اللاجئون سلاح يستغله الروس عبر مينسك للضغط على الاتحاد الأوروبي

قبل أسابيع من الهجوم الروسي على أوكرانيا بدأت بولندا في بناء تحصينات على حدودها لصدّ آلاف المهاجرين العالقين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا بعد تعنّت سلطات البلدين ورفض إدخالهم إلى إحدى الدولتين لأشهر طويلة.

الخطوة البولندية جاءت بعدما دفعت بيلاروسيا موجات متتالية من المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط إلى حدود الاتحاد الأوروبي منذ بداية أيلول الماضي. ولكن ما هو سرّ هذا التدفق الكبير صوب الأخيرة كبلد عبور نحو الإتحاد الأوروبي؟.

ليست الحرب مجرّد استخدام للجنود والذخيرة والأسلحة والعتاد كما يحصل مؤخراً في الحرب الروسية – الأوكرانية، فقبل الغزو الروسي لأوكرانيا بأشهر وعلى الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، ظهر نموذج جديد لنوع حديث من الحروب، ذخيرتها لاجئون خرجوا من بلادهم بحثا عن فرص حياة أفضل، ليجدوا أنفسهم وقوداً في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

يحمل هذا النوع الحديث من الحروب إسم “الحرب الهجينة” وهي تستغل أوضاع المهاجرين وتستخدمهم كسلاح لمعاركها التي تشنّها.

الحرب الهجينة هي توصيف أطلقه الاتحاد الأوروبي على الأزمة التي تفتعلها العاصمة البيلاروسية مينسك، الحليف الأبرز لموسكو ضد دول الاتحاد الأوروبي، ويسميها باحثون حروب “المنطقة الرماديّة”، وهي حروب تستعمل فيها كل الوسائل إلا الأسلحة، وإذا استعملت فلا يتحمّل أي طرف المسؤوليّة عن ذلك.

في تحقيق استقصائي كشفت “أخبار الآن” كيف قامت بيلاروسيا بتقديم تسهيلات مغرية وتأشيرات ميسّرة إلى آلاف اللاجئين الهاربين من حروب الشرق الأوسط، مهاجرين من العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وغيرها حصلوا على تسهيلات من بيلاروسيا للدخول بطريقة رسميّة إلى البلاد مع حجز فندقي وتأمين للسفر في رحلة جوية سياحية يُراد منها دفع نقل اللاجئين إلى الحدود البرية مع بولندا، بوابة الاتحاد الأوروبي واستعمالهم كسلاح هجرة، وهو سلاح تخشاه القارّة العجوز.

بولندا

قصص العالقين عبر الحدود

مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، وصل إلى بيلاروسيا الآلاف من الراغبين في الوصول إلى أوروبا من سوريا والعراق واليمن ودول أفريقية عبر مكاتب وكلاء السفر مقابل 4 آلاف دولار أميركي للشخص الواحد الذي يسافر إلى مينسك، ومن هناك وبعد وصولهم إلى مينسك دُفع بهؤلاء إلى الحدود مع بولندا حيث بوابة الاتحاد الأوروبي.

علي عبد الوارث كان من بين الذين وصلوا إلى بيلاروسيا وتم نقلهم إلى حدود الاتحاد الأوروبي، هو مهاجر لبناني علق على الحدود البيلاروسية – البولندية لأكثر من أسبوع إلى أن تدخلت الفرق الطبية ونقلته إلى الأراضي البولندية، تمكّن علي مع عدد من العائلات من النجاة من موت وشيك، غير أن مصير آخرين كان مأساوياً ومن بينهم الشاب السوريّ أحمد الحسن الذي فشل في عبور النهر الفاصل بين بولندا وبيلاروسيا طمعاً بحياة أقلّ بؤساً في ربوع الاتحاد الأوروبي لينتهي به المطاف مع أحلامه جثّة هامدة في مقبرة للأقليّة المسلمة في قرية بولندية حدودية حيث لم يستطع السكّان سوى تأمين دفن لائق له.

وجدت علا، السيّدة السوريّة مع عائلتها في السفر إلى بيلاروسيا فرصة لمعالجة طفلها المريض لكنها علقت مع عائلتها على الحدود البولنديّة – البيلاروسية تقول: “لما كنا أتينا لو علمنا ذلك، كنا نريد معالجة طفلنا المريض لأن علاجه لم يكن متوفراً في سوريا بسبب الحرب”.

بولندا

بدوره كشف عبد الوارث أنه “في كل مرة نطالب بالعودة إلى بيلاروسيا كانوا يرفضون ذلك، نسألهم العودة إلى العاصمة مينسك ومن ثم العودة إلى لبنان ولكنهم يرفضون ذلك ويقولون لنا أمامكم خيار واحد إما الموت هنا أو الموت في بولندا. كنا نقول لهم أنتم لا تريدوننا هنا أو في بيلاروسيا، فقط دعوني أعود إلى بلدي وأنا سوف أدفع ثمن تذكرتي، فقط اسمحوا لي بالعودة إلى بلدي”.

بتخطيط مسبق من العاصمة البيلاروسية مينسك، تحوّل قدرُ آلاف اللاجئين على الحدود البيلاروسية – البولندية والراغبين في الوصول إلى حلمهم المنشود في الوصول إلى عمق الدول الأوربية إلى مأساة إذ يتم استغلالهم كسلاح بيد موسكو ومينسك في وجه الاتحاد الأوروبي منذ ما قبل اندلاع الحرب العسكرية الأخيرة.

برزت بيلاروسيا كطريق رئيسي للأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا منذ أن ساءت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي يتولى السلطة منذ العام 1994 ويطلق عليه لقب آخر دكتاتور في أوروبا بعد نتائج الانتخابات المتنازع عليها عام 2020.

يروي أحد العالقين العراقيين على الحدود الظروف الصعبة التي يقاسيها المهاجرون ويقول: “نحن من العراق، وضعنا صعب جداً ونحن عالقون هنا منذ أشهر والحرارة الآن تحت الصفر. الناس يعيشون حالة صعبة جداً إذ لا طعام ولا مياه لدينا، والاتحاد الأوروبي يمنعنا من إكمال طريقنا، هل هذه الإنسانية التي يتحدثون عنها؟ هناك حوالي 4 آلاف شخص عالقون هنا ويتم نقلنا من حدود إلى حدود. ما ذنب الأطفال؟ هناك شاب لا يستطيع السير بسبب الضرب الذي تعرّض له من الشرطة البولندية ووضعه الصحي صعب. نناشد المنظمات الدولية لمساعدتنا، فقد شنوا حروباً في بلادنا ودمّروها، والآن يمنعونا من التقدم، يقولون إن عبورنا غير شرعي فيما قاموا بتدمير بلادنا”.

بولندا

لاجئون أوكرانيون يسيرون بعد عبور الحدود بين أوكرانيا وبولندا وسط الغزو الروسي لأوكرانيا

تمييز عنصري

وصل أغلب المهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا إلى بيلاروسيا ومعظمهم من النساء والأطفال نصبوا الخيم هناك وحاصرهم حرس الحدود البولندي من جانب، والحرس البيلاروسي من جانب آخر.

وصلوا عبر رحلات جوية من سوريا والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان ودول أفريقية إلى مينسك بعد تسهيلات قدّمتها بيلاروسيا للوصول إلى حدود أوروبا.

لا يزالون منذ أكثر من ثلاثة أشهر عالقين على امتداد 400 كيلومتر تفصل بين بيلاروسيا وبولندا بعد أن تحوّلوا إلى أدوات ضغط بين دول الممرّ والوجهة، حيث تواصل البلدان الأوروبيّة رفض استقبالهم فيما فتحت ذراعيها لأكثر من مليون لاجئ أوكراني هرب من بلاده نتيجة الغزو الروسي على أوكرانيا.

أولئك الذين يسعون للحصول على الحماية من دول مثل العراق أو سوريا يتعرّضون لعمليات صد وترحيل عنيف وظروف سجن غير إنسانية وأنماط من السلوك المهين

منظمة العفو الدولية

وفي هذا المجال، اتهمت منظمة العفو الدولية في 11 أبريل الفائت بولندا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بحق اللاجئين على الحدود البولندية البيلاروسية.

وتظهر معلومات جديدة لدى المنظمة أن “أولئك الذين يسعون للحصول على الحماية من دول مثل العراق أو سوريا يتعرّضون لعمليات صد وترحيل عنيف وظروف سجن غير إنسانية وأنماط من السلوك المهين”.

وبحسب معلومات المنظمة الحقوقية الدولية، يحاول المزيد من اللاجئين، وخاصة من الشرق الأوسط، بعد أشهر الشتاء دخول بولندا عبر بيلاروسيا “ويتعرض أولئك لسوء المعاملة على أيدي حرس الحدود البيلاروسيين، الذين يستخدمون الكلاب والعنف لإجبار الناس على عبور الحدود إلى بولندا. في الوقت نفسه، يواجه حرس الحدود البولنديين اللاجئين بأسوار شائكة وعمليات صد غير قانونية”.

وقالت فرانزيسكا فيلمار، الخبيرة في سياسة اللجوء بفرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا، إن المتضررين “ما زالوا عالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا دون مأوى أو طعام أو ماء أو الحصول على رعاية طبية”.

وأفاد جميع الأشخاص الذين استطاعت منظمة العفو الدولية التحدث إليهم باستمرار تعرضهم لمعاملة غير لائقة واساءات لفظية عنصرية ونفسية.

وأشارت المنظمة على نحو خاص، إلى الوضع المتفاقم والحاد في سجن ويدرزين للاجئين المكتظ بحوالي 600 شخص مشيرة إلى أنه يتم هناك احتجاز ما يصل إلى 24 رجلاً في 8 أمتار مربعة فقط، بينما الحد الأدنى وفق معايير الاتحاد الأوروبي ينص على مساحة أربعة أمتار مربعة لكل شخص في السجون ومراكز الاحتجاز.

فيما أشادت فيلمار بـ”الترحيب الحار من قبل المجتمع المدني البولندي باللاجئين من أوكرانيا”، مستدركة أنه “يتعين على الحكومة البولندية أن تظهر استعدادها لاستقبال جميع الأشخاص الذين يأتون من أجزاء أخرى من العالم هرباً من الحروب والصراعات”.

قهر ومعاناة وانتهاكات

تقول مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون إن “الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الاستعداد لوصول ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى الاتحاد، في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع قواته المسلحة نووياً في حالة تأهب قصوى”. وأضاف “إن 300 ألف لاجئ على الأقل وصلوا بالفعل إلى الاتحاد الأوروبي بحلول يوم واحد، ومن المرجح أن يأتي المزيد منهم، أعتقد أننا بحاجة إلى الاستعداد للملايين والدنمارك مستعدة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين.

وتكشف تقارير حقوقية إلى أن كلًا من بيلاروسيا وبولندا ارتكب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” في ذلك الحين ضدّ مهاجرين وطالبي لجوء كانوا على الحدود بين البلدين.

انتهاكات تتمثل بإعادة بولندا معظم اللاجئين الذين حاولوا دخول البلاد في مخالفة للقانون الدولي، كما تم قذفهم إلى منطقة عازلة مع إصرار القوات البيلاروسية على عدم عودتهم. وهكذا باتوا محاصرين في منطقة عازلة، وسط محاولات متتالية للوصول إلى حلمهم المنشود في أوروبا.

تمكّن بعضهم بالفعل من الوصول إلى هولندا بمساعدة مهرّبين بيلاروس، فيما انتهى المطاف بآخرين في مخازن بنيت على عجل ضمن روسيا البيضاء، وسط رفض معظم دول الاتحاد الأوروبي استقبالهم حتى اليوم.

بولندا

عبدالله دمشقي هو أحد اللاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى هولندا عبر بيلاروسيا، وقد تمكن من ذلك من خلال “التواصل مع مهرّب بيلاروسي أعطانا نقاطاً للسير عليها ومن ثمّ طلب 300 دولار أميركي مقابل تلك النقاط. وبعدها أخذنا الى نقطة وطلب منا المشي، وبالفعل واصلنا السير حتى وصلنا إلى الحدود حيث تمّ إلقاء القبض علينا من قبل حرس الحدود البيلاروسي، فطلبوا منا سجائر وسمحوا لنا بالمرور باتجاه حدود بولندا. قطعوا لنا الأسلاك وقالوا لنا اذهبوا ولا تخبروا أحد أننا فعلنا ذلك، في حال عدتم إلينا لن نسمح لكم بالعودة”.

حتى اليوم فقد 14 شخصًا حياتهم بسبب تجمّدهم في الغابات البيلاروسيّة ودعت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بولندا إلى الوفاء باتفاقية العام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وتقديم المساعدة الطبية للأشخاص على الحدود. ومع ذلك، رفضت وارسو الامتثال وتقول إن مينسك مسؤولة عن الأشخاص الذين سافروا إلى بيلاروسيا.

تدرك أوروبا كما وحلف الناتو أن المعركة ليست مع بيلاروسيا وحدها، ولكن مع حليفتها روسيا وقد اتهمت بولندا بشكل مباشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه العقل المدبر لهذه الأزمة، وأن بيلاروسيا ليست سوى الذراع المنفذ.

ويقول خبراء إن بيلاروسيا لا تسعى إلى تحقيق منفعة ماديّة من عائدات اللاجئيين، فهدفها الخفي بالتعاون مع روسيا هو ضرب الاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين بسبب العقوبات المفروضة.

بولندا

يشير دكتور الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن كرم الشعار إلى أنه “بناء على الأسعار التي دفعها السوريون لقاء بطاقات الطيران، أعتقد أن الفائدة الاقتصادية للحكومة البيلاروسية كانت محدودة. لا شك أن بعض الضباط كانوا مستفيدين من عمليات نقل المهاجرين من العاصمة مينسك باتجاه الحدود البولندية ودول الاتحاد الأوروبي، ولكن هذه الفائدة ليست على مستوى هرم السلطة، فالفائدة الاقتصادية باعتقادي محددة”.

وأضاف “برأيي إن الهدف الأساسي من تشجيع وصول اللاجئين الى أوروبا هو الابتزاز السياسي بهدف انتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي وهو ما نجح لحد ما. لكننا شاهدنا مؤخراً عمليات إعادة للاجئين الى سوريا وتعرضهم للاستجواب من قبل المخابرات السورية. ما هو مزعج أكثر في هذا الموضوع، هو أن الاتحاد الأوروبي قال بشكل رسمي أن هدف بيلاروسيا هو زعزعة الاتحاد الأوروبي وهو ما يشير ضمناً الى أن هؤلاء اللاجئين بالفعل يقومون بزعزعة الأمن وهذا غير صحيح وفيه درجة من التخويف من اللاجئين وشيطنة لهم وهو ما يبدو أنه يحصل في تزايد من قبل الاتحاد الأوروبي مع الأسف”.

جرائم ضدّ الإنسانيّة

في الخامس من ديسمبر الماضي، كانت أفين عرفان زاهر، وهي سيدة في عقدها الثالث من كردستان العراق حاملاً في أسبوعها الـ24 وتعاني من انخفاض حاد في درجة حرارة الجسم، نُقلت على إثر ذلك إلى المستشفى بعدما عُثر عليها في حالة صحية متدهورة في المنطقة الحدودية البولندية.

لم تنجح محاولات إنقاذها فتوفيت أفين مع جنينها بعد ساعات من وصولها إلى المستشفى وتركت خلفها 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 13 عامًا تمكنوا من النجاة بحياتهم مع زوجها، وهم الآن موجودون في بولندا حيث تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء فيما أقيمت جنازة لوالدتهم ولطفلها الذي لم يولد بعد في مقبرة المسلمين بالقرب من بوهونيكي البولندية. فهل إن ما يحصل جريمة حرب؟.

يمكن اعتبار ما يحصل على حدود بيلاروسيا بأنه اتجار بالبشر بحسب القانون الدولي

طارق شندب

خبير قانوني

يقول الخبير القانوني الدكتور طارق شندب إن ذلك “يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة ولكن على أقل يمكن توصيف ذلك بأنه جريمة ضد الإنسانية، ويمكن اعتبار ما يحصل على حدود بيلاروسيا بأنه اتجار بالبشر بحسب القانون الدولي”، مؤكداً أن “ما تقوم به روسيا البيضاء في هذا المجال باستعمال اللاجئين كدروع أو كسلاح في سبيل تحقيق غايات ومكاسب سياسية واقتصادية هو أمر مخالف للقانون”.

وأضاف “طبعاً تمّ رصد الكثير من الانتهاكات، قُتل بعضهم إما بسبب استخدام السلاح أو بسب البرد وتم منع معظمهم وهو ما يشير بشكل واضح إلى أن ما حصل مخالف للقانون وقد تمت إعادتهم بطريقة قسرية… كانت بولندا تمنع دخول أي لاجئ من الشرق الأوسط قبل الغزو الروسي لأوكرانيا وقد نشرت عسكراً على الحدود وسياج حدودي واستخدمت السلاح والقوة، حتى أن كثيرين قُتلوا نتيجة البرد والجوع وعدم توفر مقوّمات العيش”.

يقول خبراء إن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تولى السلطة منذ العام 1994 ولكنه حُرم من الاعتراف به في العواصم الأوروبية بعد الاشتباه بحدوث تزوير في الانتخابات الأخيرة، يضاف إلى ذلك أنه يشن اليوم هجوما مختلطا باستخدام الأشخاص الضعفاء، مستغلا أحلامهم في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي ليسعى إلى تحقيق هدفه بانتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي له ولموسكو دون الاكتراث بمصير وحياة اللاجئين.

لأجل كل ذلك تقول مديرة برنامج الهجرة واللجوء في الأورومتوسطية للحقوق في بلجيكا إن “الوضع على الحدود مقلق للغاية بالنسبة لنا من حيث انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات حقوق المهاجرين واللاجئين والضمانات المخفضة وقلة الوصول إلى الحماية. ولكن ما يثير قلقنا أيضًا هو كيفية استجابة الاتحاد الأوروبي لهذا الوضع. أولاً، اقترحت المفوضية الأوروبية في الأول من ديسمبر بعض إجراءات الطوارئ ليتم تنفيذها في العام الحالي على الحدود في دول بولندا ولاتفيا وليتوانيا. إن الاقتراح الأول الذي قدمته المفوضية بشأن تدابير الطوارئ هذا مثير للقلق للغاية بالنسبة لنا، إذ إنه لم يقدم أي حلول”.

وتشير وثائق وتقارير وتسجيلات اطلع عليها فريق التحقيق إلى أن مسؤولين بيلاروسيين وشركة الطيران البيلاروسية الحكومية “بيلافيا”، وشركة خطوط الطيران السورية، وشركة “أجنحة الشام” للطيران السورية متورطون في نقل جزء كبير من هؤلاء اللاجئين من دمشق وبغداد، واسطنبول، وأربيل، وبيروت إلى بيلاروسيا، وبتسهيلات خاصة قدمتها حكومة بيلاروسيا في أثناء دخولهم للبلد، حيث سيتم استخدامهم لاحقاً كورقة ضغط في وجه دول الإتحاد الأوروبي عند فرض المزيد من العقوبات على العاصمة البيلاروسية مينسك أو حتى العاصمة الروسية موسكو.

ويقول الدكتور شندب في هذا المجال: “إن الأمر واضح بالنسبة للتسهيلات التي قُدّمت من قبل تلك الدول واستعمال شركات الطيران من أجل استخدام اللاجئين كسلاح في وجه أوروبا واستخدامهم كورقة في النزاع الحاصل اليوم بين روسيا وأوكرانيا. إن هذه الدول التي تستخدم تلك الطريقة ترتقي بهذه الجرائم الى جرائم ضد الانسانية واتجار بالبشر”.

الإجراءات البولنديّة

من جهتها منعت بولندا المسؤولين الأمميين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان من الوصول إلى منطقة المهاجرين، نصبت القوات البولندية الأسلاك الشائكة كما نشرت آلاف الجنود وانتهت مؤخراً من إقامة جدار على طول الحدود يبلغ طوله حوالي 186 كيلومتراً.

وقد رفضت الدول التي تقودها حكومات ذات توجهات قومية محافظة قبول طلبات لجوء العالقين في العراء وأعلنت أنها لن تسمح لأي طالب لجوء بعبور الحدود إليها. وترفض مينسك اتهامات الأوروبيين جملة وتفصيلا، وتحمّل مسؤولية الهجرة للغرب بسبب تدخّلاته العسكرية في الشرق الأوسط، وقد هدّد رئيسها بالتصعيد في حال فرض مزيد من العقوبات.

وقد أوضحت المتحدثة باسم حرس الحدود البولندي الملازم آنا ميشالسكا أن “نمط هجمات المهاجرين متشابه جدًا مؤخرًا. تحدث الهجمات في الليل ومن مناطق متفرقة، فالمهاجرون عدوانيون ويرمون الجنود البولنديين بالحجارة والأخشاب.. على الطرف المقابل يساعد الجنود البيلاروسيين في دفع اللاجئيين لاقتحام الحدود الأوروبية. فالمهاجرون يتلقون دعماً صريحاً من قبل القوات البيلاروسية”.

بولندا

بدورها وثّقت لاجئة الصعوبات التي واجهتهم في المنطقة العازلة بين بولندا وبيلاروسيا وقالت: “نريد المساعدة، نحن عالقون هنا، نحن مرضى وتتساقط علينا الأمطار، لا يمكننا التحرك، الأطفال والكبار بحاجة للمياه، نحن بحاجة للماء أرجو المساعدة”. وأضافت “نحن حوالي 40 شخصاً هنا ولدينا كبار في السن ونساء حوامل وأطفال، نحتاج المساعدة بسرعة من فضلكم”.

منذ العام 2015 لم تنجح دول الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على إصلاح سياسة وقواعد اللجوء واستقبال اللاجئين، فيما تواصل دول الاتحاد الأوروبي عمليات صَد المهاجرين من عبور حدودها.

ينتهك هذا التصدي حقّ اللجوء المنصوص عليه في القانون الأوروبي إذ يستخدم اللاجئين كقطع في لعبة سياسية بين روسيا وبيلاروسيا وجيرانها، وسط دعوات لإظهار تضامن مع الضحايا الذين يعانون من الموت بغض النظر عن عرقهم أو لونهم ومكان قدومهم على الحدود من الجانبين.

في المقابل وفي إجراء استثنائي وتوافق أوروبي غير مسبوق، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على منح وضع الحماية المؤقتة لجميع الفارين من الحرب في أوكرانيا، وذلك يعني أنهم يحصلون على إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات، تتيح لهم الوصول إلى جميع الحقوق الأساسية مثل العمل والمسكن.

يشير الدكتور شندب إلى أن ما تغيّر في المعادلة هو أن روسيا غزت أوكرانيا فقط “فاليوم أصبح اللجوء فقط لأصحاب البشرة البيضاء وهم قالوا ذلك حيث تم فتح الأبواب وتقديم المساعدات وتقديم كل ما يلزم، فقد قالوا ذلك علناً، أن هؤلاء هم أصحاب البشرة البيضاء ولا يجب أن يكونوا مهجّرين، في حين أنه يجب على أصحاب البشرة الأخرى، ويقصدون من جاء من الشرق الأوسط هو شيء طبيعي. إن هذه المعركة التي تدور اليوم بين روسيا وأوكرانيا كشفت سوء الغرب والدول التي تدّعى الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالتعاطي المختلف بين لاجئ أبيض ولاجئ غير أبيض كشف عورة سياسات الحكومات الأوروبية”.

افتعلت بيلاروسيا هذا الوضع بدون الاكتراث للعواقب الإنسانية، وتتشارك بولندا معها مسؤولية المعاناة الحادة في المنطقة الحدودية، إذ تظهر فيديوهات محاولات مئات المهاجرين غير النظاميين عبور الحدود من بيلاروسيا لبولندا تحت أنظار قوات الأمن في بيلاروسيا فيما تكشف أشرطة مصورة عمليات الصد من القوات البولندية ومنع عمليات الدخول وقمعهم.

وتقول بيزي “أولاً لم يقدم سوى اقتراح لحل مشكلة اللاجئين العالقين على الحدود البيلاروسية – البولندية وهذا الاقتراح يعني فقط السماح للاجئين بالعبور من المعابر الحدودية الرسمية وهو أمر صعب للغاية ومعقد أيضًا لأن الحدود غالبًا من بيلاروسيا لا يمكن الوصول إليها وهي مغلقة من قبل بولندا ولا يمكن لطالبي اللجوء هؤلاء العبور لأنهم لا يملكون تأشيرات للعبور”.

يحاول المهاجرون العالقون على الحدود إيجاد حلول للخروج من المنطقة الحدودية وسط تعنّت سلطات البلدين في إيجاد حل

وأضافت “فلأعطيكم مثالاً، على الحدود بين ليتوانيا وبيلاروسيا على طول 700 كيلومتر من الحدود لا يوجد سوى 8 نقاط عبور حدودية رسمية، بالتالي سوف يذهبون باتجاه هذه المعابر المغلقة لذلك فإن هذا الإجراء الأول من شأنه أن يجعل طالبي اللجوء واللاجئين أكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان. ثانيًا، إن ما يثير القلق أيضًا في هذه المقترحات التي قدمتها اللجنة أنها تقترح تمديد وتأخير الإطار الزمني لبدء طلبات اللجوء إلى 4 أسابيع، بينما في الحالات العادية تتراوح فترة الإقامة وطلب اللجوء من 3 إلى 10أيام. هنا نرى المشكلة مرة أخرى بشكل واضح وهي تفعيل المزيد من القيود والقوانين والقرارات المعقدة وغير القابلة للتطبيق وذلك للحد من الوصول إلى تقديم اللجوء من قبل اللاجئين وتركهم في حالة من النسيان وجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات”.

يحاول المهاجرون العالقون على الحدود إيجاد حلول للخروج من المنطقة الحدودية وسط تعنّت سلطات البلدين في إيجاد حل.

وعمل ممثلو المنظمة الدولية للهجرة على نقل المئات إلى مركز إقامة المهاجرين بغرض عودة اللاجئين إلى ديارهم بموجب برنامج المنظمة الدولية للهجرة للعودة الطوعية إلى وطنهم. ورغم أن بعض السلطات في الدول العربية أعادت مئات العالقين الذين سعوا لدخول الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا بعدما فقدوا الأمل في الوصول بأمان إلى بلدان التكتل الغنية في العمق الأوروبي، يرفض مهاجرون العودة الطوعية إلى بلادهم ويأملون في قبول لجوئهم يوماً ما في دول الاتحاد الأوروبي.

ميران عباس هو أحد هؤلاء، هو مهاجر كردي عالق في بيلاروسيا، يفضل المهانة التي هو فيها اليوم على الواقع الذي قد يعود إليه في بلده الأم فيقول “لماذا أعود؟ ماذا أفعل هناك؟ في كردستان سوف أتعرض للإهانة حتى داخل منزلي، فأنا أفضل معاناتي هذه على العودة، لن أستسلم حتى أضمن العيش في الخارج”.

رغم المساعي التي قادها الاتحاد الأوروبي لإيجاد مخرج لأزمة آلاف المهاجرين الهاربين من حروب وفقر بلادهم وقد تقطّعت بهم السبل خلال رحلتهم في العبور صوب أوروبا الغربية، إلا أنها باءت بالفشل وأعلنت عن مزيد من قانون الطوارئ على حدود الإتحاد الأوروبي لصد اللاجئيين.

يختلف هذا الموقف مع ما تمت ملاحظته في التعامل مع اللاجئين الهاربين من الغزو الروسي على أوكرانيا، إنه نهج يشير بشكل واضح إلى أن هذه الدول لا تلتزم بواجباتها القانونية تجاه كل المهاجرين ويتم التمييز بينهم بحسب لون بشرتهم أو جنسياتهم.

بالنسبة للكثير من اللاجئين، انتهت الرحلة على الحدود البولندية، فاليوم مع استمرار بولندا وليتوانيا منع دخول اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وإجبارهم على العودة إلى بلدانهم التي مزقتها الحرب، يسأل اللاجئون والحقوقيون من مختلف البلدان التي عاشت حروبا وأزمات الدول الأوروبية عن ازدواجية معايير تضامنها مع اللاجئين.

وما يعمّق من جرح المقارنة، التصريحات التي بُثّت على قنوات عالمية، تحدث خلالها سياسيون وإعلاميون أوروبيون بألفاظ عنصرية في مقارنتهم بين اللاجئين الأوكرانيين المتحضرين، عكس الآخرين الذين رسمت صورة قاتمة عن مستواهم الفكري والتعليمي، والذين استخدموا كسلاح دون ذخيرة في الحرب التي تشنها موسكو ومينسك على الاتحاد الأوروبي.

الجدير بالذكر أن قوات حرس الحدود البولندية أعلنت عن ضبط محاولة 28 مهاجرًا من سوريا ومصر واليمن والعراق دخول البلاد بطريقة غير شرعية عبر الحدود مع بيلاروسيا، وفق ما نشرته عبر “تويتر”، الخميس 28 من نيسان.

بولندا

وبلغ عدد محاولات دخول بولندا عبر بيلاروسيا بطريقة غير قانونية 977 محاولة منذ بداية نيسان الحالي، و4283 محاولة منذ بداية العام الحالي.

وتتكرر محاولة دخول المهاجرين الحدود بطريقة غير شرعية، رغم مرور أشهر على أزمة لمهاجرين عالقين بين الحدود البولندية- البيلاروسية.