الصحافة ما بعد الجائحة

كان تفشّي وباء “كورونا” المستجدّ إيذاناً بحدوث تغييرات كبرى وتحولات عديدة في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وتغيّرت أولويات الحكومات، وتبدّلت عادات الأفراد بعدما جلسوا مُجبرين في بيوتهم، وواجهت مؤسسات عديدة تحديات كبيرة، مع تغيّر طبيعة وآليات العمل، وعلى رأس هذه المؤسسات كانت وسائل الإعلام التي تأزمت وضعية معظمها على الصعيد الاقتصادي، بسبب انهيار مداخيل الإعلانات، بفعل توقف الاقتصادات واقفال الشركات.

في المقابل، رافق تفشّي “كورونا” زيادة ملحوظة في استهلاك الأخبار والإقبال على التليفزيون والمصادر الرقمية، للاطلاع على معلومات حول الوباء والتعرف على الوضع الصحي في ظل حال الخوف والقلق من الإصابة.

ماذا عن مفهوم العمل عن بعد الذي كرسته كورونا في المجال الإعلامي؟

العمل الصحافي كان تاريخيًا، ولا يزال، يعتمد على العمل الميداني، بسبب ضرورة التغطية عن قرب لمواكبة الأحداث اليومية. وبفضل جائحة كورونا، إذا جاز التعبير، تحول العمل عن بعد من استثناء إلى قاعدة، وقررت فرق العمل بوسائل الإعلام أن تؤدي مهامها انطلاقًا من البيت عوض التنقل إلى مقرات العمل.

وكان لتطبيقات العمل الجماعي: واتساب ومايكروسوفت تيم وزووم وغيرها، فضل كبير وواضح في تواصل عقد اجتماعات هيئات التحرير والإدارة بشكل تفاعلي، ومن حسنات كورونا القليلة أنها أقنعت مسؤولي المؤسسات الإعلامية وبرهنت لهم أن وجود الصحافي في مقر المؤسسة ليس ضروريًا ليكون عالي الإنتاجية.

هل تكوين الإعلاميين بعد كورونا يجب أن يختلف عما كان عليه قبل الجائحة؟

قالت وكالة “رويترز” عن أثر كورونا على الاعلام: “خطورة الأزمة الصحية والاقتصادية أنها كشفت عن الحاجة إلى معلومات موثوق بها لتعريف وتعليم القراء والمشاهدين في عالم إلكتروني مفتوح على المعلومات المغلوطة، فلم يعد الصحافيون يتحكمون وحدهم في مسارات الأخبار، وإنما فتحت وسائط التواصل الاجتماعي للجمهور آفاقاً جديدة لمصادر المعلومات البديلة بنسبة كبيرة من المعلومات المغلوطة والمخالفة للمصادر العلمية والرسمية”.

أمام مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي واهميتها في نفس الوقت، صار ضرورياً إعداد برامج جديدة تتلاءم مع تحديات العمل الصحافي والإعلامي في مرحلة كورونا وما بعدها، فمراجعة برامج التكوين لا بد أن تتخلى عن مفهوم الصحافة القديم الذي يفرّق بين الصحافة المكتوبة والسمعية والمرئية والرقمية، لأن الحاجة باتت ماسة لتكوين صحافيين من طينة جديدة، قادرين على إنتاج مواد وقصص وروايات إخبارية بغض النظر عن وسيلة نشرها، وعلى جيل الصحافيين الجديد أن يكون قادرًا على إنتاج خبر، بالنص والصوت والصورة، لمختلف المنصات الإخبارية، مع القدرة على تسخير البيانات واستغلالها لإنتاج قصة إخبارية متلائمة مع تطلعات متابعي منصات متل: تيك توك وفيسبوك وإنستغرام وتويتر ويوتيوب وغيرها.

ويجب أن تترافق تقوية إعلاميي المستقبل مع تقوية اللغات الأجنبية لديهم، لأن الوباء -بتفشيه عالميًا- أثبت تجاوزه الحدود التقليدية ومفهوم القرب الجغرافي.

كيف يمكن للإعلاميين العاملين اليوم في المجال أن يواكبوا مرحلة ما بعد كورونا؟

حتى المهنيون المتمرسون عليهم التأقلم مع متطلبات الثورة التكنولوجية التي تكتسح الإنتاج الصحافي.
أولاً: يمكن للمعاهد والمراكز المختصة في تكوين المهنيين، أن تلعب دورًا رائدًا في تقديم تدريب مستمر للمهنيين، حتى يصمدوا أمام الطفرة التقنية وثورة المعلومات، ويكونوا قادرين على إنتاج مواد صحافية متعددة الوسائط تجمع بين الرؤية الصحافية ووسائل تقنية معقدة.
ثانياً: المؤسسات الإعلامية عليها أن تؤمن بدورها دورات تدريبية للعاملين عندها.
ثالثاً: هناك جهد شخصي مطلوب من كل صحافي لتطوير نفسه، وهذا يبقى الأهم.

كن صحافيا برنامج تعليمي تثقيفي يقدم فيه الإعلامي  المحترف يزبك وهبة معلومات قيّمة بالإشتراك  مع الصحافية بيرلا ابراهيم. يأتيكم كل يوم جمعة الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل على شاشة  الآن.