أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها رباح)

بكل أمل وسرور يتابع "مازن" من كفرنبل دوامه في معهد "رؤية" للتنمية المجتمعية لحضور محاضرات في تعليم اللغة التركية، والتي أصبح تعلمها ضرورة يفرضها واقع الثورة لجميع السوريين وللعديد من الطلاب الذين ينوون إكمال دراستهم في تركيا.

"مازن" 20 عاما، ليس الشخص الوحيد من لمس ضرورة لتعلم اللغة التركية وسعى لتعلمها، بل هناك الكثير من السوريين الذين باتوا يدركون أن تعلم اللغة التركية وتعلمها أصبح ضروريا في ظل مستجدات الثورة. يقول "مازن" بأنه تقدم هذه السنة لدراسة البكالوريا عن طريق "الائتلاف" وبأنه سوف يتابع دراسته في تركيا في حال حصوله على الشهادة نهاية العام الدراسي الجاري، لذلك وجد مازن أنه بدون إتقان اللغة التركية قد لا يستطيع العيش والتعايش بسهولة في تركيا أو قد لا يستطيع النجاح بشكل جيد في دراسته.

الحاجة للغة والثقافة التركية

المدرس "أحمد" 30 عاما، مدرس اللغة التركية في كفرنبل، يقول: "لقد لمست حاجه حقيقية لدى الناس في سوريا عموما، والشمال بشكل خاص، لتعلم هذه اللغة أثناء الثورة فقررت أن أعطي دورات لتعلمها في مركزنا".

يعتقد أحمد أن تعلم اللغة التركية سهل جدا بسبب وجود 60% من الألفاظ تماثل الألفاظ العربية، ويضيف أنه اعتمد في تدريسه على منهاج "التومر" الأكاديمي لتعلم اللغة التركية،  حيث أحضر معه أثناء وجوده في تركيا الكتب الخاصة بالمنهاج واعتمده في تدريسه في سوريا، بالإضافة إلى أنه استفاد أيضا من خبرته واحتكاكه مع المترجمين في تركيا وأحضر بعد ذلك المناهج اللازمة معه إلى سوريا، ودأب على مدة تسعة أشهر متواصلة يوميا لجمع كل مقاطع الفيديو من الإنترنت والتي تخص تعلم اللغة التركية أيضا وقام بترتيبها لطباعتها بطريقة مرتبة ومن ثم تم تصوير عدة نسخ من المنهاج لجميع الطلاب الراغبين في تعلم هذه اللغة،  وفي كل محاضرة كان يلقيها الأستاذ أحمد هناك مصور يقوم بحفظها على الكمبيوتر ومن ثم توزع نسخا منها للطلاب الحاضرين بعد انتهاء المحاضرات لكي يتمكنوا من حفظ الكلمات والجمل المتداولة كثيرا في تركيا مع تكرار مشاهدة تلك المقاطع.

يوضح الأستاذ "أحمد" أن التعليم والدروس في معهده تسير على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: وهو تعليم الكلمة وملحقاتها والضمائر والأسماء المتداولة في الحياة الاجتماعية كأسماء الخضار والفاكهة كلمات الترحيب والتعارف.

المستوى الثاني: ويضم تعليم جمل بعض المواقف وعبارات محكية، ويقوم على ترجمة مقاطع تحتوي كلمات متداولة في الحياة اليومية بالنسبة للأتراك والقيام بترجمتها وتوزيعها وتفصيلها.

المستوى الثالث: يقوم على دراسة وتعلم الأزمنة واستخدامها وشرح نصوص من كتب "الهيتيت" وحل تمارينها من خلال عرض جميع تلك المقاطع عن طريق الفيديو وأغاني مترجمة  من اللغة التركية إلى العربية وتفصيل العبارات، وشرح الأزمنة المستخدمه فيها.

الإقبال على اللغة التركية ومبرراته

وعن حجم الإقبال على التعلم، يوضح الأستاذ أحمد أن عدد الطلاب من 40 إلى 50 طالب في كل دوره جديدة من كافة الأعمار، تستمر الدورة من شهرين إلى ثلاثة أشهر، ويفيد أيضا بأن هذه الدورات مجانية وبحكم العلاقات التي نشطت في الخمس سنوات الماضية في زمن الثوره وتنشط لغاية الآن أصبح تعلم اللغة التركية ضرورة  ليست فقط علمية بل هناك حاجات متنوعة؛ اجتماعية وتجارية وصحية.

"أبو محمد" 30 عاما، من معرة النعمان، يعمل في توزيع الأدوية المستوردة من الخارج، يقول أنهم يجدون صعوبة في صرف الدواء التركي ومعرفه اختصاصه لعدم معرفتهم باللغة التركية مما جعلهم يشترون كتب لتعلم اللغة التركية من المكتبات الخاصة ومن هذه الكتب: قاموس تركي-عربي، وكتاب اللغة التركية "قواعد ومحادثة" من تأليف جلال العبدالله، وكتاب الكلمات المشتركة بين العربية والتركية "عمر البرهو" وأخذوا منها المعاني التي تشير إلى استخدامات الأدوية وأسمائها.

"محمود حلواني" تاجر ألبسة من مدينة حلب اضطر لنقل مصنعه الخاص للالبسة إلى تركيا ويعمل هناك بسبب الظروف الأمنية الصعبة في سوريا، كما يقول، فأقام شركته الخاصة له والتي تدعي شركة lady ليدي وهي شركه معروفة في غازي عنتاب، فكان لابد له أن يتعلم اللغة التركية بطريقه ما، يقول أن العديد من تجار حلب اضطروا لنقل مصانعهم إلى تركيا وكانوا بحاجة لأن يتعلموا ولو بشكل جزئي اللغة التركية، فكان بعضهم يضطر لحضور دورات رسميه لتعلم اللغة والبعض الآخر تعلمها بحكم العمل والاحتكاك مع الشعب التركي.

وبسبب الظروف التي فرضتها ضرورة التعامل مع الأتراك بحكم العمل والتعامل اليومي، هذه الضرورات وغيرها جعلت بعض المهتمين بهذا الأمر ينشرون برامج خاصة وصفحات لتعلم اللغة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن مجموعات تضم شباب سوري من داخل وخارج سوريا "تحديدا منهم من يسكنون في تركيا ".

الصحفي السوري "يوسف" 35 عاما، من ضمن هذه المجموعة، يقول: إن أغلب هذه الدروس تضم كلمات تركية متداولة بكثرة كأسماء اللباس والدواء والأكل والشراب وطريقة الشراء من المتاجر.

ويوضح يوسف أنه قد خضع قبل ذلك لدورتين من أجل تعلم اللغة التركية في عنتاب، واستفاد وبعد ذلك قرر مع مجموعة من زملائه أن يكونوا مجموعه على الفيس بوك ينشرون بها أهم المفردات التركية المتداولة بين الشعب التركي ومعانيها بالعربية، ويضيف بأنه تعلم اللغة التركية أيضا من خلال احتكاكه ببعض الأفراد من تركيا وأصبح بعد ذلك متقنا للغة التركية تماما بل قادرا على تخليص نفسه في أغلب المواقف التي تتطلب منه التحدث بها، حسب قوله.

يوسف يؤكد ضرورة تعلم اللغة التركية ويقول أنها مفيدة للمستقبل أيضا لاحتمال تطور العلاقات بين سوريا وتركيا على كافة الأصعدة وذلك لأن تركيا بلد إسلامي صديق من جهة وكون لغتها سائدة  في أكثر من  24 دولة من جهة أخرى.

"محمد داني" 48 عاما، يحمل شهادة فنون جميلة ومدير شركة لوحات الفسيفساء من كفرنبل قام بفتح فرع آخر منذ سنتين في تركيا، يقول أنهم يحتاجون إلى اللغة التركية بحكم عملهم هناك، والذي يقتضي منهم بيع بعض اللوحات للأتراك ولهذا السبب قاموا بتعيين قسم من الموظفين السوريين ممن يتقنون اللغة التركية، ويضيف أنهم حين فتحوا معرض هناك اضطروا لتوظيف مترجم للغة التركية في ذلك المعرض.

محمد يقول: "إن معظم أبناء النازحين من الأطفال السوريين في تركيا تعلموا اللغة التركية  وأصبحوا يتكلمون بها بطلاقة عن طريق الممارسه اليومية، وبسبب صغر سنهم بل ويدرسون الآن في المدارس التركية مثلهم كباقي الأطفال الأتراك بكل سهولة، في الوقت الذي عانى فيه أهاليهم بدايات نزوحهم إلى تركيا في تعلم هذه اللغة، ولكن بقليل من كتب الترجمة والممارسة اليوميه تأقلموا مع اللغة الجديدة. محمد يقول: أخيرا بت أشعر أنا وعائلتي بأن اللغة التركية هي لغتي الثانية بعد العربية.

بعد الإقبال على تعلّمها .. اللغة التركية تصبح من أولويات السوريين