في رحلة الاكتفاء الذاتي .. القمح السوري يعاني من الجفاف

  • حقول القمح تحولت إلى تربة عارية بسبب نقص المياه
  • المزارعون تركوا حقولهم لعجزهم عن شراء البذور أو الأسمدة أو الوقود
  • جفاف سد الدويسات في ريف إدلب للمرة الأولى منذ إنشائه قبل ثلاثة عقود

تغير المناخ وجفاف الأنهار والنزاع المسلح، عوامل جعلت الحياة في شمال شرق سوريا أكثر خطورة.

وأمام مخبز قديم في الحسكة، ينتظر طابور طويل من العائلات أكياس الخبز المدعوم ، الذي يباع بنحو ربع سعر السوق، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“.

ويعتمد المخبز على الآلات القديمة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الحرب، وعلى حبوب الذرة التي جعلت من الطحين الملقى في أوعية الخلط أصفر اللون بدلا من الأبيض.

مدير المخبز خضر شعبان (48 سنة) يوضح للصحيفة أن تجربة خلط الطحين بحبوب الذرة بدأت قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، وذلك لتجنب نقص الخبز.

كنا نطعم الذرة للدجاج.. أصبحنا نأكلها اليوم

خضر شعبان مدير مخبز

ويقول ، وهو مزارع حبوب بالقرب من بلدة الشدادي، حيث حلت التربة العارية محل معظم حقول القمح بسبب نقص المياه ساخرا: “كنا نطعم الذرة للدجاج.. أصبحنا نأكلها اليوم”.

وارتبط الجفاف في المنطقة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم. لكن في شمال شرق سوريا، سلة الخبز التاريخية للبلاد، تضاعفت آثارها بسبب أكثر من عقد من الحرب والاقتصاد المدمر والبنية التحتية المدمرة وزيادة الفقر.

برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أفاد في الصيف الماضي، أن ما يقرب من نصف السكان في سوريا ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع هذا العام.

المزارعون تركوا العديد من حقول الأرض الحمراء، لأنهم باتوا غير قادرين على شراء البذور أو الأسمدة أو الوقود لتشغيل مضخات المياه لتعويض انخفاض هطول الأمطار في السنوات السابقة.

كما أن القمح بات أقل جودة ويباع بسعر أقل بكثير مما كان عليه قبل عامين، وفقا لما نقله التقرير عن المزارعين والمسؤولين الحكوميين ومنظمات الإغاثة.

ولا تزال هذه المنطقة المنفصلة شبه المستقلة في شمال شرق سوريا، التي تحتاج بشدة للحصول على السيولة وعلاقات مستقرة مع دمشق، تبيع الكثير من محصولها من القمح للحكومة السورية، مما يترك القليل لسكانها.

من جهته، يبين مات هول، المحلل الإستراتيجي في منظمة إنقاذ الطفولة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية أن “مشكلة تغير المناخ مقترنة بمشاكل أخرى، لذا فهي ليست مجرد شيء واحد”.

وأضاف “هناك حرب وعقوبات والاقتصاد مدمر، لا يمكن للمنطقة أن تتحمل الأزمة عن طريق استيراد القمح لأنها لم تعد تملك المال”.

سنوات الحرب والجفاف يدمران محاصيل القمح في سوريا

عامل مخبر يصنع الخبز باستخدام دقيق الشعير المطحون

جفاف سد الدويسات في ريف إدلب

وفي شمال غرب سوريا طال الجفاف سداً رئيسياً للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو ثلاثة عقود، جراء تراجع مستوى الأمطار والاهتراء وتزايد اعتماد المزارعين على مياهه، وفق ما قال مسؤول محلي ومزارعون لوكالة فرانس برس.

وتقول وكالة الفضاء الأميركية، ناسا، التي تدرس تغير المناخ ، إن الجفاف الذي بدأ في عام 1998 هو الأسوأ الذي شهدته بعض أجزاء الشرق الأوسط منذ تسعة قرون.

الجفاف حاد بشكل خاص خلال العامين الماضيين في شمال غرب سوريا. لكن هطول الأمطار الأقل من المتوسط​ليس سوى جزءا من المشكلة.

وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساسا على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1,2 مليون طن العام الحالي، ما يصعب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة.

سنوات الحرب والجفاف يدمران محاصيل القمح في سوريا

صومعة قمح متضررة بسبب الحرب في إدلب (غيتي)

الفقر سبب للإنضمام إلى داعش الإرهابي

 

و ساهم الفقر المدقع وانعدام الفرص في انضمام بعض الشباب إلى تنظيم داعش الإرهابي .

المظالم التي تفاقمت بسبب تغير المناخ هي نفسها التي تدفع بخيبة الأمل والتجنيد من قبل داعش

مات هول محلل إستراتيجي

 

وقال هول: “المظالم التي تفاقمت بسبب تغير المناخ هي نفسها التي تدفع بخيبة الأمل والتجنيد من قبل داعش الإرهابي”.

وأدى الجفاف المستمر أيضا إلى دفع العائلات من المزارع المملوكة لأجيال إلى المدن حيث توجد المزيد من الخدمات ولكن حتى فرص أقل لكسب العيش.

وتمتلك سوريا سدين كبيرين على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي.

يغطي السدان 90 في المئة من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما أيضا.

ويحذر مدير سد تشرين منذ 13 عاما حمود الحماديين من “انخفاض تاريخي ومرعب” في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه العام 1999، وفقا لفرانس برس.

ومنذ ديسمبر الماضي، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحماديين بـ”المنسوب الميت”، ما يعني أن تتوقف عن العمل.