القاهرة، مصر، 18 فبراير، (عبد السلام الشبلي، أخبار الآن) –

خلافا لما روجه النظام السوري، عن كون الثورة السورية التي قاربت على إتمام عامها الثالث، انتفاضة ذات بعد طائفي، تهدف إلى إقصاء الأقليات من قبل الأكثرية السنية، برزت كثير من الشخصيات المعارضة له، تنتمي إلى طوائف أخرى، تحدت جبروته وتهديداته، وآثرت الوقوف في صف الشعب، على البقاء تحت جناح سلطة المستبد.

الشاعرة السورية رشا عمران، ابنة محافظة طرطوس الساحلية، كانت من هذه الشخصيات، التي خرجت من عباءة التخويف، والترغيب والترهيب، و انضمت إلى ركب الثورة منذ بداياتها، معلنة موقفا جريئا، قاومت به كثيرًا من الظروف.

تقول عمران في لقاء خاص مع أخبار الآن، إنها تعرضت لتهديدات عدة بالقتل، من قبل شبيحة النظام قبل أن تجبر على مغادرة سوريا قسرا، بسبب تحول منزلها إلى مكان اجتماع للناشطين، ليحط بها القدر في مصر، حيث بدأت رحلة جديدة من المعاناة مع الغربة عن الوطن، كان نتاجها مجموعتها الشعرية “بانوراما الموت والوحشة”، التي صدرت مع بداية العام الحالي.

لغة جديدة أقرب إلى الواقع

تصف الشاعرة “رشا عمران” ديوانها، بأنه ذو لغة جديدة، مختلفة عما اعتادت الكاتبة، فالنصوص القصيرة الشبيهة بالومضات الضوئية، التي كان سببها الحالة النفسية للشاعرة، فضلا عن وضع سوريا المتقلب والكثيف بأحداثه اليومية، الذي أفقدها القدرة على التحكم بطول النص، وأبعدها عن اللغة المجازية النخبوية، لتقترب أكثر من لغة الواقع الواضح للجميع، بجمل بسيطة بعيدة عن التكلف، تصور الأشياء كما هي.

وعن سوداوية الشعور في المجموعة الشعرية، تقول “عمران” إن الشعر بالنسبة لها لا يمنح الأمل، بل هو أكثر زاوية سوداء في شعور الإنسان، لكن مهمة الشعر تكمن في إضاءة تلك الزاوية، والإشارة إليها في محاولة السيطرة عليها، فهو سبيل حياة، في ظل الواقع اليائس الذي تعيشه، ونوع من مقاومة الموت، فالبعد عن الكتابة هو انتحار رخيص بالنسبة لها.

لم أكن رمادية وجرأة الناس درجات

وعن موضوع اتهامها بالرمادية ، تؤكد ” عمران ” أنها لم تكن كذلك منذ بداية الثورة ، فهي تحدثت بصراحة ، مع بدايات الأحداث في درعا ، وكانت وقتها بأحد المؤتمرات في الجزائر ، و اعتقلت ابنتها في 25 آذار/ مارس عام 2011 ، مع بداية الثورة ، وتذكر بأنها اتهمت بالتحريض الطائفي ، لأن كثيرين لم يكونوا على دراية بأنها من (الطائفة العلوية) ، و في نفس السياق ، تؤكد أن جرأة الناس متفاوتة ، واتهام الرمادية ، ظالم في الكثير من الأحيان ، فليس الجميع قادر على تحمل عواقب الكلمة، خصوصا مع الصورة الذهنية التي يعرفها الشعب السوري عن المعتقلات ، فهي كما تقول لم تتعرض للاعتقال وقتها كما كثير من الكتاب السوريين الذين أعلنوا مواقفهم وذلك حرصا من النظام على الحفاظ على صورته أمام مؤيديه ، بالمقابل هناك كثير من السوريين، تعرضوا لمشروع الموت داخل المعتقل، بسبب كلمة قالوها على ” الفيسبوك “.

لن أعيش في دول الطوائف

تخاف (رشا عمران) ، من مشروع تقسيم سوريا ، المطروح على أجندة الحلول المؤلمة ، فهي لا تستطيع التفكير بسوريا إلا موحدة كما كانت ، فالتقسيم برأيها ليس حلا ، بل هو زيادة في التوتر والاحتقان و مفتاح لباب الاقتتال الدائم بين الدول التي إن قامت ، فستقوم على أساس طائفي عرقي خالص ، ما يسفر عن حروب طويلة في البلاد ، فنحن لسنا سويسرا كما تقول ، ثم إنه لا يمكن للكثير من السوريين برأيها البعد عن دمشق عاصمتهم الأزلية ، والتقوقع في مدنهم المرسومة على أساس طائفي بغيض، فهي على سبيل المثال مقسومة بين طرطوس مسقط رأسها ، و دمشق مدينة أحلامها وذكرياتها الجميلة .

أما ما حدث في حمص قبل أيام ، من منع مؤيدين لنظام الأسد ، سيارات الأمم المتحدة ، من الدخول إلى أحياء حمص المحاصرة وتقديم المساعدات الغذائية للمحاصرين من أطفال ونساء ، فترجح عمران أنه قطع شعرة معاوية بين الطرفين ، حيث أصبح التعايش في حمص ، أمرًا غاية في الصعوبة ، وتعتبر أن العودة من جديد لتقبل الأخر في هذه المدينة خصوصا ، يحتاج لسنوات طويلة ، فالتجاوز والنسيان ضرب من المستحيل في الوقت الراهن .

العلويون و السنة .. فوبيا الثمانينيات

“كل سوري سنّي هو إخوان بالنسبة للكثير من العلويين ، وكل علوي هو مخابرات بالنسبة لأكثرية السنة  ” ، هذه الفكرة زرعها نظام الأسد في الطائفتين كما تقول “عمران ” ، مستفيدا من أحداث الثمانينات التي كان النظام نفسه الطرف المدبر لها مستغلا أعمال الطليعة المناضلة التابعة للإخوان المسلمين لتثبيت دعائم استبداده .

و ترى الشاعرة أن ما يحدث اليوم في سوريا ، يمكن أن نسميه ” لعنة حماة ” فالسكوت عن الدماء التي سالت في تلك المدينة وقتذاك ، يدفع كلفته الآن دماء أخرى ، بعد أن تبلور فقدان الثقة بين الطائفتين ، الذي غذاه الصمت الطويل .

المؤسف في الأمر حسب ” عمران ” أن من يتحدث بهذا المنطلق الطائفي البغيض ، هم مثقفوا الطائفة ، أولئك الذين يرون أن أي تفكير بالحرية ، يخرج عن إطارهم ، هو سعي لدولة إسلامية متطرفة تقضي عليهم .

” جنيف 2 ” لن يقدم حلا للسوريين

لا يتجاوز مؤتمر جنيف بالنسبة لعمران عن كونه ، قشة أمل جديدة يتعلق بها السوريون الغارقون في دمائهم ، فهو كغيره من الأطروحات السابقة ، عبارة عن مؤتمر للتسويفات ، فالنظام برأيها بارع في المماطلة ، فهو وإن أرسل وفدا للتفاوض ، إلا أنه لن يفاوض على رحيل الأسد و تشكيل حكومة انتقالية ، فالأسبوع الأول من العملية السلمية ، استهلك في الحديث حول إدخال مساعدات للمناطق المحاصر ، وهذا يدل على شيء واحد ، أن النظام لا يريد للمفاوضات أن تسير باتجاهها الحقيقي ، من خلال دخوله بالتفاصيل الدقيقة واللعب على عامل الزمن.

و ترجح عمران أن الطرفان أتيا إلى المفاضات مجبرين ، فهما لا يملكان رأيهما الآن ، بعد أن خرج الموضوع السوري من أيدي المعارضة والنظام إلى الدول الكبرى التي تجد في مصلحتها استمرار الحرب في سوريا إلى حين،

فالمعارضة ضعيفة سياسيا، والنظام ضعيف في موقفه، والدول الأخرى تستغل ضعف الطرفين لتمرير أجنداتها.

الموت هاجسي و الاغتراب القسري موجع

بعيدا عن سوريا تعيش عمران هواجس عدة في حياتها ، فتقول إن التفكير في الوطن من خارجه شيء موجع جدا، خصوصا أن تراه يحترق أمام عينيك، دون أن تمتلك القدرة على فعل شيء، وليس ذلك ما يثير الخوف في نفسها فحسب، ففكرة الموت بعيدا عن أرض سوريا، التي يجب أن تضم جسد السوريين، هو قلق آخر، لم يكن يساورها قبل خروجها من البلاد.

وعن مستقبل سوريا، فإنها تراه مجهولا تماما، ومن الصعب التكهن فيه في ظل الظروف الحالية، فضلا عن إن سوريا السابقة لن تعود برأيها، فنحن كسوريين نحتاج لأجيال متلاحقة ، حتى نستطيع أن ننسى ما وصفته عمران بمأساة العصر الحديث.