أخبار الآن | الحسكة – سوريا (عبد الرحيم سعيد)

طوت الثورة الثورية عامها الخامس، وبدأت عاماً جديداً قد يكون كغيره من السنوات وقد لا يكون كذلك، إلا أنّ معظم السوريين يأملون أنّ تكون سنةً يرون فيها رحيل نظام قتل ودمّر وشرّد الآلاف منهم. ليس هذا فقط، النشطاء الذين بدؤوا الثورة السلمية قبل سنوات باتوا اليوم إما شهداء أو مهاجرين مكرهين في بلاد الغربة بعد انتشار السلاح وتأسيس تنظيمات مسلحة لم يجد فيها الكثير من النشطاء مكاناً لهم،

الحراك السلمي وهجرة الناشطين

محافظة الحسكة التي كانت من أوائل المحافظات التي شاركت بالمظاهرات السلمية أصبحت اليوم بعد خمس سنوات شبه خالية من نشطائها الأوائل بفعل الكثير من الأسباب، منها ملاحقات النظام وملاحقات عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي بالإضافة إلى العبء الاقتصادي الذي أثقل كاهل الكثير من النشطاء المعيلين لعوائلهم. 

"هوزان خليل كردي" واحد من بين خمسة منشدين للثورة في عامودا، بقي لوحده بعد هجرة رفاقه خارج سورية، هوزان لم يعد ينشد كما كان، أصبح يفكر كغيره بتأمين قوت عائلته، مشتاقٌ لرؤية رفاق ثورته مرة أخرى في السنوات المقبلة، هذا ما قاله لنا الكردي، ويكمل: "أنشطتنا الثورية توقفت تقريبا، فالثورة السلمية التي بدأنا بها تسلحت ولم يعد لنا مكان فيها، الأناشيد والأغاني الثورية كانت من أهم فعاليات المظاهرات والأنشطة السلمية، أمّا عند الكتائب فالرصاصة والبندقية هي الأهم"، ويضيف: كنا أمام خيارين إما الهجرة أو البقاء وترك أنشطتنا السلمية التي لا تروق لأصحاب السلاح.

ليس هذا السبب الوحيد الذي أوقف النشاطات السلمية الثورية في محافظة الحسكة، فهناك سبب آخر قاله لنا الكردي: "النظام استبدل بقوات الأمن والشرطة حلفائه من بني جلدتنا الأكراد، فأصبحوا يستعملون ضدنا الشعارات القومية ويتهموننا بأننا أعداء القضية الكردية، وأصبحت تعتقل وتلاحق النشطاء باسم القضية الكردية، لذلك الكثير من رفاقي هاجروا فهم الآن في تركيا وأوربا وبعضهم في إقليم كردستان العراق".

هوزان لم يخف لنا حنينه وشوقه الشديد إلى الإنشاد مرة أخرى في المظاهرات، وهو يشتاق أكثر إلى أنشودة: "بدنا نشيلو لبشار .. بهمتنا القوية سورية بدها حرية".

في أسباب الهجرة وغياب الفعاليات السلمية

الأسباب التي دفعت النشطاء للهجرة كثيرة ولعل أهمها هي الأسباب الأمنية فالملاحقات من قبل النظام أو من قبل حلفائه في المنطقة، وكذلك محاولات الاغتيال تسببت بخوف كبير عند النشطاء دفعتهم لترك مدنهم والتوجه نحو بلاد أخرى بحثاً عن الأمان.

"اسماعيل شريف" ناشط ميداني وإعلامي، كان يتمنى في بدايات الثورة عام 2011 بأن تحقق الثورة أهدافها ليبدأ حياة جديدة في مدينته، ينعم فيها بالحرية التي كانت مفقودة في زمن نظام الأسد، إلا أنّ الأحداث غير المتوقعة، بحسب قوله، أنهت به المطاف ليقيم في ألمانيا حالياً، يقول" لم أكن أفكر مطلقاً بالهجرة، ولكن الملاحقات الأمنية ومحاولات اعتقالي وضربي دفعت بعائلتي إلى ضغط كبير علي لأهاجر، الخطوة الاولى كانت في 2013 هاجرت إلى تركيا على أمل أن تتحسن الأوضاع لأعود إلى بلدي مرة أخرى، ولكن بكل أسف لم تتحسن الأوضاع الأمنية، فكانت هجرتي الى ألمانيا".

اسماعيل يتمنى العودة يوما ليلتقي مرة أخرى بهوزان المنشد ورفاقه الآخرين، يتمنى أن تحقق الثورة أهدافها ويتمنى أن يعود ليكمل ثورته التي بدأها، يتمنى لو استطاع أن يرفع مرةً أخرى علم الثورة في شوارع الحسكة، ذلك العلم الذي هُجِّر من أجله إلى مناف بعيدة على يد حلفاء نظام الأسد من بني قومه.

الناشطون وسلطات القمع المتعددة

قصص الناشطين المهجرين كثيرة ومتعددة، قد لا نستطيع حصرها، الناشط "ادريس حوتا" الإعلامي الأول في بداية الثورة بمحافظة الحسكة، له قصة أخرى لهجرته، فبعد مجزرة عامودا التي ارتكبها مسلحون تابعون لحزب الاتحاد الديمقراطيPYD  لجأ إلى تركيا لفترة من الزمن، و لكنّه آثر العودة إلى مدينته مرة أخرى، غير أن من نفّذ المجزرة لم يرق له بقاء أشخاص مثل ادريس في الداخل قد تعكر له مزاجه. تعرض ادريس بعد عودته لمحاولات خطف، نجا منها بأعجوبة، وترك مدرسته التي كان يدرس فيها وبدأ بمشوار البحث عن مكان يكون فيه بمأمن عن الخطف والاعتقال، استقراره الأخير كان في مدينة "نيبورغ" الدنماركية، يقيم فيها حالياً آملا أن يعود يوماً إلى مدينته التي لم يتركها طائعاً وإنّما مكرها، يقول لنا حوتا: "أسباب هجرتي هي تصرفات ومضايقات سلطات الإدارة الذاتية المعلنة في المناطق الكردية حيث تعرضت لعدة مضايقات ومحاولات خطف وفي النهاية قررت الخروج من أرضي ومسكني ومدينتي وأبعدت عنوة عن أهلي وأصدقائي وشوارع مدينتي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الثورة"، ويضيف: رغم توافر العمل لي هنا  إلا أن حلم العودة لا زال يراودني بشدة ولا زلت أنتظر أن تنعم مدينتي وكل المدن بشيء من الديمقراطية التي لا زلنا ننتظرها، لو وفرت السلطة الحاكمة في مدينتي القليل من الديمقراطية ووفرت حرية التعبير لما كنت الآن بعيداً عن ارضي آلاف الكيلومترات".

يذكر أنّ عدد النشطاء الذين هاجروا من مدن محافظة الحسكة ليس بقليل، فالمحافظة التي لم تشهد في بدايات الثورة تضييقاً أمنياً كغيرها من المحافظات السورية، وشهدت آنذاك توجه الكثيرين من شبابها نحو العمل السلمي ضد نظام الأسد، إلا أنّ ذلك لم يدم طويلاً حيث سيطر داعش على عدة مدن، والمدن الأخرى خضعت لسلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، هذين الفصيلين المختلفين في الإيديولوجية والأهداف، تشابهوا في أسلوب التعامل مع نشطاء الثورة السلميين وهو التضييق والاعتقال والخطف وحتى القتل.