مئة عام خلف القضبان.. قصة السقوط المدوي لملك العملات الرقمية سام بانكمان فريد

كان سام بانكمان فريد يرتدي السروايل القصيرة وتفوح منه رائحة نتنة بحسب زملاءه، كما كان يقود سيارة تويوتا متهالكة، ورغم هذا تمكن من خداع كبار السياسيين والمشاهير في وادي السيلكون، وكان محط إعجاب الاقتصاديين وخبراء أسواق المال حتى أنه كان قريباً من يصبح التريليونير الأول في العالم

الصبي المعجزة، الميلياردير الأسطورة وملك العملات المشفرة كلها ألقاب أطلقت على سام بنكمان.. الفتى الذهبي في عالم التكنولوجيا صاحب شركة (FTX) للعملات المشفرة

هذا الشاب والذي يرفض أكل اللحوم أو شرب الكحول ويدافع بشراسة عن حقوق الحيوانات بات محط إعجاب المغنيات وعارضات الأزياء والمشاهير حتى وصلت الأمور إلى تضمين اسم شركته في أغنيات الجيل الجديد.

لكن كيف تدهور الحال بالشاب، البالغ من العمر 31 عامًا، من الجلوس على قمة فلكية شاهقة من الأموال، إلى القاع حيث يتمسك بآمال ضعيفة في النجاة من الحبس في زنزانة ضيقة لأكثر من مئة عام

المولد والنشأة

نشأ بانكمان في منطقة خليج سان فرانسيسكو الغنية بولاية كاليفورنيا، حيث التحق بمدرسة كانت تكلف والديه 56 ألف دولار سنويًا.

وكان والداه، جوزيف بانكمان، وباربرا فريد، أستاذين في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد المرموقة.

ولاحقا، انضم الفتى العبقري إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) حيث كان يعيش في منزل جماعي يُدعى “إبسيلون ثيتا”، الذي كان يجري الترويج له على أنه “أخوية خالية من الكحول ومشهورة بألعاب الطاولة والألغاز”.

وذات مرة اعترف سام أنه “لم يكن يجد نفسه في الفصول الدراسية، وأنه لم يكن يعرف ماذا يفعل بأيام حياته في معظم سنوات الكلية”.

وفي عام 2014، أنهى الشاب النباتي الذي كان يرفض شرب الكحول، تخصصا رئيسيا في علوم الفيزياء، بالإضافة إلى إنجازه تخصصا فرعيا في الرياضيات.

وبحسب كلامه، فقد حافظ على القيم التي اكتسبها من أخوية “إبسيلون ثيتا”، إذ رفض أية محاولات لتعاطي المخدرات والخمور، وبالتالي لم تكن هناك “حفلات صاخبة” في شركاته.

وخلال فترة اعتقاله، تمسك بمبادئه في السجن على الرغم من عدم حصوله على وجبات نباتية، وفقًا لمحاميه.

وقال فريق دفاعه إنه كان “يعيش حرفيا” على الخبز والماء وزبدة الفول السوداني في الفترة التي سبقت محاكمته.

وكانت نزعته النباتية ترتبط بتاريخ حافل في مجال الدفاع عن حقوق الحيوانات، إذ سبق له أن نظم احتجاجا في هذا الصدد، خلال عامه الجامعي الأول.

ملك العملات الرقمية سام بانكمان من الثروة الفاحشة إلى الإفلاس والسجن

الكسب من أجل العطاء

نقطة التحول في حياة الشاب كانت عندما التقى مع ويل ماكاسكيل، أحد نشطاء الدفاع عن الحيوانات، الذي أخبره أنه يستطيع إحداث تأثير أكبر “من خلال العثور على مهنة ذات أجر جيد، وثم من التبرع بالمال للأعمال الخيرية”.

وبحسب بانكمان، فإن ذلك المبدأ يُعرف باسم “الكسب من أجل العطاء”، وهي حركة تسعى إلى فعل الخير باستخدام الموارد المالية بفعالية.

وعندما تولى بانكمان وظيفة في شركة “جين ستريت” للتجارة العامة بعد تخرجه، قال إنه تبرع بحوالي نصف راتبه للجمعيات الخيرية، بما في ذلك منظمات رعاية الحيوان.

وتحدث عن خطط مستقبلية للتبرع بمعظم الأموال التي جناها في حياته، مع التركيز على أهداف ذات “مدى طويل” لحماية مستقبل البشرية.

من موظف عادي إلى ملك

بعد 3 سنوات من عمله في “جين ستريت”، استقال بانكمان، إذ كان يتطلع إلى “تحمل المزيد من المخاطر لكسب الكثير من المال”.

وبفضل ذكائه الثاقب، اختار العمل في مجال العملات المشفرة، باعتبارها أفضل طريقة لتحقيق الثراء بسرعة.

وبدأت رحلته مع الثروة من خلال عملة “بتكوين” الإلكترونية، إذ أدرك أنها كانت تباع في آسيا بسعر أكبر مما كان عليه في الولايات المتحدة، مما جعله يحقق الكثير من الأرباح بسهولة.

وقال لمجلة “فوربس” ذات يوم: “لقد انخرطت في العملات المشفرة دون أن يكون لدي أي فكرة عن ماهية تلك النقود”.

وفي عام 2017، شارك في تأسيس شركة تجارة العملات المشفرة، ألاميدا “Alameda Research”، حيث جلب موظفين آخرين من المؤمنين بمبدأ “الكسب من أجل العطاء” الفعال. وبحسب بعض التقارير، فإنه تبرع بنصف أرباح الشركة للأعمال الخيرية.

وفي ذروة مجدها، كانت الشركة تبيع نحو 25 مليون دولار من عملة البتكوين يوميًا.

وبعد ذلك بعامين، أسس بانكمان منصة “FTX”، وهي بورصة تسمح للمستخدمين بشراء وبيع العملات المشفرة، وذلك قبل أن ينتقل بأعماله إلى هونغ كونغ.

ومن هونغ كونغ، انتقلت عمليات الشركة إلى الملاذ الضريبي الآمن في جزر البهاما، حيث اشترى بانكمان شقة فاخرة على الواجهة البحرية بملايين الدولارات.

وقد أضحى ذلك العقار الفاخر بمثابة مكتب منزلي لبانكمان مع عدد موظفيه، بالإضافة إلى أنه كان موقعا لتصوير بعض مشاهد فيلم “Casino Royale” من بطولة النجم البريطاني، دانييل كريغ، الذي اشتهر بأداء دور العميل السري، جميس بوند.

وفي سنة 2021، وصفت مجلة فوربس ذلك الثري الطموح بأنه “أغنى شاب في العشرينيات في العالم”، بثروة صافية قدرها 22.5 مليار دولار، مما وضعه في المرتبة 32 على قائمة فوربس التي تضم أغنى 400 رجل وامرأة في العالم.

كان بانكمان ثاني أكبر متبرع فردي للرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال انتخابات عام 2020.

وكان أيضًا من بين أكبر المانحين للمرشحين الديمقراطيين، ومؤيد قوي للكثير من برامجهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر من العام الماضي.

وقال ممثلو الادعاء إنه “استخدم 100 مليون دولار من ودائع منصة (FTX) المسروقة لتمويل تلك التبرعات، والتي كان يأمل أن تحفز على إقرار تشريعات صديقة للعملات المشفرة”.

ملك العملات الرقمية سام بانكمان من الثروة الفاحشة إلى الإفلاس والسجن

 

سقوط مدوٍ

بعد عام ونصف من الانهيار المفاجئ لشركته تم القبض عليه في يناير 2023 في جزر البهاماس التي شكلت مركزا لأعماله.

وفي سقوط مدوٍّ لملك العملات المشفرة، حكمَ القضاء الأميركي بسجن بانكمان لمدة 25 عاماً، ليدخل التاريخ كأحد أشهر المحتالين في تاريخ الولايات المتحدة والعالم.

وقال المدعي العام في مانهاتن “سام بانكمان فرايد خطط لواحدة من أكبر عمليات النصب والاحتيال في تاريخ الولايات المتحدة، عملية احتيال بمليارات الدولارات”.

وساعد في سقوط بانكمان فرايد في قاعة المحكمة أعضاء سابقون من دائرته المقربة، بما في ذلك صديقته إليسون، التي عملت كرئيسة تنفيذية لشركة ألاميدا، بالإضافة إلى زملاء السكن في الكلية.

واتُهم بانكمان باستخدام ودائع في بورصة العملات المشفرة بقيمة (8.2 مليار جنيه استرليني) لتمويل استثماراته وسيواجه محكمة وتهم جديدة تتعلق بغسيل الأموال ورشاوى قدمت لساسة أميركيين، فيما ينتظر عملاء FTX أموالهم المجمدة والتي تقدر بـ 8.7 مليار دولار.

بموجب الحكم، سيتم دفع تلك المبالغ على مدار فترة من الزمن، وهناك احتمالات بمطالبة بانكمان فريدمان بتسليم جميع الأصول التي يمتلكها