أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

في ريف إدلب الجنوبي، وبين أشجار الزيتون، عائلات افترشت التراب، والتحفت السماء، ضائعون وتائهون، بعد أن انقطعت بهم السبل، وسط حالة من الفقر والخوف والتشرد، لم يجدوا حلا آخر بعد تركهم لديارهم في ريف حماة الغربي سوء العيش في الكروم ومحاولة التأقلم مع هذه الإقامة الجبرية التي فرضتها عليهم ظروف الحرب.

تجارب نزوح عائلية مريرة

عائلة "يوسف" واحدة من عشرات العائلات التي نزحت بلدتهم كفرنبودة نتيجة المعارك الطاحنة بين قوات النظام والجيش الحر، وكانوا ممن يقيمون في البراري مع أطفالهم نتيجة ضعف إمكانياتهم المادية. فالنزوح والتنقل بحاجة إلى الكثير من الأموال والتي لا تملك منه عائلة يوسف إلا القليل.

يقول "يوسف" 42 عاما: "لم نجد بدا من الإقامة في هذه الكروم لقربها نوعا ما من مناطقنا، فنحن نأمل بأن تنتهي المعارك قريبا، ونعود إلى ديارنا"، ويضيف يوسف بأنه مع زوجته وأولاده الستة اعتادوا نوعا ما على هذه الحياة التي تشبه حياة "الإنسان القديم في العصر الحجري"، ولكن أكثر ما يؤثر عليهم في هذه الأوقات الصعبة، أن الشتاء بات على الأبواب وهم بحاجة الى مأوى يقيهم البرد والمطر.

والأهم من ذلك الخطر الذي واجههم في البراري، هو وجود صواريخ وقنابل لم تنفجر بعد منتشرة في كل مكان، تم إلقاؤها من قبل الطيران الروسي. هذا ما تؤكده زوجة يوسف قائلة: "كاد ولدي الصغير إبراهيم 6 سنوات أن يحمل القنبلة العنقودية ظنا منه بأنها لعبة، فصرخت بأعلى صوتي حتى ابتعد عنها".

استطاعت العائلة العثور على إحدى الكهوف المجاورة لمكان إقامتهم، ففرحت كثيرا كونها وجدت مأوى وإن كان في كهف، حيث عملت على تنظيفه من الحجارة والتراب ليكون مؤهلا للسكن، ووضعت ما بحوزتها من أدوات منزلية وأغطية، وانطلق الزوج للبحث عن عمل يستطيع من خلاله تأمين لقمة عيش كريمة لعائلته، وفعلا وجد هذا العمل بسهولة، نظرا لبدء موسم قطاف الزيتون. فقد عمل في هذا المجال بأجر 1000 ليرة سورية في اليوم، وكذلك عمل بنفس الأجر ابنه سليم 19 عاما، وبذلك استطاعت العائلة تأمين بعض مستلزماتها.

لم تكن عائلة "أبو مصطفى" بأحسن حالا من عائلة يوسف، فهي الأخرى نزحت عن بلدتها في ريف حماة ولم توفق بالعثور على إحدى المنازل في مدينة كفرنبل التي قصدتها والتي تعج بالنازحين من مختلف المناطق، كما أن أجرة المنازل مرتفعة وتفوق قدرة أبو مصطفى المادية.

لم يكن من خيار أمام أبو مصطفى سوى الدخول لإحدى المنازل شبه المهدمة نتيجة القصف والعيش فيها مع أسرته المكونة من زوجته وأولاده الأربعة، يقول "أبو مصطفى" 40 عاما: "استطعنا إجلاء الأنقاض من إحدى الغرف وإصلاح بابها، وسد ثغرات جدرانها ببعض الحجارة والإسمنت فأصبحت مقبولة للسكن".

ولكن أبو مصطفى يخشى أن يكون المنزل على وشك الانهيار جراء تشقق السقف والجدران، ويقنع نفسه بأن إقامته في هذا المنزل ليست طويلة وإنما لبعض الوقت ريثما يستطيع الثوار تحرير بلدته الجبين من قوات الأسد.

تقول "أم مصطفى" 36 عاما: "حاولت إقناع أبا مصطفى باللجوء إلى المخيمات التركية، ولكنه رفض ذلك، نظرا لصعوبة اجتياز الحدود التركية عن طريق التهريب، كوننا لا نملك جوازات سفر، عدا عن ذلك احتمال إنفاق ما لدينا من مال قبل الوصول الى هناك"، وتتابع أم مصطفى حديثها بتنهد وحزن قائلة "رغم تشردنا فنحن لم نقصد مكانا آمنا، فمدينة كفرنبل وما حولها تتعرض لقصف من الطائرات الروسية بشكل شبه يومي".

وضع أبو مصطفى بسطة لبيع "سندويش الفلافل" في الشارع الرئيسي وبدأ العمل، عله يستطيع الإنفاق على أسرته دون أن يضطر لطلب معونة من أحد.

نازحو ريف حماة .. بين براثن الفقر والخوف والتشرد

صعوبات مساعدة النازحين

إن العائلات التي يكون فيها الزوج والأب موجودا سيكون وضعها بالتأكيد أفضل من غيرها، كون الأب والزوج هو من يحمل هموم العائلة ويسعى لتأمين متطلباتها، ولكن الصعوبة تكمن عند أسر عديدة فقدت معيلها في الحرب ولم يبق سوى أم أرملة وأطفال أيتام لا حول لهم ولا قوة، ومنها عائلة "سلمى" 39 عاما، التي نزحت مع أطفالها الخمسة بصحبة عائلة زوجها الشهيد، حيث استطاعوا العثور على منزل في إحدى الأبنية في الطابق الأرضي بأجر زهيد كون هذا المنزل يفتقد للأبواب والنوافذ، فقاموا بشراء الأبواب والنوافذ بما لديهم من مال، وأصبحوا حائرين من أين سيتدبرون أمورهم بعد أن أنفقوا ما بحوزتهم.

تقول سلمى: "عائلة زوجي فقراء، ولا أستطيع الاعتماد عليهم بشكل كلي، لذلك أنا أحاول أن أبحث عن عمل ما، إلا أنني لم أوفق حتى الآن وخاصة وأنني لا أتقن أية مهنة".

وتشير سلمى إلى أنها اضطرت لإرسال ولديها عامر 14 عاما ومحمد 12 عاما للعمل ببيع الفول النابت والذرة المسلوقة أمام أبواب المدارس، فذلك أفضل على حد تعبيرها من انتظار المساعدة من الآخرين التي ممكن أن تحصل وفي كثير من الأحيان لا تحصل.

من جهة أخرى يتحدث "أبو عبدو" 45 عاما، أحد أعضاء المجلس المحلي في كفرنبل عن وضع النازحين: "هناك أعداد كبيرة من النازحين يقصدون المدينة يوميا، ونأسف كوننا لا نستطيع مساعدة كل هذه الأعداد نظرا لإمكانيات المجلس المحدودة".

وينوه أبو عبدو بأن هناك منشقين وأرامل وعائلات معتقلين وفقراء ومحتاجين بالإضافة إلى النازحين، وهم يحاولون تأمين معونات لكل هؤلاء، إلا أن هذه المعونات قليلة ونادرة.

"أبو حسين" 50 عاما، أحد وجهاء مدينة كفرنبل يقول: "معظم النازحين يقصدون المخيمات، كونها أكثر أمانا وتخلصهم من النفقات الكبيرة في ظل الأزمة".

ويوضح أبو حسين بأن النازحين في الداخل السوري يعانون الأمرّين بسبب التشرد من مكان إلى آخر مع شبه انعدام لفرص العمل عدا عن القصف المستمر الذي تتعرض له جميع المناطق، وبرأي أبو حسين أنه لا يوجد مكان آمن  والطيران الأسدي والروسي لا يغادر الأجواء السورية.

وتختتم سلمى حديثها بالقول: "رغم كل الظروف أكره أن أغادر بلدي سوريا، أفضل أن أعاني في بلدي، بدلا أن أتحول للاجئة تثير الشفقة في دول العالم".

نازحو ريف حماة .. بين براثن الفقر والخوف والتشردنازحو ريف حماة .. بين براثن الفقر والخوف والتشرد