أخبار الآن | دير الزور – سوريا (محمود الصالح)

 

عُرف المطبخ الديري بلذّة موائده وجودتها، كما عُرفت المائدة الديريّة بأناقتها وغناها بالمأكولات المتنوعة والشهية. حيث كانت المائدة الديرية تعتمد بشكل أساسي على اللحوم والأجبان وشتّى أنواع الخضار والفاكهة بحُكم أسعارها المقبولة قياساً لباقي المناطق السورية كونها كانت من نتاج أرضها. كما كانت تعتمد على المقبلات الشهية والحلويات التي لا تكاد مائدة ديرية تخلو منها رغم تباين الأوضاع المعيشية لسكّان المحافظة الفراتية.

لكن هذه الحرب جعلت الكثير من تلك المأكولات تصبح رفاهية من الماضي لدرجة أن البعض لم يعد يذكر طعمها بسبب التدهور الكبير للوضع الأقتصادي لمواطني هذه المدينة .

الحدث الذي زاد الأمر سوءاً هو الحصار المطبق الذي تعرضت له المدينة بشكل مزدوج  من تاريخ الخامس من يناير/كانون الثاني 2015، حيث حاصر داعش أحياء الجورة والقصور والبغيلية وهرابش، ما جعل النظام يستغل هذا الحصار والإتجار بقوت المحاصرين من خلال استغلال حاجتهم الماسّة من قبَل تُجار الحرب الذين يتمتعون بعلاقة وثيقة معه.

نقص المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها لهذه المدينة من قبل منظمة الهلال الأحمر السوري كانت عاملاً أساسياً في تفاقم المأساة، حيث اقتصرت هذه المساعدات على عدة دفعات من المواد الغذائية البسيطة التي لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن تكفي قرابة 180 الف نسمة "حسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر" يقطنون هذه المدينة التي تعاني من قلة الغذاء أو انعدامه تماما. أصبحت المأكولات البسيطة التي كانت في متناول عموم الناس سابقا كالفول والفلافل والمعكرونة هي مأكولات ترفيهية في ظل هذا الحصار.

أدت الحرب والحصار وقلة المساعدات لارتفاع أسعار المأكولات الشعبية، لتصبح أضعافا مضاعفة عن سعرها السابق بسبب ارتفاع المواد الأولية، حيث وصلت نسبة الزيادة في بعض المواد كالحمّص والعدس والأرز والسمن والزيت والغاز وغيرها من المستلزمات الضرورية إلى 900% أو أكثر، وفي مواد أخرى وصلت لـ 1500% .

تقول "أم أحمد" التي استطاعت الخروج مؤخرا من المدينة: "اعتزلنا أكل الكثير من المأكولات، وأعتمد في مطبخي على البرغل والأرز والمعكرونة في أحسن الأحوال "حيث وصل سعر كيلو الطحين في حال توافره 700 ليرة سورية وكيلو السكر 3700 ل.س، أما كيلو السمن فأصبح سعره 6500 ل.س، وكيلو الحمص 5500، هذه الأسعار جعلت من حياة المواطن مأساة حقيقية لدرجة تمنيه الموت أحيانا على استمرار هذه المجاعة وشعوره بالعجز تجاه أفراد عائلته".

"لم يتبق أي من الحلول أمام المواطنين إلا الاختيار بين الموت جوعاً أو الخروج من المدينة، الأمر الذي قد يكلف الشخص الواحد ما يزيد عن 400 ألف ليرة سورية تقدم كرشوة لقوات النظام للسماح له بالخروج براً او 600 ألف ليرة سورية للخروج جواً" وفق ما تقول أم أحمد.

وتضيف: "كنت أرسل لصديقاتي من باقي المحافظات السورية السمن العربي، الحرب جعلتني أنسى طعمها تماماً".

من المتوقع أن تنخفض قليلاً أسعار المواد الأساسية بعد عملية إلقاء المساعدات الإنسانية التي قام بها برنامج الغذاء العالمي منذ يومين نظراً لتوافر هذه المساعدات لدى عناصر وضباط الأمن ليتم بيعها لسكان هذه الأحياء .

"المائدة الديرية" في ظل الحصار .. أهل الكرم بين الأمس واليوم