أخبار الآن | الرقة – سوريا – (أحمد ابراهيم)

"ولأنني صديقه وجار محله، كان معاذ يهرب لي الشيفرة الخاصة بمقهى الإنترنت الذي يديره". هكذا بدأت الحكاية، في كل أسبوع كنت أمر بمحل معاذ ليمرر لي كلمة السر الخاصة بالشبكة؛ والتي يغيرها مكتب الاتصالات الخاص بداعش مرة كل أسبوع وذلك عبر أجهزة كمبيوتر محمولة.

لم أكن أعرف، ولم يخطر ببالي أن مكتب الاتصالات الداعشي يستطيع من خلال هذا الجهاز أيضا معرفة الأجهزة الأخرى المتصلة بالشبكة، غير تلك الموجودة في مقهى الإنترنت عند معاذ.

التحايل على داعش .. عبث

مرت الأيام وأنا مطمئن إلى نجاحي الباهر في التحايل على داعش واقتناصي لساعات طويلة من الإنترنت المجاني بعيدا عن أعينهم. هذا في الوقت الذي كانت فيه سيارة مغلقة تابعة لمكتب الاتصالات قد حددت مكان الجهاز المتصل، الذي هو جهازي. كانت السيارة لها عدة سواري هوائية الإتصال تسمى عندهم "الراشدة".

وكانت قبل ذلك معظم أجهزة الاتصال الفضائية المنزلية "التوواي" * قد قاموا بمصادرتها، وما تبقى منها عند البعض فقد أوقفها أصحابها خوفا وأخفوها أو ألقوها في القمامة خلسة عن أعين عناصر داعش.

وهكذا لم يبق من وسائل اتصال لأهالي مدينة الرقة سوى مقاهي الإنترنت، التي يسيطر عليها داعش، للتواصل والاطمئنان على أهاليهم وأحبابهم أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

"عشت نعيم الاتصالات وكنت أراسل جميع أقربائي في تركيا ولبنان وأوروبا، الذين كانوا يشفرون أسئلتهم خوفا علي، أما أنا فقد كنت أضحك من خوفهم وأدعي أنني أتواصل معهم من" مقهى إنترنت ".

ذات مساء، كنت جالسا أقضي وقتي على الفيس بوك من جهازي ومن خط الإنترنت الذي أستخدمه من معاذ، أدخن النرجيلة كما عادتي كل مساء، وكان الدخان في غرفتي يجعل جو الغرفة كالضباب، في الوقت الذي أستمع فيه إلى أغنية كانت دارجة بشكل كبير وقتها على كل القنوات والإذاعات لمطرب لا أعرف اسمه ولكن عنوانها "أنت معلم"، كنت لا أسمع أي صوت خارج الغرفة.

فجأة، دون سابق إنذار، سمعت صوتا صاخبا وفتح باب الغرفة فجأة. كان عناصر الحسبة على الباب، سقط خرطوم النرجيلة من فمي وحبس الدخان في رئتي نتيجة توقف تنفسي، تبولت في ثيابي .. صراحة، أعتقد أن جلطة قد أصابتني وأنا أرى أمي تلطم على وجهها بصمت من ورائهم.

"ما شاء الله .. أرجيلة ومزامير الشيطان وإنترنيت، برشه برشه .. باهي هاتوه"، هكذا نطق كبيرهم والذي أعتقد من لهجته أنه تونسي. أربعة مسلحين مقنعين اقتحموا غرفتي حملوني وأخذوا "اللابتوب" الذي تركوه مفتوحا ونرجيلتي وبضعة أوارق كنت "أشخبط" عليها من باب التسلية.

حشروني مكبل اليدين ومعصوب العينين فوق أجساد أخرى أفترض أنها لأناس مثلي. أسمع فقط صوت أمي وهي تتوسل إليهم وما عدا ذلك كانت مجرد همسات أعتقد من الجيران ورواد مقهى معاذ يشاهدونني وأنا أجر أمامهم غير واع من صدمة المفاجأة.

أدخلوني إلى غرفة ذات إضاءة باهرة وثلاثة محققين، بادرني أحدهم: "من دون ما تعذبنا ونعذبك، كل أسماء الحسابات والأرقام السرية وكطفل ​​مطيع، ولأنه لا فائدة هنا من المقاومة والإنكار، كتبت لهم على ورقة ما طلبوا.

ربطوا جهازي اللابتوب إلى جهاز آخر مستطيل الشكل يشبه معالج الحاسوب المنزلي القديم، ومنه إلى ثلاثة أجهزة حاسب محمول. أهملوني متابعين تفحص حسابي على الفيس بوك والرسائل. كنت مطمئنا من ذلك فأنا كحال جميع أهل الرقة نمسح رسائلنا مباشرة وأولا بأول وماعدا ذلك بعض "البوستات" على حسابي لا تتعدى العشرة، ثلاث منها آيات قرآنية وصورة للجسر القديم على نهر الفرات.

انتهوا في الساعة الثالثة صباحا، ثم سألوني: "كيف حصلت على الإنترنت؟".

وحماية لمعاذ ادعيت أنني قد "هكرت" كلمة السر واخترقتها وهو أمر كنت متفقا عليه مع معاذ في حال حدث شيء. سلموني بعدها لأبي القاسم، الذي قام بما يدعا "التشريفة" كما يسمونها: 80 جلدة للغناء و 80 للنرجيلة .. "والباقي عند الشباب بكرا".

القفص في الساحة والدورة الشرعية

"بكرا"، أي في اليوم التالي، تم الحكم علي بالخضوع لدورة شرعية كعقوبة لسماعي الموسيقى "مزامير الشيطان" لمدة 20 يوما وفي السجن وليس في البيت، ويومين داخل القفص في "ساحة النعيم" بسبب تناولي النرجيلة. أما موضوع الإنترنت فهو عند الأمنيين وليس الشرعيين.

وضعت مع شخصين آخرين في القفص وسط الساحة. لم يكترث أحد من المارة لأمرنا، حتى الورقة التي علقوها على القفص والتي تدل على جرمنا، لم يقرأها سوى بضعة صبية يتوقفون قليلا، يتفرجون علينا ثم يمضون. جاءت والدتي ظهرا ولكنهم منعوها من إعطائي الطعام الذي أحضرته. ظلت تراقبني مفترشة الرصيف طوال يومي سجني ورفضت كل توسلاتي أن تذهب.

بعدها تم نقلي إلى الدورة الشرعية. كان الجلد اليومي أهون بكثير من دروس هؤلاء الشيوخ الذين لا يفقهون ربع ما يتحدثون به. كان العالم كله كافرا وهم المخلصون. وفي نهاية الدرة عرضت على "الأمنيين"، الذين كان أبي يعرف والد أحدهم. تركوني مباشرة بعد أن صادروا اللابتوب.

أصر والدي على ضرورة سفري إلى تركيا. وبعد أنا مكثت فترة عند أقاربي حاولت استذكار تلك الأغنية التي كنت أسمعها حين اقتحموا الغرفة وأخذوني. المفاجأة كانت أن بعض كلمات الأغنية كانت مناسبة للحدث وكأنها مخصصة للموقف: "أنت معلم، نسكت وانت موجود، ما نقدر نتكلم".

وها أنا ذا أنتظر الخلاص من داعش ربما أستطيع العودة إلى الرقة، منتظرا أدخن النرجيلة هنا كل مساء.

شرح:
* التوواي: هو جهاز انترنت فضائي منزلي على شكل عدسة الدش، يركب على صحن دش ويوصل بجهاز داخل المنزل، الذي يوصل بدوره براوتر يتم ربطه بالكمبيوتر.