتقل من إنسان إلى إنسان، وربما كان هذا ما دفع الدول الغربية لترك الحبل على الغارب.

أرسل هذا الأمر مع تباطؤ التحرك الحكومي الجاد بشكل أو بآخر رسائل تطمين للعالم الذي لم يتخذ أي إجراء احتياطي. فاستمرت أوروبا تستقبل السياح من الصين وواصلت الوفود التجارية والرسمية رحلاتها وكذلك حركة الطيران المدني. وتقدر بعض المصادر أن خمسة ملايين شخص على الأقل تحركوا بين إقليم هوباي الذي تقع فيه مدينة ووهان وباقي أنحاء الصين والعالم.

هذه التطمينات من دون فعل جاد من منتصف شهر ديسمبر حتى أوائل شهر يناير ترك الفايروس يصول ويجول وينتشر بهدوء ويعبر الحدود إلى مختلف بقاع الأرض.

بعد منتصف شهر يناير تغير أسلوب تعامل القيادة الصينية مع المرض. تدخل الرئيس بقوة وأقال اثنين من كبار السؤولين في القطاع الصحي لإنقاذ ماء الوجه واستعادة صدقيته بين الناس وأعلن عن عدد الإصابات الذي كان بالآلاف. وصدرت التحذيرات بضرورة الحجر المنزلي لجميع سكان ووهان وتم التشديد على ضرورة الإبلاغ عن الإصابات.

في منتصف شباط وصلت أعداد المصابين إلى حوالي ستين ألفا وهنا انتبه العالم كله إلى خطورة الأمر.

مع بدء انتشار الفايروس في أوروبا والولايات المتحدة جاءت الفرصة مواتية للسلطات الصينية لتلعب لعبة الإعلام عبر محاولات حجب الأنظار عن الكارثة وتحويل انتباه العالم عن التقصير الرسمي وسوء الإدارة بتعزيز الاتهام للولايات المتحدة بأنها نشرت الفايروس عبر الجيش الأميركي. فقد نشر المتحدث باسم الخارجية الصينية على تويتر هذا الاتهام داعيا واشنطن لإيجاد وسيلة لوقف انتشار المرض. كما نشرت المتحدثة باسم وزارة الصحة الصينية انتقادات للولايات المتحدة واتهمتها بتصنيع الفايروس ونشر الذعر. ورددت الصحافة الصينية هذا الموقف الرسمي. وركز الإعلام الصيني على الكيفية التي انتشر فيها المرض في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أكثر من التركيز على مسيرة المرض في الصين نفسها.

أصبح تعتيم الصين المتعمد على أخبار المرض في بدايته معروفا ومؤكدا. هناك الآن اتهام غربي صريح للصين أنها عتمت ثم قللت من مخاطر انتشار الفايروس وهو ما جعل انتشاره في أوروبا وأميركا بمثابة وباء شامل. العالم الغربي يكاد يكون متفقا على توجيه اللوم إلى الحزب الشيوعي الصيني.  البعض يظن أن الفايروس ربما تسرب من أحد المختبرات البيولوجية الصينية وهذا ما أحرج السلطات وأربكها وأوقعها في فخ التردد والتعتيم وسوء الإدارة على النحو الذي جاء عليه.

لذلك صدرت بعض الأصوات في أوروبا على لسان رئيس منتدى العالم الحر في السويد تطالب الرئيس الصيني بالاعتذار للعالم عن انطلاق الفايروس من بلاده وعن دكتاتورية حزبه التي تقمع الحقيقة وأخفقت في وضع معايير للغذاء والدواء.

الصحافة العالمية وخصوصا الأميركية بدأت حملة قوية موجهة ضد الحزب الشيوعي الصيني وتتهمه مباشرة بالمسؤولية عن انتشار الفايروس في العالم. وتشكك بعض المصادر في أعداد الوفيات الصينية وتقول إن الأرقام الحقيقية قد تكون أكثر من عشرة أضعاف الرقم المعلن.

هل هناك توريط صيني متعمد للغرب؟ قد تكون بداية هذا التوريط هو تصريح مسؤول صيني الذي وصف الإجراءات الأميركية بأنها مبالغ فيها ومنافية لتوصيات منظمة الصحة العالمية متهما الولايات المتحدة بأنها تنشر الخوف والهلع بين الناس. ربما جعل هذا التصريح كثيرا من الأميركيين يتساهلون في الإجراءات الوقائية الأمر الذي ساعد على توسع انتشار رقعة الفايروس.

تحاول الصين بسط قوتها فيما وراء حدودها لتكون زعيمة العالم وتستغل الأزمة لكي تقلب كارثتها الصحية إلى انتصار عالمي عبر بوابة العلاقات العامة. ويرى البعض أن مساعداتها الطبية لأوروبا تقصد زعزعة الاتحاد الأوروبي بعد أن تخلت بعض دوله عن بعضها. محطات التلفزة الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية تركز الآن على هذه المساعدات لأجل تغيير الصورة السابقة التي وصفت بها الصين عند بدء انتشار المرض.

لكن هل ستمر مسألة كورونا على الصين مرور الكرام؟  يتوقع المتابعون لهذا الشأن أن يقوم الصينيون، على الأقل في إقليم هوباي، بتظاهرات قد تصل حد الانتفاضة احتجاجا على التقصير الحكومي بحقهم.  ومن جهة ثانية يتوقع أن تحدث انشقاقات داخل اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي. فقد سبق خلال الأزمة أن نشر بعض أعضاء المكتب تغريدات سرعان ما تم حذفها تنتقد تصرفات السلطات بشأن انتشار الفايروس وتدعو إلى ضرورة تحسين وإصلاح نظام إدارة الأزمات. قد تبدو صيغة هذا النقد بسيطة وعادية لكن حذفها بعد حوالي ساعة من نشرها يظهر كم كانت قاسية على القيادة الصينية وربما تقود إلى صراعات بين أعضاء القيادة لا يمكن معرفة مداها أو إلى أين قد تصل.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

اقرأ المزيد:

الإعلام الإيراني في زمن كورونا