أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (أمين دزيري) 

 

قبل قرن من الزمن ضربت الإنفلونزا الإسبانية العالم وأودت بحياة أكثر من50 مليون شخص وحوالي 500 مليون أصيبوا بالعدوى.

قيل حينها إن “الأنفلونزا قد استقلت القطار” وذلك في إشارة الى سرعة انتقال العدوى آنذاك عندما كان التنقل بين الشعوب يتعاظم بصورة كبيرة في فترة الثورة الصناعية.

أما اليوم فيمكننا القول إن فيروس كورونا قد استغل الكثافة السكانية والتطور التكنولوجي ان جاز التعبير لينتشر أسرع أو بمعنى آخر وفي السياق نفسه فإن “فيروس كورونا قد استقل الطائرة”

ولكن من بين أبرز الأسئلة التي شغلت بال الناس منذ أن حل بنا هذا الوباء الملعون..

ما الذي سيغيره كورونا في العالم؟

وكيف ستكون حياتنا بعد كورونا؟

وهل ستعود الحياة بعد كورونا كما كانت عليه قبلها وكأن شيئا لم يكن؟

الإجابة والتي اتفق الجميع عليها هي حتما لا أو على الأقل التاريخ بإمكانه إخبارنا بذلك.

فمنذ الأزل وحتى في المجتمعات التي سبقتنا ترافقت الأوبئة دائماً بأزمات اقتصادية عميقة وعنيفة وحتى اجتماعية وسياسية وقادت حتى منذ ألف سنة مضت إلى تغييرات جوهرية في تنظيم الأمم السياسي، وفي الثقافة التي يستند إليها هذا التنظيم.

في أوروبا مثلا وبعد أن ضرب الطاعون أو الموت الأسود في القرن الرابع عشر واستمر لسنوات استطاع بعدها أن يغير من بنية المجتمع تغييرا جذريا حيث أضعف الطاعون من سلطة الكنيسة وساهم في إعادة النظر في مكانتها السياسة والتنظيمية حيث كان الكهنة يوصون الناس مثلا بجلد أنفسهم للتخلص من الوباء لتقام بعدها أجهزة الشرطة وتكون الرادع والمنظم في المجتمعات، وحل الشرطي محل الكاهن.

الأمر نفسه تكرر في نهاية القرن الثامن عشر ولكن هذه المرة الطبيب هو من حل مكان الشرطي بوصفه المنقذ ليبدأ عصر جديد يرتكز على العلم والعلماء.

 

  • ما بعد كورونا

طبعا لكل عصر خصائصه وحيثياته، اليوم ونحن نعاصر مشاهد وصور لم نعهدها سابقا ونتساءل في صدمة هل ستكون حياتنا المقبلة بهذا الشكل أو هي “فترة وتعدي” كما يقال.

هل سنتحرك مستقبلا ان تواصل الوباء ببدلات رواد الفضاء الواقية في الباصات مثلا أو وسط صناديق زجاجية في العمل، وهل ستحرم التجمعات والحفلات الصاخبة أو مشاهدة فيلم في السينما سيكون من داخل سيارتك وحتى معانقة أحبائنا ستكون من خلال حاجز بلاستيكي!!

ولكن أتدرون كل ما ذكرت سابقا سيكون تغييرا شكليا وطفيفا بالرغم من غرابته وطرافته سواء طال زمانه أو قصر مقارنة بالتغيير الذي سيمتد لسنوات وربما لعقود قادمة سيكون أكثر عمقا وتأثيرا ولكن ليس بالضرورة سلبيا على الجميع.

 

تغييرات تشبه المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية

  • اقتصاديا

اليوم الحرب العالمية ضد كورونا متواصلة ولا نعرف الى متى ولكن من الواضح أن تبعاتها الاقتصادية تتفاقم فكلما طال أمد الصراع ضد هذا الوباء زاد الثمن الذي يدفعه العالم أضعافا مضاعفة.

العالم اليوم مثقل بالديون أكثر من أي وقت مضى، اذ كسر اجمالي الدين العالمي حاجز ال 255 ترليون دولار.

في الولايات المتحدة مثلا أكبر اقتصاد في العالم وصل عدد المتقدمين لطلبات إعانة البطالة عشرة ملايين في أقل من أسبوعين.

الخبيرة الاقتصادية الأمريكية ستيفاني كيلتون قالت عن كيفية استخدام جائحة كوفيد 19 لمعالجة التفاوتات الاقتصادية الطويلة الأمد أن “الأزمة الحالية هي فرصة، وأمامنا خياران، إما إصلاح الأمور كما كانت عليها من قبل، أو إصلاحها بطريقة مختلفة وأكثر ذكاء”

 

  • سياسيا

مما لا شك فيه أن تأثير كورونا على النظام العالمي سيكون جليا، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق اللورد بيتر ريكيتس قال إن العالم يعيش لحظات فاصلة تشبه المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية. وقال إن العالم أيضا سيشهد مناطق نفوذ جديدة ومن الواضح أن الصين وأمريكا وأوروبا باتوا أضعف من السابق.

 

هذا يعني أن صدارة الترتيب كأقوى دول العالم سيكون حتما مختلفا عند نهاية الأزمة , ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تتصدر دولة أخرى المشهد كالصين مثلا أو روسيا.. فالجميع تضرر ولو بمستويات متفاوتة، ولكن الأرجح أن يصبح العالم متعدد الأقطاب كما كان قبل الحرب العالمية الثانية.

فكلما كانت وطأة الأزمة الاقتصادية أعمق كلما زادت التحالفات وزادت معها فرصة اندلاع الأزمات والحروب.

 

  • عسكريا

كورونا كشفت ضعف حتى كبرى الدول رغم ترساناتهم العسكرية المتطورة في صد أو كسب معارك وحروب بيولوجية من الممكن أن تستخدم فيها غازات أو فيروسات مما سيحول بالضرورة وجهة التسليح في العالم للتعامل مع أزمات عسكرية من هذا النوع.

 

  • التضامن الاجتماعي والعطاء بين الأفراد والدول

من الواضح أن كورونا أثرت فينا وفي العالم ولكن وبالرغم من تبعاتها الاقتصادية وحتى السياسية الا أنها كشفت أن الانسان باستطاعته التأقلم والتطور في فترات وجيزة وحتى أسرع من أي وقت مضى ولكنها أيضا كشفت الأهم فينا وهي إنسانيتنا..

كورونا رغم وحشيتها أتاحت لنا فهم جوهر وجودنا.. فالمال والصحة في زوال ولكن تبقى المواقف وايثار الغير والعطاء يذكرنا دائما أن لوجودنا على هذه الأرض أهدافا تبقى دائما أسمى وأرقى وأنبل..

 

اقرأ أيضاً: كبسولة الزمن ..ماذا لو اختفى البشر من الأرض؟